السبت 11 / شوّال / 1445 - 20 / أبريل 2024
[2] قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
تاريخ النشر: ٢٢ / جمادى الآخرة / ١٤٣٦
التحميل: 4303
مرات الإستماع: 2909

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

نشرع في هذه الليلة في استخراج الفوائد والهدايات من قوله -تبارك وتعالى- في سورة الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2].

وكما هو المعتاد -أيها الأحبة- أن نُبين معنى الآية على سبيل العموم، ثم بعد ذلك نستخرج الهدايات منها.

وقد عرفنا أن الحمد هو ذكره -تبارك وتعالى- بأوصاف الكمال، وأن نُضيف ذلك له مع المحبة والتعظيم، فنحن نحمده -تبارك وتعالى- على كماله المُطلق من كل وجه، نحمده على كماله في ذاته، وصفاته، وأفعاله، ونحمده على نِعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، وهذه الآية هي في صيغة الخبر، يحمد الله -تبارك وتعالى- نفسه، وفي ضمنها تعليم لعباده بأن يحمدوه؛ لأنه المستحق للحمد وحده دون ما سواه، فهو رب العالمين، الذي قدر وجودهم، فأوجدهم على وِفق هذا التقدير، وهو أيضًا القائم بأمورهم، المُربي لجميع خلقه، بصنوف النِعم، وكذلك أيضًا المُربي لأوليائه بالإيمان، والعمل الصالح، وهذا هو الأهم والأعظم.

فنحن نمدحه مدحًا مقرونًا بالمحبة الكاملة، والتعظيم التام، وهذا هو الفرق بين المدح والحمد؛ لأن المدح قد يكون كذبًا وتزلفًا وتملقًا للممدوح من غير محبة، ولا تعظيم، أما حمدنا لربنا فهو مع المحبة والتعظيم، وهذا في غاية المُناسبة للوصف المذكور بعده من ذكر ربوبيته للعالمين، وكل من سوى الله -تبارك وتعالى- يدخل في ذلك قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ۝ قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [سورة الشعراء:23، 24] فكل ما سوى الله -تبارك وتعالى- فهو مربوب له، تحت قهره وتصرفه، فهو الذي يُربيهم بأنواع النِعم، وهذا يوجب عليهم حمده، ويوجب عليهم محبته، وإذا كان هذا هو القادر على ذلك جميعًا، فإن ذلك يوجب عليهم تعظيمه، كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله[1].

وهذه الجملة على قِصرها قد تضمنت من الهدايات والمعاني ما لا يُقادر قدره، ويطول المقام، وتكثر المجالس لو أردنا أن نتحدث عن مضامينها على سبيل التفصيل، حتى لا تظنوا أن المسألة مُبالغة، هذا مجلد كبير يقع في سبعمائة صفحة، هو فقط في الحمد، والكلام على الحمد، أما سورة الفاتحة وما تضمنته، فكتاب (مدارج السالكين) في خمسة مجلدات في طبعته المُحققة في منازل إياك نعبد وإياك نستعين فقط.

وأما تفسير سورة الفاتحة فمن أفضل ما وقفت عليه وأجمع في المعاني والفوائد فهو تفسير سورة الفاتحة للاحم، يقع في مجلد كبير كهذا، وهذا أمر لا يُستغرب.

يقول محمد بن عوف الحمصي: "رأيت أحمد بن أبي الحواري قام يُصلي العشاء فاستفتح بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۝ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [سورة الفاتحة:2- 5] يقول: فطفت الحائط كله، ثم رجعت فإذا هو لا يجاوزها، يعني: إلى قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [سورة الفاتحة:5] ثم نِمت ومررت في السحر، وهو يقرأ إِيَّاكَ نَعْبُدُ [سورة الفاتحة:5] ولم يزل يُرددها حتى أصبح"[2] هذا ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، فمن منا يقف عند هذه الآية أو الآيتين أو الثلاث الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2]؟!

