الثلاثاء 09 / رمضان / 1445 - 19 / مارس 2024
آداب المحتسبين
تاريخ النشر: ١٥ / جمادى الآخرة / ١٤٢٨
التحميل: 15970
مرات الإستماع: 8680

1

الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام على أشرف الأنبياء، والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيسعدني كثيراً أن نجتمع في هذا المكان الطيب الطاهر لنتحدث عن شعيرة كبيرة من شعائر الإسلام، وهي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

وأظن أن هذا الموضوع يطرح لأول مرة في دورة علمية في هذه المنطقة، طُرحت بعض الدورات لأعضاء الحسبة - وفقهم الله، وبارك في جهودهم - في مقر الهيئة، ولكن طرحه لعامة الناس هو من الأهمية بمكان.

ونحن نتحدث عن وظيفة كبيرة من وظائف العبودية، نحن نتحدث عن عمل شرعه الله وهو من شرائع الإسلام الكبرى التي لها آثار متعدية، فهو عمل يتصل بالغير، عمل له مساس بالآخرين، له مساس بمن حولك من جيرانك، وله مساس بالباعة بالأسواق، وله مساس بشهوات الناس، ورغباتهم.

ولا ريب أن من يلمس هذا الجانب فإنه سيواجه صعوبات، وعراقيل، وعقبات؛ لأن فطام النفوس عن شهواتها أمر يصعب عليها.

وحديثنا في هذه الموضوعات عن قضية الإصلاح، إصلاح المجتمع، إصلاح النفوس، وحملها على طاعة الله .

وحينما نتحدث عن الإصلاح ينبغي أن نتحدث عمن يقوم بهذا الإصلاح، فإنه لا يمكن أن يتحقق المقصود إذا تولى هذا الإصلاح من لا يحسنه، إذا قام به من لا يفقه التراتيب، والآداب، والأمور التي ينبغي أن تراعى في نفسه، وفي عمله، في سلوكه، في خطابه الذي يوجهه، في أولوياته التي يهتم بها، في طريقة التغيير، في حسن الاختيار، والتدبير، في التلطف بالناس في مواضع اللطف، والإغلاظ حيث يحسن ذلك.

فتصوروا هذا البناء الذي اجتمعنا فيه، لو أنه اختل شيء في نظامه، لو اختل هذا الجهاز، أو اختل هذا الطلاء، أو اختلت الكهرباء، أو غير ذلك، فغار بعض أهل المسجد، وأراد أن يصلح ما اختل فيه، وهو لا يحسن، ماذا تظنون لو قام بعضهم بطلاء ما اختل من طلائه، وقام الآخر بإصلاح ما اختل من إضاءته، وثالث قام بإصلاح هذه الأجهزة؟ أليس المتوقع أن يكون الخلل في ازدياد؟ أو أن يرقع ذلك على خلل، وضعف، وتقصير؛ لأن اليد التي باشرت هذا الإصلاح ليست حصيفة، ولا تحسن تعاطي هذا الجانب، ولا شك أن التخبط في التعامل مع النفوس يورث أضراراً، وآثاراً غائرة في نفوس الناس قد لا ينسونها أبداً، كلمة واحدة لربما تجعل هذا الإنسان ينتكس، لربما تجعل هذا الإنسان لا يدخل في المسجد أصلاً بعد يومه هذا، كلمة واحدة لم يحسب حسابها لربما تجعل هذا الإنسان ينقم على الدين، وعلى كل متدين، وداعية إلى الله ويحكم على الجميع بحكم واحد.

فنحن بحاجة إلى نظر، وتفكير، نحن بحاجة إلى أن نفكر ماذا نريد، أن نفكر إلى أي شيء نريد أن نصل مع هؤلاء الناس، سواء كان هؤلاء من أبنائنا في البيت، أو كان هؤلاء من جيراننا، أو من جماعة المسجد، أو كان هؤلاء من زملائك في الدراسة، أو من تدرسهم، أو من زملائك في العمل، أو غير هؤلاء ممن تحتف، وتختلط بهم في الأسواق، والمجامع العامة، وصالات الأفراح، أو من تخاطبهم من المسؤولين، وذوي الوجاهات، ماذا تريد؟  

حدد، ثم بعد ذلك كن على حال توافق هذا الهدف الذي أردت أن تصل إليه، ماذا تريد؟

هل تريد التعنيف؟ هل تريد كسر هذا الإنسان؟ هل تريد أن تتحدث أنك لم تبالِ به أصلاً، وأنك قلت بحضرته كذا، وكذا، وأسمعته ما يكره، وما لا يتوقع أن يصك سمعه، هل تريد أن تتشفى، وتنتقم؟ هل تريد أن تبرز نفسك أنك لا تبالي بأحد، وأنك جريء في الحق؟ هل تريد أن تمارس أموراً تحقق لنفسك شيئاً من الإشباع لدى بعض من لديهم بعض العور في نفوسهم، والأمراض حيث يحب أن يُمكَّن بأن يأمر هذا، وينهى هذا، ويفسد على هذا، ويضيق على الآخر؟ ماذا نريد؟  

أقول: ينبغي أن يكون الهدف محدداً، والأصل أن المؤمن حينما يقوم بهذه الوظيفة من وظائف العبودية أنه يريد الإصلاح إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ [هود: 88].

ومن كان بهذه المثابة، ويستشعر جيداً أنه يقوم، ويقعد في عمل يطلب فيه مرضاة المعبود فينبغي أن يصحح قصده أولاً بأن يكون مخلصاً لله هذا هو الإكسير الذي يجعل لعمله القبول عند الله ويجعل لعمله القبول عند الناس.

كلمات صادقة يقولها الإنسان المخلص، فتتغلغل في أعماق النفس، وتجد من القبول، والانقياد في قلوبهم ما لا يقادر قدره.

والناس يعرفون، ويميزون، يعرفون من يريد علوًّا في الأرض، وفساداً، وإن تدثر بدثار الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

ويعرفون من يريد أن ينسب إليه الناس أموراً يحصل بها الفخر، والرئاسة، ويقال: فلان له إنجازات، وأعمال، وغيّر كذا، وأنكر على كذا، وكتب لفلان، وجرى على يده كذا، وكذا من الأعمال، الناس يفرقون، ولربما أحسنوا إليه اتقاءً لشره، وشر الناس من أحسن الناس إليه اتقاءً لفحشه.

فإذا كان المقصود هو تحصيل رضا الله فينبغي أن يكون القصد بذلك هو إصلاح حال هؤلاء الناس.

هؤلاء الناس الذين قصروا في الواجبات، أو فيما أمرهم الله به، أو ارتكبوا بعض المخالفات، هؤلاء الناس مرضى، وبالتالي فهم يحتاجون إلى أخذ باليد، يحتاجون إلى علاج.

إذا رأيت من يقيم على المنكر فاعلم أنه مريض عليل، يحتاج إلى من يأخذ بيده، فلا يحسن أن تمر به، وتطأطئ رأسك، وتدع هذا الإنسان يواجه الحتوف، والآفات دون أن تكترث به، هذا خطأ.

وإنما تسعى لعلاجه، وانتشاله من هذه الحالة المرضية إلى حال الصحة، والعافية، هذا من المقاصد الصحيحة التي يرضى الله عنها، أو أن يكون القصد هو إبراء الذمة؛ لأن الإنسان أحياناً لا يتوقع القبول، ومن ثَمّ فإن ذلك لا يُسقط التبعة عنه، بل هو مطالب أن يأمر، وينهى على الأرجح.

فهو كما قال أولئك الذين أمروا، ونهوا أصحاب القرية الذين اعتدوا في السبت مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ [الأعراف: 16] أي: أن قولنا، وأمرنا، ونهينا من أجل الإعذار إلى الله هذا قصد صحيح أن يقصد الإنسان الخروج من التبعة، والمطالبة؛ لأنه سيقف بين يدي الله وسيسأل عن هذا المنكر، لماذا سكتّ، ولم تنكر؟

نحن نشتغل كثيراً في توصيف أفعال الفاعلين، والحكم عليها، وكل من أدلى بكلام، أو مقال يأتي الشباب الصغار، والكبار، ويسألون كأن الجميع مطالبون بأن يحكموا على كل قول، وعلى كل فعل، لستَ بصدد ذلك.

وأقوال الناس، وأفعال الناس لا يمكن حصرها، وتتبعها، فهذا أمر ينقضي به الزمان، والعمر من غير طائل.
أنت عليك القيام بوظائف العبودية، ومن ذلك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هذا خير من أن تشتغل بقول فلان ما رأيك فيه؟ الموضوع الذي كتبه ما رأيك فيه؟ الرد الذي رد به فلان ما رأيك فيه؟ الفعل الذي فعله فلان ما رأيك فيه؟!.

لستَ بحاجة، ولست بمضطر، والله لن يسألك عن فلان هل هو جيد، أو رديء، سيسألك عما تعبدك به، وخاطبك به، ومِن هذا هذا العمل، فيكون من المقاصد الصحيحة الاعتذار، وإبراء الذمة، والخروج من العهدة، عهدة التكليف.

لن نسلم، ولن نستريح، ولن نتخلص من العقوبة، والمؤاخذة، العقوبة الخاصة، والعقوبة العامة إلا بالقيام بهذا العمل، نعم فيه مشقة لاسيما من لم يعتد ذلك، ولم يتدرب عليه؛ لأن الآخرين قد يستثقلونه، ويرون أن هذا من الفضول، والتدخل في شئونهم، لكنه إن عرف الطريق إلى ذلك فإنه بإذن الله يوفق، ويسدد، ويحصل له من القبول ما لا يخطر له على بال.

 
2

فقضية القصد إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى[1] فهو شرط في قبول سائر الأعمال، ومن الناس من يقوم بهذا رياءً، وسمعة، ولا يحصل له من جراء ذلك إلا الخيبة، وقلوب الناس تلعنه مع ما يقوم به من أعمال كبيرة، وقد يسلط عليه كما ذكر ذلك بعض أهل العلم: أن الرجل لربما قام حسبة يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وفي قلبه شيء، قلبه ملتفت إلى المخلوقين يريد أن يحمدوه، وأن يُذكر، فيعاقبه الله  ويعجل له العقوبة أحياناً فيسلط عليه من يظلمه، ويهينه، ويذله، ولربما انكسر، ولربما تحول من ذلك الشق إلى شق آخر، فيقال في حقه: فليتك، ثم ليتك ما نهيتَ. 

