الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
[24] من قول الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} الآية 179 إلى قوله تعالى: {يَهْدُون َبِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} الآية 181
تاريخ النشر: ١٧ / ذو الحجة / ١٤٢٧
التحميل: 2869
مرات الإستماع: 2253

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى:

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [سورة الأعراف:179].

يقول تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ: أي: خلقنا وجعلنا لجهنم كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أي: هيأناهم لها وبعمل أهلها يعملون، فإنه تعالى لما أراد أن يخلق الخلق علم ما هم عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو -ا- أن رسول الله ﷺ قال: إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء[1] والأحاديث في هذا كثيرة ومسألة القدر كبيرة ليس هذا موضع بسطها.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذه الآية استدل بها أهل السنة والجماعة على مسألة القدر وأن الله -تبارك وتعالى- قدر مقادير الخلائق منذ الأزل، وهي كقوله -تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ [سورة التغابن:2]، على أحد المعنيين للآية، وذلك أن الله منذ خلقهم، خلق قوماً للجنة، قبض قبضة فقال: هذه للجنة ولا أبالي، وقبض قبضة فقال: هذه للنار ولا أبالي، فمن كتب الله أنه من أهل النار فإنه يعمل بعمل أهل النار أو يختم له بعمل أهل النار، كما في الحديث: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة[2] إلى آخره، بخلاف قول المعتزلة الذي يقولون: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ [سورة الأعراف:179] أي: ألقينا، من تذروه الرياح، أي: تلقيه، وهذا باطل، والأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة تدل على خلاف هذا، والله خلق الخلق وهو أعلم بهم.

وقوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا يعني: ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [سورة الأحقاف:26]الآية، وقال تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ [سورة البقرة:18]، هذا في حق المنافقين، وقال في حق الكافرين: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [سورة البقرة:171]، ولم يكونوا صماً ولا بكماً ولا عمياً إلا عن الهدى، كما قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ [سورة الأنفال:23].
وقال: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [سورة الحـج:46]، وقال: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ۝ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ [سورة الزخرف:36، 37]، وقوله تعالى: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ[سورة الأعراف:179] أي: هؤلاء الذين لا يسمعون الحق ولا يعونه ولا يبصرون الهدى، كالأنعام السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها إلا في الذي يقيتها في ظاهر الحياة الدنيا، كقوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء [سورة البقرة:171]، أي: ومثلهم -في حال دعائهم إلى الإيمان- كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلا صوته ولا تفقه ما يقول، ولهذا قال في هؤلاء: بَلْ هُمْ أَضَلُّ أي: من الدواب؛ لأنها قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبس بها وإن لم تفقه كلامه بخلاف هؤلاء، ولأنها تفعل ما خلقت له إما بطبعها وإما بتسخيرها، بخلاف الكافر.

الله  خلق الأنعام ولم يجعل لها عقولاً، فهي بهذه المنزلة، وأما الكافر فقد أعطاه الله عقلاً ومع ذلك لم ينتفع به فصار أحط من البهيمة، مع أن البهيمة قد تعي بعض ما يتصل بمصلحتها وشأنها كما إذا أبس بها، إذا قال لها: بِس، بِس، يدعوها إلى العلف أو نحو هذا، أو يزجرها عن شيء، أي: ساقها وزجرها يقول لها: بِس بِس، بكسر الباء وبضمها أيضاً، نعم ليزجرها أو يدعوها لشيء.

ولأنها تفعل ما خلقت له إما بطبعها وإما بتسخيرها بخلاف الكافر، فإنه إنما خُلق ليعبد الله وليوحده فكفر بالله وأشرك به، ولهذا من أطاع الله من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر به من البشر كانت الدواب أتم منه، ولهذا قال تعالى: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ.

