الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث «ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟»
تاريخ النشر: ٢٦ / جمادى الأولى / ١٤٢٩
التحميل: 1728
مرات الإستماع: 18746

ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب فضل الجوع وخشونة العيش أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أبي هريرة قال: خرج رسول الله ﷺ ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا، والذي نفسي بيده، لأخرجني الذي أخرجكما، قوما فقاما معه، فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا. فقال لها رسول الله ﷺ: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله ﷺ وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا، وأخذ المدية، فقال له رسول الله ﷺ: إياك والحلوب فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله ﷺ لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: والذي نفسي بيده، لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم. رواه مسلم.

ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟، يعني: أنها ساعة ما اعتادوا الخروج فيها، قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا، والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوما، فقاما معه، فأتى رجلاً من الأنصار فإذا هو ليس في بيته، فلما رأتهم المرأة قالت: مرحباً، يعني: نزلتم على الرحب والسعة وأهلاً، يعني: نزلتم على الأهل، فقال لها رسول الله ﷺ: أين فلان؟ قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، يستعذب الماء يعني: أنه يطلب لهم الماء العذب الذي يشربونه، إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله ﷺ وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحدٌ اليوم أكرم أضيافاً مني، وصدق ، أفضل ثلاثة في هذه الأمة من أولها إلى آخرها، النبي ﷺ وأبو بكر وعمر، خرجوا ما أخرجهم إلا الجوع، فانطلق فجاءهم بعذق فيه بُسر وتمر ورُطب، العذق معروف هو القِنو من النخل فيه بُسر، وهو الذي صار لونه إلى الصفرة أو إلى الحمرة، فيه بُسر وتمر ورُطب، وهذا الذي يكون قد نضج، فقال: كلوا، وأخذ المُدية، يعني: السكين، فقال له رسول الله ﷺ: إياك والحلوبَ، يعني: لا تذبح شاة حلوباً؛ لأنه ينتفع بحليبها، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، وهذا يدل على أن الإنسان إذا وجد الطعام الطيب أكل منه، فكان النبي ﷺ يأكل مما يجد، لكن ما كان ﷺ يسخر حياته -وحاشاه من ذلك- من أجل طعمة يأكلها، أو شربة يشربها، وإنما كان ﷺ يعيش كما يعيش كثير من الناس في ذلك الزمان، إن وجد أكل، وإن لم يجد صبر، وهذا يدل أيضاً على أنه يمكن أن يقدَّم للضيف ما يكون قرى له، مما يدل على الكرم والجود، دون أن يكون فيه إسراف، يعني: هؤلاء ثلاثة، وقدم لهم شاة كاملة، مع عذق كامل من الرطب، يعني: ما اجتنى لهم بعض الثمر ووضعه لهم في صحن، قطع عذقاً وجاء به، وذبح لهم شاة كاملة، فهذا لا إشكال فيه، وهو من الكرم إذا كان ذلك ليس على سبيل المباهاة والمفاخرة، ولم يكن ذلك مما يكون فيه التضييع للمال، يعني: إذا كان هذا سيؤكل فلا إشكال في هذا، وإبراهيم ﷺ لما جاء أضيافه من الملائكة، فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذاريات:26].

فالشاهد قال: فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله ﷺ لأبي بكر وعمر -ا: والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم[1]، رواه مسلم.

خرجوا من بيوتهم بسبب الجوع، ما في البيوت شيء، فأكلوا حتى شبعوا وهم خيار أهل الأرض، فقال: والذي نفسي بيده لتسألن يوم القيامة عن هذا النعيم، فكيف بالذي يأكل صباح مساء من ألوان نعم الله  حتى يشبع، ولا يمر عليه يوم في حياته يخرج من بيته من شدة الجوع، ثم بعد ذلك لا تراه إلا في حال من اللهو والغفلة والطرب والتضييع والمعصية، أين هذا من هذا؟!.

يأكل وهو يشاهد قنوات فيها أشياء محرمة ونساء وعُري، وسادر في غفلته، والمعازف على رأسه، والكلام الباطل يسمعه بأذنه، ويتكلم بفيه ويضحك، وينام ملء جفنيه عن الصلوات، تضييع للجمع والجماعات، فماذا نقول أيها الأحبة مع هذا كله، مع هذه الغفلة والتضييع والتقصير واللهو، مع هذه النعم التي أفاضها الله علينا؟، النبي ﷺ وأصحابه مع ما هم فيه من العبادة والاجتهاد والزهد والبذل وألوان المجاهدات، ومع ذلك يقول لهم هذا الكلام لتسألن، فأيضاً نحن من باب أولى، والله يقول: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ۝ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ۝ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ۝ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ۝ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ۝ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ [التكاثر:1-8]، لتسألن يعني: هذا قسم مقدر، والله لتسألن؛ لأن اللام هذه لام القسم، والله لتسألن يومئذ عن النعيم، والنعيم كما في الحديث الذي ذكرته في بعض المناسبات أن الله يقول: "يا ابن آدم، ألم نروك من الماء البارد"[2].

فهذا من النعيم الذي يُسأل الإنسان عنه،يسأل عن هذه الثياب، يسأل عن هذا الهواء البارد، يسأل عن هذه الأماكن النظيفة التي نعيش فيها الآن، في هذه المحلات الواسعة من المراكب والمساكن، انظروا إلى بيوت السابقين تجد البيوت بحجم غرفة من غرفنا اليوم، غرفة واحدة البيت بكامله، كيف كانت حياتهم والحشرات بينهم، والحر الشديد، ونحن اليوم لو انقطعت الكهرباء ساعة واحدة في الليل أو في النهار لكانت الحالة مستعصية، أليس كذلك؟ لو انقطعت الكهرباء ساعة واحدة ما الذي يحصل؟ أزمة، تُعلن حالة الطوارئ والنفير العام الصغير والكبير، هم حياتهم كلها هكذا، ومع ذلك النبي ﷺ يقول: لتسألن يومئذ عن النعيم.

فأسأل الله أن يلطف بنا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك، وبتحققه تحققا تاما، واستحباب الاجتماع على الطعام، (3/ 1609)، برقم: (2038).
  2. أخرجه الترمذي، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة ألهاكم التكاثر، (5/ 448)، برقم: (3358)، بلفظ: ألم نصحّ لك جسمك، ونرويك من الماء البارد، وابن حبان في صحيحه (16/ 365)، برقم: (7364)، بلفظ: ألم أصحح جسمك وأرويك من الماء البارد، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 406)، برقم: (2022).

مواد ذات صلة