فالعبد يحتاج دائماً إلى مراقبة القصد، والنية، يحتاج دائماً إلى التفتيش عن خلجاته، وحركات نفسه، وقلبه، ويفتش في سكناته ماذا أراد؟ ماذا يعني بهذه الكلمة؟ ماذا يعني بهذا الفعل؟

والله لا تخفى عليه خافية.

وثقوا أنه متى صح القصد انفتح أمام الإنسان من أبواب القبول، والتسديد ما لا يقادر قدره، نحن بحاجة فقط إلى نية، نية صحيحة أن نصلح، وأن نكثر المعروف، وأن نقلل الشر، أن يكون قصدنا هو رضا الله وبالتالي فنحن لا نبالي أثنى الناس أم ذموا، رضوا أم غضبوا، لكننا نسلك الطريق الصحيحة، وما وراء ذلك فإن الله لا يكلفنا به، والطريق الصحيحة - وهذا هو الأدب الثاني - هي التي شرعها الله وأمر بها، تأملوا قول الله : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 108]. 

فأتباعه ﷺ هم أهل البصائر، وهم الدعاة من بعده، فكل هذه المعاني صحيحة، والقرآن يعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة. 

والإنسان لا يدعو إلى نفسه، لا يأمر، وينهى بحظ نفسه ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل: 125] ففيه إشارة إلى الإخلاص، بل فيه أمر بالإخلاص.

ونحن لا ندعو من أجل أن نرتفع في قلوب الآخرين، لا ندعو، ونأمر، وننهى من أجل أن نفرض سيطرة، وسلطة على هؤلاء الناس.

نحن ندعو إلى سبيل الله ندعو إلى الله، فتكون وجهتنا محددة، النفس ليس لها شيء، جزاؤها، وأجرها عند الله فلا يقف الإنسان عندها، وإذا حصل له هذا المعنى استراح من هموم كثيرة.

كثير من الناس ينقطع إذا اصطدم بمن يؤذيه، ويذمه، ويشتمه؛ لأن إخلاصه ضعيف، فإذا مُدح فإنه ينشط، ويشمر، ويحصل له من قوة القلب الشيء الكثير، وهذا ضعف في الإخلاص، والله يقول: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146].

فهو يسير في هذا الطريق؛ لأنه يتعبد لله بهذا العمل، هل استشعرنا هذا المعنى أم أننا نطلب رضا الناس، ومحمدة الناس، وثناء الناس؟!.

الرجل لا يُمدح حقيقة حينما يثني عليه جيرانه جميعاً، ويحبونه جميعاً، الغالب أن هذا لا يحصل إلا إذا كان مقصراً في أمرهم، ونهيهم، هذا هو الغالب، فإذا أمرهم، ونهاهم تحركت نفوسهم، وبدأوا يذكرون عيوبه، وينتقصونه، ولربما آذوه بأكثر من هذا.

  1.  أخرجه البخاري، باب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ برقم (1)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب قوله ﷺ : إنما الأعمال بالنية وأنه يدخل فيه الغزو، وغيره من الأعمال، برقم (1907).
3

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ وما هي سبيله - سبحانه، وتعالى - ؟ سبيله هي التي خطها، ورسمها، وبينها، فلا مجال لأن نختلق، ونبتدع الطرائق التي لا توصلنا إليه - سبحانه، وتعالى - ومن ثَمّ فينبغي أن نكون من أهل الاتباع للنبي ﷺ فالعمل الذي نقوم به في هذه الشعيرة يكون عملاً مشروعاً؛ من أجل أن يكون صحيحاً، صالحاً، مقبولاً، أما إذا اخترعنا، وابتكرنا طرقاً مخالفة؛ لأنها تشتمل على محرمات، على بدع، على منكرات، على مفاسد أعظم - وإن كانت في ذاتها صحيحة - فإن هذا ليس من العمل المشروع بل هو من المنكر، ومن الصد عن سبيل الله .

لعن الله من لعن، والديه أوَيلعن الرجل، والديه؟

قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه[1].

لما كان متسبباً بسب والديه كان كمن لعنهما" لعن الله من لعن والديه" وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام: 108 كما سيتضح - إن شاء الله - في الكلام على المصالح، والمفاسد.

وفي وصف أولئك الذين ذكرهم النبي ﷺ في حديث حذيفة قال: وفيه دخن فلما سأل حذيفة النبي ﷺ : وما دخنه؟

قال: قوم يهدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي[2].

والمقصود - كما قال الشيخ تقي الدين - رحمه الله - أن الصلاح يتحقق بالأمر، والنهي على الصراط المستقيم[3] والصراط المستقيم هو الطريق الموصل إلى الله هو ما خطه الله لسلوك عباده. 

  1.  أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل، والديه، برقم (5973)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر، وأكبرها، برقم (90).
  2.  أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم (3606)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن، وتحذير الدعاة إلى الكفر، برقم (1847).
  3.  مجموع الفتاوى (28/ 306).
4

وإذا كان هذا الأمر يتطلب هذه المتابعة فهذا يقتضي أنه بحاجة إلى علم، ومعرفة، كيف تتحقق المتابعة من غير علم؟ لابد من العلم، وهذا هو الأمر الثالث الذي يطلب فيمن يتصدى لهذه الوظيفة، للقيام بهذا العمل الشريف، يحتاج إلى علم، علم بما يأمر، وعلم بما ينهى، ويكون له علم بمواقع الاحتساب، يعرف متى يقدم، ومتى يحجم، متى يصلح الأمر، ومتى يصلح النهي، ومتى يصلح السكوت، هذا كله من العلم، والفقه، لا يأمر كيفما اتفق في كل الأحوال، شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فيما ذكره هو، وذكره الحافظ ابن القيم - تلميذه - لما مر بقوم من التتار يشربون الخمر، فبعض أصحابه وقفوا، وطالبوه أن يقوم لله في هذا المنكر، وأن ينكر على هؤلاء التتار شرب المسكر، فنهاهم شيخ الإسلام - رحمه الله - أن ينكروا على التتار شرب الخمر، وبين لهم شيخ الإسلام - رحمه الله - أن من الناس من يكون السكر خيراً لهم[1].

لماذا؟ هو منكر، ولكن هؤلاء إذا أفاقوا أخذوا المال الحرام، وانتهكوا العرض الحرام، وسفكوا الدم الحرام، فأي الجرمين أعظم؟ أن يبقى سكران غائبًا عن عقله، أو أنه يفيق، ثم يقتل، ويسرق، وينهب، ويغتصب الأعراض، فهذا من الفقه.

الشباب الذين يقضون أوقاتهم بلعب الورق، ويصابحون الصبح بهذا العمل، هؤلاء يُنظر في حالهم قد يكون الأفضل أن لا ينكر عليهم، دعه يشتغل بهذا اللعب حتى يتعب، ويدوخ، ثم ينام؛ لأنه إن تركه سينتقل إلى ما هو أعظم شرًّا، وضرراً مما ضرره يتعدى إلى الآخرين.

لكن إذا كنا نستطيع أن ننقله إلى حال أفضل فهذا هو المطلوب.

فليست القضية أن الإنسان يأمر، وينهى، ويقول: النتائج على الله لا، تأمر بعلم، وفقه في هذا الباب.

وفي كثير من الحالات فيما نسمع، وقد نشاهد بعض المواقف نجد من ينهى، من يفعل سنة من السنن؛ لأنها غريبة عليه، جديدة بالنسبة إليه، فينهى عنها، وقد يأمر بأمور فيها مخالفة، فهذا يأمر، وينهى من غير علم قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 108].

فالجاهل ينبغي له أن يتوقف فيما يجهله فلا يأمر، ولا ينهى، والله يقول: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [النحل: 116].

وفي هذا المعنى يقول عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - : "من عمل في غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح"[2].

وهذا صحيح، وليس معنى ذلك أن الإنسان لا يأمر، ولا ينهى، ولا يدعو إلى الله إلا إذا كان عالماً، وصل إلى مرتبة كبيرة بالتحصيل العلمي، أبداً.

وإنما المقصود أنه يأمر في حدود ما يعلم، هناك أمور لا تخفى على أحد، فمن منا يخفى عليه أن الصلاة واجبة؟ وكم عدد الذين لا يصلون؟

اذهب إلى الأسواق، وانظر أبواب المتاجر تجد أكداساً من البشر ينتظرون انصراف الناس من الصلاة.

مثل هذا هل يخفى على أحد أن هذه الصلاة واجبة، وأن هذا الجلوس عنها من المنكرات، بل من أعظم المنكرات؟ هذا لا يخفى.

فحينما نقول: العلم، يعني العلم بهذه القضية التي يأمر بها، أو ينهى عنها فقط، وأما إذا كان لا يأمر إلا العلماء، ولا ينهى إلا العلماء فمعنى ذلك أن هذا العمل سيبقى محصوراً في فئة قليلة، وقد يتلاشى.

كم عدد العلماء؟ في بعض البلاد الإسلامية لربما يصل العدد إلى مائتي مليون ما فيهم عالم واحد، فماذا يصنع الناس؟

كل من يعلم أن هذا من المعروف، أو أن هذا من المنكر يجب عليه أن يتحرك، ويقوم لله وبهذا يكثر الخير، ويعم، أما أن تبقى هذه الجموع الغفيرة من طلاب العلم، ومن الدعاة، ومن الشباب الصالح، وحتى الفساق، أن تبقي هذه الجموع تتفرج، والذين يأمرون، وينهون قلة - أفراد - فهذا غير صحيح، ومن شأنه أن تموت هذه الشعيرة، وأن تفشو المنكرات، وأن يقل المعروف.

فلابد أن يقوم كل مسلم بما افترض الله عليه، وإن كان مقصراً في نفسه - كما سيأتي.

تكلم في حدود ما تعلم، وإذا تكلمت، أو تحركت إزاء هذا المنكر فإنك ينبغي أن تراعي الطريقة التي تتعامل بها مع هذا الإنسان. 

