الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث «المسلم أخو المسلم لا يظلمه..» (2-2)
تاريخ النشر: ١٥ / جمادى الآخرة / ١٤٢٧
التحميل: 2125
مرات الإستماع: 15169

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فكنا نتحدث في الليلة الماضية عن:
قول النبي ﷺ: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة[1].

وبقي أن نقول: إن هذه الصفة التي يجب أن يتحقق المسلمون بها وأن يراجعوا أنفسهم على كثير مما وقع من التفريط في هذا الجانب أقول: مع ذلك للأسف الشديد نجد أن الكفار يحققون فيما بينهم هذا المعنى غاية التحقيق، وهذه الأيام شاهدة بذلك، يهودي واحد يؤسر فتحاصر أمة من الناس، ويجوعون ويؤسرون وتُقطع عنهم الكهرباء، ويكونون في شدة يسمع بها العالم بشرقه وغربه، تذل أمة كاملة من أجل جندي واحد، وليس هذا ممن أُخذ من بيته، وإنما هو رجل محارب، ومن المتوقع أن يؤسر مثل هذا، وهم يأخذون الناس من بيوتهم بالمئات أو الآلاف وتمتلئ بهم السجون من الأطفال والنساء والشيوخ وغيرهم، وتنتهك الأعراض ويقع من الشر والويلات ما لا يقادر قدره، وأمة كاملة من المسلمين لم تتحرك وكأن شيئًا لم يقع.

كم من الأسرى والجرحى وغيرهم وبعضم مبتور الأعضاء والأطراف يؤخذون أمام العالم قد سدت آذانهم، وعيونهم وأنوفهم وأفواههم وغلوا بأيديهم وأرجلهم وفي وسطهم، وينقلون بصورة لا يمكن للبشرية أن تتصور همجية أعظم منها، ولا انحطاطًا في الأخلاق ولا حقدًا، كما قال الله : إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ [الممتحنة:2] فهم أعداء، عداوتهم متمكنة في القلوب ومتجذرة، ولكنها عداوة تظهر إذا تمكنوا بالقول والفعل.

فأقول: يحصل ذلك على مرأى من العالم، وكأن شيئًا لم يكن، وهؤلاء لأجل جندي واحد يحاصرون أمة كاملة ويتهددون ويتوعدون، ويضربون لبنان، ويتبجحون ويستعرضون بلا حسيب ولا رقيب.

المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه وأشنع من ذلك وأعظم إذا أعان على أخيه، أو كان هو الذي يتسبب بأي طريقة من الطرق في أذيته وإسلامه إلى عدوه.

يقول ﷺ: ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، هذا أصل كبير، وقاعدة من قواعد تحصيل وتحقيق المطالب، من أراد أن يحقق مطلوبه فعليه أن يلتفت إلى ذوي الحاجات، ينظر في حال العاجز والفقير والمريض وغير ذلك ممن يحتاج منه إلى إعانة فيعان، فيكون الله في حاجته، فإذا طلب أو سأل ورفع يديه إلى الله أجاب الله دعاءه، أما الذي يعيش لنفسه ولا يكترث بالآخرين، ولا يلتفت إلى حاجاتهم، بل يعيش بنفس مِلؤُها الأنانية، فمثل هذا ماذا يرجو؟ وماذا عسى أن يحقق؟، فالله خلق الناس، وجعل في فطرتهم الاجتماع، وجعلهم في غاية التفاوت في الصور والأشكال، وفي الذكاء والقُدر والإمكانات، وفي الصحة والعافية والمرض، وما إلى ذلك، لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا [الزخر:32]،  فمن أجل أن يسخر بعضهم لبعض، وينتفع بعضهم من بعض والله ناظر إليهم.

من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، الأول عام: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، التمسْ حاجات الناس وساعدهم لوجه الله فالله يعينك، وفرج عن مسلم كربة يفرج عنك كربة من كرب يوم القيامة، فإذا فرج الإنسان عشر كرب فرج عنه عشر كرب، وهذا وعد لا يخلف، والله أكرم الأكرمين، فطريق تحصيل المطالب في الدنيا الالتفات إلى الآخرين، لا يعيش الإنسان أنانيًّا، وطريق تفريج الكرب يوم القيامة هو تفريج كرب المكروبين في الدنيا.

وقوله: ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة الناس يعيشون في كنف ستر الله ولو رفع ذلك عنهم افتضحوا، كل إنسان عنده تقصير وذنوب وأخطاء، وقد جاء رجل للإمام أحمد -رحمه الله- وسأله عن نسبه وقال: نسمع أنكم من ذوي النسب، فقال له الإمام أحمد: إنما نعيش في ستر الله ولو كشفه عنا لافتضحنا، كل إنسان يعيش في ستر الله ولو كشفه عنه لافتضح.

فالمقصود أن طريق ستر العورات يوم القيامة والفضائح هو بالستر على المسلمين، ولذلك النبي ﷺ أخبر فقال: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان[2] يفتضح بغدره، فمن أراد ألا يفتضح يوم القيامة أمام الخلائق فعليه أن ينظر إلى هذا المعنى وليستر المسلمين، وإذا اطلع على عورة من عورات أخيه فعليه أن يستره وألا ينشر خطأه.

كثير من الناس يفرح بالزلة والخطأ، ويرى أن هذا من المكاسب التي حصلها، وأنه قد عثر على شيء ينبغي أن يُنتهز، ولربما يبتزه بهذا ويهدده أن يفضحه.

انظروا إلى الشبكة في الإنترنت، يأتي من يخترق المواقع، ويخرج أشياء خاصة للناس، ثم يهددهم بها، الله سترهم ويأتي ويقول: هذه الصور سننشرها وسنفضحكم بكذا، وربما يطلب منهم مالًا.

فالمؤمن لا يفرح بزلة أخيه ولا بخطئه، ولا بوقوعه بشيء من الخلل أو الخطأ أو الانحراف، فإذا رأى شيئًا من ذلك آلمه وستره ونصحه وسدده.

أما أن يذهب ويتكلم قائلا: فلان ما تدرون عنه، أنا الذي أعرفه رأيته يفعل كذا، هذا إذا كان تبدت له هذه الأمور، فكيف إذا كان هو الذي يتطلبها ويتتبع عورات الناس، والنبي ﷺ يقول: من يتَّبِع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته[3] والجزاء من جنس العمل، فهذا سعي وعمل قبيح، تعجل عقوبته في الدنيا قبل الآخرة، والمؤمن الذي يريد النفع للناس وهو صادق في ذلك هو الذي يرفع مَن وقع لا يزيده وقوعًا، رأى إنسانًا سيقع يدفعه أكثر؟، لا، يرفعه، يحمله، ينتشله، يسدده، يقوِّمه، هذا هو الناصح، أما الذي يذهب ويتكلم ويتحدث ويفشي عيوب الناس فمثل هذا غاش وليس بناصح ولا يحب لهم سدادًا ولا رشدًا، فهذه معانٍ نحتاج أن نبثها في المجتمع، أن تراعى دائمًا في تعاملنا وأخلاقنا وسلوكنا مع الآخرين.

  1. أخرجه البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، (3/ 128)، برقم: (2442)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، (4/ 1996)، برقم: (2580).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ما يُدعى الناس بآبائهم، (8/ 41)، برقم: (6178)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر، (3/ 1360)، برقم: (1735) بلفظ: إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة، فيقال: ألا هذه غدرة فلان.
  3. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 186)، برقم: (11444)، وصححه الألباني، في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1323)، برقم: (3078).

مواد ذات صلة