الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث "بايعت رسول الله ﷺ على إقام الصلاة.." ، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه..»
تاريخ النشر: ١٧ / صفر / ١٤٢٧
التحميل: 2120
مرات الإستماع: 7143

بايعت رسول الله ﷺ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

الحديث الثاني في باب النصيحة هو: حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: "بايعت رسول الله ﷺ على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم"[1].

الشاهد في هذا الحديث قوله ﷺ والنصح لكل مسلم، فهذه بيعة خاصة يأخذها النبي ﷺ على بعض أصحابه ومن ذلك البيعة المعروفة وهي بيعة النساء، كما في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الممتحنة:12]، فكان النبي ﷺ يأخذ هذه البيعة على بعض أصحابه، ولربما أخذ النبي ﷺ على بعض أصحابه أن لا يسألوا أحداً من الناس شيئاً، وفي هذا الحديث بايع على النصح لكل مسلم.

 والمراد بالنصح: أن يخلص المسلم مع أخيه في تعامله، وأن يصدق معه في بيعه وشرائه، وفيما يحبه له، ومن تمام النصح للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وكذلك أيضاً أن يبين له عيوب ذلك المبيع، وما يحصل له من تقصير، قال ﷺ: المسلم مرآة لأخيه[2]، ولذلك كان الصحابي الجليل جرير بن عبد الله  البجلي   إذا بايع أحداً نصح له.

 وقد اشترى ذات يوم فرسا من رجل، ثم جربه، فما زال يزيد في قيمته، حتى أوصله إلى ثمان مائة، بدلاً من كون قيمته في أول الأمر، والتي حددها صاحبه بنحو من ثلاثمائة، وقال: إن فرسك يستحق أكثر من ذلك، فالمقصود أن هذا من كمال الإيمان، وهو من حقوق المسلمين، سواء أخذت فيه بيعة خاصة، أو لم تؤخذ، أن ينصح المسلم لأخيه، وألا يكون غاشاً له.

المقصود أن هذا من كمال الإيمان، وهو من حقوق المسلمين، سواء أخذت فيه بيعة خاصة، أو لم تؤخذ، أن ينصح المسلم لأخيه، وألا يكون غاشاً له، سواء كان ذلك بمدحه بالباطل، أو بالسكوت عن عيوبه وتقصيره، أو بترك الذب عن عرضه، أو بتتبع عورة المسلم، وتطلب زلاته، وما أشبه ذلك مما يقع ممن لا خلاق له، يفرح بسقطة أخيه، وزلته وعيبه، والأمور المدنسة التي يقع فيها، فالواجب على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأن ينصح له، فإذا بايعه صدقه، ويستطيع الإنسان أن يكسب في بيعه وشرائه ويربح مع الصدق والأمانة، بل إن الدين يأمر بهذا، فهو مقتضى العقل المعيشي أيضاً، فلو أن التاجر كان عاقلاً ونصح للناس، وصدق معهم في البيع والشراء، فإن الناس يقبلون عليه، ويحصل له من الربح والظفر بالتجارة ما لا يحصل لغيره، فهذا التاجر مثلا، الذي يوجد عنده أنواع من السلع، ويأتي الإنسان الذي لم يجرب، ولم يخبر هذه السلع, فلا يدري ما هو النوع الجيد؟ من النوع الرديء؟ وقد تكون هذه السلعة مكتوب عليها صنعت في البلد الفلاني، والواقع أنها ليست كذلك، والبائع يعرف هذا.

 فالواجب أن يبين له، يقول له: هذه لا تستحق إلا هذا المبلغ، وهذه لا تبقى إلا وقتاً يسيراً مؤقتاً؛ لأنها رديئة، وقيمتها كذا، وهذه متوسطة وقيمتها كذا، وهذه عالية الجودة وقيمتها كذا، ويضع الخيار للمشتري، ويبين له ما يحتاج إليه، ولا يكون غاشاً له، فيقول مثلا: هذا الجهاز مكتوب عليه كذا، لكنه في الواقع مصنوع في المكان الفلاني، وفيه المشكلات الفلانية، وقيمته كذا، وأما هذا فلا توجد فيه هذه العيوب، ولكنه وسط بين الجودة والرداءة ، وهكذا، كذلك إذا جاء يشتري طيب وهو لا يعرف الطيب، يقول له هذا طيب مصبوغ وهذه قيمته، وهذا نوع أفضل منه، وهذه قيمته، وهذا أفضل وهذه قيمته كذا، وهكذا، حتى لو كانت قيمة الجيد مرتفعة جدا، الأهم ألا يغش المشتري ، ويقول له هذا نوع جيد، حتى إذا اغتر المشتري واشترى السلعة، رجع إلى بيته فوجد شيئاً آخر، وهكذا من أراد أن يشتري طعاماً كالعسل مثلاً أو ثياباً أو غير ذلك، وما أكثر الغش في مثل هذه الأمور، كذلك السيارات، والعقارات.

