الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(108) قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ...} الآية 101
تاريخ النشر: ٢٤ / ربيع الأوّل / ١٤٣٨
التحميل: 486
مرات الإستماع: 1167

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

لما حذر الله -تبارك وتعالى- من طاعة أهل الكتاب، وما تورثه هذه الطاعة من الارتداد عن الدين، وذلك في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِين [آل عمران:100]، قال الله -تبارك وتعالى- بعد ذلك: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم [آل عمران:101]، كيف تكفرون بالله معاشر المؤمنين، وآيات الله -تبارك وتعالى- وهي هذا القرآن تُتلى عليكم؟! يتلوها عليكم الرسول ﷺ ويتلوها التالون ممن تلقاه عن رسول الله ﷺ وفيكم رسوله -عليه الصلاة والسلام- يُسددكم ويُثبتكم ويُعلمكم ويُزكيكم ويُبين لكم حقائق الأمور وطرائق الخير وطرائق الشر، وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ يلتجأ إليه، ويتوكل عليه، ويعتمد على الله وحده {فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم} وفق لطريق واضح، لا اعوجاج فيه، وهو صراط الله -تبارك وتعالى- وذلك بلزوم الحق، واتباعه.

يؤخذ من هذه الآية الكريمة من الهدايات، والفوائد: أن قوله -تبارك وتعالى-: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ من خص ذلك بالصحابة بقرينة، وفيكم رسوله قال هذا فيه منقبة للصحابة ومزية لهم وفضل، ولكن هذه الآية في الواقع لا تختص بالصحابة هذا الخطاب لا يختص بهم، إنما يختص بأهل الإيمان عمومًا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ [آل عمران:100]، ولكن حينما كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بين أظهرهم فذلك أمان لهم من الرجوع والتحول عن دينهم، ولكن من بعده، فإن من اعتصم بالله -تبارك وتعالى- واهتدى بهدي النبي ﷺ فإنه يكون موفقًا، مُسددًا، راشدًا، قد هُدي إلى صراط مستقيم.

وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وهذا الاستفهام للاستبعاد، كيف يقع ذلك منكم؟!، وإنما مرجعه ومتعلقه ما قبله من ذكر يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ وذلك بسبب طاعتهم، فكان مقتضى ذلك وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ فإذا كان سبب هذا الكفر هو طاعتهم إن تطيعوا، فإن النجاة منه والسلامة تكون بترك طاعتهم، فقوله: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ يكون ذلك أيضًا عائدًا إلى السبب، سبب هذا الكفر، وهو طاعة هؤلاء، فكأنه يقول: وكيف تطيعونهم، كيف يقع منكم هذا السبب الجالب للارتداد، والرجوع، والتحول عن دينكم؟!

وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ فهذا يدل على أن هذا القرآن عِصمة لمن اعتصم به، وهو سبيل النجاة، وهو الأمان من الانحراف والزيغ والضلال، فهو حبل الله المتين، ولذلك فإن صراط الله المستقيم، وحبله المتين، كل ذلك فُسر بالقرآن وبغيره مما يرجع إلى هذا المعنى، فلا شك أن القرآن هو الذي رسم الله فيه تفاصيل الصراط المستقيم، وبين معالمه ووضحها.

وهكذا أيضًا فإن هذا القرآن هو حبل الله الذي من اتبعه واهتدى به كان له نورًا من ظلمات الجهالة والضلالة والعمى، وقد وصفه الله بالشفاء، والهدى، والنور، وسماه بالفرقان؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، قال: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ تُتلى عليكم، وهكذا حينما يتلوها رسول الله ﷺ أو يتلوها عليهم غيره، ممن يتلقونها عنه، فهذه الآيات هادية إلى الحق، ومما تضمنته هذه الآيات التي تُتلى مثل هذه الآية التي قبلها إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِين [آل عمران:100]، فبين لهم ما يحصل به الضلال والزيغ والعدول عن الحق، وبهذا نعلم أن الإقبال على كتاب الله  تلاوة، وتدبرًا، وتفهمًا، وتعلمًا لمعانيه، وحِكمه، وهداياته، وأحكامه، أن هذا يكون سبيلاً للثبات على الحق.

العيش مع القرآن -أيها الأحبة!- الاهتداء بالقرآن، أن نوفر أوقاتنا على هذا الاشتغال بكتاب الله وأن نعطيه أجل، وأفضل، وأحسن ما يكون من ساعات اليوم والليلة، دون أن يكون له فضول الأوقات، أو أن الإنسان إنما يقرأه إذا دخل إلى المسجد، دقائق قبل الإقامة، فهذا -لا شك- أنه خير، لكنه لا يكفي، لابد من وقت يكون للإنسان فيه من تلاوة القرآن، وتدبره ما يحصل به استنارة القلب، وجلاء القلب، وتبدد الأوهام والظنون والشبهات والأهواء والشهوات؛ لأن هذا القرآن يُذيبها، القرآن علاج لكل العِلل والأدواء، فهو كفيل بصقل القلب وجلائه من كل العوالق، سواء كانت في باب الشبهات، أو كانت في باب الشهوات.

