الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث «هو رزق أخرجه الله لكم..» (1-2)
تاريخ النشر: ١٦ / جمادى الآخرة / ١٤٢٩
التحميل: 920
مرات الإستماع: 1817

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "بعثنا رسول الله ﷺ وأمر علينا أبا عبيدة نتلقى عيرًا لقريش، وزودنا جرابًا من تمر لم يجد لنا غيره"[1]، هذا الحديث أورده المصنف -رحمه الله- في هذا "باب فضل الجوع"، يقول: "بعثنا رسول الله ﷺ"، وذلك كما جاء في بعض الروايات في السنة الثامنة من الهجرة، وقبل فتح مكة، وأمر علينا أبا عبيدة وهذه سنته ﷺ وهديه أن يُأمر على أصحابه، وذلك كما جاء في هذه الرواية، قال: "نتلقى عيرًا لقريش"، وهي التي في الصحيحين.

وجاء في رواية أخرى ليست في الصحيحين أنه أرسلهم بعثهم إلى جهينة، ويقول: "وزودنا جرابا من تمر"، والجراب هو وعاء من الجلد، وهؤلاء عددهم كثير ثلاثمائة رجل، وفي سفر فذهبوا للقتال فيحتاجون إلى مؤن وأطعمة فأعطاهم النبي ﷺ جرابًا من تمر لثلاثمائة، وهذا الجراب لربما لا يكفي لرجل واحد إذا أراد أن يتزود لمثلها؛ لأنهم جلسوا مدة في هذه الرواية أنهم جلسوا شهرًا في مكان واحد فضلاً عن الذهاب والمجيء، فجراب واحد أعطاه النبي ﷺ لهم من التمر ولم يعطهم شيئًا آخر.

يقول: "لم يجد لنا غيره"، هذا هو الشاهد ما كانوا عليه من التقلل من الدنيا، وقلة ذات اليد، وكانوا ينصرون الله ورسوله ﷺ، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، وجاء في بعض الروايات أنه كان يعطيهم قليلاً قليلاً،  ثم بعد ذلك لما فني أو كاد صار يعطيهم تمرة تمرة، يعني يعطي كل واحد تمرة في اليوم فقط وجاء في بعض الروايات ما يدل على أن معهم بعض الطعام، يعني أن كل واحد معه ما يخصه من طعام قليل أنها فنيت أزوادهم حتى هذا الجراب حينما أوشك على الانتهاء صار يعطيهم في اليوم تمرة واحدة، ومن يستطيع أن يعيش على تمرة واحدة.

يقول: "فقيل: كيف كنتم تصنعون بها يعني تمرة ماذا تصنع بها قال: نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل"، يجلس يمص التمرة من أجل ألا تنتهي، ولو سألنا الأجداد الذين أدركوا الجوع والفقر في هذه البلاد لربما لم يجدوا تمرة يمصونها إلى الليل في بعض الأحيان، وذهبوا وتنقلوا حتى وصلوا إلى أماكن بعيدة جدا، وصلوا إلى سيريلانكا على الأقدام وعلى المراكب البحرية يبحثون عن شيء يأكلونه فأنعم الله بهذه النعم التي لم يكن لنا فيها كد، أخرجها الله من باطن الأرض لم نعرف بصناعة ولا بحذق ولا مهارة ولا غير ذلك شيء أنعم الله حتى فاضت هذه النعم حتى صرنا إلى ما ترون؛ ولكن إن لم نشكر هذه النعم حق شكرها ونعرف حقها ونشعر بما يقاسيه ويعانيه إخواننا من الجوع والفقر والمسغبة فإن هذه النعم لن تدوم، ستزول؛ لأن الشكر هو قيد النعم وما ترون من غلاء الأسعار، وفساد الثمار، وخسائر التجارات، وقلة الأمطار وكثرة الغبار، وما إلى ذلك مما نشاهده من تغير الأحوال كل ذلك بسبب ذنوبنا، وتقصيرنا في حق الله .

فالشاهد يقول: "فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط"، ولما سئل جابر عن هذه التمرة؟ قال: "عرفناها عند فقدها"، يعني: لما فقدنا هذه التمرة لما انتهى كل التمر، يقول: عرفنا قيمة التمرة التي كنا نمصها إلى الليل أن لها قيمة وشأن.

