الثلاثاء 14 / شوّال / 1445 - 23 / أبريل 2024
حديث «الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله..» (2-5)
تاريخ النشر: ١٠ / ربيع الأوّل / ١٤٢٦
التحميل: 2483
مرات الإستماع: 3047

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلا زلنا نتحدث عن حديث جبريل حينما سأل النبيَّ ﷺ السؤالات المعروفة، فلما جلس إلى النبي ﷺ قال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله ﷺ: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت... الحديث.

النبي ﷺ فسر له الإسلام هنا بمتعلقاته، حيث ذكر له الأركان الخمسة، يمكن أن يفسِّر الإسلام بمعنى يصوره، فيقال: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله، فهذا يعرّف به الإسلام، ويصور حقيقته، إذ إن الإسلام يعني: الاستسلام، أن يستسلم الإنسان لربه وخالقه بأحكامه وأقداره، فيكون منقاداً بقلبه ولسانه وجوارحه لله ، فلا يعترض على أحكام الله، ولا يترك الامتثال ويعرض عن أمر الله ، ويجعل ذلك وراء ظهره، ولا يجحد شيئاً مما شرعه الله -تبارك وتعالى- لعباده.

لكن النبي ﷺ هنا عرفه بمتعلقاته، حيث ذكر هذه الأصول العظام، مع أن الإسلام يشمل هذه الأشياء الخمسة التي ذُكرت، ويشمل غيرها؛ لأن النبي ﷺ قال: الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق[1]، فيدخل في ذلك أشياء كثيرة جداً من أعمال القلب، كالحياء، والخوف، والرجاء، والتوبة، والإنابة، وما إلى ذلك.

ويدخل فيه أشياء مما يتصل باللسان من صدق الحديث، والذكر بجميع أنواعه، كل هذا من الإيمان والإسلام، وكذلك يدخل فيه سائر أعمال الجوارح من صلاة، وحج، وما إلى ذلك، فهذا كله داخل تحت الإسلام.

والإسلام إذا ذكر وحده دخل فيه الإيمان، فصار يعني إسلام الظاهر والباطن، انقياد القلب وتصديق القلب مع اللسان، مع إسلام الجوارح وانقياد الجوارح، كل ذلك يدخل تحته.

وإذا ذكر الإيمان وحده دخلت فيه هذه الأمور جميعاً، وإذا ذكر الإسلام مع الإيمان كان معنى الإسلام هو الإسلام الظاهر، والإيمان هو التصديق الانقيادي، الإقرار بما يجب الإقرار به من الإيمان بالله وملائكته وكتبه واليوم الآخر كما سيأتي.

فجبريل سأل عن الإسلام، فذكر النبي ﷺ هذه الأمور الخمسة، أولها: الشهادة التي هي المفتاح، حيث لا يصح من الإنسان صيام، ولا صلاة، ولا غير ذلك إذا كان هذا الإنسان لم يتكلم بالشهادة، ولم ينطق بها، فلابد من ذلك، أن تشهد أن لا إله إلا الله، أن تشهد بقلبك، وأن تشهد بلسانك أيضاً، هذا لابد منه، وهذه حقيقة الشهادة، وإلا فإن اللسان وحده لا يكفي؛ لأن المنافقين كانوا يقولون ذلك، والتصديق الذي في القلب لا يكفي، بل لابد من النطق بها، إلا إذا وجد مانع فيما يتعلق باللسان كالخرس، كأن يكون الإنسان عاجزاً عن النطق، فإنه يكون بذلك معذوراً.

قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، فهذا أول ما يجب، وهو أول واجب على المكلف، هو أول ما يدخل به الإسلام، وهو مفتاح الجنة، وهو آخر ما يخرج به من الدنيا، من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة[2]، فهذه الكلمة هي أعظم كلمة قيلت، وأصدق كلمة قيلت، معناها لا معبود بحق إلا الله.

قوله: وأن محمداً رسول الله أي: أن الله أرسله إلى الناس كافة، إلى الجن والإنس، بشيراً، ونذيراً.

قوله: وتقيم الصلاة بمعنى: أنه يأتي بالصلاة كما أمر الله مستوفية لواجباتها وأركانها وشروطها، والمقصود بها هنا صلاة الفريضة، وذكَرَها بعد الشهادتين يمكن أن يقال: لأهميتها وعظمها، ولا يوجد شيء في شرائع الإسلام فرضه الله في السماء إلا الصلاة.

ويدل على شدة أهميتها أن الله لم يسقطها عن المكلف بحال من الأحوال، طالما أنه يعي، وعقله معه، فيصلي بحسب استطاعته، حتى لو كان عادماً للماء وما يقوم مقامه -التيمم بالتراب وما في معناه، فإنه يصلي من غير طهارة، لكن لا يترك الصلاة حتى يخرج الوقت.

بل إنها تقام جماعة حتى في حال الحرب، فشرع للناس صلاة الخوف بنص كتاب الله ، فهذا يدل على عظمها وأهميتها، إلا إذا كانوا في حال لا يستطيعون معها أن يصلوا جماعة، كأن يكونوا في حالة التحام، فيصلون بحسب استطاعتهم، فأين هذا ممن ينام ملء عينيه والمؤذن يؤذن والصلاة تقام، ثم ينصرف الناس، ثم يخرج الوقت، وهو لم يصلِّ، لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ [التوبة:42]، فهذا لو كان عنده وظيفة، أو عنده دراسة، أو عنده اختبار لم ينم إلى الضحى، ولكنه موت القلب، وقلة الاكتراث بهذه الصلاة، كما قال النبي ﷺ عن المنافقين: والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء[3].

فالمقصود أن ضعف الإيمان وقلة اليقين بوعد الله ووعيده هو الذي يجعل الإنسان يفرط هذا التفريط.

قوله: وتؤتي الزكاة، والمقصود بها الزكاة المفروضة، والزكاة عبر عنها بالإيتاء؛ لأن ذلك يجزئه أن يدفعها لمستحقها، وبيان ذلك جاء كثيراً في السنة والأموال التي تخرج فيها الزكاة ومقادير هذه الزكاة.

وتصوم رمضان وهذا معروف، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، لأن الحج إنما يجب بالاستطاعة.

فهذه هي الأركان الخمسة التي ذكرها النبي ﷺ في هذا الحديث، وذكرها في أحاديث أخرى.

وهذه الأركان بمنزلة الأركان التي يقوم عليها البناء، فهي الأهم والأعظم، فإذا انخرم شيء منها فإنه يُخشى على إسلام العبد أن ينخرم من أصله، لاسيما الصلاة، فإن الكثير من أهل العلم قالوا: إن من تركها فقد كفر، بل قال بعضهم: إذا تركها حتى خرج الوقت فإنه يكفر إلا من عذر.

فينبغي العناية بمثل هذه الأمور ليبقى إسلام الإنسان، وإلا فما الذي يبقى عنده إذا سقطت العُمُد، لا شك أن البناء سيخر على ساكنه.

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان (1/ 63)، رقم: (35).
  2. أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب في التَّلْقين (3/ 159)، رقم: (3118).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الجماعة والإمامة، باب وجوب صلاة الجماعة (1/ 231)، رقم: (618).

مواد ذات صلة