السبت 11 / شوّال / 1445 - 20 / أبريل 2024
(01) المقدمات في الأسماء الحسنى المجلس الأول والثاني
تاريخ النشر: ١٣ / شوّال / ١٤٢٨
التحميل: 10833
مرات الإستماع: 9736

بسم الله الرحمن الرحيم

أسماء الله الحسنى

(1) المقدمات في الأسماء الحسنى: المجلس الأول والثاني

اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، والنبيون حق، ومحمد ﷺ حق، اللهم لك أسلمنا، وعليك توكلنا، وبك آمنا، وإليك أنبنا، وبك خاصمنا، وإليك حاكمنا، ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد.

اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم أنت أحق من ذُكر وأحق من عُبد وأنصر من ابتُغي وأرأف من ملك وأجود من سئل وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد الذي لا ند لك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تُطاع فتشكر، وتُعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، وكتبت الآثار، ونسخت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرءوف الرحيم، أما بعد:

فالله -تبارك وتعالى- أمرنا أن نسأله علماً نافعاً كما جاء في حديث جابر مرفوعاً إلى النبي ﷺ: سلوا الله علماً نافعاً، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع([1])، هذا كلام من لا ينطق عن الهوى، وكان ﷺ يعلِّم ذلك أمته عمليًّا، فكان من دعائه: اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها ([2]).

فإذا كان الإنسان مطالباً بأن يسعى إلى تحصيل العلوم النافعة، وأن يسأل ربه -تبارك وتعالى- أن يوفقه لذلك، وأن يدله عليه، فلا شك أن العلم المتعلق بالمعبود  أشرف العلوم، وأنفع العلوم؛ لأنه يتعلق بالرب المالك المعبود، لا إله إلا هو، وقد قيل: "إن شرف العلم بشرف المعلوم"، ولا ريب أن الله -تبارك وتعالى- هو أشرف المعلومات، فالعلم النافع ما عرّف العبد بربه، ودله عليه حتى عرفه ووحده، فصار يأنس به ويستحي منه، ويستشعر رقابته، وقربه ويقبل على عبادته، كما يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله.

إن أصل العلم هو العلم بالله الذي يوجب لنا الخشية، والخوف الذي يبعث في نفوسنا الشوق إلى لقاء الله --، فالعلم النافع ما يدل على أمرين:

الأول:  معرفة الله -تبارك وتعالى- وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى، والأفعال الكاملة، وذلك يستلزم ولا شك إجلاله، وإعظامه، وخشيته ومهابته، ومحبته، ورجاءه، والتوكل عليه، والرضا بقضائه، والصبر على بلائه.

والأمر الثاني: يعرفنا بما يحبه المعبود --، ما يرضاه منا وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات، والأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة، فمتى كان العلم نافعاً واستقر في القلب فإن ذلك يوجب له ولابد خضوعاً وانكساراً، وخشية، فتظهر آثاره على العبد إجلالاً لله، وتعظيماً، بخلاف العلوم التي لا تورث القلب إلا قسوة وإعراضاً وشروداً عن ربنا ومليكنا ومعبودنا --.

فنحن في مثل هذه المجالس نتذاكر في أشرف العلوم، في العلم المتعلق بأوصاف الله ، وأسمائه، العلم الذي يعرفنا بخالقنا ومعبودنا، والعبد بحاجة إلى هذا العلم من أجل أن يعظم المعبود حق التعظيم، ومن أجل أن يعبده عبادة لائقة فلا يقدم شيئًا على محابِّ الله .

في مثل هذه المجالس نتذاكر في أشرف العلوم، في العلم المتعلق بأوصاف الله، وأسمائه، العلم الذي يعرفنا بخالقنا ومعبودنا، والعبد بحاجة إلى هذا العلم من أجل أن يعظم المعبود حق التعظيم، ومن أجل أن يعبده عبادة لائقة فلا يقدم شيئًا على محابِّ الله  
ولا يوجد في قلبه ما يزاحم محبة الله، أو يكون شيء من المخلوقين أعظم في نفسه خوفاً من الله ، أو يتوكل على الخلق الضعفاء، ولا يثق بما عند الله -تبارك وتعالى-، إلى غير ذلك من الأمور التي سنذكرها في موضعها إن شاء الله.

فسنتحدث عن بعض المقدمات المتعلقة بالأسماء الحسنى، والذي سيكون عن تسع قضايا:

1.    الكلام على الاسم والصفة والفرق بينهما.

2.    في ذكر ضابط ما يضاف إلى الله -تبارك وتعالى- من الأسماء.

3.    في الكلام على الأركان، أركان الإيمان بأسماء الله الحسنى.

4.  في الكلام على إحصائها: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)([3])، ما المراد بالإحصاء؟

5.  في الكلام على الروايات التي ورد فيها سرد الأسماء في هذا الحديث المخرج في الصحيحين، جاء في بعض رواياته في غير الصحيحين سرد للأسماء، سأتكلم على ثبوت هذا الحديث، وما يتعلق بالكلام على رواياته وضعفه.

6.    في ذكر مظان الأسماء الحسنى، أين نبحث عنها؟ أين نجدها؟

7.    في الأصول التي ترجع إليها، ما هي الأسماء التي ترجع إليها جميع الأسماء الحسنى؟

8.    في تفاضل أسماء الله -تبارك وتعالى.

9.    في الكلام على الاسم الأعظم.

هذه تسع قضايا سنعرضها ونحرص على أن يكون الكلام سهلاً واضحاً، لا يستشكله السامع.

أولاً: الكلام على الاسم والصفة والفرق بينهما:

معلوم أن النحاة يعرفون الاسم من حيث هو يقولون: ما دل على معنى في نفسه، ولم يقترن بزمن، زيد، مسجد، كتاب، مصحف، وأن الفعل ما دل على معنى في نفسه، واقترن بزمان، ذهب في الزمن الماضي، دل على الذهاب ودل على الزمن الماضي، يذهب دل على الذهاب، ودل على الزمن وهو المضارع، اذهب دل على الذهاب، ودل على طلبه في المستقبل، وهكذا قرأ دل على القراءة، ودل على زمانها أنه كان في الزمن الماضي، يقرأ في الزمن الحاضر المضارع، فالفعل يدل على شيئين يدل على المعنى، ويدل على الزمن، وأما الاسم فيقولون: إنه ما دل على معنى في نفسه، ولم يقترن بزمان، وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه لله- يقول: إن أسماء الأشياء هي الألفاظ الدالة عليها، هذا كأس، وهذه ساعة، وهذا الذي بيدك كتاب دفتر، وهذه نظارة، وهذا مصحف، وتلك سيارة.

فهي الألفاظ الدالة على الأشياء فنحن نتعرف على الأشياء إما بالإشارة الحسية، أو بأسماء الإشارة، تقول: هذا أفضل من هذا، أو تقول: خذ هذا، وقد نتعرف على الأشياء بما يدل عليها من الضمائر، حينما نكني عنها بالضمير، فتقول: هو مسافر، أي زيد مثلاً، ونتعرف عليها بأسمائها التي وضعت لها، فهذا زيد، وهذا عمر، وهذا صالح، هذا ثوب، وهذا منزل، دار، وهذه طائرة، وهكذا، هذا الاسم.

