الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
مقدمة عن الباب
تاريخ النشر: ٠٢ / صفر / ١٤٣١
التحميل: 1391
مرات الإستماع: 1800

مقدمة باب إكرام الضيف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

قال المصنف -رحمه الله: باب إكرام الضيف.

والضيف معروف، وهو من نزل بك، وهذا اللفظ يصدق على الواحد والجمع، تقول: هذا ضيف، للواحد، وتقول للجماعة: ضيف سواء كان بالإضافة، أو من غير إضافة، ولوط قال لقومه: هَؤُلَاءِ ضَيْفِي [الحجر:68]. أي: أضيافي، يعني: الملائكة، كانوا على هيئة رجال.

والله يقول: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ [الذاريات:24]، أي: أضياف إبراهيم.

وإكرام الضيف عبادة ودين، ولهذا يذكره المصنفون -رحمهم الله- في كتبهم في السنة والأدب، كما في هذا الكتاب.

وقد يغفل الإنسان عن مثل هذه المعاني، ولابد من تذكرها واستشعارها للقيام بحقوق أهلها وأصحابها، وإصلاح النية في ذلك، والاحتساب عند الله .

حق الجار، حسن الخلق، إكرام الضيف، وغير ذلك من الموضوعات، كل ذلك من الدين، فالإنسان المتدين حقيقة -أيها الأحبة- هو الذي يحقق أمر الله ما استطاع.

فعلى قدر تحقيق هذه العبوديات على قدر ما يكون للعبد من معنى التدين، وما نقص من ذلك نقص من تدينه ولابد.

فإكرام الضيف حق من حقوق العباد، يؤجر الإنسان عليه، وإذا طغت النزعة المادية على الناس في مكان، أو في زمان، في عصر من العصور، غابت عنهم هذه المعاني؛ لأنهم يحسبون المسائل حسابات مادية بحتة، هذا الضيف، كم سيستغرق من الوقت؟ كم سأبذل له من القِرى؟ كم سينقص من ميزانية الشهر؟ إلى غير هذا من حسابات الشح والبخل، وقلة المروءات.

عبادة يؤجر الإنسان عليها، نحن قد ننفق الأموال في أشياء لا تجدي عنا نفعًا، وإذا جاءت الحقوق بدأ الإنسان يحسب، إذا غلبت النزعة المادية عند قوم صار الإنسان يعيش لنفسه، حتى أقرب الناس إليه، الولد أو البنت إذا بلغ الثامنة عشرة في المجتمعات الغربية لابد إذا أراد أن يبقى في بيت أبيه أن يدفع رسومًا في مقابل الكهرباء، وسكنى الدار، وما يأكله من الطعام، رسوم تدفع للأب، إلى هذا الحد!، هذا الولد، والبنت؟، تذهب في أحضان الذئاب، فكيف بالجار؟ كيف بالبعيد؟.  

ولذلك فإن من جاور هؤلاء -كما سمعنا كثيرًا- إذا قدم لهم شيئًا من طعام، أو هدية، أو نحو ذلك، تعجبوا واستغربوا، وجلسوا ينظرون إليه نظرات استغراب يتساءلون، ماذا يريد من وراء ذلك؟ يريد أن يصل إلى ماذا؟ ما هي الخطوة التالية بعد هذه الهدية؟ ما اعتادوا على ذلك، أخلاق بائسة، يدخل اثنان أصحاب إلى مطعم، أو وجبات سريعة، أو غير ذلك هذا يدفع دولارًا للشيء الذي اشتراه لنفسه، وهذا يدفع دولارًا لنفسه، نحن عندنا قتال عند المحاسبة، كل واحد يقول: أنا، هناك ما يعرفون هذا الكلام، وليس في ثقافتهم، ولذلك بعض الذين يتشبهون بهم، ويقولون: أصول الإتيكيت، يجلسون -وهم من الشباب- أحيانًا في بهو أو نحو ذلك، في فندق يشربون كوفي شوب، فإذا كان واحدٌ لا زالت فيه علائق هذه الأخلاق والمروءات، وكلما دخل واحد من أصحابه قام مسرعًا ليأتي له بشيء أو بشراب، أو نحو ذلك، نهاه بعض أصحابه، قال: لا تفشلّنا، هذه خلاف أصول الإتيكيت، أصول الإتيكيت هو يروح يشتري ويجلس، شُغل البداوة هذا خليه عنك.