هذه الآية هي وصف لأهل النار في الحياة الدنيا لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا، فهم لا يفقهون حقائق ما جاء به الرسول ﷺ، لا فقه عندهم، أفهامهم معكوسة وقلوبهم متعلقة بهذه الحياة الدنيا، ليس لهم نظر وراءها، فمهما رأوا وشاهدوا دلائل الحق وبراهينه، فإنهم لا ينتفعون بها لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا مهما سمع من الآيات والمواعظ والعبر والعظات فكأنه لم يسمع، والإنسان إذا عرف أن هذه الصفة من صفات أهل النار فإنه يرجع إلى نفسه وينظر هل هو متصف بشيء منها؟ لئلا يكون مشابهاً لهؤلاء، وهذه الحواس السمع والبصر والفؤاد يدور عليها العلم والمعرفة والفهم، فالسمع والبصر آلتان وميزابان يصبان في القلب، والوعي للقلب، وذلك إنما يكون بهذه الوسائط، فبها يقتبس الأمور التي يعيها، كما قال الله : وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [سورة الإسراء:36]. 

والناس يتفاوتون تفاوتاً كبيراً في الانتفاع بما يشاهدون وما يسمعون، فمن الناس من ينتفع بكل ما يراه ويعتبر به، فمِن السلف مَن كان إذا جاء في وليمة فجاء من يدور عليهم بالطعام أو بالشراب بكى، فإذا سئل عن بكائه قال: تذكرت قول الله : وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ [سورة الإنسان:19] تذكّرَ نعيم أهل الجنة، وإذا انطفأ السراج بكى، فإذا أوقد السراج شوهدت دموعه على لحيته، وكان سبب بكائه أنه تذكر القبر وظلمته. 

وقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله: "ولهذا من أطاع الله من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر به من البشر كانت الدواب أتم منه"، هذه المسألة أي كون الإنسان المطيع أشرف من الملائكة، بدليل أن الله أسجد الملائكة لآدم -عليه الصلاة والسلام، وما شابه ذلك مما يستدل به القائلون بمثل هذا، هي مسألة لا طائل تحتها، ولا ينبغي الاشتغال بها.

وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [سورة الأعراف:180].

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر[3]. أخرجاه في الصحيحين، وأخرجه الترمذي في جامعه مثله.

قوله: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى الحسنى أي: البالغة في الحسن غايته، فهي حسنى من حيث الألفاظ، ليس فيها اسم يستقبح عند سماعه وإن كان معناه حسناً، وهي أيضاً في غاية الحسن من ناحية المعاني؛ لأن كل أسماء الله مشتقة، فهي تتضمن أوصافاً من أوصاف الكمال، منها ما يتضمن صفة، ومنها ما يجمع جميع صفات الكمال، فهي حسنى من هذه الحيثية، وهي كثيرة جداً، وقد ذكر بعض أهل العلم كابن العربي أن من العلماء من جمع من الكتاب والسنة ألف اسم، وهي ربما لا تبلغ هذا؛ لأن من العلماء من يجمع طائفة كثيرة من الأوصاف ويجعلها من جملة الأسماء. 

ومسألة الأسماء وتحديد الضابط الذي يضبطها بحيث يميزها عما هو صفة أو فعل لله ، أو نحو ذلك، قد يصعب أن يؤتى بضابط دقيق يميزها؛ ولذلك العلماء -رحمهم الله- يختلفون في بعض الأسماء إذا حاولوا جمع الأسماء الواردة مثلاً في القرآن والسنة، فتجدهم يتفاوتون، منهم من يذكر بعض الأسماء، ومنهم من لا يذكرها، والله تعالى أعلم.

وقد جمع الحافظ ابن حجر -رحمه الله- من القرآن تسعة وتسعين اسماً، من أجل أن يوافق قول النبي ﷺ: إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وأما الحديث الوارد في هذا عند الترمذي والحاكم وغيرهما، فإن سرد الأسماء لا يصح؛ ولهذا قال ابن حزم بأنها مضطربة، وضعفها المحققون كالحافظ ابن كثير -رحمه الله- والحافظ ابن حجر -أي أحاديث سرد الأسماء، فهي روايات مدرجة.