والصفة: هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات، وعبر عنها ابن فارس -رحمه الله- وهو من أئمة اللغة من المتقدمين من أهل السنة الذين لا تجد في كتبهم لوثة كلامية -رحمه الله رحمة واسعة- يقول عن الصفة: إنها الأمارة اللازمة للشيء([4])، هذا طويل، وهذا قصير، وهذا مريض صحيح، وهذا عالم، وهذا جاهل، وهذا تقي، وهذا فاسق، وهذا مؤمن، وهذا كافر، فهذه أوصاف، هذه هي الصفة، وبهذا يمكن أن نعرف الفرق بين الاسم والصفة.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة ورد سؤال عن هذه القضية، وحاصل الجواب: أن أسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به([5])، بناء على اعتبار أن كل اسم -كما هو الراجح- مشتق، ما فيها اسم جامد، والاسم الجامد يعني غير المشتق، فالمشتق معنى ذلك أنه يدل على صفة، أو مشتق من صفة، فالرحيم من الرحمة، والغفور من الغَفْر، والرزاق من الرَّزق، والخالق من صفة الخلق، والحي من صفة الحياة، فأسماء الله -تبارك وتعالى- تدل على أوصاف، كلها مشتقة، ولاشك أن المشتق أبلغ من الجامد؛ لأن الجامد لا يدل على صفة، وسيأتي إيضاح ذلك بإذن الله  بأكثر من هذه الجملة، لكن يقال: أسماء الله كل مادل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به، تقول: العزيز دل على ذات الله ودل على صفة العزة، الرحيم دل على ذات الله ودل على صفة الرحمة، الله دل على ذات الله، ودل على صفة الإلهية، الخالق دل على ذاته، ودل على صفة الخلق، الحي دل على ذاته، ودل على صفة الحياة، إلى غير ذلك. 

فهذه أسماؤه -تبارك وتعالى- تدل على ذاته، وتدل على صفة تقوم به ملازمة للذات، أما الصفات فهي نعوت الكمال القائمة بالذات.

إذن الاسم يدل على أمرين، والصفة تدل على شيء واحد، الصفة مثل: العزة، ليست اسمًا؛ لأن الاسم هو العزيز يدل على الذات، وعلى صفة العزة، العزة صفة فهي تدل على معنى يقوم بالله ، فهذه صفة معنوية، وكذا الصفات غير المعنوية مثل: صفة الوجه، فهي صفة ثابتة لله -تبارك وتعالى- لكنها ليست اسمًا، وهكذا الصفات الفعلية مثل: الاستواء، النزول، فالاستواء صفة فعلية، وهو علو خاص، استوى على العرش، أي: علا وارتفع، الكلام صفة فعلية، لكن ليس من أسماء الله  الكلام، ولا من أسمائه المتكلم، ولا من أسمائه المستوي، لكن من صفاته الاستواء، والكلام، والعلو والفوقية، وما إلى ذلك من الأوصاف.

إذن الصفة تدل على نعوت الكمال القائمة به سواءً كانت معنى، أو كانت صفة غير معنوية، أو كانت فعلاً من الأفعال، ويمكن أن نذكر ثلاثة فروقات على سبيل الاختصار والتلخيص بين الاسم والصفة؛ لنعرف الفرق بينهما، فنقول:

الفرق الأول بين الاسم والصفة أن الأسماء يُشتق منها صفات، أما الصفات فلا يشتق منها أسماء، هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب.

كل اسم يشتق منه صفة لله -تبارك وتعالى-، الكريم اسم نشتق منه صفة الكرم، العلي اسم يشتق منه صفة وهي العلو.

الرب اسم من أسمائه يشتق منه صفة الربوبية، المعطي اسم من أسمائه -جل وعلا- يشتق منه صفة الإعطاء، وهكذا.

لكن هل نشتق من صفات الله  الأسماء له؟

الجواب: لا؛ لأنه كما سيأتي أن أسماء الله -تبارك وتعالى- توقيفية، فلا نأخذ له أسماء نحن نفهمها من الصفات، لا نسميه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله ﷺ فقط، فإذا رأيت صفة مثل: الكلام، فإنك لا تأخذ منها اسمًا لله  وتقول: من أسمائه المتكلم، ومن صفات الله  الكيد وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:16]، وليس من أسماء الله  الكائد.

ومن صفات الله -تبارك وتعالى- أنه ينزل إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر كل ليلة، فلا يمكن أن نأخذ من هذا اسماً ونقول: من أسماء الله  النازل، فالأسماء لا تشتق من الصفات، لكن الصفات تشتق من الأسماء، كلما رأيت اسماً لله  فهو متضمن لصفة، يمكن أن تأخذ منه صفة فإنه يدل على أوصاف الكمال، قد يدل على صفة واحدة، وقد يدل على أكثر كما سيأتي -إن شاء الله-، فأسماء ربنا -تبارك وتعالى- أوصاف كما قال ابن القيم -رحمه الله- في النونية:

أسماؤه أوصافُ مدحٍ كلُّها *** مشتقةٌ قد حُملِّت لمعانِ

يعني تحمل معانيَ كاملة، وأوصافًا لائقة بالله -تبارك وتعالى-، نحن نحتاج هذه القضايا عند الكلام على اسم الله الرحمن في موضعه، من أهل العلم من يقول: إنه جامد، الكلام على اسم الله -تبارك وتعالى- الله هل هو جامد، أو مشتق لو قلنا: إنه مشتق معنى ذلك أنه يدل على صفة، فالقاعدة كل أسماء الله  مشتقة فهي دالة على أوصاف الكمال، فأسماؤه أسماء، وفي نفس الوقت هي نعوت تدل على صفات الكمال له -تبارك وتعالى-، ولا تنافي فيها بين العلمية -كونها علمًا يدل على الذات-، وبين الوصفية، فالرحمن علم على الذات الإلهية، وهو أيضاً يتضمن صفة وهي الرحمة، فاسميته ووصفيته لا تنافي بينهما؛ لأن كل اسم يتضمن صفة، فإذا نظرنا إلى الاسم باعتبار أنه صفة كالرحمن فإنه يأتي تابعًا لاسم الله  "الله"، وإذا ورد تقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وإذا ورد يراد به العلمية مع الصفة فإنه يأتي: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ [الإسراء:110]، فتقول: يا رحمن يعني يا الله، فأنت تدعو الله ، فهو علم عليه -تبارك وتعالى-، هذا الفرق الأول.  

الفرق الثاني: أن أسماء الله  لا تشتق من الأفعال، أي: أفعال الله -تبارك وتعالى-، فالله من أفعاله أنه يحب ويكره، ويضحك، وينزل إلى السماء الدنيا، ويغضب، فلا نسميه بالمحب، الكاره، النازل، الغاضب، وما إلى ذلك، أخذاً من هذه الأفعال، أما الصفات فإنها تشتق من الأفعال، فمثلاً: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، هذا فعل فنشتق منه صفة، نثبت لله صفة المحبة، الله -تبارك وتعالى- غضب على أقوام "غضب"، "يغضب" إذا وردت هذه اللفظة في أفعال الله  يمكن أن نشتق منها صفة.

نقول: من صفاته  صفة الغضب، ومن أفعاله أنه يغضب، فالصفات تشتق من الأفعال، والأسماء لا تشتق من الأفعال، لهذا قيل: باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع من باب الصفات، بمعنى أنك تخبر عن الله  تقول: الله يقرر هذا المعنى، هل المقرر من أسماء الله؟، لا، هل هو من الصفات؟، لا، فأنت يمكن أن تعبر بعبارة تكون لائقة تعبر بها لا من باب الوصف، وإنما من باب الخبر، فالخبر أوسع، فالله يقول: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ الذاريات:47، "بأيدٍ" أي: بقوة، فالأيد هنا ليست جمع يد؛ لأن اليد تجمع على الأيدي، والأيد بمعنى القوة، وليس هذا من التأويل، ولكن هذا من كلام العرب كما قال الله: دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ ص:17، يعني: القوة، وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ الذاريات:47 أي: بقوة.     

لا يشتق منه اسم الله  فيقال مثلاً: إن الله بانٍ أو بنّاء أو نحو ذلك، الله -تبارك وتعالى- أخبرنا أنه يسقى فقال: فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ الحجر:22 في ماء المطر، فهذا لا يؤخذ منه اسم لله -تبارك وتعالى-، فلا يقال: إن الله -تبارك وتعالى- هو الساقي.

