الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث "كان رسول الله ﷺ يبيت الليالي.." ، «لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى..»
تاريخ النشر: ١١ / جمادى الآخرة / ١٤٢٩
التحميل: 1424
مرات الإستماع: 4592

كان رسول الله ﷺ يبيت الليالي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: كان رسول الله ﷺ يبيت الليالي المتتابعة طاويًا، وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير[1]. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

قوله: "يبيت الليالي المتتابعة طاويًا" يعني: لم يتعشَّ، يعني: من غير أن يأكل، يبيت على الجوع ﷺ "وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير"، هذا إذا وجدوا.

لو تعلمون ما لكم عند الله
وعن فضالة بن عبيد أن رسول الله ﷺ كان إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة، إذا صلى بالناس يخر رجال من قامتهم في الصلاة من الخصاصة -وهم أصحاب الصفة- حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين. فإذا صلى رسول الله ﷺ انصرف إليهم، فقال: لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى، لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة[1].

يخر رجال، يعني: يسقط رجال من قامتهم في الصلاة من الجوع، يسقطون وهم قيام إلى الأرض بسبب الجوع من الخصاصة، وهم أصحاب الصُّفَّة، حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين، الأعراب ما يعرفونهم، وأصحاب الصُّفَّة كما سبق هم الفقراء ممن هاجروا إلى المدينة وتركوا كل شيء وراءهم، فليس لهم أهل، ولا دور، ولا مال يأوون إليه، فكان الواحد منهم يسقط من الجوع حتى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين، يعني: أنهم يصرعون، فإذا صلى رسول الله ﷺ انصرف إليهم وقال: لو تعلمون ما لكم عند الله تعالى لأحببتم أن تزدادوا فاقة وحاجة رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح. 

وعلى كل حال، لا يفهم من هذه الأحاديث أن الإنسان يوجد عنده ما يأكله، ويترك ذلك ويبقى على الجوع، لا يفهم منه هذا، ليس هذا هو المطلوب، ولا يفهم من هذه الأحاديث أن الإسلام يدعو إلى ترك العمل، والقعود والإخلاد إلى الأرض، والكسل، فإن هذا مذموم شرعًا، والله لما ذكر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وصفهم بأنهم وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان:20]، يعني: يتّجرون، يبيعون، يشترون، يكتسبون، ولا يبقى الإنسان أو يبقى أهله عالة على الناس، ينتظرون من يحسن إليهم ومن يعطيهم، لا، الإسلام لا يدعو إلى هذا، بل يدعو إلى عمارة الدنيا وإقامتها على شرع الله ، وألا يكون ذلك على حساب الدين، وطاعة الله وطاعة رسوله ﷺ، فيكون الإنسان تابعًا لشهواته ونزواته تأمره نفسه وتطلبه الشهوات سواء كانت من قبيل الشهوات المحرمة أو المباحة، فيتوسع فيها جدًّا، فهذا هو المذموم، أن يتطلب الإنسان شيئًا ليس عنده، أن يتطلع إلى ما في أيدي الناس، أن يكون مقياسه هو سعة العطاء، أن تكون الغبطة عنده يغبط الناس على ما عندهم من هذه الدنيا، فهذا خطأ، لكن ليس معنى هذه الأحاديث أن الإنسان يقول: أنا ما أعمل، أنا ما أكتسب، النبي ﷺ وأصحاب الصفة كانوا يسقطون من الجوع، هؤلاء تفرغوا ليس عندهم أي عمل إلا الجهاد في سبيل الله، كما جاء وصفهم بأحاديث أخرى، كانوا ينتظرون كلما نادى المنادي لبوا الداعي، هذا كان شأنهم، ولا يأتِ إنسان ويقول: أنا والله سأقتدي بهؤلاء وأجلس ما أعمل، ولا أكتسب، ويبقى عالة على الآخرين، فإن هذا الكسل مذموم، وأقبح ما يكون في الإنسان ألا ينهض لا في عمل دنيا ولا بعمل آخره، بطّال، يغلبه النوم، وأكثر أوقاته تذهب في النوم، فإن هذه ليست حياة، الحياة مبنية على الجد والكبد، والله يقول: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ  [البلد:4]، لكن المذموم هو التوسع فيها أو أن تكون غاية الهمّ وغاية المطالب والمنى، فهذا خطأ، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.  

  1. أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي ﷺ، (4/ 583)، برقم: (2368)، وابن حبان، كتاب الرقائق، باب ذكر الإخبار بأنّ على المرء عند العدم النظرَ إلى ما ادخر له من الأجر دون التلهف على ما فاته من بغيته، (2/ 502)، برقم: (724)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (5/ 202)، برقم: (2169).

مواد ذات صلة