ولكننا نُقصر معه كثيرًا، فلا نكاد نتلوه إلا في أوقات يسيرة، قد لا تكون هذه القراءة كافية لتحقيق هذه المطالب، لكن من أقبل عليه حقًّا؛ وجد من الثبات واليقين، وإشراق القلب، فتنزاح عنه وساوس الشيطان، وتنجلي همومه، ويبقى في حال يرتبط فيها، ويتصل بالله -تبارك وتعالى- فيكون عظيم الصلة به، فيهديه الله هداية بعد هداية، ويوفقه، ويُسدده، ويُثبته، وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ فدل على أن هذا عِصمة من الضلالة، وللرجوع عن الإسلام.

والأمر الآخر قال: وَفِيكُمْ رَسُولُهُ فوجود الرسول ﷺ بين أظهرهم لا شك أنه سبب أكيد لتثبيتهم، والوحي ينزل عليه صباح مساء، ويُجيب عن سؤالاتهم، وإشكالاتهم، ويُبين لهم أحكام ما نزل بهم، ويذكر لهم من العواقب الحميدة التي يصيرون إليها ما يحصل به ثبات القلوب، وَفِيكُمْ رَسُولُهُ لكن بعد قبضه -صلى الله عليه وآله وسلم- تبقى سنته هادية، وهي الشارحة للقرآن، ولا يمكن أن يُستغنى عنها بحال من الأحوال.

ولذلك فإن بعض الضُلال على اختلاف مشاربهم لربما يدّعون ويزعمون أنهم يكتفون بالقرآن، ولربما أُضيفت طائفة إليه في لقبها، وكذلك أيضًا لربما بعض ضُلال العصر يقولون: يكفينا القرآن، ويشككون في السنة، وهم جُهال لا يُحسن الواحد منهم لربما أن يقرأ سطرًا واحدًا من القرآن، ولا يُحسن أيضًا أن يفتح كتابًا من مصنفات السنة، وأن يقرأ عنوانه على وجهه، هذا معروف، ويظهر يتشدق في قناة، أو يكتب في عمود في صحيفة، أو نحو ذلك بأن القرآن يكفي، ويُشكك في مدونته، أو غير ذلك بسنة رسول الله ﷺ.

هؤلاء يريدون أن يُنزلوا القرآن على أهوائهم، وفهومهم المعوجة، فيحصل لهم الضلالة والفتنة العُظمى، وكثير من الطوائف -كما هو معلوم عبر التاريخ- قد توجهوا إلى القرآن، وصنفوا المصنفات في التفسير، وغيره من أجل تحميل نصوص القرآن على أهوائهم وضلالاتهم، لكن لا بد من ضبط لذلك، وشرح له، وهو سنة رسول الله ﷺ على فهم السلف الصالح حيث خوطبوا هؤلاء الصحابة بالقرآن فكان لهم من الميز والفهم مع ما شاهدوا من التنزيل، وسلامة الفِطر، وصدق المقاصد، والإخلاص إلى غير ذلك من الأسباب التي أهلتهم ليفهموا الفهم الصحيح عن رسول الله ﷺ ويفهموا هذا القرآن فهمًا على مراد الله هؤلاء نفهم على طريقتهم بطريقة فهمهم، لا بطرائق أهل الضلال والأهواء والبدع.

وقد دعا بعضهم في هذا العصر إلى كتابة أصول فقه جديدة؛ من أجل أن يقعدوا، ويؤصلوا أصولاً باطلة لا يمكن أن يُنزل القرآن عليها، فهنا تبقى سنته وهديه، ونحن في مثل هذه الأوقات حيث لم نُدرك رسول الله ﷺ بشخصه فإنا قد أدركنا سنته، وهي محفوظة، والعلماء الأئمة الأعلام قد ميزوا الصحيح من غيره، ونقدوا المرويات فلم يبقَ لأحد اشتباه والتباس، هذا لمن أراد الحق، وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم من يعتصم بالله يلتجأ إليه.

فيحتاج العبد -أيضًا مع ذلك- إلى ضراعة ودعاء ولهج أن يُثبته الله، إذا كان النبي ﷺ وهو أعلم الأمة بالله، وأعظم الأمة يقينًا كان يُكثر من هذا الدعاء يا مُقلب القلوب ثبت قلبي على دينك[1]، يُكثر من هذا، ثم يُعلل حينما يُسأل بأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلبها كيف يشاء، ثم يأتي من هو خال الوفاض من العلم والعمل معًا، ويقول أنا أثق بنفسي، فيخوض في لُجج الشبهات والضلالات، ويقرأ في المذاهب والأديان، والمِلل والنِحل، ثم بعد ذلك يريد أن يسلم، هذا لا يمكن.