وهكذا أيضاً قال الله تعالى: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا الشمس:14 فلا يقال: إن من أسماء الله تعالى المدمدم.

وهكذا أيضاً لا يقال: إن الله مدمر، أو إنه طامس؛ لأنه قال مثلا: فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ القمر:37، وكذلك لا يقال: إنه المقطِّع لأنه قال عن بني إسرائيل: وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا الأعراف:168، ولا يقال: إنه المُنسِي: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ الحشر:19، وهكذا في سائر الأمثلة التي من هذا القبيل، فبعض الناس يستشكل هذا، يقول: لماذا تقول: إن الله مثلاً يقرر هذا المعنى؟ لابد أن نتأكد هل التقرير صفة من صفات الله  أم لا؟، نقول: لا يحتاج أن نتأكد، باب الإخبار أوسع من باب الصفات، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، فعندنا صفات لا يشتق منها أسماء لله -تبارك وتعالى.

الفرق الثالث: أن أسماء الله تعالى وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها، الأسماء مثل: العزيز، تقول: أعوذ بالعزيز، أعوذ بالله، أعوذ بالرحمن، فاستعذت بها، أسماء الله وصفاته تشترك في الاستعاذة والحلف، تقول: والله، والرحمن، والعزيز، والعظيم، والعلي، تحلف بأسماء الله، وأيضاً تستعيذ وتحلف بالصفة، تقول: وعزة الله، وعظمة الله، هل للإنسان أن يحلف بالقرآن؟

يجوز لأن القرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته، فتحلف بالقرآن، لكن هل يجوز الحلف بالكعبة؟

لا؛ لأنها مخلوق.

فنحن في الصفات نستعيذ بها، تقول: أعوذ بعزة الله وقدرته.

فهذه صفات وليست أسماء، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر، وتحلف بها تقول: وعزة الله، وعظمة الله، وإلهية الله، وكلام ربي، هذا لا إشكال فيه.

إذن تشترك الأسماء والصفات في أنهما يحلف بهما، ويستعاذ بهما، لكن تختلفان في أمرين هما:

  • التعبيد.
  • والدعاء.

فالتعبيد والدعاء لا يكونان إلا للأسماء، تقول: عبد الله، عبد العزيز، عبد الرحمن، عبد العظيم، عبد الكريم، لكن هل تقول: عبد الكرم؟ الكرم صفة، هل تقول: عبد العزة؟ عبد الرحمة؟ هذا لا يمكن، لا نعبِّد أسماءنا لصفات الله وإنما لأسمائه؛ لأن التعبد إنما يكون لله -تبارك وتعالى-، والدعاء تقول: يا الله، يا رحمن، يا رحيم، يا عظيم، لكن هل تقول: يا عزة الله، يا رحمة الله، يا عفو الله، هكذا تدعو الصفة؟

الجواب: لا، الصفة لا تدعى، إنما الذي يدعى هو الموصوف --، تقول: يا عزيز، يا رحيم، يا عفو اعفُ عني، يا رحمن ارحمني، وهكذا.

إذن اتفقت الأسماء مع الصفات في شيئين، وافترقتا في شيئين، وجملة الفروق ثلاثة.

ما الفرق بين باب الأسماء -باب التسمية- وباب الإخبار؟

يمكن أن يلخص ذلك بأمور محددة فيقال:

الفرق الأول: أن أسماء الله توقيفية لا نسميه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله ﷺ.

أما باب الخبر فهو أوسع، فيمكن أن نخبر عن الله بأنه موجود، ومعلوم أن الموجود ليس من أسماء الله -تبارك وتعالى-، فنقول: الله موجود، ويمكن أن نقول عن الله : إنه قديم، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وتلميذه ابن القيم لا على سبيل التسمية، فليس من أسمائه القديم، وأحسن من هذا أن يعبر بالأول هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ الحديد:3، ولكن لو أن أحداً في مقام الحِجاج والرد على بعض المبطلين خرجت منه هذه العبارة فقال: الله القديم ويقصد أنه الأول الذي ليس قبله شيء، ومع أن ذلك لم يرد في الكتاب ولا في السنة فهذا من باب الخبر، فباب الخبر أوسع من باب الأسماء.

الفرق الثاني: أن أسماء الله حسنى، كاملة الحسن، فهي تحمل الحسن المطلق، أما الخبر فيكفي أن لا يكون بعبارة غير لائقة، قد لا تكون هذه العبارة بالغة في الحسن غايته، ولكن يكفى أنها لا تحمل معنى لا يليق، بهذا القيد، ولذلك فيمكن أن يعبر، أو يخبر عن الله -تبارك وتعالى- بأنه موجود، وبأنه ساتر، لكن السِّتير أبلغ؛ لأنه هو الوارد عن النبي ﷺ([6]).

الفرق الثالث: أن أسماء الله الحسنى يدعى بها، أما الخبر عن الله فإنه لا يدعى به، لا تقول: يا قديم، يا موجود، وإنما تقول: يا الله، اللهم إني أسألك بأنك أنت الأول الذي ليس قبلك شيء، وأنت الآخر الذي ليس بعدك شيء، هذه فروقات ثلاثة بين باب التسمية وباب الخبر.

ثانياً: ضابط الأسماء الحسنى:

تجدون في كلام أهل العلم الذين عدوا الأسماء الحسنى تجدون تفاوتاً، حتى الروايات التي سردت الأسماء الحسنى تجدونها متفاوتة، وبعضهم يعد مثل ذي الجلال والإكرام من الأسماء، وبعضهم يذكر أسماء لا تثبت لله  أصلاً، مثل: الباقي وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27]، هذه صفة، فأخذ بعضهم منها اسم الباقي، فما هو الضابط الذي من خلاله نعرف الاسم، ونقول: هذا اسم من أسماء الله ؟

العلماء في هذه القضية غير متفقين، فمنهم من يعتمد على العد الوارد في الأسماء المسرودة في حديث أبي هريرة المشهور في الصحيحين -لكن سرد الأسماء ليس في الصحيحين-: إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، ثم جاء سردها في هذه الروايات، فأخذوا هذه -يعني من صحح هذا الحديث ولو من بعض طرقه، في روايته عند الترمذي([7])-، وقالوا: هذه أسماء لله ، وهؤلاء سيبقى عندهم إشكالات؛ لأن الروايات الواردة فيها مختلفة ليست متفقة. 

ومن أهل العلم من اقتصر على ما ورد بصفة الاسم فقط، كما فعل ابن حزم في عد الأسماء قال: هذا اسم الله، وهذا منهج ضيق.

ومنهم من قابلهم بتوسع فاشتقوا من كل صفة وفعل اسماً لله، ولم يفرقوا بين باب الأسماء وباب الصفات، بل أدخلوا أشياء هي من باب الإخبار فجعلوها من أسماء الله -تبارك وتعالى-، وأضافوا إلى الله أسماء لا يصح أن تضاف إليه.

والمنهج الرابع وهم الذين توسطوا بين منهج من ضيق ذلك وهو ابن حزم، وبين من توسع وأضاف إلى الله -تبارك وتعالى- كل ما جاء في الأفعال والصفات، وهذا هو قول عامة أهل العلم، وعليه المحققون، فجعلوا شروطاً لاشتقاق الاسم من الصفة أخذاً من النصوص، ولذلك يقول شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- في بيان ضابط الأسماء يقول: "الأسماء الحسنى هي التي يدعى الله بها"، تقول: يا الله، يا عزيز، يا رحمن، هذا واحد، "وجاءت في الكتاب والسنة"، فلا نركب أشياء ونولدها من عندنا أنفسنا، "وتقتضي المدح، والثناء المطلق بنفسها"([8])، أي: دالة على معانٍ، فمثل: النزول هل يقتضي ثناء مطلقاً بنفسه من حيث هو؟.