  1.  انظر: الحسبة لابن تيمية (ص: 173) ونقل ذلك عنه تلميذه ابن القيم - رحمه الله - في كتابه القيم إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 13).
  2.  أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم، وفضله (1/ 131)، برقم (132).
5

وهنالك أساليب، ووسائل، هناك ألوان من المعاملات من شأنها أن تأسر قلوب الناس، وهناك أساليب من شأنها أن تنفرهم، وتبغضهم في هذه الشعيرة، وفيمن يقوم بها.

نحن بحاجة إلى الرفق، وهذا هو الأدب الرابع، أن نرفق بهؤلاء الناس، إذا استشعرت أنهم مرضى بحاجة إلى علاج، ونظرت إليهم بعين القدر فإنك ترحمهم، وتشفق عليهم، وتحاول بكل مستطاع أن تنتشلهم من هذا المستنقع.

إذا ذهبت إلى مقهى، إذا رأيت شباباً يرقصون في الطريق فلا شك أن غيرة الإنسان تتحرك، ولربما غلى الدم في عروقه غيرة لله ولكن ينبغي أن يقف قليلاً قبل أن يتحرك، وينكر، ما هي الطريقة الملائمة في تحقيق المطلوب؟

هل هي العنف، أو الرفق؟ فكّر قبل أن تقدم.

من الناس من لا يصلح له إلا العنف، والشدة، والإغلاظ، وأظن أن هؤلاء قلة إما للؤمهم، يعني أنه لا يجدي معهم مكارم الأخلاق، الإحسان، والإفضال، واللطف، فيتطاولون على هذا الإنسان، ويستضعفونه.

وإما أن يعمد الإنسان إلى الشدة، والغلظة لأن المقام يقتضي إيصال رسالة قوية تدل على عظم هذا الأمر الذي ارتكب، أو منزلة ذلك الأمر الذي ترك.

ولكن ينبغي أن يكون هذا عند من يحتملك، فينبغي أن تعلم جيداً أن هذا الإغلاظ، وهذه الكلمات التي تقال قد تصدر من إنسان فتكون بلسماً على القلوب، ولربما يرددونها في مجالسهم فرحاً بها، وافتخاراً مع أنها قوية، يُحتمل منه ما لا يُحتمل من غيره.

ورأينا بعض الناس لربما عدوا الكلمة الغليظة من رجل كبير عظيم القدر، لربما عدوها منقبة يرددونها، ويحكونها في مجالسهم، أنه قال لهم كذا، وهذا معروف.

فأقول: يُحتمل من إنسان ما لا يُحتمل من غيره.

فما كل الناس تُحتمل منه الغلظة، والشدة، والكلمات القوية.

الآن الشاب الذي لربما لم يبلغ الخامسة عشرة قد يقول له أبوه كلمات قوية يقبلها، أليس كذلك؟

لكن لو قالها أستاذه في المدرسة، أو قالها جاره، أو قالها إمام المسجد  لربما لا تُحتمل، أليس كذلك؟ ولربما ترك الصلاة في المسجد، ولربما شتمه، وسبه، وترك العمل الذي هو فيه إذا كان يشتغل معه بحسبة، بدعوة، بعمل صالح، فينفر منه غاية النفور.

لماذا احتملها من أبيه، ولم يحتملها من هذا؟ هو ما ذكرت.

وهكذا الرجل الكبير.

أقول: ينبغي أن يكون الأصل هو اللطف، والرفق، واللين، إلا إذا اقتضى المقام خلاف ذلك، الله يقول في حق نبيه ﷺ وهو أكمل الخلق، وأشرف الخلق، وهو الكبير ﷺ يقول: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159].

ذكر ثلاثة أشياء تطيب بها النفوس، والقلوب، نحن بحاجة مع الزوجات، ومع الأبناء، ومع الطلاب، ومع المتسوقين، ومع الباعة، ومع غيرهم، نحن بحاجة إلى شيء من المداراة - وليست المداهنة - والملاطفة.

ولربما نفوت أحياناً في سبيل تحصيل مطلوب أكبر، أو في سبيل تحصيل جذب القلوب، وإصلاح عمل هؤلاء الناس، فقد لا نقف عند كل عمل خطأ، وكل تقصير، وإنما نراعي الحال، والمقام، هناك أمور تؤخر لا تحسن الآن إما لأنها بالحضرة - حضرة الآخرين - أو لأنها لا يحتملها عقل هذا الإنسان، أو علمه، أو قلبه.

بعض الناس لو جلس يردد بعض الأذكار في غير موضعها، وقلت له: هذا لا يشرع، أقام الدنيا، ولا أقعدها، قال: تنهى عن المعروف، تنهى عن ذكر الله ﷺ؟ ولا يمكن أن تصل معه إلى نتيجة.

مثل هذا قد يؤخر الإنكار عليه حتى يفقه، يعلم بعض الأمور قبل ذلك، وهكذا.

فإذا كان النبي ﷺ أخبره الله أن الناس يتفرقون من حوله إذا كان فظًّا غليظ القلب فثقوا أن غيره ممن دونه بمراحل - عليه الصلاة، والسلام - من باب أولى.

إذا كان هؤلاء أقرب الناس إليك، إذا كنت غليظًا، جافًّا، جلفًا في التعامل معهم فسيتفرقون، وينفرون، ويقع في نفوسهم من ألوان الوحشة، والبغض، بل، والحقد ما يعرفه من خالط الناس.

فأقول: هذه قضية نحتاج أن نتأملها، النبي ﷺ وهو بتلك المنزلة أخبرنا الله عن هذه النتيجة ابتداءً، إذن فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.

العفو حيث يحسن العفو، ما هو دائماً، والاستغفار، هذا الإنسان وقع بذنب، أسأل الله أن يغفر لك، وأن يرفع درجتك في الجنة، وأن لا يؤاخذك بهذا العمل، وأن يغسلك بالماء، والثلج، والبرد، وأن يمحو عنك الخطايا، وتقول له هذا الكلام يذوب أمامك كما يذوب السكر في الماء، يذوب! ويدعو لك، وإن لم ينفذ لكنه سيقبل رأسك - وأنت لست بحاجة إلى هذا - ويدعو لك، ويشتط في هذا، ويعتذر.

بينما لو جئته، وأمرته، ونهيته لطماً في الوجه، صككت الكلام الغليظ في وجهه صكًّا، ماذا ستكون النتيجة؟

فالناس بحاجة إلى شيء من التلطف.

الحيوانات: أنا أتأمل كثيراً من الأشياء التي أراها، تأمل القط الآن إذا أجلسته، وجلست تمسح عليه، ماذا يصنع؟ يغمض عينيه، ويجلس بطريقة معينة في غاية اللطافة، والهدوء، والمسالمة، حيوان!، فإذا زجرته انتفش، وحدق بعينيه، وظهرت مخالبه، واستعد للمنازلة، والنفور، وجرى الدم في عروقه، أليس كذلك؟

الناس هكذا.

الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - حينما كان مديراً للجامعة الإسلامية حصل معه موقف، أحد العلماء الكبار في بعض العلوم قال لأحد الطلاب: والنبي افتح النافذة.

فالطالب لم يحسن الرد، ولا التصحيح، فقال: قل والله، من حلف بغير الله فقد كفر، أو أشرك، فسبه هذا الشيخ سبًّا عنيفاً، وأقذع في سبه، وشتمه، وقال كلاماً لا يليق أن أقوله في هذا المسجد، فسب ما يُنبَز به هذا الطالب من مذهب، وخرج يريد أن يسافر إلى بلاده، وأن يترك الجمل، وما حمل، ولا يقعد بين ظهراني هؤلاء الناس.

فيقول لبعض المشايخ الذين أخذوا بيده، وذهبوا به إلى أحد المشايخ الفضلاء الأخيار في الجامعة، رجل لطيف معروف غير الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمة الله عليه - فقال: هؤلاء كذا، وكذا يكفرون الناس - يعني الوهابية - فقال: يا شيخ، أنا وهابي، وما أكفرك.

قال: أنت تكروني، ما أنت وهابي!

قال: أنا من وهابية التَّكارنة.

الشيخ هذا من الأفارقة، فالحاصل أنه أبى أن يقبل منه، أو أن يسمع منه، فذهبوا به إلى الشيخ عبد العزيز، يبدو أنه وصله خبر، أو لا أدري، فمنذ أن دخل، وجلس بدأ الشيخ يثني عليه، وأنت البقية، وأنتم قلة، وندرة في عالم الإسلام، وقد جمع الله لكم أبناء المسلمين ينهلون من علمكم، وفضلكم، وأدبكم، وأخلاقكم، كثر الله أمثالكم في المسلمين، وبارك في جهودكم، يقول من حضر: فكان هذا الشيخ يطأطئ رأسه شيئاً فشيئاً حتى كاد أن تلمس جبهته ركبتيه، وما تكلم بكلمة.

فلما انتهى الشيخ - رحمه الله - من كلامه، قام، وخرج، فلما ركب في السيارة طلب كتباً ليقرأ فيها عن هذا المذهب كما يقول، وبدأ يتكلم.

فهذا مثال للطف، والرفق، ما قيل لهذا الإنسان: افعل ما شئت، وإن قلت كلمة رددنا عليك بعشر، وإن كنت ريحاً فنحن إعصار، ما قال: إن كنت ريحاً فنحن إعصار، لا.

وإنما تلطف به، فحصل المقصود.

والله كما ثبت عن الرسول ﷺ من حديث عائشة من صحيح مسلم: رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف[1].

وفي الحديث الآخر: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه[2].

في كل شيء، التعامل مع السيارة، مع الحيوانات، مع الآدميين، مع الآلات، الإنسان الغضوب العنيف لربما يريد أن يصلح آله فيغضب فيكسرها كأنه ينتقم من نفسه، ولربما لطم نفسه، وشق جيبه لفرط غضبه، وسوء أخلاقه، فيتأذى به من حوله.

عائشة - رضي الله عنها - حينما تعاملت بشيء من العنف مع ناقة لم تروض، قال لها النبي ﷺ : يا عائشة، ارفقي فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.

وفي حديث جرير البجلي مرفوعاً إلى النبي ﷺ : من يحرم الرفق يحرم الخير كله[3].

هذه أحاديث نسمعها دائماً، لكن المشكلة أننا لا نفكر غالباً، لا نفكر، من يحرم الرفق يحرم الخير كله!

