الثلاثاء 09 / رمضان / 1445 - 19 / مارس 2024
حديث «ليس الشديد بالصُّرَعة..» (1-2)
تاريخ النشر: ٢٨ / محرّم / ١٤٢٦
التحميل: 7252
مرات الإستماع: 196813

ليس الشديد بالصُّرَعة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقد جاء من حديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب[1] متفق عليه.

وهذا الحديث ذكره الإمام النووي -رحمه الله- في باب الصبر؛ لأن الإنسان حينما يحتدم الحنق في قلبه، ويمتلئ غيظاً وغضباً فإن السيطرة على النفس عند ذلك وكبح جماحها عن التعدي يحتاج إلى صبر عظيم، ولهذا قال النبي ﷺ: ليس الشديد يعني: ليس الإنسان الشديد هو الشديد بالصُّرَعة، والمقصود بالصُّرَعة أي: الذي يصرع الناس كثيراً، فهو إنسان قوي يصرع الناس كثيراً، وإنما الشديد حقيقة والذي ينبغي أن تلتفت الأنظار إلى قوته وشدته هو من يملك نفسه عند الغضب، فمسألة الشدة في صرع الناس وغلبتهم بالعضلات المفتولة أمر يحصل للإنسان، ولربما حصل أيضاً لغيره من الحيوانات، ولكن هذا الإنسان الذي قد امتد بدنه وانفتلت عضلاته لربما يكون كالطفل الصغير إذا غضب، فيخرج عن طوره ويفقد سيطرته على نفسه، فيتكلم بما لا يعي ولا يعقل، ويطلق امرأته، ويسب نفسه، وإذا ذُكّر بذلك بعد هذا لم يتفطن لشيء من ذلك إطلاقاً، ثم يندم على تصرفاته التي صدرت منه.

فهذا الغضب جمرة من الشيطان يلقيها في قلب الإنسان، ومن ثمّ فإن الإنسان بحاجة إذا ألقى الشيطان في قلبه جمرته أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن ذلك يدفع أثره، ثم هو بحاجة إن كان قائماً أن يجلس؛ لأن ذلك أثبت للإنسان، فيلزم الأرض، فلا يكون منه تعدٍّ في الخطى والمشي فيضر نفسه، أو يضر غيره، فإن لم ينفع معه ذلك فإنه يضطجع، وبالتالي فإنه لا يكون له حراك وانتقال فيصدر منه قتل أو أذية أو نحو ذلك.

فهذا أدعى لهدوئه إذا غضب، وأكثر لانضباط جوارحه وتصرفاته وسلوكه، ثم هو أيضاً مأمور بأن يتوضأ؛ لأن الشيطان يلقي هذه الجمرة في قلبه وهو المتسبب بالغضب والماء تطفئ النار، فإذا توضأ الإنسان فإن ذلك يخفف أثر هذا الغضب في نفسه.

فإذا فعل الإنسان هذه الخطوات خف عليه هذا الغضب، ثم هو بحاجة أيضاً إلى سيطرة على لسانه فلا يتكلم ولا يشتم ولا يصدر منه ما لا يليق من طلاق وتحريم وغير ذلك، حتى لا يتندم ويبحث عمن يفتيه.

وإذا كان الإنسان عند امرأته وقد غضب فإنه يترك البيت ويخرج إلى مكان آخر حتى تهدأ نفسه، وترتاض، ثم بعد ذلك يرجع، فلو بقي معها وهي تقول كلمة وهو يقول كلمة وقد حضر الشيطان بينهما فيغري كل واحد منهما بالقول والكلام البذيء، فإن ذلك من شأنه أن يجعل كل واحد مستشرفاً للانتقام لنفسه والغلبة في هذا الموقف الذي احتدم فيه الصراع -نسأل الله العافية، فيحصل ما لا تحمد عقباه، لكن العاقل يخرج ويقطع الطريق على الشيطان، ويتوضأ ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حتى تهدأ نفسه.

والكلام له بقية، أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب (5/ 2267)، رقم: (5763)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب (4/ 2014)، رقم: (2609).

مواد ذات صلة