 ويرى بعض التجار أن هذا من الحذاقة، وفرصة لا تعوض، كذلك إذا جاءهم إنسان يريد أن يبيع سلعة بدون الثمن الذي تستحقه، أو يريد أن يشتري وهو لا يعرف عيوب المبيع، فيغرونه بأرض يتبين فيما بعد أنها غير جيدة، وأن المكان غير مناسب، أو أن هذا المحل الذي أراد أن يستأجره فيه عيب مهم جداً، كأن يكون مثلا، لا يوجد مكان للوقوف عنده أو ما أشبه ذلك ، فالواجب أن يبين له، يقول له:  هذه قيمتها كذا؛ لأن فيها العيب الفلاني، تريده أو دعه، أنت بالخيار، أما أن يدلس عليه ويغشه، ويظهر له أنه قد صدقه ونصحه، فهذا الإنسان لا يبارك له في ماله، ولا يبارك له في الثمن الذي أخذه، ولا تبرأ ذمته عند الله -تبارك وتعالى، وما علم الإنسان أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها[3]، ويأخذ هذا الربح من هذا المسكين بالزور والبهتان، فلا يبارك له فيه؛ لأنه ليس فيه بركة، فالواجب على الإنسان أن ينصح للناس، وأن يبين لهم في كل شيء، كذلك النجارة والخشب ، فلا يغش أحدا، ويقول هذا النوع جيد، والحقيقة أنها غير ذلك ، ويجب أن يبين للمشتري ويقول له: هذا النوع ثمنه كذا، وهناك أجود منه يستحق هذا الثمن، وأنت بالخيار، أما أن يقول له هذا من النوع الجيد، ثم يحتاج الإنسان إلى جهد كبير حتى يعرف صدقهم، كذلك بائع التمر إذا لم يتقي الله  فإنه سيبيع لك التمر القديم على أنه من إنتاج هذا العام، فيأتي الغر ويأخذ، ثم إذا رجع إلى داره وجد شيئا آخر، والله المستعان، لذا فإنه يجب النصح لكل مسلم، سواء عرف أو لم يعرف، كبيرا كان أو صغيرا، وهذا هو المجتمع الإسلامي الحقيقي، أما التفنن في الغش وطرق التدليس في أشياء لا يعرفها إلا أهل التخصص فهذا لا يجوز، كذلك الفواكه، فإذا دخلت وسألت صاحبها قال لك: هذه أنواع وإذا صدقك ووجدت إنسان تعرفه، قال لك: هناك نوع طيار، وهناك نوع بحري، وما الذي تريده أنت؟ الطيار والبحري كلها فاكهة، قال: لا، الذي يأتي عن طريق البحر تمضي عليه أسبوعين في البحر، فمجرد ذهابك به إلى البيت، تجده يذبل ويتغير لونه، والطيار يوم أمس كان في بلد الإنتاج واليوم هنا، والمشتري كيف يعرف هذا من هذا؟، قال لك: نحن نعرفها، وقد يخبرك عن بعض الأشياء التي تستطيع التمييز بها، نقول: فلماذا لا يقال هذا للناس؟ هذا  بحري وهذا طيار، وهذا قيمته كذا، وهذا قيمته كذا، وكذلك اللحوم وغير ذلك، فأين النصيحة لكل مسلم؟!.

لا يؤمن أحدكم
 والحديث الآخر هو حديث أنس، عن النبي ﷺ أنه قاللا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه[1].

وكل الأحاديث التي ورد فيها نفي الإيمان، المراد به: نفي الكمال الواجب، أي: إذا لم يفعل ذلك العمل، فقد نقص من كمال إيمانه الواجب الذي يستحق عليه العقوبة.

 وهذه قاعدة عامة في الأحاديث التي وردفيها نفي الإيمان، كقوله ﷺ: لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه[2]، فهذا كله في نقص الإيمان الواجب، فالذي لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، لا يكون إيمانه قد اكتمل، الكمال الواجب، وهذه قاعدة عامة في كل تعامل يتعامل به المسلم مع الآخرين، فالذي لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، لا يكون إيمانه قد اكتمل، الكمال الواجب، وهذه قاعدة عامة في كل تعامل يتعامل به المسلم مع الآخرين، حتى في الكلام الذي يوجهه إليهم، يضع نفسه مكانهم، فمثلا الذين يراجعون في العمل، كذلك إذا كان مديرا لمدرسة، أو كان عنده موظفين كمدير شركة، أو مدير مصنع أو غير هذا، فمثلا: هذا الإنسان إذا جاء يتكلم مع أحد من الناس أين كان سيضع نفسه؟، وماذا يحب أن يوجه إليك من الخطاب؟ فوجهه للآخرين، إذا كنت تحبس عن هؤلاء مصالحهم، وتماطلهم الإنسان وتعال الأسبوع الآتي، والأسبوع الذي بعده وبعد شهر، وبعد شهرين، ومصالح الناس معطلة أقول: ضع نفسك مكان هذا الإنسان الذي يتردد، وكم من إنسان قد ترك حقه بسبب هذه المماطلات وهذا التضييع، وهكذا إذا اقترض الإنسان من أحد قرضاً فأحسن إليه وأعطاه، فإنه لا يحق له بحال من الأحوال إذا جاء يستوفي حقه أن يتعامل معه وكأنه يشحذ، الأسبوع المقبل، وغداً وبعد أربعة أيام، وبعد أربعة شهور، وبعد سنة وبعد أربع سنوات، وبعد أربع قرون، فهذا الكلام غير صحيح، فيضع الإنسان نفسه مكان غيره، فالناس بحاجة إلى أموالهم، بحاجة إلى مصالحهم، فيكفي أنهم أحسنوا إلينا وقدموا لنا هذا القرض، فمن الخطأ والظلم والجور، أن يحول صاحب الحاجة إلى إنسان كأنه يسأل ويشحذ، هذا لا يجوز، وقل مثل ذلك في كل الأمور، وأن يعامل الناس بما يحب هو أن يعاملوه.

أسأل الله أن يهدي قلوبنا، ويصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يلهمنا رشدنا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، (12/1)، رقم: (13)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير (67/1 ) رقم(45).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب إثم من لا يأمن جاره بوايقه، (10/8)، رقم: (6016)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان تحريم إيذاء الجار، (68/1)، رقم: (46).

مواد ذات صلة