وإنما الإنسان يطلب السلامة والعافية، ويلزم الحق، ويجتهد في الدعاء والتضرع إلى الله، ويُكثر في سجوده من سؤال الله التثبيت، ولا يركن إلى نفسه طرفة عين، لا يقول أنا عندي من الذكاء والمعرفة والعقل والتمييز والبصر والعلم، وما إلى ذلك، أبدًا، وإنما يخرج من حوله وطوله وقوته، لا حول ولا قوة إلا بالله، والله قد ضرب لنا المثل بذلك الذي آتاه آياته قال: فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين ۝ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث [الأعراف:175-176]، هذا مثل لعالم انسلخ من آيات الله، ولو نظرتم عبر التاريخ، ولعلنا نذكر شيئًا ربما في العِبر، أو ربما ذكرت شيئًا من هذا في العِبر لربما بعض العلماء ينحرف، ويضل، وهذا موجود في القديم، وموجود في العصر الحديث، قد تكون له أمور خفية من مقاصد فاسدة، أو يكون له ذنوب في الخلوات، وخبايا سوء، فيُمكر به، فيضل، فهنا يحتاج العبد دائمًا إلى دعاء وتضرع، ولا يركن إلى نفسه وإلى علومه ومعارفه وذكائه وقدراته وإمكاناته، وما إلى ذلك، فيقول أنا واثق من نفسي، وأنا لا يمكن أن أتأثر.

يوسف قال وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ [يوسف:33] يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، نبي ابن نبي ابن نبي ابن إمام الحنفاء إبراهيم .

ويقول وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ [يوسف:33]، وبعضنا اليوم يعرض نفسه للشبهات وللشهوات معًا، ثم يقول أنا واثق من نفسي، ولربما يذهب، ويسافر، ويسرح طرفه، ويتقلب في أماكن تعج بالأهواء والضلالات والشهوات، ويقول أنا واثق من نفسي، ما هذه الثقة، هذا اغترار، وليس ذلك بثقة وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101].

لاحظوا التعبير هنا بقد، ودخول قد على الفعل الماضي هُدِيَ فذلك للتحقيق، هُدِيَ، والهادي معروف، وهو الله -تبارك وتعالى- فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ من اجتمع فيه هذه الأسباب كيف يقع منه النكول والرجوع؟ كيف تكفرون مع وجود هذه الأمور مجتمعة؟ فهذا كما نقول أيها الأحبة في الفاتحة في كل ركعة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] العالم والجاهل، الجميع فرض في كل ركعة أن يقرأ هذه السورة، هل كان هذا هكذا اتفاقًا، السورة الوحيدة التي أمرنا بترديدها في كل ركعة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] هذا بعد التوسل إليه بهذا الحمد قبله، والثناء والتمجيد اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] هذا المطلوب إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].

حتى لما ذكر العبادة ذكر الاستعانة يخرج الإنسان من طوله، ينفي عنه الغرور، والعجب بقول: نعبدك لكننا بكل أحوالنا لا نستغني عنك طرفة عين، فنحن على بابك، لا نهوض، ولا قيام، ولا توفيق، ولا عمل صالح إلا بإعانتك إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] أنت المعين، فإذا وفق الإنسان للقراءة أو للصيام أو هدي أو غير ذلك، فذلك بإعانة الله وإلا فإن لم يكن عون من الله للفتى فعندها يجني عليه.

فهذا يحتاج الإنسان أن يقف معه، ويتأمل، ويتبصر، وكذلك في مثل الأوقات التي تكثر فيها الشرور والفتن والشبهات، وهي خطافة يحتاج العبد أن يستزيد من هذا، وأن يكثر منه.

ثم أيضًا يؤخذ من هذه الآية الكريمة: هذا التلوين في الخطاب حيث إن الله -تبارك وتعالى- قد جاء بهذه الصيغ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100] وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ [آل عمران:101] جاء بالاستفهام هنا وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ [آل عمران:101] هذا الخطاب المباشر تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101].

ثم جاء بالغيبة وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] كل هذا من أجل ألا يحصل التفريط، والتضييع، والتسبب لفوت الهداية بطاعة هؤلاء من أهل الكتاب، وإذا كانت طاعة أهل الكتاب تؤدي إلى ما ذكر، فطاعة غيرهم من أهل الأوثان من باب أولى.

ثم أيضًا فإن قوله -تبارك وتعالى-: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101] فقد هدي فهذا هو جواب الشرط أن هدايته قد تحققت، وأن استقامته قد حقت، وكأن ذلك في زمن قد مضى، فقد هدي، عبر عنه بالماضي، وذلك كأنه راسخ في هذه الهداية، مع أن بعض أهل العلم يقولون: التعبير بالماضي كأن ذلك باعتبار أنه قدر له في اللوح المحفوظ، في الأزل، وكذلك حينما أمر الملك بعث إليه الملك، فأمر بأربع كلمات، ومنها: العمل شقي، أم سعيد، فهذا على كل حال ذكره بعض أهل العلم.

وكذلك أيضًا فقد هدي إلى صراط مستقيم، هداه الله هدي إلى صراط مستقيم، وإذا كانت هذه هداية التوفيق فذلك إلى الله وحده، لكن من نظر إلى أن هداية إرشاد، فقال: هدي، فالله أعظم الهداة، وكذلك الرسول ﷺ من الهداة، وهو إمامهم، وكذلك أيضا الصحابة والعلماء، وما إلى ذلك.

هذا، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، كتاب أبواب القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن، برقم (2140)، وأحمد في المسند، برقم (12107)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (102).

مواد ذات صلة