الجواب: لا، كلمة النزول هذا الفعل من حيث هو لا يدل على كمال بنفسه، فهذه تكون دالة على كمال بنفسها ومعنى حسن، فهي حسنى، وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا الأعراف:180، هنا قال: "ولله الأسماء الحسنى" سمى بها نفسه، فنأخذها من الكتاب والسنة، (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)([9])، وكل هذه سمى الله بها نفسه، فهي تقتضي معانيَ حسنة كاملة، وأما ما كان منقسمًا في معناه إلى كمال ونقص، وخير وشر فإنه لا يدخل في أسمائه الحسنى، مثل: الكيد، الكيد يأتي بمعنًى كامل، صفة كمال، وذلك فيمن يستحق الكيد، المكر من صفات الله، وهذا يكون كمالاً حينما يوقَع بمن يستحق ذلك، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ الأنفال:30، لكن هل يضاف ذلك إلى الله على سبيل الإطلاق فتقول: كائد مثلاً؟.    

الجواب: لا؛ لأن هذا لا يتضمن كمالاً بهذا الإطلاق من كل وجه، إنما يكون كمالاً في موضعه، فالله أضافه إلى نفسه لا من باب الأسماء إنما من باب الأفعال والصفات حيث يكون ذلك كاملاً فقط، فنقول: الله  يمكر بالكافرين، بالمجرمين، بالظالمين، ونقول: الله يكيد للكافرين والمنافقين، فيملي لهم؛ ليزدادوا كفراً، ثم بعد ذلك يلقونه على شر حال، ثم تكون عاقبتهم إلى النار، وهكذا فلا يكون كمالاً بإطلاق، إنما يكون كمالاً في موضعه الذي يحسن فيه، وهذا هو الذي يضاف إلى الله -تبارك وتعالى.

إذن أسماء لابد أن يكون الاسم ورد في الكتاب والسنة، ولابد أن يدل على معنى حسن بإطلاق،  معانٍ كاملة، أوصاف كاملة، وأن الله يدعى بها، وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا، ومن تتبع كلام أهل العلم في هذا فمنهم من يجمل، ويذكر قيداً أو قيدين وهذا حال أغلب العلماء، ومنهم من يزيد على ذلك، وإذا أردت أن تتتبع ما قالوه فيمكن أن تخرج بجملة من الضوابط والقيود والشروط، فيقال:

الشرط الأول: أن يثبت الاسم بنص في الكتاب أو في السنة، وهذا ينبغي ألا يختلف فيه، وهو من الوضوح بمكان.

الشرط الثاني: أن يكون الاسم صالحاً للعلمية، فالأسماء أو الأعلام لها علامات يمكن أن تعرف بها في كلام العرب، النحاة مثلاً جعلوا علامات للاسم، منهم من يذكر بعضها في المختصرات، ومنهم من يزيد عليها في الكتب المتوسطة، ومنهم من يتوسع في المطولات، فعلامات الاسم منها: 

- أن يكون قابلاً لدخول حرف الجر، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ الفرقان:58 على الحي، الفعل لا يدخل عليه حرف الجر، فحتى تفرق بين الاسم وقسيميه أعني الفعل و الحرف؛ لأن الكلام مكون من ثلاثة أشياء، الاسم والفعل والحرف الذي جاء لمعنى -حروف المعاني وليست حروف التهجي-، حتى نقيس هذه اللفظة هل هي اسم أو فعل أو حرف فهناك علامات يمكن أن نستعرضها على هذه اللفظة فنعرف قد تنطبق عليها هذه العلامة، أو هذه العلامة، أو هذه العلامة، فقبول حرف الجر هذه علامة على أنها اسم، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ.

- التنوين سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58] فرب اسم، ورحيم اسم، وسلام اسم، لكن لفظة سلام ليس المقصود بها التسمية، وهذا له مجال آخر في بيان المراد، لكن الشاهد هنا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ فدخل عليه التنوين.

- أو تدخل عليه ياء النداء: يا حي ياقيوم كما ثبت عن النبي ﷺ([10]).

   وبعضهم يقول: أن تكون هذه اللفظة مناداة.

- أو يكون الاسم معرفا بالألف واللام، دخول "ال" سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الأعلى:1 فدخلت عليه "ال".

- أو يضاف إليه معنى من المعاني، أي قبول الإسناد، أن يكون مسنداً إليه، فتقول مثلاً: الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا الفرقان:59، فالرحمن اسم لوجود الإسناد إليه، لما تقول: محمد أعطاني كتاباً، الإعطاء مسند لمحمد، لكن لا تقول: ذهبَ أعطاني كتاباً، إلا لو الشخص سمي بذهبَ، مثل: يزيد لكن ذهب فعل ماضٍ لا يصح، لابد أن يكون المسند إليه اسماً، هذه خمس علامات، كما قال ابن مالك في ألفيته:

بالجر والتنوين والندا و"ال" *** ومسندٍ للاسم تمييزٌ حصل

يتميز الاسم بهذه العلامات الخمس، بالجر، والتنوين، والنداء، و"ال"، والإسناد إليه، فهنا: للاسم تمييز حصل.

الشرط الثالث: هذا القيد ذكره بعض أهل العلم، وهو ليس محل اتفاق وهو أن يأتي مطلقاً دون قيد أو إضافة بحيث يفيد المدح والثناء على الله بنفسه لا بما قُيد به، فما كان لا يفيد المدح والثناء إلا بما وضع له من قيد، قالوا: هذا لايصلح في الأسماء، لا يكون اسماً، أو كان لا يظهر منه الكمال إلا بالإضافة إلى غيره، فلم يعدوه من الأسماء وهذا ليس محل اتفاق.

فالذين اعتبروا هذا الشرط طبقوه على أمثلة كثيرة منها ما هو صحيح، ومنها ما هو مردود عند من لم يعتبر هذا الشرط، مثلاً: لفظه بالغ اسم أو فعل أو حرف؟

بلغ فعل، بالغ اسم، ليس بحرف ولا بفعل، يمكن أن تقول: البالغ تدخل عليه الألف واللام، بالغٌ دخل عليه التنوين، من بالغٍ دخل عليه الجر، يا بالغ يمكن أن تدخل عليه ياء النداء، يمكن الإسناد إليه، فعلامات التسمية تنطبق عليه، فهل يسمى الله  به؟

هناك علامات التسمية من أجل أن نميزه عن الفعل والحرف فقط، لا يعني أنها لو انطبقت يصلح أن تكون أسماء لله، الكلام ليس فيه تناقض، إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ الطلاق:3، هنا الكمال لا يظهر في هذه اللفظة بمجردها، وإنما بإضافتها إلى غيرها. 

كذلك المُخزي هو اسم، وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ التوبة:2، فلفظة المخزي اسم، لكنها لا تدل على الكمال بنفسها، لكن لما أضيف ذلك إلى الكافرين صار ذلك كمالاً، فهذا لا يكون من أسماء الله، مع أنه اسم ليس بفعل ولا بحرف.

كذلك لفظة عدو هي اسم فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ البقرة:98.

وكذلك أيضاً الخادع إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ النساء:142 هذا اسم.

وكذلك المتم وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ الصف:8 فالمتم بمجرده لا يدل على كمال، يمكن أن تقول: فلان يتم ما بقي من الشر، أو الفساد، أو المنكر، فيأتي بحسب ما يضاف إليه.

وهكذا الفالق والمُخرِج إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى الأنعام:95، إلى أن قال: وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ الأنعام:95، فالفالق والمُخرِج ليسا من أسمائه -تبارك وتعالى.

