الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
حديث «الكبائر: الإشراك بالله..» ، «من الكبائر شتم الرجل والديه!»
تاريخ النشر: ١٦ / ربيع الآخر / ١٤٢٨
التحميل: 1520
مرات الإستماع: 4830

الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أورده المصنف -رحمه الله- في باب "تحريم العقوق وقطيعة الرحم" :

ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما، عن النبي ﷺ قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس[1]رواه البخاري.

الكبائر عرفنا المراد بها، وعرفنا أن الذنوب منها ما هو صغار ومنها ما هو كبار، وقوله ﷺ هنا: الكبائر: الإشراك بالله.. إلى آخره، هذا الأسلوب ليس فيه ما يدل على الحصر، فذكرَ النبي ﷺ جملة من هذه الكبائر، وذكر في أحاديث أخرى طائفة أيضاً من الكبائر غير الأمور المذكورة في هذا الحديث، فيُجمع ذلك، ولهذا لما ذكر النبي ﷺ السبع الموبقات -وهي من أكبر الكبائر؛ لأن الكبائر تتفاوت كما سبق- ذكر في أحاديث أخرى أيضاً أشياء؛ ولهذا جاء عن بعض السلف كابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنها إلى السبعين أقرب من السبع، فهنا ذكر النبي ﷺ الإشراك بالله ولا شك أنه أعظمها، وهو الذي إذا وُجد حبط سائر العمل، ولا ينفع صاحبه سعي وعمل وعبادة، وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88].

قال: وعقوق الوالدين وهذا هو الشاهد هنا، وذكره بعد الإشراك بالله -تبارك وتعالى، وقلنا فيما سبق: إن الله ذكر البر بعد حقه بالعبادة، وذكر العقوق بعد الإشراك، فدل على أن أعظم الذنوب وأعظم التفريط بعد التفريط في حق الله التفريط في حق الوالدين، وأن أعظم الإحسان بعد الإحسان مع الله الإحسان إلى الوالدين.

قال: وعقوق الوالدين، وعرفنا معنى العقوق، ويدخل في الوالديْن كل من كان بينك وبينه ولادة قريبة أو بعيدة، يعني الأجداد من جهة الأب والأب، والجدات كلهم من الوالديْن.

وقال: وقتل النفس، والمقصود بقتل النفس هنا المعصومة، فهذا مقيد بما جاء في النصوص الأخرى، كقوله -تبارك وتعالى: وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ [الأنعام:151] يعني قتلها، إِلَّا بِالْحَقِّ، والحق هو ما جاء في قوله ﷺ: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة[2]، وإذا جمعت النصوص أيضاً تجد أن أموراً أيضاً يحل بها القتل؛ لأن ذلك صح عن رسول الله ﷺ، كقوله: حد الساحر ضربة بالسيف[3]، وقوله: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به[4]، فيقتل بالسيف على الراجح من أقوال أهل العلم.

والمقصود بالآخر إذا كان راضياً بهذا، وهكذا ما جاء في عدد من الجرائم كقوله -تبارك وتعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ [المائدة:33]، إلى غير ذلك مما ورد في النصوص.

قال: واليمين الغموس، اليمين الغموس: هي أن يحلف الإنسان بالله وهو كاذب، ولهذا لا تتعلق اليمين الغموس بأمر مستقبل، اليمين التي تتعلق بأمر مستقبل هي اليمين التي تجب فيها الكفارة، وهي التي يعرّفها الفقهاء بأنها إلزام المكلف نفسه باسم معظم فعلَ شيء أو تركه، يقول: والله لا آكل كذا، والله لا أشرب كذا، والله لأذهبن إلى كذا، فإذا لم يفعل وجبت عليه الكفارة، لكن اليمين الغموس هي أن يحلف بالله كاذباً، يقول: والله ما أخذت مالك، والله ما له عندي من حق، وهو يكذب، والله ما اعتديت على حق فلان، فهذه قيل لها: غموس؛ لأنها تغمس صاحبها في النار، وبعضهم يقول: لأنها تغمسه في الإثم، ولا منافاة؛ لأنها إذا غمسته في الإثم غمسته في النار إلا أن يتداركه الله برحمته، قال: التي يحلفها كاذباً عامداً، سميت غموساً؛ لأنها تغمس الحالف في الإثم.