فالله -تبارك وتعالى- في أول هذه السورة بدأ بهذين الاسمين: الله، والرب، فالله -تبارك وتعالى- هو المألوه المعبود، فهذا الاسم أحق بالعبادة؛ ولهذا انظروا ما الذي يُضاف إليه، الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله، ولا يُقال: لا إله إلا الرب، أو الحمد للرب، أو الرب أكبر، وإنما يُضاف ذلك لله بهذا الاسم المُتضمن لصفة الإلهية الله، ثم ذكر الرب بعده، وهو المُربي الخالق الرازق الناصر الهادي المُعطي المانع المُحيي المُميت، وهذا الاسم أحق بالاستعانة والمسألة؛ ولهذا تجد الدعاء دائمًا أو غالبًا باسم الرب، والتسبيح والتهليل والذكر، ونحو ذلك يُضاف إلى هذا الاسم الكريم (الله).

الدعاء إلى الرب رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ [سورة نوح:28] رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [سورة الأعراف:23]، رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [سورة القصص:16] رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا [سورة آل عمران:147] رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [سورة البقرة:286] فعامة المسألة والاستعانة إنما تكون باسم الرب، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية[3] وكما تدل عليه النصوص.

فالاسم الأول (الله) يتضمن غاية العبد، ما هي غايته؟ أن يُحقق العبودية للمألوه المعبود، فمعنى: المألوه المعبود، الذي تألهه القلوب، ويتضمن أيضًا مصيره ومُنتهاه، وما خُلق له وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات:56] وما فيه صلاحه وكماله، وهو عبادة الله -تبارك وتعالى- فهو يعمل ويُجاهد نفسه، ويبذل من أجل أن يرتقي في سُلم العبودية، وكلما كان العبد مُكملاً للعبودية كانت مرتبته أرفع؛ ولذلك تجد الرسل الكِرام، من أولي العزم -عليهم الصلاة والسلام- وأشرفهم نبينا ﷺ في أعلى المقامات الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا [سورة الكهف:1] ولم يقل: أنزل على الهاشمي المُطلبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يقل: أنزل على محمد القُرشي، وإنما قال: على عبده وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [سورة الجن:19] في مقام الدعوة والدعاء، وكذلك في سائر المقامات الشريفة كالإسراء سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [سورة الإسراء:1] فشرف العبد بتحقيق العبودية، وهذه متصلة ومرتبطة بهذا الاسم الكريم (الله) فهو يتضمن ما فيه صلاح العبد، وغاية العبد، وكمال العبد، وهو العبادة.

الاسم الثاني الذي هو (الرب) يتضمن خلق العبد، فالله هو الذي قدر وجوده، وهذا من معاني الخالق والرب، وهو الذي أوجده، وهو الذي رباه بالنِعم المتنوعة، فهو يتضمن خلقه ومُبتدأه، وهو أن يُربيه، وأن يتولاه ويغذوه بصنوف النِعم، هذا كله من معاني ربوبيته، فهو يكلأنا ويحفظنا ويرعانا، وهذا كله من معاني ربوبيته -جل جلاله، وتقدست أسماؤه.

ثم أيضًا هذا الحمد هو مُبتدأ الصلاة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2] وهو أيضًا آخر القيام حينما يقوم من الركوع وقبل أن يسجد، ويكون بذلك قد قضى ركعته يقول: ربنا لك الحمد، فصار ذلك في هذين الموضعين، وهكذا في قوله حينما يرفع: أحق ما قال العبد[4] يقتضي -كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- أن أحق ما يقوله العبد هو حمد ربه -تبارك وتعالى- فأحق ما قال العبد: الحمد لله، وما كان أحق الأقوال كان أفضلها وأوجبها على الإنسان[5].

وقد مضى الكلام على كلمة التوحيد، والمُفاضلة بينها وبين الحمد، وقلنا: بأن الراجح أن كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" أجل وأفضل، ولكن الحمد قد بلغ منزلة في الذكر، حتى صار يُفاضل بينه وبين كلمة التوحيد؛ ولهذا افترض الله على عباده في كل صلاة أن يفتتحوها بقولهم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2] وهكذا تُفتتح الخُطب: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وكذلك أيضًا أن يكون الحمد مُقدمًا على كل كلام، سواء كان ذلك في مُبتدأ مُناجاة الرب -تبارك وتعالى- أو غيره، فنحن حتى في الدعاء نفتتح ذلك بحمده وكذلك النبي ﷺ في حديث الشفاعة الطويل وفيه: ثم يفتح الله عليّ من محامده، وحسن الثناء عليه شيئًا، لم يفتحه على أحد قبلي[6] وكذلك أيضًا في مُخاطبة المخلوقين.