وهكذا أيضاً الفاطر، والجاعل والمتوفي، والرافع، والمطهر، والمهلك، والمنزل، والسريع سَرِيعُ الْعِقَابِ الأنعام:165 كل هذا جاء في الآيات لكنه لم يأتِ مطلقاً، وإنما مقيد أو بالإضافة، فهذه إنما تذكر في حق الله -تبارك وتعالى- على الوضع الذي قيدت به، ويُدعَى بها على ما ورد في النص، كيف دعا النبي ﷺ؟، (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)([11])

لا تقل: يا مقلب، هكذا، وإنما "يا مقلب القلوب".

الشرط الرابع: أن يكون هذا الاسم دالا على صفة من صفات الكمال، فكما عرفنا أن أسماء الله  أعلام وأوصاف، فكل اسم فهو متضمن لصفة من صفاته الكاملة -تبارك وتعالى-، وعرفنا أن أسماء الله جميعاً مشتقة، وأنها ليست جامدة، وقلنا: إن هذا هو الأبلغ وهو اللائق فيما نسمي الله -تبارك وتعالى- به، وإلا لم تكن الأسماء حسنى إذا كانت لا تدل على أوصاف الكمال، فالجامد لا مدح فيه ولا معنى له، لا يتضمن صفة، فإذا تعددت الأسماء وقيل: إنها كثيرة لا يحصيها الخلق فإنما هو تعدد ألفاظ لو قلنا بأنها جامدة كما يقول ابن حزم وبعض أهل البدع، يقولون: هي مجرد أعلام لا تدل على أوصاف، فهؤلاء هم الذين ينفون صفات الكمال عن الله -تبارك وتعالى-، الشاهد: الله كما في الحديث القدسي يقول: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار)([12]).

هل الدهر من أسماء الله؟، هل يصح أن يقال: فلان عبد الدهر يسمى بعبد الدهر؟

الجواب: لا، ليس من أسماء الله، فما وجه قول الله -تبارك وتعالى-: (وأنا الدهر)؟.

يبينه ما بعده، ما الذي بعده؟، "أقلب الليل والنهار"، فالدهر زمان ووقت، فهذا الذي يسب الدهر لما وقع فيه من الأمور المكروهة بالنسبة إليه هو في الواقع يعود سبه إلى من يقلب الليل والنهار، فالله -تبارك وتعالى- هو الذي يقدر الأقدار، ويسبب الأسباب، وهو -تبارك وتعالى- الذي يدير الليل والنهار، فمن سب الدهر فإن ذلك يعود إلى الله .

فالشاهد أن الدهر ليس من أسماء الله، مع أنه تدخل عليه علامات الاسم، لكن هل الدهر يتضمن صفة كمال؟، هل هو مشتق أم جامد؟ جامد، ما هي الصفة التي يتضمنها؟  

لا توجد صفة فهذا لا يصح أن يسمى الله -تبارك وتعالى- به، فهو لا يدل على كمال إطلاقاً لا مدح ولا يتضمن شيئاً من أوصاف الله -تبارك وتعالى.

الشرط الخامس: أن الوصف الذي يدل عليه هذا الاسم ويتضمنه لابد أن يكون كاملاً من كل وجه، فصفاته -تبارك وتعالى- كاملة، لا يكون هذا منقسماً يكون في موضعٍ كمالا وفي موضعٍ نقصًا، لابد أن يكون كاملاً من كل وجهة، الآن كثير من الأشياء قد تكون كمالاً بالنسبة للمخلوق كالزوجة بالنسبة للمخلوق كمال، لكن بالنسبة للخالق نقص ينزه عنه، السِّنة والنوم بالنسبة للمخلوق كمال، النوم بالنسبة له كمال، الذي لاينام مريض يحتاج إلى أن يذهب إلى الطبيب، ويقلق وينزعج أنه لا ينام، ولا يحصل له هذا الخلل أصلاً والاضطراب في النوم إلا لاختلال مزاجه، يعني تغيُّر عافيته وصحته، فهو كمال بالنسبة للمخلوق، لكنه بالنسبة للخالق لا شك أنه نقص. 

وهناك أشياء تكون في موضع من قبيل النقص، وفي موضع آخر من قبيل الكمال مثل: الكيد، تقول: فلان صاحب كيد، يكيد لأصاحبه، ويكيد لقراباته، ويكيد لجيرانه، هذا نقص، لكن حينما يقال: إن الله يكيد بالكافرين والمجرمين والظالمين إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا الطارق:15-16، فهنا يكون كمالا.

وهكذا أيضاً المكر، فهذا منقسم فهو في موضعٍ كمال، وفي موضعٍ نقص، فما كان كذلك فلا يصح أن يسمى الله به، لا يصح أن يسمى الله بكائد أو نحو ذلك، ولهذا ليس من أسمائه الحسنى الماكر مع أنه قال: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ الأنفال:30، وليس من أسمائه الفاتن، والله قال: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ طه:131، وليس من أسمائه المضل يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ الرعد:27، ولا المستهزئ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ البقرة:15 فهذا لأنه ليس بكمال مطلق، وإنما يكون كمالا في موضع، فمثل هذا لا يقال إلا في الموضع الذي يكون فيه من قبيل الكمال فقط، ولا يكون ذلك من باب التسمية، وإنما من باب الوصف.

الشرط السادس: أن ما ثبت الدعاء به فهو اسم من أسماء الله الحسنى؛ لأن الله يقول: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا الأعراف:180، ولهذا عدّ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من جملة الأسماء الحسنى -التي ليست فيما جاء في الرواية التي ورد فيها سرد الأسماء- السُّبُّوح، أنه من أسماء الله، وشيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- يعتبر أن الأسماء المضافة أنها من قبيل الأسماء أرحم الراحمين، خير الغافرين، رب العالمين، مالك يوم الدين، أحسن الخالقين، جامع الناس ليوم لا ريب فيه، مقلب القلوب، لأنه جاء الدعاء بها، وهذا عند شيخ الإسلام، لكن من اعتبروا القيد السابق -أنه لابد أن تكون جاءت بإطلاق من غير إضافة ولا تقييد- ما عدوا هذه من الأسماء، لذلك تجد العلماء حينما تستعرض تجد اختلافًا بينهم في العد بسبب هذه القيود، فمثل شيخ الإسلام وكذلك ابن القيم وجماعة من أهل العلم من المعاصرين الشيخ محمد العثيمين -رحم الله الجميع- يعدون ذلك من الأسماء؛ لأن النبي ﷺ دعا ربه بها، أو جاء الدعاء بها في القرآن، النبي ﷺ يقول: (يا مقلب القلوب)، قالوا: هذا اسم؛ لأن الله قال: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا الأعراف:180، فما جاء الدعاء به صلح أن يكون اسماً لله -تبارك وتعالى-، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ آل عمران:26 منادى، مالك الملك، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ آل عمران:9، ونحو ذلك.