فهل نحن نتعامل بهذا الرفق؟ لا تقل: إن هذا الإنسان شرير، وسيئ، هل هو أسوأ من فرعون؟ أبداً.

والله حينما أمر موسى، وهارون - عليهما السلام - أن يذهبا إلى فرعون، قال: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه: 43].

"طغى" ماذا فعل؟ كان يقول: أنا ربكم الأعلى.

يوجد أحد من أصحاب المنكرات اليوم يقول: أنا ربكم الأعلى؟

يوجد أحد يقول للناس: ما علمت لكم من إله غيري؟

أبداً، فالله يقول: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه: 44].

قول لين، بعض العلماء يقول: أن ينادى بكنيته.  

بغض النظر، هذا من القول اللين، فموسى يتكلم مع فرعون، لا خوفاً منه، ولكن من أجل أن يقبل، يا أبا فلان، مثلك ينبغي أن يكون الحق جارياً على يده، وأن تكون سبباً للخير، والإحسان إلى الناس، والإرفاق بهم، لا تكون لعنة عليهم، سبباً لأذيتهم، فتبغضك قلوبهم، أنت لا تخسر شيئاً بالإحسان، هذا كلام يمكن أن يوجه إلى فرعون، وإلى غير فرعون من الناس السيئين.

نحن لا نخسر شيئاً حينما نوجه هذه الكلمات الطيبة، انظر إلى ذلك الرجل الذي جاء لأحد الخلفاء، قال له: إني سأغلظ عليك.

يعني تحملني، سآمرك، وأنهاك، وأشدد عليك، فقال: مهلاً، لستُ بأسوأ حالاً من فرعون، ولستَ بأفضل من موسى، لماذا تشدد عليّ؟ أوصل هذه الرسالة التي تريد إيصالها بطبق من ذهب بدلاً من أن توصلها بطبق مشوه، وعبارة غليظة تورث الوحشة في النفوس، أنت ماذا تريد؟ ألست تريد القبول؟ ألست تريد تكثير الخير؟ ألست تريد الإصلاح؟ فاتخذ لذلك سبيلاً إلى قلوب الناس.

هذا الولد أجلسه بجانبك، وكلمه بالكلام الطيب، وبالكلمات، والعبارات التي تدل على إشفاق، ومحبة، وكذا، ثم بين له الملحوظة التي تريد إيصالها.

فالطالب نفس القضية، صحح الأخطاء، قوم الانحرافات، لكن لا تجرح، لاسيما بحضرة الآخرين، كثير من النفوس لها عزة، وأنفة، فلا يقبل أن يذل، ويهان بحضرة زملائه، أو من يعتد بهم، ويحفظ مروءته بحضرتهم، فيُلطم على قفاه، يضرب، ويهان، ويشتم، هذا لا يجوز، فينفر، وينقطع، انظروا إلى مؤمن آل فرعون، ماذا قال لهم لما أرادوا قتل موسى؟ تلطف بهم: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ [غافر: 28].

يقول لهم: يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا [غافر: 29].

ما قال: من ينصركم؟ جعل القضية همه، وأن مصلحتهم من مصلحته، وأنه يريد نفعهم، ويخاف عليهم، كلام مشفق فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر: 29].

يقول لهم: يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ [غافر: 30] وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ [غافر: 32].

أقول: لو أن صبيًّا في هذا المسجد الآن أخذ علبة من العصير، ثم جلس يطوف بهذا المسجد، ويعصره على الأرض، ماذا نتوقع من ردود أفعال الناس؟

لربما هذا تلّه، ولربما هذا ضربه، ولربما هذا شتمه، ولربما أُلحق ذلك بأبيه - يعني الشتم - لربما لم يستطع هذا الأب أن يبقى في المسجد، أين نحن؟

هذا رجل كبير أعرابي دخل المسجد، في بعض الروايات أنه جاء فرفع يديه، وقال: (اللهم اغفر لي، ولمحمد، ولا تغفر لأحد معنا[4] فضحك النبي ﷺ وقال: تحجّرتَ واسعاً.

أو: قد تحجرتَ واسعاً.

ثم ذهب فشجّ يبول في ناحية من المسجد، ذهب إلى جهة في المسجد، زاوية، وجلس يبول في المسجد!، ضاقت الأرض بما رحبت، حرار المدينة الثلاث ضاقت عليه فجاء يبول في المسجد، فقام إليه الناس، ونهروه، فنهاهم النبي ﷺ وقال: لا تزرموه بوله لا تقطعوا عليه البول؛ لأنه يتألم، ويتضرر إذا توقف عن التبول - أعزكم الله، ومن يسمع - في المنتصف، حتى انتهى، فلما فرغ أمر النبي ﷺ بسَجْل من ماء، فأريق عليه، وعلمه ﷺ قال: إن هذا المسجد لا يبال فيه.

هذا ليس دورة مياه إن هذا المسجد لا يبال فيه، وإنما بني لذكر الله، وللصلاة[5].

ولو جاء الآن أحد يبول في المسجد، ماذا يصنع به الناس؟!

النبي ﷺ مع أُمامة - وهي بنت ابنته - يصلي فإذا قام حملها، وإذا ركع، أو سجد وضعها[6].

لو الإمام يحضر بنته، ويحملها إذا قام، وإذا سجد وضعها في كل ركعة! يصلي ﷺ فيسجد، ويطيل السجود فيأتي بعض الصحابة، ويرفع رأسه لينظر فيجد أن الحسن، أو الحسين ارتحله، ركب فوق ظهره، فلما فرغ النبي ﷺ من صلاته أخبرهم: إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله[7].

يعني حتى يقضي حاجته، ينبسط، ويلعب على ظهر النبي ﷺ وهو الإمام.

لو أن الإمام يأتي أطفالُه، ويفعلون هذا، ماذا يفعل الناس؟ ماذا يفعلون؟ يذهبون إلى الأوقاف، ولو حبواً يشتكونه، هذا إذا سلمت عظامه، ونفسه، أليس كذلك؟

النبي ﷺ يخطب على المنبر، ثم يجد الحسن، أو الحسين يقوم، ويقع، وعليه برد أحمر، فينزل النبي ﷺ ويضمه، ثم يحتمله معه، ثم يقول: صدق الله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: 15] لما رأيت ابني هذا يقوم، ويقع لم أحتمل حتى نزلت ...[8].

أو كما قال - عليه الصلاة، والسلام - لو الإمام في الخطبة يفعل هذا، ينزل من الخطبة، ويقطعها من أجل طفل صغير من أطفاله جاء يقوم، ويقع فاحتمله، وأخذه، ماذا سيقول الناس عنه؟

نحن لدينا قدر كبير من العنف، والشدة، والغلظة، لم تكن عند رسول الله ﷺ .

لما صلى بأصحابه ﷺ وصلى معهم معاوية بن الحكم السلمي، وعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله.

ونظر إليه معاوية بن الحكم، وقال: يرحمك الله.

تكلم في الصلاة، يقول: فجعلوا يرمقونني بأبصارهم، فقلت: واثُكل أمَّيّاه ما بالكم تنظرون إليّ؟

ماذا عملت حتى تنظروا إليّ؟ وهو في الصلاة!

يقول: "فجعلوا يلطخون أفخاذهم، فعلمت أنهم يسكتونني فسكتُّ، فلما فرغ النبي ﷺ من صلاته قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس[9].

معاوية يقول: فبأبي هو، وأمي، ووالله ما ضربني، ولا كهرني، ولا نهرني، وإنما قال كذا، وكذا، وكذا.

ما نظر إليه بعين يتطاير منها الشرر، أو وبخه أمام الآخرين.

الشاب الذي جاء للنبي ﷺ واستأذنه في الزنا، أن يزني، أن يرخص له، فزجره الناس، وقالوا: "مه، مه، فقال: (ادنه) فدنا منه قريبًا، قال: فجلس قال: (أتحبه لأمك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا، والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه قال: فلم يكن بعدُ ذلك الفتى يلتفت إلى شيء"[10].

وهكذا في أمثله كثيرة، فالأمر كما قال الإمام مالك - رحمه الله - : "من الناس من يُرفق به فيطيع"[11].

وقد قال بعض الفضلاء من المعاصرين كلاماً جيداً، يقول: "هؤلاء الناس مهما بدا لنا أنهم في غاية السوء، والجفاء فإن هؤلاء إن وجدوا يداً حانية، ووجدوا من ينصت إليهم، ويهتم بشئونهم، وأحوالهم، واطمأنوا إلى هذا الإنسان، وكانوا واثقين به، وبحنوه عليهم، وبشعوره بآلامهم، فسرعان ما تتبدى تلك القشرة الصلبة إلى ثمرة شهية حلوة".

هذه القشرة تغطيهم فيبدون قساة، أجلافًا، سيئين جدًّا.

يقول: "وذلك لأنهم يعافسون الحياة، وما فيها من صلف، يعافسون الناس، وهم يشعرون أنه إن لم يَسرق يُسرق، وإن لم يَظلم يُظلم، وإن لم يَغتصب يُغتصب، وإن لم يأخذ حقه بالقوة أُخذ منه، واستضعف، يعيش في حياة يشعر أنه في غابة، فتتبدى أخلاقه السيئة، ورعونته، وجفاؤه، وجلافته، فإذا وجد من يحنو عليه، ويمسح عليه، ويهتم بآلامه، وهمومه، وشئونه، ومشكلاته، واطمأن إليه، ووثق به تكشفت هذه القشرة الصلبة عن ثمرة شهية حلوة.

فالناس مهما بدوا في غاية السوء إذا وجدوا من يرحمهم، ويهتم بهم أذعنوا له غالباً، وأحبوه من كل قلوبهم".

وأنت تقصد الإصلاح، فإذا كان هذا الطريق إليه فعليك أن تسلكه، وقد قال الثوري - رحمه الله - : "اؤمر بالمعروف في رفق، فإن قبل منك حمدت الله وإلا أقبلت على نفسك"[12].

وكان يقول: "لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهى، عدل بما يأمر عدل بما ينهى، عالم بما يأمر عالم بما ينهى"[13].

وكان الإمام أحمد - رحمه الله - يقول: "والناس يحتاجون إلى مداراة، ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة إلا رجلاً مبايناً معلناً بالفسق"[14].