وتسمع بعض العبارات، فلان يدعوك إلى بيته، فالآخر يقول: لا تستجب له، هذا فيه بداوة ما عنده إلا ذبيحة، الكرم صار بداوة، المروءة صارت بداوة، والبخل والشح صار إتيكيت.

ولا غرابة، الآن نصبح فنرى الأشكال المنكرة في قصات الشعور واللباس، أشياء لا يرضاها إنسان له عقل فضلًا عن الدين، أصبحت مستساغة عند كثير من الشباب، وليس من أذهانكم ببعيد -أكرمكم الله- تلك البناطيل التي لا تستر العورة، هذه يلبسها أحد يا جماعة؟!.

لا منظر، ولا حياء، ولا شيء، ويوجد من يستحسن هذا ويلبسه، وعورته مكشوفة، أحيانًا تقول: هو غافل، ما هو منتبه، يحتاج أن ننبه، ثم تكتشف أن هذا إتيكيت، يعني: ما بعد هذا شيء، فإلى الله المشتكى.

أقول: هذه الأخلاق من ديننا، إكرام الضيف، إكرام الجار، الإحسان إلى الجار، الإحسان إلى الأهل، الخدم، المماليك، الأولاد، ولهذا ما كان يوجد في بلاد المسلمين الفنادق والشقق المفروشة، والمطاعم، ما كان يُعرف هذا، وما يوجد في كتب الفقه من لفظة الفنادق في بعض كتب المالكية لا يقصدون بها الفنادق هذه، يقصدون بها شيئًا آخر، إنما الاتفاق في الاسم فقط، وأول ما عرفت المطاعم في البلاد الإسلامية عرفت في مصر لما جاء الاستعمار، جاء الفرنسيون، ثم جاء الإنجليز، فوضعوا المطاعم، هم كانوا يريدون الدوام والبقاء في مصر، فمن أجل أن الجند لا يعتدون على أحد من الأهالي، فيسبب نفورًا، وضعوا هذه المطاعم، من أجل أن الأجناد يذهبون ويأكلون فيها بالثمن، ولا يتعرضون للأهالي، فلا يحصل أي ردود أفعال عند المصريين.

أول ما عرفت المطاعم عرفت في مصر، وانظر إلى انتشارها اليوم، وكذلك الفنادق والشقق المفروشة انظر إلى انتشارها اليوم، وإلى عهد قريب كان الناس يذهبون إلى قراباتهم وينزلون بهم، وإلى معارفهم وينزلون بهم أضيافًا الليالي، والأيام الطوال.

والآن الرجل لا يسكن عند أخيه، إذا ذهب إلى بلد ليزور أهله، أو نحو ذلك، لا يسكن عنده، يسكن في فندق، أو في شقة مفروشة؛ لأن الناس غلبت عليهم النزعة المادية، والانهماك في هذه الحياة التي أشغلتهم عن كثير من الحقوق والمروءات، فتجد الإنسان يقول: لماذا أثقل عليهم؟.

مع ما وسع الله على عباده، وأدرّ عليهم من الأرزاق، وتوفرت السبل والأسباب التي يجدون فيها بغيتهم وحاجتهم، لكن كان الناس إلى عهد قريب جدًّا لا ينزلون إلا بقراباتهم ومعارفهم، ضيوفًا، ولا زال هذا موجودًا في بعض البيئات إلى اليوم، وعندهم أن من العيب وقلة المروءة أن يأتي الضيف، ويسكن في مكان آخر، لابدّ أن يسكن عنده، ويتوارد الضيوف عند هذا الإنسان الذي ربما كانت عادتهم هكذا، ولا زالت فيهم هذه البقية، لاسيما إذا سكن في محل كالمدينة أو مكة، فيأتيه قومه وأهله وعشيرته ومعارفه، وكل أحد يظن أنه وحده الذي قد جاء إليه، فيجتمع في بيت أحيانًا -لاسيما في أوقات المواسم- خلق مع أسرهم.