من الكبائر شتم الرجل والديه

ثم ذكر الحديث الآخر:

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -أيضاً- أن رسول الله ﷺ قال: من الكبائر شتم الرجل والديه!، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟! قال: نعم، يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه، متفق عليه.

قال: مِن الكبائر و"مِن" هنا تبعيضية، شتم الرجل والديه، والشتم: هو السب والمواجهة بالقبيح من القول، كل هذا يقال له شتم، شتم الرجل والديه قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟؛ لأن هذا لا يتصور عندهم في بيئة نظيفة، مع أنه قد يوجد من يشتم والديه مباشرة، قال: نعم، يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه، فيسب أمه[1]متفق عليه.

وفي رواية: إنّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه[2]، قيل: يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه، بمعنى أنه يكون متسبباً في سب والديه، هذا هو المعنى، وإذا كان متسبباً فإنه يكون متحملاً للوزر، مع أنه ما باشر ذلك، لعن الله من لعن والديه، مع أن اللعن صدر من الطرف الآخر، لكن لمّا كان هو المتسبب بهذا لحقه اللعن، وكذلك قال الله -تبارك وتعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108]، يعني لا تتسببوا إلى سب الله -تبارك وتعالى- بسب آلهة المشركين، فإنكم إن فعلتم فإن هؤلاء لن يسكتوا، وسيؤدي ذلك إلى سب الله ، فيكون الإنسان متسبباً بهذا المنكر العظيم، مع أن سب آلهة المشركين لا إشكال فيه، وهذا أصل كبير في سد الذرائع إلى الباطل والمنكر، فهذا أحد الأدلة التي يستدل بها العلماء -رحمهم الله- على هذا الأصل.

ضرورة النظر في مآلات الأمور

ولذلك يقال: إن أفعال المكلفين تعتبر فيها المآلات، ولابد من النظر في مثل هذه الأشياء، فالإنسان قد يفعل الفعل في ظاهره أنه لا إشكال فيه، لكن إذا نظر إلى المآل وما يؤدي إليه من النتائج فإنه بهذا الاعتبار يكون منكراً ومعصية ونحو ذلك، مثل ماذا؟