وكان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون، يقولون: "مهلا رحمكم الله"[15].

هذا الأسلوب الذي يخاطبون فيه صاحب المنكر؛ لأنه كما قال الإمام أحمد: "ما أغضبتَ رجلاً فقبل منك"[16].

أنت كأنك تقول له: لا تقبل، ولا تمتثل.

أنا أقول لبعض الإخوان أحياناً: تصوروا يا إخوة أن بلداً أتاها اثنان من المنصرين، حتى نعرف نحن ماذا نفعل مع الناس، ومع طلابنا أحياناً، ولربما نتوجه في المجالس في بطولات لربما قصدنا فيها إيذاء هؤلاء لسبب، أو لآخر، لسوئهم، لفحشهم، لكذا.

لو جاء اثنان من المنصرين إلى بلد أحدهما سيئ، وكلاهما سيئ، لكن هذا أرعن، غضوب، يضرب التلاميذ، والأيتام، ويتفنن في أذيتهم، وشتمهم، وسبهم، والآخر يمسح على رءوسهم، وإذا أساء إليه أحد ابتسم، ويعطيهم، جيبه لا يخلو من الحلوى، والألعاب، والأشياء التي تحبب التلاميذ به، فصاروا لا يعدلون به أحداً.

من هو الخطير؟ من هو الأخطر؟ الأول، أو الثاني؟ الثاني هذا هو الداهية الذي استطاع أن يملك قلوبهم فينفث باطله، وسمومه في نفوسهم.

بينما الآخر أرعن، أحمق، خفيف العقل، سرعان ما يغضب فيفرغ غضبه، وينتقم من هؤلاء التلاميذ، فيلطم هذا، ويكسر سن هذا، ويلكم هذا، ويشتم الآخر، هذا لا يحبونه، وينفرون منه، وهو يقول بأعلى صوته: لا تقبلوا مني شيئاً، لا قليلاً، ولا كثيراً، فيكرهونه، ويكرهون الدين الذي يدعو إليه.

فنحن إذن بحاجة إلى أن نفكر في هذا الجانب" ما أغضبتَ رجلاً فقبل منك" وكان يقول: يأمر بالرفق، والخضوع، فإن أسمعوه ما يكره لا يغضب، فيكون يريد أن ينتصر لنفسه.

أحياناً تتحول قضية الحسبة إلى خصومة شخصية يكون هو طرفاً فيها، يريد أن ينتقم، صار بينه، وبين الآخرين مشاكل، وأحقاد، وحسابات، فهذا لا يصلح للحسبة، الحسبة تحتاج إلى قلب كبير.

الآن نحن نسمع أحياناً في بعض الحالات في المستشفيات: الطبيب لربما من شدة الألم يعضه المريض، أليس كذلك؟ لكنه يتحمل ذلك منه.

وقد سمعت بعجائب مما يفعله بعض المرضى في بعض الحالات من ضرب للطبيب في حال شدة الألم، أو غير ذلك.

وذاك يصبر، ويتلطف، هذا الواجب، لكن تصوروا لو أن الطبيب يبادله باللكمات، وضربة بضربة، وشتمة بشتمة، هذا لا يصلح طبيبًا، هذا أضحوكة، لا يصلح أن يعالج.

كذلك إصلاح عمل الناس، وسلوك الناس، وأخلاق الناس، الآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر ما يتحول إلى إنسان ينتقم لنفسه، فيكون كالذي يغسل الدم بالدم، أو الدم بالبول - أكرمكم الله، ومن يسمع - هذا لا يليق. 

  1.  أخرجه مسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب فضل الرفق، برقم (2593).
  2.  أخرجه مسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب فضل الرفق، برقم (2594).
  3.  أخرجه مسلم، كتاب البر، والصلة، والآداب، باب فضل الرفق، برقم (2592).
  4.  أخرجه ابن ماجه، كتاب الطهارة، وسننها، باب الأرض يصيبها البول كيف تغسل، برقم (529)، وأخرجه أحمد في المسند، برقم (6590)، وقال محققوه: "حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن" وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، برقم (489).
  5.  هو تمام الحديث في التخريج السابق.
  6.  أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، برقم (516) ومسلم، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (543).
  7.  أخرجه النسائي، كتاب التطبيق، باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدة، برقم (1141)، وأحمد في المسند، برقم (16033)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن صحابيه لم يخرج له سوى النسائي".
  8.  أخرجه أبو داود، تفريع أبواب الجمعة، باب الإمام يقطع الخطبة للأمر يحدث، برقم (1109)، والترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله ﷺ باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب، والحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - برقم (3774)، والنسائي، كتاب الجمعة، باب نزول الإمام عن المنبر قبل فراغه من الخطبة، وقطعه كلامه، ورجوعه إليه يوم الجمعة، برقم (1413)، وابن ماجه، كتاب اللباس، باب لبس الأحمر للرجال، برقم (3600)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1016)، وفي صحيح الجامع، برقم (3757).
  9.  أخرجه مسلم، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحته، برقم (537).
  10.  أخرجه أحمد في المسند، برقم (22211)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح" وقال الألباني: "وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح" في السلسلة الصحيحة، برقم (370).
  11.  موطأ مالك ت الأعظمي (1/ 262).
  12.  الجرح، والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 124).
  13.  الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر للخلال (ص: 24).
  14.  المصدر السابق (ص: 25).
  15.  المصدر السابق.
  16. - المصدر السابق (ص: 26).
6

ثم إن الناس ينظرون بالمجهر فيزنون حركاته، وسكناته بدقة، فهو بحاجة إلى أدب خامس، وهو أن يكون منضبطاً بأحكام الشريعة، وهذا الذي يكون له التأثير البليغ في نفوسهم، إذا جاء إنسان يأمرهم، وينهاهم، وهو فاسق، مقصر، منحرف، المعصية ظاهرة عليه، فمثل هذا الناس يهزءون به، ويقولون له: أصلح نفسك، ثم بعد ذلك توجه إلى الآخرين لتصلحهم.

وقد قال شعيب ﷺ لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود: 88].

والله يقول: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [البقرة: 44].

أي أن هذا لا يفعله من يعقل كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 3].

وقد أخرج الشيخان من حديث أسامة بن زيد مرفوعاً إلى النبي ﷺ خبر الرجل الذي يلقى في النار فتندلق أقتابه - أي أمعاؤه - فيدور فيها كما يدور الحمار في الرحى - في النار - فيجتمع إليه أهل النار، ويقولون: يا فلان، ألم تكن تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟

يقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف، ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر، وآتيه[1] وقد قيل:

لا تنهَ عن خلقٍ، وتأتيَ مثله عارٌ عليك إذا فعلتعظيمُ[2]
وغيرُ تقيٍّ يأمر الناس بالتُّقى طبيبٌ يداوي الناس، وهو سقيمُ[3]

 

وقد أحسن أيضاً أبو العتاهية في وصف هذا المعنى بقوله:

وصفتَ التُّقى حتى كأنك ذو تُقى وريح الخطايا من ثيابك تصبغ[4]

وليس معنى ذلك أن المقصر لا يأمر، ولا ينهى، انتبهوا لهذه القضية، الكمال لله وحده، ولا يخلو الإنسان من تقصير، وذنوب، وإنما نحن نتحدث عن الأدب اللائق بهذا الإنسان حتى يُقبل، ويؤثر، وينتفع الناس بقوله.

لكن نحن عندنا واجبان: الامتثال في النفس، والأمر، والنهي.

هذا الإنسان يجب عليه أن يكون ممتثلاً في ذاته، في نفسه، لا يدخن مثلاً، وينهى الناس عن التدخين.
لكن لو أنه يدخن هل معنى هذا أنه يسقط عنه الأمر، والنهي؟

لا، هما واجبان، فترك أحد الواجبين لا يعفيه عن الآخر، وترك واجب أسهل من ترك الواجبين، وهذه قضية يغلط فيها كثير من الناس، يقول: أنا غير مستقيم، غير ممتثل، وبالتالي كيف آمر، وأنهى؟

نقول: يجب عليك أن تأمر، وتنهى، وإلا اجتمعت عليك الأوزار، اجتمع عليك وزر ترك الامتثال في نفسك، ووزر ترك أمر الناس، ونهيهم.

فكل إنسان يجب عليه أن يأمر، وينهى بحسب استطاعته، وإن كان مقصراً.

إذا لم يعظ الناسَ من هو مذنب فمن يعظ الناسَ بعد محمد [5].
  1.  أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار، وأنها مخلوقة، برقم (3267)، ومسلم، كتاب الزهد، والرقائق، باب عقوبة من يأمر بالمعروف، ولا يفعله، وينهى عن المنكر، ويفعله، برقم (2989).
  2. أدب الدنيا، والدين (ص: 34)، وإحياء علوم الدين (1/ 58)، ولطائف المعارف لابن رجب (ص: 18).
  3.  لطائف المعارف لابن رجب (ص: 18)، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 218)، ومجموعة القصائد الزهديات (2/ 335).
  4.  انظر: البصائر، والذخائر (8/ 47)، ولطائف المعارف لابن رجب (ص: 19).
  5.  انظر: لطائف المعارف لابن رجب (ص: 19)، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 219).
7

ثم عليه أن يراعي بعض الأمور الدقيقة التي قد نغفل عنها، وهو أدب سادس: أن توجه الخطاب إلى هؤلاء الناس، وتتلطف بهم، وتمتثل بنفسك في نفسك، فلا يكون لهؤلاء الناس سبيل إلى رد دعوتك بسبب تقصيرك، فتكون صادًّا عن سبيل الله  وفتنة لهؤلاء الناس عن سلوك الصراط المستقيم.

أنت بحاجة أن تراعي أيضاً أمراً آخر نغفل عنه كثيراً، وهو أن هذا الخير الذي نقدمه نحن نؤمن بحقيته، أنه حق ثابت، نحن نقدم هداية للناس، فمن أولى الناس بهذه الهداية؟

أقرب الناس إليك وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214].

أما أن يبقى الإنسان يوجه الخطاب إلى البعيد، وينتفع به الناس البعداء، وأهله، وأولاده، وزوجته، وأبوه، وإخوانه لا يسمعون منه كلمة واحدة، فهذا يدل على خلل عند هذا الإنسان، خلل في الأولويات، خلل في التصور، خلل في التربية، نفعه لغيره، نفعه للبعيد، والقريب محروم لا ينتفع منه. 