فأقول: هذه معانٍ نحتاج إلى أن نستشعرها، عبادة، هذا شيء نتقرب إلى الله به، نستبشر به، نفرح به، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه[1].

فهذه عبودية، لا تخضع للحسابات المادية، هذه الحسابات التي يحسبها عديم المروءة، نحن نقول: ملغاة بقوله ﷺ عن الملكين حين ينزلان في كل يوم: فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً[2].

فهذا من الإنفاق في وجوه البر، ويُخلَف على الإنسان، ويعوَّض، والكريم يسوق الله -تبارك وتعالى- إليه من ألطافه، ورزقه من حيث لا يحتسب، والذين يحسبون الملِّي، هؤلاء ماذا جنوا وماذا حصلوا؟  

كثير من هؤلاء إذا تأملت في حاله، وجدت المركب دون، والمسكن دون، واللباس دون، على ماذا هذا الإمساك وهذا التقتير وحساب الهللة والريال؟ أتعجب من بعض الناس يكتشف أنه نقص من محفظته خمسون ريالا أو عشرة ريالات، كيف يعرف؟ لست أدري كيف يعرف هذا، هو كل يوم يحسب الريالات؟  

وإذا استيقظ أو قام أو نحو ذلك فتح وبدأ يحسب من جديد، وقد يكون يملك الملايين، أعرف أشياء من هذا مما يشكوه بعض النساء من أزواجهن، وبعضهم يعرف الهلل الذي ينقص من حسابه في البنك، قد يحصل أحيانًا بعض الاختلاس، ويكتشف الهلل، وهو يملك الملايين، وآخرون لو أُخذ منهم عشرات الآلاف ما علموا، وليس من كثرة، لكن ما يحسب، والله يسوق إليه الألطاف، وسوْق الألطاف ليس معناه أن الإنسان يجتمع عنده الأموال الكثيرة التي لا ينتفع بها، ويموت وقد تركها، لا، إنما لا يحتاج الآخرين، أحواله مستقيمة مسددة، ليس لأحد عليه يد وفضل ومنة بعد الله -تبارك وتعالى، هذا هو المطلوب، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟[3]. والباقي ميراث.

فأقول: مثل هذه المعاني وهذه الجمل -أيها الأحبة- نحتاج إلى استشعارها، وأننا في عبادة، والحمد لله، ما دام الإنسان في عبادة.

أعود المريض وأنا في العبادة، ما أعتبرها مغرمًا وأذهب كأنما يقاد الإنسان إلى الموت وهو ينظر، من أجل تسجيل حضور.

فيها أجر عظيم ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح[4].

فاستشعِرْ هذا المعنى، الصلاة على الجنازة، التعزية، كل هذه فيها عبادات جليلة، ما يعتبرها الإنسان مجردَ تسجيل حضور وعبئًا يريد أن يلقيه عن كاهله.

وقل مثل ذلك في إكرام الضيف، الإنسان قد يسمع أحيانًا أشياء يعرق لها الجبين من قلة المروءات، وأشياء تنبئ عن ضيق النفس في مثل هذه الأمور.

والله المستعان، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب إكرام الضيف، وخدمته إياه بنفسه (8/ 32)، رقم: (6135)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف، ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون ذلك كله من الإيمان (1/ 68)، رقم: (47).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ۝ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ۝ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل:5-7] اللهم أعطِ منفق مال خلفا (2/ 115)، رقم: (1442)، ومسلم، باب في المنفق والممسك (2/ 700)، رقم: (1010).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق (4/ 2273)، رقم: (2958).
  4. أخرجه الترمذي، أبواب الجنائز، باب ما جاء في عيادة المريض (3/ 291)، رقم: (969).

مواد ذات صلة