الشرط السابع: أن ما ورد في الكتاب والسنة بصيغة اسم الفاعل إذا كان يدل على نوع من الأفعال ليس بعام شامل فلا يعد من الأسماء الحسنى، إذا اعتبرنا هذا القيد فيخرج اسم الزارع من الأسماء الحسنى، وأيضاً الذارئ، وأخرج به بعضهم المُسعِّر، مع أن النبي ﷺ قال: (إن الله هو المُسعر)([13])، وكثير من المحققين من أهل العلم عدو ذلك من أسماء الله -تبارك وتعالى- "المسعر"، المقصود أن تعرف أن بعض هذه الضوابط لم يتفق عليها، فكانت هي السبب في إدخال بعض العلماء لبعض الأسماء وإخراج الآخرين لبعض آخر من هذه الأسماء، وكنت حاولت أن أعمل مقارنة لما قيل: إنه من أسماء الله ، فوضعت جداول: اسم كل عالم، والأسماء التي سردها، ويظهر في الجدول مَن الذين عدوا هذا الاسم، وأسماء العلماء فوق، فوجدت أن بعض الأسماء ما ذكرها إلا واحد، وأن بعض الأسماء ذكرها جميع هؤلاء، ومنها ما لم يذكره إلا العدد القليل، وهكذا يتفاوتون بسب اختلافهم بمثل هذه الضوابط، الشيخ عبد الرحمن بن سعدى حينما ذكر الضابط -رحمه الله- قال: "ضابطه أن كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى"([14])، فقط، وما ذكره بعده فهو توضيح له وشرح ليس فيه زيادة، وإذا أردنا أن ندقق يمكن أن نقول: ذكر قيدين، الأول أنه اسم، والثاني أنه دال على صفة عظيمة، وكلام شيخ الإسلام السابق دل على أربعة أمور، ويقول شيخ الإسلام: "إن المسلمين في أسماء الله على طريقتين، كثير منهم يقول: إنها سمعية شرعية، فلا يسمى إلا بالأسماء التي جاءت بها الشريعة -يقولون: هذه قضايا توقيفية لا نسميه بغير ما سمى به نفسه-.

ومنهم من يقول: كل ما صح معناه في اللغة وكان معناه ثابتاً لله  لم يحرم تسميته به، فالشارع لم يحرم علينا ذلك، وما سكت عنه فهو عفو، وهذا الكلام غير صحيح تماماً، لو أن أحداً سماك باسم لم يسمك به أبوك فإنك تعتبر ذلك تعدياً وإساءة، فكيف بالله -تبارك وتعالى؟!.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- التوسط في هذا وهو أنه يُفرَّق بين أن يُدعَى بالأسماء أو يخبر بها عنه، فإذا دُعي فلا ندعوه إلا بما جاء بتوقيف، الأسماء التي تنطبق عليها الضوابط المعروفة؛ لهذا نقول: أسماؤه توقيفية، ولكنه يقول: باب الإخبار إذا أردنا أن نخبر عنه فهذا يكون بحسب الحاجة، يقول: يمكن أن يأتي ليترجم لآخر أسماء الله فهو ينقل له المعنى، فهذا المعنى الذي ينقله باللغة الأعجمية هل هو مطابق للمعنى الذي في اللغة العربية مائة بالمائة؟

الجواب: لا، هو يقرب له بلفظ يفهمه، فهذا للحاجة مع أن الله لم يسمِّ نفسه بهذا الاسم الذي صِير إليه بالأعجمية، فهذا للحاجة.  

كذلك إذا أردنا أن نخبر عن الله  فنقول: إن الزارع الحقيقي هو الله لا إشكال في هذا، ونقول: إن الله مذل من عصاه لا إشكال في هذا في باب الإخبار، هذا بالنسبة للضوابط.

ثالثاً: أركان الإيمان بأسماء الله الحسنى ويمكن أن أذكر تحته ثلاثة أركان:

الأول: أنه يجب على المؤمن، لا يكون مؤمناً بالأسماء حقيقة إلا إذا آمن بالاسم، لا ينفى الاسم وينكره ويجحده، أو يقول: إن الله ليس له أسماء، وإنما يجب الإيمان بالاسم الذي سمى الله به نفسه، فلابد من هذا، فالإيمان بالاسم يكون تحته أن تثبت الاسم حقيقة لله -تبارك وتعالى-، وقد نقل شيخ الاسلام -رحمه الله- اتفاق جميع أهل الإثبات الذين يثبتون الصفات من مختلف الطوائف على أن الله حي حقيقة، عليم حقيقة، وقدير حقيقة، سميع حقيقة، بصير حقيقة، فإذا آمنا بالاسم نثبت هذه الأسماء حقيقة لله .

الثاني: أن ننزه الله عن مماثلة المخلوقين، فالمخلوق يقال له: عزيز، قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ يوسف:51، والله من أسمائه العزيز، ولكن حينما يسمى الله -تبارك وتعالى- بالعزيز فإنه لا يكون مماثلاً لهذا المخلوق الذي سمي بالعزيز، فالتشابه أو التماثل في الاسم لفظًا لا يوجب التماثل حقيقة ومعنى، فلله من العزة ما يليق به، وللمخلوق من العزة ما يليق به، مثلما نقول: الله -تبارك وتعالى- يقال له: الحي، والمخلوق يقال له: الحي، وحياة الله  غير حياة المخلوق، فحياة المخلوق مسبوقة بالعدم ويعقبها الفوت والموت والعدم، ويعتريها النقص والآفات، فالنوم موتة، والضعف والمرض والإرهاق والتعب والنعاس والسِّنة كل هذا نقص في الحياة، لذلك قال الله : الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ البقرة:255 فنفى عنه هذه العوارض التي تكون نقصاً في الحياة، فحياته كاملة من كل وجه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الشورى:11، ولاحظوا هنا أنه ذكر السمع والبصر، والمخلوق يوصف بالسمع والبصر ولكن سمع الله  غير سمع المخلوق، وبصر الله -تبارك وتعالى- مغاير لبصر المخلوق، وإن وجد التطابق في الاسم لفظاً.

الثالث: أن نؤمن بأن أسماء الله -تبارك وتعالى- حسنى، أنها بالغة في الحسن غايته، وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ويمكن أن نضيف إلى هذا زيادة إيضاح فيقال: إن الله -تبارك وتعالى- وصف أسماءه بأنها حسنى في القرآن في أربعة مواضع بأربع آيات:    

-       في الأعراف: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ الأعراف:180.

-       وفي الإسراء: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الإسراء:110.

-       وفي طه: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى طه:8.

-       وفي الحشر: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الحشر:24.

والحسنى هي تأنيث الأحسن كما يقال: الكبرى والصغرى، فهذا تأنيث للأكبر والأصغر، وقد ذكر ابن الوزير اليماني -رحمه الله- ما يبين هذا المعنى: أن الحُسن من صفات المعاني([15])، فكل لفظ له معنيان حسن وأحسن، والمراد هنا بالحسنى أي الأحسن من المعنيين من أجل أن يصح الجمع على حسنى، ولا يفسر بالحسن منهما إلا الأحسن؛ لهذا الوجه، وشيخ الاسلام يوافقه على هذا، يقول: الحسنى هي المفضلة على الحسنة، والواحد الأحاسن([16])، فالشاهد أن الاسم إذا كان له أكثر من معنى وبعض هذه المعاني أحسن من بعض نفسره بالأحسن، مثلاً: الخالق له عدة معانٍ، منها: المقدر، فإذا قال: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الحشر:24 فهنا نفسر الخالق بالمقدر، والبارئ المنشئ من العدم، ففسرناه هنا بالمقدر من أجل أن لا يكون تكراراً محضًا، لو فسرنا الخالق بالموجد من العدم، فالبارئ هو الموجد من العدم، ما حصل عندنا معنى جديد، فالأبلغ والأحسن أن نقول: الخالق هنا في هذا الموضع: هو المقدر، يقدِّر ثم يوجِد بناءً على هذا التقدير، "الخالق البارئ"، مثل ذلك: الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الحشر:23 إذا قلنا: إن القدوس هو المقدس المنزه من كل عيب ونقص، وقلنا: السلام هو السالم من كل عيب ونقص، فالمعنى واحد، لكن من أهل العلم من يقول: القدوس هو المنزه من كل عيب ونقص في الماضي والحاضر، والسلام هو السالم من كل عيب ونقص وآفة في المستقبل، فحصل الفرق، أو من يقول: إن القدوس هو الطاهر، والسلام هو السالم من كل عيب ونقص، فهذه الألفاظ تحتمل أكثر من معنى، فنحمل ذلك على أفضل هذه المعاني، ولا مانع إذا كان لها أكثر من معنى مثل لفظة رب كما سيأتي -إن شاء الله- لها ما يقرب من سبعة معانٍ، وكل هذه المعاني صحيحة، والأكمل أن نحملها على جميع هذه المعاني، وكذلك من أسماء الله -تبارك وتعالى- الجبار كما سيأتي في موضعه -إن شاء الله-، الجبار تأتي بمعنى العزيز الذي يقسم ظهور الجبابرة، وتأتي لفظة الجبار بمعنى الذي يجبر كسر الضعيف، ويقوي الكسير، منكسر القلب، تقول: اللهم اجبر كسرنا، فهو جبار بهذا الاعتبار، ويأتي بمعنى العالي؛ ولهذا يقال للنخلة الطويلة: جبارة.    