ثم تأملوا -أيها الأحبة- لما كان أول هذه السورة مشتملاً على الحمد لله -تبارك وتعالى- والثناء عليه، وعلى تمجيده، كما في الحديث: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الله: مجدني عبدي[7] فالمجد كثرة أوصاف الكمال، وأما الثناء فهو تثنية الحمد وإعادته ثانيًا، فجاء في صدر هذه السورة هذه الأمور الثلاثة، وجاء آخرها مُشتملاً على الذم للمُعرضين عن الإيمان بالله والمُعرضين عن دينه، وصراطه المُستقيم، فدلّ ذلك كما يقول بعض المُفسرين على أن مطلع الخيرات، وعنوان السعادات هو الإقبال على الله وأن مطلع الآفات، ورأس المُخالفات، هو الإعراض عن ربنا وتقدست أسمائه، والبُعد عن طاعته.

وأيضًا حينما يقول العبد: "الحمد لله" فـ(أل) هذه تدل على استغراق جميع المحامد، والذي يكون مستغرقًا لجميع المحامد يكون مُتصفًا بجميع صفات الكمال؛ لأنه لا يستحق الحمد من كل وجه إلا من كان كاملاً من كل وجه، فلا يكون في حمده استثناء، قد تحمد مخلوقًا، ولكنك تستثني بعض الأمور، تقول: إلا في كذا، ففيه من النقص ما فيه، ولا يخلو أحد من نقص، أما الله فهو الكامل من كل وجه؛ ولذلك يستحق الحمد المُطلق من كل وجه، والذي يستحق الحمد من كل وجه هو الذي يستحق أن يُعبد، دون ما سواه؛ لأن غيره ناقص، وهو الكامل وحده الكمال المُطلق، فإذا كنت تعتقد ما تقول: "الحمد لله" كل المحامد لك يا رب، إذًا ينبغي أن تنقاد القلوب لهذا المحمود الكامل من كل وجه، فيكون هو المعبود وحده، دون ما سواه؛ ولهذا ينبغي على العبد أن يستشعر هذا المعنى إذا قال هذه الكلمة.

وأيضًا إذا كان ربنا -تبارك وتعالى- هو المحمود من كل وجه فمما يُحمد عليه -تبارك وتعالى- هذا الشرع الذي شرعه، والدين الذي أنزله، فدينه وشرعه كامل من كل وجه، فإذا قلت: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2] فهذا يقتضي أن تُذعن لدينه وشرعه؛ لأنه لا يتطرق إليه نقص بوجه من الوجوه، وإذا كنت تستشعر هذا المعنى أن الحمد المُطلق لله من كل وجه، فهو محمود أيضًا على أحكامه القضائية الكونية، وعلى أقداره، فأقداره عين الحكمة والصواب، ولا يتطرق إليها خطأ، وليس فيها استدراك، إذًا لماذا التسخط؟ ولماذا الاعتراض؟ ولماذا يتفوه الإنسان ببعض الكلمات التي قد لا يسلم منها؟

ولذلك تجد بعض السلف كانوا يتحرزون من أدنى الأشياء مما لا يحرم، فكان أحدهم لربما إذا سمع آخر يقول: اليوم حر، أو يقول: اليوم برد، يقول له: هل استدفأت؟ يعني: حينما قلت هذه الكلمة هل حصل لك الدفأ؟ يعني: ماذا استفدت حينما قلتها؟

إلى هذا الحد، إذا كان الأمر كذلك فكيف إذا نزل بالإنسان مرض، أو مصيبة، أو فقد محبوب، أو خسارة في تجارة، أو ربما كان مُتعثر الحظ في نظره في دراسته أو في عمله أو في تجارته أو في غير ذلك، ثم بعد ذلك يتسخط ويقول: أنا أعبد الله وأتقي المعاصي وغيري ما يسجد لله سجدة، وهو فالح في تجارته، وفالح في دارسته، ومؤمن مستقبله، وعنده ما شاء الله العقارات، والمراكب الفارهة، والقصور، والزروع والضروع، وما إلى ذلك، فهذا لا يقوله من عرف أن الله هو الذي له الحمد المُطلق من كل وجه؛ لأنه الكامل من كل وجه، فمن كماله أن أقضيته حق وصواب وحكمة، وصادرة عن علم تام، فلا مجال لأحد أن يستدرك، أو يقول: لماذا نحن بهذه الحال والكفار تُغدق عليهم أنواع النِعم؟ لا يقول هذا من عرف الله معرفة صحيحة.