8

وأيضاً نحن بحاجة أن نراعي بعض الأمور المهمة لأننا أمام منكرات كثيرة جدًّا، وواجبات متروكة، تجد الرجل الواحد يتقلب بألوان المنكرات، فهلا نأتي الناس لنصلح الواقع أي كل ما عند الناس من منكر، فنأتي دفعة واحدة لنطالب الناس بإصلاح الحال جملة، وتفصيلاً؟  

لا يمكن هذا، إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع؛ ولذلك يجب علينا أن نقدم الأهم، والأخطر في المنكرات العامة، والمنكرات الخاصة، الواجبات التي تُترك نبدأ بالأهم.

إنّ اللبيبَ إذا بدا من جسمه مرضان مختلفان داوى الأخطرا[1].

ابدأ بالأخطر، بالأشد، والقرآن كما في حديث عائشة في الصحيح: "إنما نزل أول ما نزل من القرآن سورة من المفصل فيها ذكر الجنة، والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال، والحرام، ولو نزل أول شيء "لا تشربوا الخمر" لقالوا: لا ندع الخمر أبداً".

ولو نزل "لا تزنوا"؛ لقالوا: لا ندع الزنا أبداً..".

فخوطبوا أولاً بالإيمان، بالتوحيد، حتى ارتاضت نفوسهم، والنبي ﷺ لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال: ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله[2].

فإصلاح الخلل في عقائد الناس مقدم على إصلاح الخلل الواقع في سلوكهم من حيث الجملة، فإذا أردنا أن نقدم الدعوة للناس ننظر: هؤلاء الناس ما هي المخالفات عندهم؟ ونحن لا نستطيع أن نصلحها دفعة واحدة، فنبدأ بالأهم، بالأعظم.

إنسان بوذي يعمل عندك، ولابسٌ خاتمًا ذهبًا، وتقول له: لا تلبس هذا الخاتم، هذا غير جيد، كلمه عن التوحيد، عن شهادة لا إله إلا الله، ادعه إلى الإسلام.

فهذا هو الذي ينبغي، إنسان يعمل بعض المنكرات، يدخن، ويشرب الخمر، ولكنه يطوف بالقبور، ويدعو غير الله هذا الإنسان بحاجة إلى أن تصحح هذه القضية عنده حتى ينجو من الخلود في النار، ثم بعد ذلك يخاطب بالأمور الأخرى.

فنبدأ بالأمور الأساسية، الأمور المهمة، عندنا مجتمع من المجتمعات فيه منكرات كثيرة جدًّا، ما هي الأشياء الأساسية التي تؤثر؟ نحن نلاحظ الأمور التي تأثيرها عام؛ فهي أخطر من التي تكون قاصرة على نفس الشخص المعين.

إنسان عاملٌ مشروعًا فيه منكرات، هذه المنكرات تفسد المجتمع، هذا أخطر من إنسان عامل استراحة لنفسه فقط فيها منكرات، يغلق عليه بابه.

هذا إنسان أحضر بضاعة فيها أشياء محرمة تفسد التوحيد، والدين، والعقيدة، فهذه قضية خطيرة نحن بحاجة إلى معالجتها، هذا مشروع عملٍ من شأنه أن يفسد المرأة، هذا أخطر من أن نشتغل بشيء دونه. 

  1.  الدر الفريد، وبيت القصيد (4/ 153).
  2.  أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم (1584)، والترمذي، أبواب الزكاة عن رسول الله ﷺ باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة، برقم (625)، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب فرض الزكاة، برقم (1783)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1412)، وهو في الصحيحين بلفظ: إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله - عز، وجل - ... البخاري، كتاب الزكاة، باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة، برقم (1458) ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين، وشرائع الإسلام، برقم (19).
9

نعم يجب أن تتضافر الجهود لكن يكون التركيز على الأمور الأساسية الأهم، بحسب متعلقها كالتي تتعلق بالاعتقاد، تتعلق بالضرورات الخمس، الأشياء الأساسية، أو الأشياء التي أثرها كبير، وواسع على المجتمع، الأشياء التي تسارع في إفساد المجتمع، وتذويبه، ونشر الانحلال، هذه أشياء يجب أن يبدأ بها، ثم إذا استعان بالله ورفق بهذا، وخاطب ذاك، وكتب إلى هذا فإنه لابد أن يواجه ردود الأفعال، لماذا؟ لأنه يلمس شهوات الناس، والشهوات مركوزة، ومغروزة في أعماق النفس البشرية، اتباع الهوى، فعليه أن يصبر، وأن يروض نفسه على الصبر، وأن يعلم أنه سلك طريقاً الأذية فيه أصل إلا ما كان استثناء، الأصل الأذية.

ولهذا في وصية لقمان لابنه: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان: 17] لأنه يتوقع الأذى غالباً.

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: 1] أول سورة نزلت على النبي ﷺ في الرسالة قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: 2] ابتدأها بالأمر بالإنذار، وختم ذلك وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ المدثر: 7.

اصبر لربك، أنت بحاجة إلى الصبر لله، ومع الله، وبالله، تصبر بالله: أي تستعين به - سبحانه، وتعالى - على تحمل المشاق، وتصبر لله: ما تصبر ليقال: جلد، صبور، حليم لو استفز، لا، تصبر لله طلباً لمرضاته، وتصبر مع الله: تدور حيث دار الأمر الشرعي، فتكون مع الله في كل حالاتك، لا تخرج عن طورك، فتفعل ما لا يليق بأمثالك من المحتسبين، ولماذا كان محتسبًا؟

لأنه يحتسب ما عند الله : وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل: 127].

وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ۝ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ۝ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 146 - 148].

وقال - سبحانه - : وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام: 34].

والنبي ﷺ أخبرنا عن نبي من الأنبياء ضُرب، وشج، فهو يمسح الدمع عن وجهه، ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون[1].

محمد بن المنكدر من أكابر السلف علماً، وعبادة ضُرب، وأصحابه في أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر[2] وعلماء كثير، عماد الدين الجماعيلي المقدسي - رحمه الله - احتسب على قومه من الفسّاق، وكسر ما معهم فضربوه حتى أغمي عليه[3].

عالم يضرب حتى الإغماء! وأنت ما تريد أن يقال لك كلمة! فهذا يتعلق بالصبر، حبس النفس عن الجزع، والتسخط، وحبس النفس عن الضجر، فلا تخرج إلى ما لا يليق من الأقوال، والأفعال المشينة.

فالمسلم الذي يقوم بالحسبة سيواجه ألواناً من أخلاق الناس، وسيواجه أموراً قد ينفرط معها صبره، سيسمع ما يؤذيه، وقد يرى ما لا يسره، وربما طالته أيديهم أيضاً.  

فأقول: هو مأمور بالصبر، ومن مقتضى هذا الصبر أن يحبس نفسه فلا يخرجه ذلك الاستفزاز إلى حد الغضب الذي يتصرف معه بما لا يليق، وذلك أنه بحاجة إلى الحلم، وهو الأدب التاسع.

بحاجة إلى الحلم، وكما قيل:

ليست الأحلامُ في حال الرضا إنما الأحلامُ في حال الغضب[4].

ليس الحلم حينما يُستقبل الإنسان بالابتسامات، والدعوات، إنما الحلم حينما يسمع كلاماً يجرح مشاعره، حينما يُشتم، حينما يعامل معاملة سيئة، حينما يرى أموراً تستفزه، فهنا يأتي الحلم، ويستطيع الإنسان أن يروض نفسه على هذه الخصلة الكريمة إن لم يكن قد جُبل عليها.

من الناس من يهبه الله حلماً، كما قال النبي ﷺ لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة[5].

فلما سأل النبيَّ ﷺ : هل هو شيء تخلق به، أو أنه شيء جبله الله عليه؟ أخبره النبي ﷺ أنه قد جبله على ذلك.

فأحياناً يكون الحلم جبلّة، وأحياناً يتوارثه الناس، تجد أهل البيت يتصفون به، وأحياناً لا يكون كذلك، فالناس يتفاوتون في تحصيله، والاتصاف به.

فكما أن التعلم يحصل بالتعليم، فكذلك التحلم.

ومن أنجع ما ينفعه في هذا التخلق بالحلم أنه يروض نفسه أن كل موقف يحصل فيه استفزاز أنه مقامات من مقامات الاختبار، كيف يروض نفسه على الحلم؟ إذا قابله الناس بالكلمات الجميلة؟ لا، إنما في المحك، في حال الإغضاب، وهذا يفيد في تعامل الإنسان مع الزوجة، مع الأولاد، مع الطلاب، مع الباعة، مع المشترين، مع كل أحد، هذا هو الميدان الذي يمكن فيه أن يتعلم هذه الصفة، والخصلة، فروض نفسك على هذا، قدر في نفسك أن كل مقام يحصل فيه استفزاز أن هذا موطن اختبار تفلح فيه، أو تخفق.

لكن الإنسان أحياناً يطيش فينسى، الكلام النظري يختلف عن التطبيق العملي، فيتصرف تصرفات تحسب عليه، ولا تليق به، والله قد وصف أبا الأنبياء - عليه الصلاة، والسلام - إبراهيم الخليل بقوله: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة: 114].

ألقوه في النار، وجاء الملائكة إليه، وأخبروه عن هلاك قوم لوط، وهم يفعلون فاحشةً ما فُعلت قبلهم، فجعل يجادلهم في هؤلاء، بعدم إهلاكهم، والإمهال لعلّهم، ولعلهم، ولعلهم.

بينما الآن نحن لو فكرنا في أنفسنا لربما خير الإنسان بهلاك أهل الشر، ومن ملئوا الأرض فسادًا، وإفساداً، لو كان الهلاك بيديه ما أمهلهم لحظة، ولأوقع بهم أشد العقوبات، والمَثُلات، أليس كذلك؟

إبراهيم ﷺ يجادل الملائكة في قوم لوط، وذكرت لكم ذلك النبيَّ الذي ضربه قومه فهو يدعو لهم: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون[6].