فله العلو المطلق، علو الذات، وعلو المنزلة، وعلو القهر، فلا إشكال أن نفسر الجبار بهذه جميعاً، وسيأتي -إن شاء الله- في موضعه.

أسماء الله الحسنى: ما وجه كون هذه الأسماء حسنى؟، يمكن أن نذكر لذلك وجوهًا متعددة:

الوجه الأول: أن الله -تبارك وتعالى- كما قال القرطبي: سمى أسماءه بالحسنى؛ لأنها حسنة في الأسماع والقلوب([17])، وهي تدل على توحيده وكرمه، وجوده ورحمته، وإفضاله.

الوجه الثاني: قيل لها: حسنى؛ لأنها متضمنة لصفات كمال الله لا نقص فيها في وجه من الوجوه، لا احتمالاً ولا تقديراً.

هذه المعاني صحيحة كلها، داخلة في كون الأسماء حسنى؛ لهذه المبررات، لهذه الأسباب.

الوجه الثالث: يقال لها: حسنى؛ لأنها أحسن الأسماء، وأكمل الأسماء، لا يوجد اسم أحسن منها، لا يمكن أن تأتي وتقول في هذا الاسم لله -تبارك وتعالى-: لو كان كذا بدلاً منه كان أحسن، بدلاً من الستير لو كان الساتر كان أحسن، نقول: لا يمكن أبداً فلا يقوم غيرها مقامها، ولا يؤدي معناها، وحينما يفسَّر الاسم ويقرب معناه بألفاظ للتبيين والتوضيح فإن ذلك ليس تفسيراً له بمرادفه، وإنما غاية ما هنالك هو تقريب المعنى، إذا عُرف هذا فالله -تبارك وتعالى- له من كل صفة كمالٍ أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص.

فمثلاً صفة الإدراكات ماذا يكون من الأسماء يعبر ويتضمن ذلك، ويدل عليه؟، العليم والخبير واللطيف.

العليم: الذي يوصف بالعلم، والخبير: الذي يعلم خفايا وبواطن الأشياء، واللطيف أحد معانيه أنه الذي يعلم الدقائق، الأمور الدقيقة، دقائق الأشياء، لكن لا يقال: العاقل، والفقيه مع أن هذا من الأسماء أو الأوصاف الدالة على الإدراك، تقول: فلان يفقه أو ما يفقه، فلان يعقل، فلا يقال له: العاقل ولا الفقيه.

وهكذا أيضاً السميع والبصير ولا يقال: السامع، والباصر، والناظر، لو جاء أحد وقال: بدلا ما تقول: السميع قل: السامع، نقول: أبداً، السميع أبلغ.

وهكذا أيضاً من صفات الإحسان البَر والرحيم والودود، فهذا أبلغ من أن يسميه أحد بالشفوق مثلاً.

كذلك العلي العظيم أبلغ من أن يسمى بالشريف مثلاً.

كذلك الكريم لو جاء واحد وقال: نسميه بالسخي، فالوصف بالكرم أبلغ من الوصف بالسخاء.

وهكذا أيضاً الخالق البارئ المصور لو جاء واحد وقال: نسميه المُشكِّل مثلاً -التصوير بمعنى التشكيل-، المُوجِد، نقول: لا، هذه أبلغ الخالق البارئ المصور.

كذلك الغفور والعفو لو جاء واحد وقال: نسميه الصفوح والساتر، نقول: لا، نسميه بما سمى به نفسه، وذلك أبلغ بلا شك.

الوجه الرابع: من حسنها أنها تدل على صفات الكمال تماماً، فليس فيها شيء من الأسماء يحتوي أو يتضمن أو يدل على الشر، فالشر الله -تبارك وتعالى- ينزه عنه، ولا يضاف إليه، ولا يوصف به، إنما يدخل الشر في مفعولات الله -تبارك وتعالى-، ولهذا قال النبي ﷺ: (والشر ليس إليك)([18])، أي: لا يضاف إليه فعلاً ولا وصفاً، وإنما يدخل في مفعولاته، وفرق بين الفعل والمفعول، يعني: أن فعل الله ليس بشر، الفعل صفة، ولكن في المفعولات يوجد الشر، يعني مثلاً: الشيطان خير أو شر؟، شر، الكفر خير أو شر؟، شر، السرقة شر، ليس في أفعال الله شر، والله  خلق الخلق، فالشر يوجد في مفعولاته، ولا يوجد في أفعاله، فأفعاله كلها خير، فهو بالنظر إلى فعل الله  حينما خلق الشيطان، وحينما خلق الشر، والآفات، والحيات، والعقارب، والهوام وهذه الأمور فإن ذلك بالنسبة لفعل الله  لحكمة عظيمة. 

فحينما خلق الشيطان صار الناس في هذا الابتلاء والامتحان الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الملك:2، العزيز الذي يأخذ ويقهر من عصاه، والغفور أيضاً يستر الزلة ويتجاوز ويعفو، فهنا وجود الشيطان ووجود خلق هذه الأشياء المكروهة بالنسبة إلينا هي بالنسبة لفعل الله  وهو خالق الخلق هي خير وليست بشر، يحصل الابتلاء، يجزي قوماً بالحسنات، ويعاقب آخرين، ويظهر حلمه وعفوه وقدرته وعزته وحكمته، كل هذه الأشياء تظهر وإن لم يتبين بعضه، لكن كل شيء خلقه الله  وأوجده أو أمر به فهو لحكمة بالغة، فأفعاله ليس فيها شر، وأسماؤه ليس فيها ما يدل عليه، أو يتضمنه.

وإنما يدخل في مفعولاته كما ذكرت، وهذا بطريق العموم كما في قوله -تبارك وتعالى-: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ الفلق:1-2، فهو في المخلوقات، وكذلك أيضاً من شر الذي خلقه، أو من شر مخلوقه، وقد يحذف الفعل كما أخبر الله عن قيل مؤمن الجن: وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ الجن:10، وفي الخير قال: أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا الجن:10، قال: "أريد" ولم يقل: الذي أراده الله، وهذا من الأدب في العبارات. 

هذا مثل الخضر مع موسي ﷺ لما خرق السفينة وبين له أفعاله قال له: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا الكهف:79 فنسب العيب إلى نفسه، ولما هدم الجدار قال: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي الكهف:82 لاحظتم الفرق؟.

إبراهيم ﷺ ماذا قال؟، قال: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ الشعراء:78، أضاف الخلق والهداية إليه : وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ الشعراء:79، ما قال: والذي يمرضني، بل قال: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ الشعراء:80، فأضاف المرض إلى نفسه، فهذا من باب إضافته إلى محله القائم به. 

فالذي ينبغي أن يكون عليه الاعتقاد أن الخير والشر كل ذلك خلقه الله ولا يكون إلا بقضائه وإرادته لكن لا يضاف الشر إليه بوجه من الوجوه، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله وإن كان في مقدوره .

الذي ينبغي أن يكون عليه الاعتقاد أن الخير والشر كل ذلك خلقه الله ولا يكون إلا بقضائه وإرادته لكن لا يضاف الشر إليه بوجه من الوجوه، لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله وإن كان في مقدوره .
فمفعولات الله -تبارك وتعالى- بالنسبة إلينا يوجد بها شر، هذا الجرح وقع لهذا الإنسان، هذا الحادث الذي وقع هو بالنسبة إليه شر، لكن بالنسبة لأفعال الله  حِكم بالغة وخير.