أما حديث إن لله تسعة وتسعين اسماً فإنه حديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، ومعنى من أحصاها دخل الجنة أي: أن أسماء الله كثيرة جداً، من هذه الأسماء هذا القدر الذي هو تسعة وتسعون له مزية، وإلا فأسماء الله لا تحصى؛ لأنه ورد في الحديث: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك[4]، فأخبرنا الله عن جملة كثيرة من أسمائه في الكتاب، وكذلك أخبرنا النبي ﷺ، لكن هذا الحديث ليس فيه الحصر، ليس فيه ما يدل على أن أسماء الله هي هذا العدد فقط إطلاقاً، ومعنى أحصاها يعني: بالعد عرفها وفهم معانيها، وما دلت عليه من أوصاف الكمال، وتعبد الله بمقتضاها، فهذا كله داخل في الإحصاء.

 وقوله: فَادْعُوهُ بِهَا يدخل فيه دعاء العبادة ودعاء المسألة، دعاء المسألة أن تدعو بكل اسم بما يناسب الحال، فتقول: يا رحمن ارحمني، يا غفور اغفر لي، يا تواب تب عليّ، تب علي يا رب إنك أنت التواب الرحيم، هذا هو المناسب، وأكثر دعاء الأنبياء في القرآن رَبَّنَا بذكر الرب -تبارك وتعالى، وقد ذكر الشاطبي في الموافقات أن ذلك يرجع إلى أن إجابة دعاء الداعين وإعطاء السائلين، كل هذا من معاني الربوبية، فيقال: يا رب يا رب، فالرب هو المتصرف المدبر الرازق المعطي، ولا يقال: يا منتقم اغفر لي؛ لأنه غير مناسب، وكذلك دعاء العبادة، أن يتعبد الإنسان لله بمقتضاها، فإذا عرف أن الله -تبارك وتعالى- هو القوي المتين فإنه سيتوكل عليه، إذا عرف أن الله -تبارك وتعالى- هو الغفور الرحيم فإنه لا يقنط ولا ييأس من رحمته، وإنما يلجأ إليه ويتوب إليه وهكذا، فيعبد ربه بمقتضى هذه الأسماء، فيدخل فيه دعاء العبادة ودعاء المسألة.

ثم ليعلم أن الأسماء الحسنى غير منحصرة في تسعة وتسعين، بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله ﷺ أنه قال: ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدل مكانه فرحاً فقيل: يا رسول الله أفلا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها[5].

على كل حال الحديث بهذا السياق لا يخلو من ضعف فيه؛ لجهالة أحد رواته.

وقال العوفي عن ابن عباس -ا- في قوله تعالى: وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ، قال: إلحاد الملحدين أن دعوا اللات في أسماء الله.

وقال ابن جريج عن مجاهد: وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ قال: اشتقوا اللات من الله، والعزى من العزيز.

وقال قتادة: يُلْحِدُونَ: يشركون في أسمائه، وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر.

الإلحاد في اللغة هو: الميل، كما ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله، والمقصود بالإلحاد في أسمائه: العدول بها عن حقائقها ومعانيها وما دلت عليه من الحق الثابت لها، ويكون بالزيادة، كمن يسمي الله بغير ما سمى به نفسه، وهذا فيه إساءة للأدب مع الله ، فبعض طوائف أهل البدع يقولون: إن من أسمائه واجب الوجود، أو العقل الفعال وغيرها من الأسماء التي اخترعوها. 

ويكون الإلحاد بالنقص كجحود بعض أسماء الله ، أو ما دلت عليه من الأوصاف كالذي يثبت الأسماء ويقول: إنما هي أعلام محضة، كما يقوله طوائف من أهل البدع، وبه قال ابن حزم، فتجهموا، ويكون أيضاً بالتحريف لمعانيها، فيصرفها عن دلالاتها التي دلت عليها وتضمنتها من الأوصاف الكاملة إلى معانٍ أخر، وهذا من أفعال أهل البدع، فعطلوا الله من صفات الكمال التي دلت عليها هذه الأسماء. 