نحن بحاجة إلى الحلم، والحلم إنما يكون في وقت الاستفزاز، والإغضاب، ما يُعرف الإنسان أنه حليم في وقت الرضا، والراحة، وسماع ما يحب، أبداً!. 

  1.  أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، برقم (3477)، ومسلم، كتاب الجهاد، والسير، باب غزوة أحد، برقم (1792).
  2.  الجامع في السنن، والآداب، والمغازي، والتاريخ، للقيرواني (ص: 155).
  3.  انظر: سير أعلام النبلاء (22/ 50).
  4.  الرسائل الأدبية (ص: 384)، والرسائل للجاحظ (1/ 362)، والدر الفريد، وبيت القصيد (9/ 58).
  5.  أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله، ورسوله، وشرائع الدين، والدعاء إليه، برقم (17).
  6.  أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، برقم (3477)، ومسلم، كتاب الجهاد، والسير، باب غزوة أحد، برقم (1792).
10

ثم هو بحاجة أيضاً مع رفقه، وحلمه، وصبره أن يتلمس الأرفق، والألطف، والأسهل في هداية الناس، الآن هو لطيف، وحليم، ورفيق، وصبور، ويبدأ بالأهم، فأراد أن يعالج جانباً معيناً، وأمامه إزاء هذه المعالجة طريقان، الطريق الأول لربما يحتاج فيه إلى شيء من البتر، أو المعاقبة، أو في هذا الطريق شيء من الوعورة، والطريق الآخر ألطف، وأقرب، فعنده قواعد: الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة.

دائماً التعامل مع الناس أيًّا كانوا الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة، أنت لا تدري هذا المقام الأفضل فيه المعاقبة، أو العفو.

قد تعفو تم تكتشف أن هذا الإنسان لا يستحق، فما هو الأفضل؟

نقول: إذا ترددت فأن تخطئ في عفوك أفضل من أن تخطئ في عقوبتك، ثم تكتشف أن المقام لا يحتاج هذا، هذه واحدة.

أمر آخر: إذا تلجلج في نفسك أمران من القول، أو العمل، تلجلج اللطف، وغير اللطف، تلجلج أن تغلظ على هذا الإنسان أن تقول كلمة فيها صعوبة، فيها شدة، أو تقول كلمة طيبة، قل الكلمة الطيبة، قل الكلمة اللطيفة، قل العبارة المحببة إلى النفس، إذا ترددت.

فأنت الآن أمام موقف معين، فملأت فمك تريد أن تتكلم الآن، ثم بدأت تريد اختيار الألفاظ، هل تختار لفظة فيها خشونة، أو لفظة لطيفة؟ ما هو الأفضل؟

نقول: اختر اللفظة اللطيفة في كل شيء، في كل شيء.

دائماً كثير من الناس يقول: قصدت زجر الزوجة قلت: عليّ الطلاق، وعليّ الحرام، وكذا، قل: عليّ الزواج، وعليّ الحلال، لا يضرك.

أحد الكبراء من السلف كان الناس لا يعدلون به قيل له: بماذا حصلّت هذه المنزلة؟

قال: بلا ثمن.

دعا الجارية فقيل: نائمة.

فقال: أنام الله عينها عن الشر.

فدعا الغلام، قيل له: مشغول.

فقال: شغله الله بطاعته.

يقول السائل: فتبسمتُ، فالتفتَ، فقال: أضحك الله سنك.

يوزع كلمات طيبة، ما دعا على الجارية النائمة، ولا على الغلام المشغول، ولا على هذا الذي يضحك، وقال: ما يضحكك؟ تشمت بي؟ أنا أضحوكة أمامك؟!، أبداً" أضحك الله سنك" وما خسر شيئًا.

المشكلة أن النفس أحياناً تغلبنا، ولكن الموفق من وفقه الله فغلب نفسه، وزمّها، وخطمها، هذا يحتاج إلى مجاهدة، وترويض، ثم بعد ذلك شيئاً فشيئاً حتى يصبح سجية، وعادة لك، تخلق بهذه الأخلاق الناس يقبلون منك، ويحبونك.

انظروا كيف علمنا الله : وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات: 9] فماذا نصنع؟

فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: 9] البدء بالأرفق.

فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى [الحجرات: 9] بعد الإصلاح فَقَاتِلُوا.

فالبداية ليست بالقتال.

وكذلك في تأديب الزوجات، الزوجة الناشز فَعِظُوهُنَّ [النساء: 34] في البداية وعظ، ما تبدأ بالضرب، ثم الهجر؛ لأنه أشد على المرأة.

اهجروهن أين؟ في المضاجع، يدير لها ظهره فقط، في الفراش وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ.

لا يضربها، يشتمها، ينام في طرف البيت، وهي في طرف آخر، سنوات، وأحقاد فيما نسمع من كلام بعض النساء على كلمة قالتها، أو يطلق، لا، يدير ظهره، اهجروهن لتحس بالخطأ، وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا [النساء: 34].

بالترتيب، من الناس من تكفي النظرة، ومنهم الإشاحة، ومنهم الكلمة الطيبة المؤثرة، ومنهم من يحتاج إلى كلمة فيها شيء من الغلظة، لكن ينبغي أن تقدر أن هذه الكلمة التي تقال في حقه أنها تبني، ولا تهدم، وأنها تنفع، وتعالج، ما تزيد الجرح فينقطع الحبل، والصلة مع هذا الإنسان، ثم يسرح في أودية الهلكة، ليس هذا هو الطريق.

الولد لا يصلي، أخرِجْه من البيت، لماذا أُخرجه من البيت؟ وأين يذهب إذا أخرجتُه من البيت؟ إذا كان سيذهب إلى بيت الله الحرام، ويجلس تحت سواري الحرم فهذا جيد، لكن المشكلة إذا أخرجته من البيت، ووقع في أحضان الشِّلل، فليس هذا هو العلاج، ليس هذا هو العلاج، وهكذا.  

11

وهذه الأمور جميعاً تتطلب من الإنسان أن يكون طبيباً حاذقاً، وهو الأدب الحادي عشر: تقدير المصالح، والمفاسد.

أحيانا ًتجتمع أكثر من مفسدة، ولابد من فعل واحدة منها، وأحياناً تجتمع أكثر من مصلحة لابد من إهدار واحدة منها، وأحياناً تجتمع مصلحة، ومفسدة، ويحصل التزاحم، ماذا نصنع؟ نفعل المصلحة، أو ندرأ المفسدة، ونفوت المصلحة؟.

طُلب منك أن تكون مديراً في شركة لمؤسسة في مدرسة، وفيها منكرات كثيرة، وتستطيع أنت أن تقلل هذه المنكرات، ولكنك لا تستطيع القضاء عليها، وترك ذلك، والتخلي عنه بحجة أن هناك بعض المنكرات لا تستطيع تغييرها سيؤدي إلى فساد أعظم، وتضييع مصالح، ماذا تصنع؟

نقول: يرتكب أخف الضررين في سبيل دفع أعلاهما.

نرتكب أدنى المفسدتين، سيأتيك إنسان لا يفكر بطريقة صحيحة، يستعجل، ويقول لك: كيف ترضى، وأنت الإنسان المتدين طالب العلم أن تبقى في هذا المكان، ويوجد عندك المنكر الفلاني، والمنكر الفلاني؟

نقول: هذا الإنكار في غير محله، ليس هذا من الفقه.

يوسف ﷺ قال: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ [يوسف: 55].

وهل استطاع يوسف ﷺ أن يفعل كل ما يريد في مصر؟ لا يستطيع، لكنه نفع الله به نفعًا عظيمًا جدًّا، ودرأ الله به شروراً عظيمة، وهكذا.

المصلحة، والمفسدة، الدعوة إلى الله وتبليغ دين الله للآفاق، ألسنا إذا ذهبنا نجد المنكرات في الطائرات، الموسيقى في الطائرات، في البلاد التي لا تعرف الله نجد النساء العاريات في الأسواق، في الشوارع، في كل مكان، شعوب تمشي على الموسيقى، تعيش على الموسيقى، وتفعل ما لا يليق في الشوارع...؟ هذه كلها منكرات، فهل يعني هذا ترك هذا المجال؟ لا.

نرتكب هذا الضرر الأدنى في سبيل حفظ الدين، وتبليغه إلى العالمين.

القنوات الفضائية، نحن نعتقد أن التصوير بجميع أنواعه حرام بلا استثناء، لكن ماذا يصنع الناس؟

نقول: يجب أن تخرج فئة، طائفة تصلح للقنوات، ما هو لجميع طلاب العلم، وهؤلاء يخرجون مع حرمة التصوير؛ لئلا يتلاعب بالناس شياطين الإنس، والجن فيضللوهم، وفعلهم هذا لا يعتبر منكرًا، يعتبر معروفًا، وطاعة، ويؤجرون عليه، وهو من الجهاد في سبيل الله.

من باب ارتكاب أخف الضررين لدفع أعلاهما.

هذا الإنسان الذي يأتي إلى المسجد، وقد لبس لباس العمل، والمهنة، وينفِّر المصلين في المسجد برائحته، وقذارة ملبسه، وما إلى ذلك، انظر قبل أن تتكلم معه الآن، هذا الإنسان لو قلت له: لا تفعل هذا، وكذا. 

هل سيترك الصلاة بالكلية، أو ماذا يصنع؟ هل سيرتد عن الإسلام؟

لابد أن نحسب هذه الكلمات التي نقولها، ما هي آثارها؟ إلى أي حد يمكن أن تصل.

فأحياناً أنت تهدم بهذا الأمر، والنهي، أحيانًا تفسد على الآخرين عملهم، ودعوتهم، يقول لك: يا أخي، قطعنا شوطًا في إصلاح هذا الجانب، وكلماتك هذه هدمت كل ما بنيناه خلال سنوات.

فتندم، وتعض أصابع الندم، وتقول: لم أكن أدري.

إذن احسب تصرفاتك، حينما تصرفت هل فكرت؟

فالمصالح تارة تتزاحم، لا يمكن أن نفعلها جميعاً، فنفعل واحدة، ونهدر الأخرى، ونكون مأجورين، ولا يكون ذلك من تضييع ما أمر الله به؛ إذ لا نستطيع أن نعمل بكل هذا.