والخبط هو ورق شجر تأكله الإبل، شجر له شوك معروف في أرض الحجاز يضربه الراعي فيتساقط الورق ولربما معه الشوك فتأكله البهائم الدواب تأكله الإبل، وظاهر ذلك لربما يفهم منه أنها كانت يابسة أيضًا؛ لأنها تتساقط مع الضرب إضافة إلى أنه قال: "ثم نبله بالماء فنأكله"، نبله يدل على جفافه.

وقال: "وانطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم"، والكثيب معروف كثيب من الرمل مثل: التل الصغير، يقول: "فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر"، دابة يعني من دواب البحر، حوت والحوت يطلق في لغة العرب على السمك لكن في عرفنا اليوم يطلق على السمك الضخم الكبير، يقول: "تدعى العنبر"، يعني فصيلة من الحيتان يقال له: حوت العنبر.

وبعضهم يقول: العنبر هذا الطيب المعروف هو روثه، روث هذه الدابة.

وبعضهم يقول: العنبر، وهذا هو المشهور هو نبت في البحر حتى إن الإمام الشافعي -رحمه الله- ذكر عن بعضهم أنه أخبره أنه رأى العنبر في قعر البحر، يعني نابتًا كهيئة أعناق الشياه، يعني مثل رأس الشاة هذا النوع بمتناول الكف فتأكله دابة تأكل هذا النوع من الحيتان تأكل هذا النبت فيقولون: إنه سام بالنسبة إليها فيقتلها فيلقيها على شاطئ البحر فيجدون ذلك في أجوافها فيأخذونه ويكون طيبًا هكذا يقولون.

فالحاصل دابة يقال لها: العنبر، فقال أبو عبيدة: "ميتة"، أعطاهم الحكم، وهو القائد، وهو الأمير ميتة كأنه لم يبلغهم قول النبي ﷺ: أحلت لنا ميتتان ودمان[2]، وربما يكون ذلك قاله النبي ﷺ بعد هذا لما سئل عن البحر؟ قال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته[3].

وفي الحديث: أحلت لنا ميتتان ودمان، -وذكر الميتتين- فقال: الحوت والجراد، وبعض أهل العلم فسر طعامه في قوله -تبارك وتعالى-: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [المائدة:96] بما ألقاه مما يطفو يموت فيه فإنه يجوز أكله، فقال أبو عبيدة: "ميتة" كأنه لم يبلغه الحكم، فظنها ميتة لا يجوز أكلها، ثم قال: ولا يعني أنه غير اجتهاده، قال: "لا، بل نحن رسل رسول الله ﷺ، وفي سبيل الله، وقد اضطررتم"، وهذا هو الشاهد، فالإنسان إذا اضطر تباح له الميتة مع أن السمك لا يحتاج إلى تذكية، ويحل أكله للمضطر ولغير المضطر مما ألقاه البحر، "وقد اضطررتم فكلوا، فأقمنا عليه شهرًا"، يأكلون من هذا الحوت، "ونحن ثلاثمائة حتى سَمِنا"، يعني ثلاثمائة يأكلون من هذا الحوت وهم جوعى أكلوا منه حتى سمنوا.

قال: "ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه بالقلال"، الوقب بمعنى نقرة العين، التجويف الذي تكون فيه العين يغترفون منه بالقلال، والقلال مثل الزنبيل الكبير الذي يوضع فيه التمر، يسمونه الآن بالعامية: قلة، زنبيل بهذا الحجم يغترفون به من وقب عينه من جفن العين، العين ذائبة وفيها الدهن ضخمة جدًا معناها أنها لربما تبلغ مترين في مترين أو أكثر، يغترفون منه بالقلال.

فالشاهد يقول: "ونقطع منه الفدر كالثور"، الفدر يعني القطعة الواحدة نقطعها من هذا الحوت بقدر الثور، "أو كقدر الثور، ولقد أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً..." إلى آخره، نكمله في المجلس القادم.

  1. أخرجه مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب إباحة ميتات البحر، برقم (1935).
  2. أخرجه ابن ماجه، أبواب الأطعمة، باب الكبد والطحال، برقم (3314)، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (210).
  3. أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، برقم (83)، والترمذي، أبواب الطهارة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، (69)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب ماء البحر، برقم (59)، وابن ماجه، أبواب الطهارة وسننها، باب الوضوء بماء البحر، برقم (386)، وأحمد في المسند، برقم (8735)، وقال محققوه: "حديث صحيح"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (76).

مواد ذات صلة