الأمر الخامس: أن من حسنها ما فيها من معنى التعظيم والإجلال والإكبار لله ، والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال، فإذا قلت مثلاً: العزيز الحكيم فهذا من أبلغ ما يكون، العزة عادة أو غالباً تحمل على القهر والتسلط والعسف، فلربما تكون هذه الصفة موجودة عند الإنسان -العزة- لكنها تحمله على ما لا يليق، أما الله  فهو عزيز حكيم يضع الأمور في مواضعها، ويوقعها في مواقعها، فعزته مقرونة بالحكمة، لا يصدر عنه شيء يخرج عن الحكمة بخلاف الانسان قد توجد عنده عزة فتحمله على ألوان من الظلم والقهر والعدوان على الخلق. 

وقل مثل ذلك: حينما يقرن من أسمائه -تبارك وتعالى- الغني الحميد، الغِنى يحمل غالباً على البطر والطغيان كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى العلق:6-7، أما غنى الله -تبارك وتعالى- فهو غنى مع حمد، الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ الحج:64 فهو محمود في غناه، الإنسان قد يغنيه الله فيكون ذلك سبباً للكبر والبطر، والكفر، والتعالي على الخلق، والإعراض عن الله -- والمعاصي والفجور، الله -تبارك وتعالى- غنى حميد.

وهكذا السمع والبصر، السميع اسم يدل على صفة السمع، والبصير يدل على صفة البصر، لكن إذا قال: السميع البصير فهذا يعني الإحاطة؛ لأن الأشياء إما أن تكون مسموعة، وإما أن تكون مبصرة، فالله يسمع الأصوات ويبصر، عظيم البصر  لا يفوته شيء، لا تخفى عليه خافية، فيقرن بين السميع والبصير فهذا يكون كمالاً مركباً.

الركن الثاني من أركان الإيمان بأسماء الله: أن نؤمن بما دل عليه الاسم من معنى، وهذا يتضمن أمرين:

الأمر الأول: الإيمان بأن للأسماء معانيَ، كل اسم فهو يتضمن معنى، وليس الاسم مجرد علم محض لا يدل على صفة، فأسماؤه أعلامٌ وأوصاف، بخلاف أسمائنا نحن، الإنسان قد يُسمَّى صالحًا وهو أبعد ما يكون عن الصلاح، وقد يسمى بخالد وهو ميت هالك لا محالة، مفارق، فهكذا قد يسمى الإنسان بأي اسم من الأسماء التي قد تدل على صفة كمال، وهو أبعد ما يكون عنها؛ لأن أسماءنا مجرد أعلام، تدل على الذات فقط، تدل على المسمى، لكنها لا تدل على معنى بهذا الاسم، أما أسماء الله ، وأسماء الرسول ﷺ، وأسماء القرآن فإنها أعلام وأوصاف، فالجبار يدل على صفة الجبروت، ومن أسماء النبي ﷺ محمد، وهذا يتضمن صفة الحمد، ومن أسماء القرآن الفرقان؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل.

أما نحن فإن أسماءنا لا تدل على أوصاف فينا، فأسماء الله أعلام باعتبار دلالتها على ذاته المقدسة ، وهي أوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، فإذا نظرنا إلى أسماء الله  باعتبار دلالتها على الله الذات الإلهية فهي بهذا تكون مترادفة، العزيز الرحمن الكريم الرحيم كلها تدل على مسمى واحد، قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الإسراء:110.

وإذا نظرنا إليها باعتبار أن كل اسم يدل على معنى، فهي بهذا الاعتبار متباينة متغايرة، فالعزيز يدل على العزة، والرحيم يدل على الرحمة، إلى آخر ذلك.

الأمر الثاني مما يتعلق بهذا الركن: هو أن فهم هذه الأسماء وفهم معانيها والتفكر فيها لا يعني التفكر بذات الله ، فإن ذلك لا يجوز بحال من الأحوال، لا يجوز للإنسان أن يعمل فكره في ذات الله؛ لأنه لا يمكن أن يصل إلى هذا، ولكن حينما نتفكر في معاني هذه الأسماء، في أن الله هو الرزاق فنتوجه إليه إذا أردنا الرزق، فإذا تفكرنا بأنه هو الغني فإننا نتوجه إليه وحده بطلب الغنى، وإذا تفكرنا في اسمه الكريم كذلك.

الركن الثالث من أركان الإيمان بأسمائه -تبارك وتعالى-: وهو الإيمان بما يكون لها من آثار، وهذا سيأتي الكلام عنه.

أسأل الله  أن يبارك لنا ولكم في الأعمار، والأوقات، ويجعل هذه المجالس خالصة لوجهه الكريم، وسبيلاً إلى مزيد من الإيمان بالله -تبارك وتعالى- ومعرفته، والخوف منه ورجائه، والتوكل عليه، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


[1]- أخرجه ابن ماجه، أبواب الدعاء، باب ما تعوذ منه رسول الله ﷺ، برقم (3848)، وقال محققه الأرناؤوط: "صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل أسامة بن زيد -وهو الليثي- فهو صدوق حسن الحديث"، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3635)، وفي السلسلة الصحيحة، برقم (1511).

[2]- أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل، برقم (2722).

[3]- أخرجه البخاري، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط والثُّنيا في الإقرار، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم، وإذا قال: مائة إلا واحدة أو ثنتين، برقم (2736)، وبرقم (7392)، كتاب التوحيد، باب إن لله مائة اسم إلا واحدًا، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، برقم (2677).

[4]- مقاييس اللغة (6/ 115).

[5]- انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (3/ 160).

[6]- أخرجه أبو داود، كتاب الحمام، باب النهي عن التعري، برقم (4012)، والنسائي، كتاب الغسل والتيمم، باب الاستتار عند الاغتسال، برقم (406)، وأحمد في المسند، برقم (17970)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1756).

[7]- أخرجه الترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله ﷺ، برقم (3507)، وابن حبان في صحيحه، برقم (808)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (1945).

[8]- انظر: شرح العقيدة الأصفهانية (ص: 31).

[9]- أخرجه أحمد في المسند، برقم (3712)، وقال محققوه: "إسناده ضعيف"، والحاكم في المستدرك، برقم (1877)، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فإنه مختلف في سماعه عن أبيه"، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (199).

[10]- أخرجه أبو داود، باب تفريع أبواب الوتر، باب الدعاء، برقم (1495)، والترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء ما يقول عند الكرب، برقم (3436)، والنسائي، كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر، برقم (1300)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1342).

[11]- أخرجه الترمذي، أبواب القدر عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، برقم (2140)، والنسائي في السنن الكبرى، برقم (7690)، وأحمد في المسند، برقم (12107)، وقال محققوه: "إسناده قوي على شرط مسلم"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (7987)، وفي السلسلة الصحيحة، برقم (2091).

[12]- أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ الجاثية:24 الآية، برقم (4826)، وبرقم (7491)، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ الفتح:15، ومسلم، كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها، باب النهي عن سب الدهر، برقم (2246).

[13]- أخرجه أبو داود، أبواب الإجارة، باب في التسعير، برقم (3451)، والترمذي، أبواب البيوع عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في التسعير، برقم (1314)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب من كره أن يسعر، برقم (2200)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (1846).

[14]- تفسير السعدي (ص: 309).

[15]- انظر: العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (7/ 285).

[16]- مجموع الفتاوى (6/ 141).

[17]- تفسير القرطبي (7/ 326).

[18]- أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، برقم (771).

مواد ذات صلة