وأحياناً نكون في حال أمام مفسدة، ومصلحة، نحتاج أن ننظر هذه المفسدة في أي جانب، الضرورات مثلا، وإن كانت في الضرورات الخمس: الدين، النفس، العرض، المال، العقل، إلى آخره.

في أي جانب من هذه الضرورات، هي على مراتب، هذا الذي كنت سأشرحه في هذا العرض، هي مراتب فنحن كيف نقارن بينها؟ كيف نرجح؟ كيف نعرف أن هذه مقدمة وهذه مؤخرة، هذه تتعلق بالدين مقدمة على النفس، فهذه أمور تحتاج إلى تأمل.

هذا الشاب الذي لربما يعمل ضوضاء في هذا المخيم الدعوي مثلاً، إذا طردته ماذا سيحصل؟ وإذا صبرت عليه ماذا سيحصل؟

هذه المرأة التي أسلمت حديثاً، ولربما تأتي بلباس غير لائق، والأخوات يسألن عن المراكز الصيفية، ترى المراكز أحياناً يدخلها نساء بلباس، عباءات كتف، وألبسة لا تصلح، ونقابات لا تصلح، ما هذا؟

قالوا: هؤلاء بنات في المجتمع سمعوا عن هذا البرنامج، وجاءوا إليه، هل نردهم بسبب لباسهم، ونقول: البسوا، وإلا ما تأتون، أو أننا نصبر عليهم، ونوجههم، ونعلمهم فيخرجون من هذا المركز بإذن الله صالحات مصلحات؟.

ماذا نصنع؟ نزجرها، ونغضب عليها، ونشتمها، نوبخها أمام الطالبات، ونخرجها، لا، نحتاج إلى دراسة ننظر إذا جاءت ما المفسدة التي تحصل؟ هل يتأثر بها الطالبات، أو لا؟ هل نستطيع أن نعزلهم في مكان لوحدهم، نضع لهم برامج مناسبة لهم، لا يتأثرون بالأخريات، هذه كلها تحتاج إلى دراسة عميقة دون أن نتعجل، ونلقي الأحكام، والكلام على عواهنه، فهي سهام نرشق بها كل من يعمل لدين الله دون حساب.

هذا الإنسان الذي لربما يتصرف تصرفات لا تعجبك، لو سألته قال لك: يا أخي أنا أدري أن هذا الشيء فيه مخالفة، ولكنني أدفع به أمراً أعظم من هذا عن المسلمين، أنا أعرف.

خاصة أننا في زمان، في حال، في وقت قد ضعفت فيه سلطة المربي، ضعفت فيه سلطة البيت، ضعفت فيه سلطة المعلم.

في السابق لربما المعلم يأخذ الطالب، ويضربه ضرباً مبرحاً، وأبوه يقول له: لك اللحم، ولنا العظم، هذه العبارة الشهيرة عند الطلاب قديماً، عند الآباء.

الآن الوضع يختلف، الآن الأستاذ لو تكلم بكلمة لربما ضربه الطالب، ضعفت سلطته، ضعفت سلطة البيت، يحاول أن يحمل بنته على ما يليق لا تطيعه، الولد لا يطيعه، تجد الأب صالحًا، والولد فاسدًا مفسدًا يلوح المنكر على وجهه.

طيب ما هو الحل؟

أحد الطلاب رأيته بحال يرثى لها، فعجبت لما رأيت والده في حال من البهاء، ونضارة الوجه، وأمارة الصلاح بادية عليه، هذا ابنك؟

قال: نعم.

سألته عن حاله معه، وكذا، تبين أنه إذا غضب أخرجه من بيته، يقول الولد: أنا أنام في مؤخرة السيارة - في الونيت - في البرد.

يقول: أنا أنام فيها، وآتي للمدرسة ليس معي كتاب، وليس معي ثوب نظيف، يخرجني من البيت!، هل هذا هو الحل؟ هل عالج المشكلة؟

فأقول: نحن حينما نأمر، وننهى لابد أن نراعي هذه القضية، المصالح، والمفاسد، قاعدة درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح ليست على إطلاقها، فيها تفصيل. 

12

وهناك آداب أخرى إذا استطعنا نفعلها، وإلا فهي ليست ضرورية، لكنها تعين على تكثير الخير، وتقليل الشر، مثل: إيجاد البديل، الله نهانا عن أعياد المشركين، وشرع لنا الفطر، والأضحى، تعظيم السبت، والأحد عند اليهود، والنصارى عندنا الجمعة، والبوق، والناقوس عندنا الأذان.

فنهانا الله عن أشياء، وعوضنا خيراً منها، فنحن إن استطعنا أن نوجد للناس بديلا عن المنكر، والشر نوجد لهم، ولو فيه توسع في المباح، الناس يتفاوتون.

من كانوا يتمرغون في المنكر، والمعصية، والحفلات الماجنة نضع لهم حفلات فيها مباح، وتوسع في المباح من الشعر، والقصائد، والأمور المضحكة المباحة، والطرائف، والنكت، وما أشبه ذلك، وإن كان هذا لا يليق بأهل الكمالات، لكن هذا يصلح لهذا.

وهؤلاء الذين يقومون بهذا العمل مأجورون، وهم في عمل صالح، وجهاد يشكرون عليه، لكن هذا الإنسان طالب العلم، أو الداعية، أو غير ذلك لا يصلح له مثل هذا المقام، وقضاء الليل بمثل هذه الأشياء، لكن هؤلاء ماذا تصنع لهم؟ إن تركتهم افترسهم شياطين الإنس، والجن.

الله يقول لنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا [البقرة: 104].

نهانا عن شيء، وأمر بشيء.

لوط ﷺ ماذا قال لقومه؟ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود: 78].

عرض عليهم الزواج من بناته مقتضى الفطرة.

وكذلك النبي ﷺ لما استعمل رجلاً على خيبر، وجاء بتمر جَنيب، وسأله النبي ﷺ: هل كل تمر خيبر هكذا؟

قال: لا، نشتري الصاع بالصاعين، إلى آخره.

فعلمه النبي ﷺ كيف يبيع الجمع بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم جنيباً[1].

الرجل المصور الرسام الذي جاء لابن عباس، وسأله عن عمله، فأخبره ابن عباس بأن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم.

فربا الرجل ربوة، انتفخ، رسام، وعيشته عليها، الهوى، والمعيشة في هذا الباطل المنكر، فربا ربوة، احمر وجهه، انتفخ، فقال ابن عباس: "ويحك إن كنت فاعلاً لا محالة فعليك بهذا الشجر، وما لا روح له"[2].

رسام، فرِّغْ هذه الهواية، والطاقة في رسم البيوت القديمة، والأشجار، والوديان، والمياه، والخضرة، وما إلى ذلك مما لا روح فيه.

وهكذا كان يفعل بعض أهل العلم.

هذا ابن كثير - رحمه الله - يذكر في حوادث سنة اثنتين، وثلاثين بعد الستمائة، يقول: "وفيها خرب الملك الأشرف بن العادل خان الزنجاري الذي كان فيه خواطئ، وأمور، ومنكرات متعددة، فهدمه، وأمر بعمارة جامع مكانه سمي "جامع التوبة"[3].

وكذلك لما أمر النبي ﷺ بهدم ذي الخَلَصة - صنم لدوس - بُني جامع مكانه.

وفي حوادث بعض السنين في كتب التواريخ: توجه رجل من أهل الصلاح يقال له: "عبد الله الزيلعي" إلى الجيزة في مصر، فبات بقرب أبي النمرس، وسمع صوت ناقوس كنيسة، فسأل، فقالوا: هذا كل يوم، حتى وقت صلاة الجمعة، فسعى في هدمها حتى هدمت، ووُضع مكانها مسجد[4].

وفي حوادث سنة سبع، وثلاثين، وسبعمائة كانت هناك دار في مصر على النيل تجري فيها ألوان المنكرات حتى عرفت بدار الفاسقين، فاشتراها الأمير عز الدين الخَطيري، وهدمها، وبنى مكانها جامعاً سماه "جامع التوبة"[5]

  1.  أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب، والسنة، باب إذا اجتهد العامل، أو الحاكم فأخطأ خلاف الرسول من غير علم، فحكمه مردود، برقم (7350)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلا بمثل، برقم (1593).
  2.  أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح، وما يكره من ذلك، برقم (2225)، ومسلم، كتاب اللباس، والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب، ولا صورة، برقم (2110).
  3.  البداية، والنهاية (17/ 220).
  4.  المواعظ، والاعتبار بذكر الخطط، والآثار (4/ 432).
  5.  المصدر السابق (4/ 115).
13

ومن الآداب التي تعين، وتقوي، ويحسن مراعاتها أن يكون ذلك - أي النصيحة، والأمر، والنهي - سرًّا، تأخذه على جنب، تنتظر حتى يخرج الناس، ثم تخبر هذا الإنسان، كما قال الشافعي - رحمه الله - : "من وعظ أخاه سرًّا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه، وخانه"[1].

تَعمّدْني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحةَ في الجماعهْ
فإنّ النصح بين الناس نوعٌ من التوبيخ لا أرضى استماعهْ
وإنْ خالفتَني، وعصيتَ قولي فلا تجزع إذا لم تُعطَ طاعهْ[2]
  1.  حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء (9/ 140).
  2.  ديوان الإمام، الشافعي (ص: 63).
14

وأخيراً: من الأشياء التي يحسن العناية بها، ومراعاتها: تنويع الأساليب.

نحن نستطيع أن نواجه المنكرات، وأن نقللها بطرق كثيرة جدًّا، تارة عن طريق رجال الحسبة، هذه طريقة، وتارة عن طريق الرسالة، عن طريق الكلمة الطيبة، عن طريق توسيط بعض الناس، تارة عن طريق إقامة مشاريع، وأعمال خيرية تزاحم هذا الشر فتصرف أنظار الناس عنه، وهذه المخيمات الدعوية التي تقام في الصيف هنا، وهناك هي نموذج رائع للدعوة إلى الله وتكثير الخير، وتقليل الشر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

نحن ممكن أن نأمر بطريقة مباشرة، وممكن بطريقة غير مباشرة.

وأسأل الله أن يتقبل منا، ومنكم، وأن يعيننا، وإياكم على ذكره، وشكره، وحسن عبادته. 

مواد ذات صلة