فأهل التعطيل أهل التحريف، كل هؤلاء داخلون في هذا الإلحاد، وما ذكره طوائف من السلف من تسمية المعبودات الباطلة بها، كالعزى من العزيز إذا كان مشتقاً منه، واللات من الله، ومناة من المنّان، إن كان مشتقاً منه، فمنهم من يقول: هذه اشتقت من أسماء الله، وقيل: إنها لا تعلق لها بأسماء الله ، وهكذا تسميته بما لا يليق، فالنصارى يسمون الله أباً، وكذلك أيضاً تشبيه صفات الله بصفات المخلوقين، كل هذه المعاني داخلة في هذا الإلحاد.

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [سورة الأعراف:181]، يقول تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أي: بعض الأمم، أُمَّةٌ قائمة بالحق قولاً وعملاً، يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يقولون: هو يدعونا إليه، وَبِهِ يَعْدِلُونَ: يعملون ويقضون، وقد جاء في الآثار أن المراد بهذه الأمة المذكورة في هذه الآية هي هذه الأمة المحمدية، وفي الصحيحين عن معاوية بن أبي سفيان -ا- قال: قال رسول الله ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة[6]، وفي رواية: حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك[7]، وفي رواية: وهم بالشام[8].

ثم بعد أن ذكر الله صفة أهل النار في الدنيا قال: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، فالناس منهم من كان بتلك الصفة التي ذكر الله لأهل النار، ومنهم من يكون على حال صحيحة مستقيمة على مراد الله -تبارك وتعالى- على الصراط المستقيم، وهذا موجود في الأمم قبلنا من أتباع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، وهو موجود في هذه الأمة، والذي يظهر أن هذا لا يختص بهذه الأمة، وإن كان تحققه في هذه الأمة أكمل، لأن سياق الآيات في ذكر صفة أهل النار، ثم بعد ذلك ذكر أن من الناس من يكون على الحق والصراط المستقيم، وهذا موجود في أتباع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، -والله تعالى أعلم.

  1. رواه مسلم برقم (2653)، بلفظ: كتب الله مقادير الخلائق قبل ...، كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام.
  2. جزء من حديث رواه البخاري برقم (3154)، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً، ومسلم برقم (2643)، كتاب القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، من حديث عبد الله بن مسعود .
  3. رواه البخاري برقم (2585)، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثّنيا في الإقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم وإذا قال مائة إلا واحدة أو ثنتين، بدون زيادة: وهو وتر يحب الوتر، فهي من زيادة همام عن أبي هريرة كما عند مسلم برقم (2677)، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها.
  4. رواه أحمد في المسند (6/247)، برقم (3712) بإسناد ضعيف كما قال ذلك الإمام الدارقطني في العلل (5/201)، والحاكم في المستدرك (1/690)، برقم (1877)، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم إنْ سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه فإنه مختلف في سماعه عن أبيه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/198)، برقم (199).
  5. رواه أحمد في المسند (6/246)، برقم (3712)، وقال محققوه: إسناده مسلسل بالضعفاء، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/171)، برقم (1822).
  6. لم يأت بهذا اللفظ في الصحيحين، وإنما رواه البخاري عن المغيرة بن شعبة : عن النبي ﷺ قال: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون برقم (6881)، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم، ومسلم عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك برقم (1920)، كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم، ووردت لفظة: حتى تقوم الساعة عند الحاكم في المستدرك من حديث عمر بن الخطاب (4/496)، برقم(8389)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححها الألباني في السلسلة الصحيحة (4/455)، برقم (1956)، وفي صحيح الجامع برقم (7287).
  7. رواه البخاري برقم (7022)، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ [سورة النحل:40].
  8. رواه البخاري بالرقم السابق.

مواد ذات صلة