الآن لو جاء إنسان ينصح آخر، ينكر على إنسان، يقول له مثلاً: يا فلان، لا تدخن، مثلاً، ويعرف أن هذا الإنسان سفيه جدًّا، وأنه إن قال له ذلك ووجه إليه هذه النصيحة أنه سيسب الدين، ويسب الله ، وسيسب الرسول ﷺ، وسيصدر منه ما لا يليق، فمثل هذا لا يُكلَّم، فقبل أمس أحد الأشخاص يقول عن أبيه: إنه يسب الله ورسوله ﷺ ويسب الدين صباح مساء؛ لأتفه الأسباب، إذا نُصح سب الله، سب الرسول ﷺ، سب الدين، يقول: ما الحل؟ الحل: أنه ما يكلم، لا تكلموه في شيء، اتركوه، لا تعينوا الشيطان عليه، ولا تتسببوا في وقوع هذه الجرائم العظيمة منه، فهذا لا يُكلَّم عن شيء، كثير من الناس يقول: أنا آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وليس لي شأن بعد ذلك بالنتائج، أنا أمرت بمعروف ونهيت عن منكر، نقول له: لا، هذا ليس صحيحاً، لابد من النظر إلى النتيجة، ولا يكون فعلك من المعروف حتى يكون الذي ينتج عنه إما تكثير المصالح أو تقليل المفاسد، لكن إذا أزلت منكراً صغيراً وتسبب عن ذلك إزالة معروف كبير فهذا من الصد عن سبيل الله، إذا نهيت عن منكر، أو أقمت معروفاً صغيراً وتسبب هذا بإيجاد منكر أعظم منه فهذا يكون من الصد عن سبيل الله -تبارك  وتعالى، وكثير من الناس لا يفقه هذه القضية، ويقول: نحن ننظر بما تعبدنا الله به من العمل المعين، وليست النتائج من شأننا، النتائج على الله ، نقول: لا، أنت مطالب بالنظر في النتائج، فإذا كان يغلب على الظن أن يترتب على هذا القول أو الفعل مفسدة أكبر فإنه لا يجوز لك أن تقدم عليه، حرام، ويكون أمرك بالمعروف يكون من قبيل المنكر، ونهيك عن المنكر يكون من قبيل التسبب بالمنكر، قد تأتي لشخص وتكلمه، تقول له: يا أخي هذه الملابس لا تصلح في المسجد، والرجل هذا يحارب المساجد، ويترك الصلاة، ويُضرب عن عبادة الله، صار هذا منكرًا الآن، فمثل هذا إذا غلب على ظنك أن هذا بهذه المثابة فلا يُؤمر ولا يُنهى بهذه القضية، يأتي بعض الناس ويتصرفون تصرفات غير مسئولة، يأتي ولربما أتلف شيئاً من المنكرات التي لا يملكها، وليس له سلطان عليها، ما الذي يترتب على هذا؟ مفاسد أعظم، فهذا لا يجوز، وأما الأشياء العظيمة الكبيرة مثل ما يحصل في هذه الأيام في كل يوم ونحن نطّلع على شيء جديد فهذا لا شك أنه من أعظم المنكرات، يأتي إنسان وفي زعمه أنه يصلح ويريد أن يزيل منكراً من المنكرات ثم بعد ذلك يترتب على هذا حرب الدين من أوله إلى آخره في بقاع الأرض، حرب المناهج، والضغط على البلاد الإسلامية في تغيير مناهجها، وحرب إعلامية، وحرب على التبرعات والجمعيات الخيرية، وإقفال هذه الجمعيات، وحرب على الدعوة إلى الله ، وحرب على جمعيات تحفيظ القرآن، وحرب لكل خير في المجتمع، تُعطّل الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى- في مشارق الأرض ومغاربها من أجل تصرفات يظن صاحبها أنه على شيء، فهذا من أعظم المنكرات، وهو صدٌّ عن سبيل الله، قصد صاحبه ذلك أو لم يقصد، القصد شيء آخر، قصده هذا بينه وبين الله ، لكن نحن نعتبر ونحكم بالأفعال ما الذي يترتب عليها، وانظر إلى ما يجري في بلاد الله ، والعاقل من وعظ بغيره، يعني في مصر كم حصل منذ أكثر من خمس وعشرين سنة من أعمال كثيرة، ماذا ترتب عليها من المصالح؟ هل قلّ الشر؟  

أبداً، ما قلّ، هل تحقق مقصود مَن عمِلَ ذلك؟

لم يتحقق شيء منه إطلاقاً، ثم بعدُ لمّا يجد الطريق مسدودًا بعد عشرين سنة أو خمس وعشرين سنة، ويحبس، وتضيق به الدنيا، يطلع لك في مراجعات لربما كان على الطرف 180 درجة، يعني يقال: ليتك توسطتَ على الأقل، لا داعي للانحراف السابق، ولا داعي للانحرافات الجديدة، فالاعتدال في الأمور هو المطلوب، وهكذا كل يوم نقع وبكل بساطة يقول لك: تجربة، كانت تجربة، هي بهذه البساطة الأمة تجرِّب عليها، مصالح الأمة وقضاياها الحيوية بهذه البساطة، تجربة، هي كانت تجربة، وهكذا انظر ماذا حصل في الجزائر، قُتل أكثر من مائة وخمسين ألفًا، والمعوقون أكثر من سبعين ألفًا، وماذا حصل؟ هل حصل مقصود هؤلاء؟

لم يحصل، وإنما حصلت مفاسد عظيمة جدًّا، وتلاشت الدعوة إلى الله ، وصار الأعداء يشمتون بنا، ويتفرجون على إيقاعنا بأنفسنا، وما يحصل من ألوان المفاسد.

نسأل الله أن يلطف بنا، وأن يهدينا للحق وأن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن لا يجعله ملتبساً علينا فنضل، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، برقم (90).
  2. رواه البخاري، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه، برقم (5973).

مواد ذات صلة