وهكذا حينما يقول العبد: "الحمد لله" يعبِّر بهذه الجملة الاسمية، التي تدل على الدوام والاستمرار، فهي تدل على ديمومة الحمد واستمراره، فهو حمد ثابت مُطلق يشمل جميع أنواع المحامد، كما سبق، أو أن (أل) تكون للعهد، يعني: الحمد الذي يعهده كل أحد، لكن كونها للجنس أبلغ؛ فتشمل جميع المحامد لله، فهذه اللام للاستحقاق، والمعنى: أن الحمد مُستحق لله.

وعرفنا في الكلام على الأذكار الفرق بين اللامات الثلاث: الاستحقاق، والاختصاص، والملك، إذا أضفت شيئًا إلى شيء من شأنه أن يملك، تقول: الكتاب لزيد، فاللام للملك، الأرض لله، والسماء لله، وحينما تُضيف معنى لذات، كالحمد لله، فهذه للاستحقاق، الحمد لله، يعني: مُستحق لله، فإذا أضفت ذاتًا إلى ذات ليس من شأنها أن تملك، تقول: الغلاف للكتاب، والمفتاح للسيارة، والباب للمسجد، فهذا يكون للاختصاص، يعني: مُختص بكذا، ويخص كذا، وهكذا.

في قوله -تبارك وتعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الفاتحة:2] تأمل في تقديم وصف الله -تبارك وتعالى- بالإلهية على الربوبية، قدم الإلهية على الربوبية، وهذا إما لأن الله -تبارك وتعالى- هو الاسم العلَم الخاص به، والذي تتبعه جميع الأسماء؛ لأن هذا الاسم الكريم الله، تعود إليه جميع الأسماء الحسنى لفظًا ومعنى، لفظًا بمعنى أنها تابعة له، مثل ما قرأنا في آخر سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ۝ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ۝ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [سورة الحشر:22- 24] لا يُقال: هو الرب الرحمن، الرحيم، الله، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، وإنما يُذكر لفظ الجلالة (الله) أولاً، وتكون الأسماء الحُسنى عائدة إليه، وتابعة له لفظًا، يعني تُعطف عليه في اللفظ: الله الرحمن الرحيم الملك القدوس... إلى آخره.

وأيضًا تكون عائدة إليه من جهة المعنى، لماذا؟ لأن صفة الإلهية تتضمن جميع صفات الكمال؛ لأنه كما سبق لا يكون إلهًا إلا من كان خالقًا، رازقًا، حيًا، مُدبرًا، عليمًا، حكيمًا، سميعًا، بصيرًا... إلى غير ذلك من الصفات المُضمنة في أسمائه -تبارك وتعالى- فهذا معنى كونها تعود إليه معنى، يعني: في مضامينها، أي أن الإلهية مُتضمنة لأوصاف الكمال التي في سائر الأسماء الحُسنى، فلهذا قُدم الله على الرب.

ويمكن أن يكون ذلك باعتبار أن الذين جاءتهم الرُسل -عليهم الصلاة والسلام- كانوا يُنكرون الألوهية فقط، والاسم (الله) يدل على كونه مألوهًا معبودًا، تُؤلهه الخلائق محبة وتعظيمًا وخوفًا وفزعًا إليه بالحوائج؛ وذلك يستلزم كمال ربوبيته ورحمته، فكانوا يشغبون على الإلهية فقدمها؛ لأنها الذي حصل به الافتراق بين الرسل، وأقوامهم، والله أعلم. 

  1.  الصلاة وأحكام تاركها (ص: 150).
  2.  سير أعلام النبلاء ط الرسالة (12/ 87، 88).
  3.  قاعدة جامعة في توحيد الله وإخلاص الوجه والعمل له عبادة واستعانة (ص: 66).
  4.  أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع برقم: (477).
  5.  جامع الرسائل لابن تيمية - رشاد سالم (2/ 66).
  6.  أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا [سورة الإسراء:3] برقم: (4712) ومسلم في الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها برقم: (194).
  7.  أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وإنه إذا لم يحسن الفاتحة، ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها برقم: (395).

مواد ذات صلة