السبت 11 / شوّال / 1445 - 20 / أبريل 2024
[56] تتمة قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} الآية 125.
تاريخ النشر: ٢٦ / ذو الحجة / ١٤٢٥
التحميل: 3836
مرات الإستماع: 2700

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالنص الذي أورده الحافظ ابن كثير -رحمه الله- فيما يتعلق ببناء قريش للكعبة بعد إبراهيم الخليل راجعت هذا النص وقابلته على عدد من الكتب مثل: سيرة ابن هشام، وإتحاف الورى، وسبل الهدى وغيرها، ففيما يتعلق ببعض الألفاظ كقوله مثلاً: وما يهدى لها كل يوم تتشدق على جدار الكعبة: الموجود في نسختنا تتشدق وفي بعض نسخ ابن كثير تتشرق، وهي في الكتب التي ذكرتها آنفاً والتي هي أصل لهذا المنقول تتشرق -بالراء- حتى إنهم ضبطوها بالخط هكذا: بمثناة فوقية، فشين معجمة، فراء مفتوحات، وهذا واضح أنها تتشرق، وفسروها أيضاً من جهة المعنى فقالوا: تتشرق أي تبرز للشمس.

ومما راجعته قوله هنا: وكانت مما يهابون وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احزألت، وهكذا هي في ابن هشام -احزألت بالحاء- قال: أي رفعت رأسها، لكن وجدتها في غيره مثل سبيل الهدى قال: اخزألت بالخاء، وضبطها أيضاً بالكتابة فقال: بخاء معجمة، فزاي فهمزة مفتوحة، فلام مشددة، فتاء تأنيث –اخزألت- ويقول: أي رفعت ذنبها، والمُخْزَئِل المرتفع، وعلى هذا يكون في بعض النسخ بالخاء اخزألت وفي بعضها احزألت بالحاء، وهذا لا يستغرب؛ وذلك أنك تجد اللفظة جاءت بهذا وبهذا، وهذا له نظائر كثيرة.

قال: وكشت، كشَّت هي هكذا ومعناها صوتت، يقال: الكشيش صوت احتكاك جلد الحية حيث تتحرك فيظهر صوت لجلدها إذا احتك بعضه ببعض.

وقال في نفس الصفحة: والناس ينتحلون هذا الكلام للوليد بن المغيرة وقد وجدتها ينحلون هذا الكلام، ومعنى ينحلونه أي يضيفونه إليه وينسبونه إليه.

وقال: للوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو؛ وفي ابن هشام: "للوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر" وهي مضبوطة بفتح الميم وضم العين، فهي عمر وليست عمرو.

ومما قاله هنا: على أساس إبراهيم  أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنة: والمشهور أنه كالأسنمة، والذي في سبل الهدى وابن هشام كالأسنمة، والمراد أن الحجارة دخل بعضها في بعض كما تدخل عظام السنام بعضها في بعض. 

لكن الشاهد أنه يقول: ومن رآه كالأسنة جمع سنان، وهذا يعني أنه جاء أيضاً كالأسنة وهو الرمح، وتشبيهها بالأسنة من جهة أنهم قالوا: إن في لونها خضرة، وهذا لا يستغرب فمن المعروف أن جبال مكة أنها إذا نزل عليها المطر تحول لونها إلى شيء من الخضرة، حتى إن في قوله -تبارك وتعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً[سورة الحـج:63] فالفاء تدل على التعقيب المباشر في اللغة، فعلى القول بأن المراد بالآية الخضرة السريعة قال بعض أهل العلم: إن "أل" من الأرض هنا العهدية فالمقصود بها أرض مكة، وقالوا ذلك؛ لأن النبات لا ينـزل بعد المطر مباشرة وإنما يحتاج إلى وقت. 

إذن هذا خاص في مكة، والمقصود أنه لما كانت جبالها تحتوي على عنصر النحاس فإذا نزل عليها المطر صارت تميل إلى الخضرة، لكن هذا الكلام فيه نظر في تفسير الآية تلك، وإنما الفاء للتعقيب المباشر لكنه في كل شيء بحسبه، وعلى كل حال فالمقصود أن من قال: كالأسنة فهو ضبطها بهذه الطريقة وقال في اللون.

وقالوا ذلك؛ لأن النبات لا ينـزل بعد المطر مباشرة وإنما يحتاج إلى وقت، إذن هذا خاص في مكة، والمقصود أنه لما كانت جبالها تحتوي على عنصر النحاس فإذا نزل عليها المطر صارت تميل إلى الخضرة، لكن هذا الكلام فيه نظر في تفسير الآية تلك، وإنما الفاء للتعقيب المباشر لكنه في كل شيء بحسبه، وعلى كل حال فالمقصود أن من قال: كالأسنة فهو ضبطها بهذه الطريقة وقال في اللون.

ومما قاله المؤلف: فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها وهكذا وجدتها في هذه المصادر تنقضت، وهي مضبوطة أيضاً، وفسروها بأنها اهتزت، أي اهتزت مكة بأسرها.

ومن الألفاظ أيضاً قوله: فاختصموا فيه، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحاوروا وتخالفوا هكذا في نسختنا، وأما في سبيل الهدى تحاوزوا وتحالفوا: فهنا تحاوروا وتخالفوا، وهناك تحاوزوا وتخالفوا أي انحازت كل قبيلة إلى جهة، والتحالف معروف.

وفي ابن هشام وفي سائر الأصول تحاوروا وتخالفوا كما هنا، وعلى هذا فهو جاء بهذا وبهذا.

ثم قال: ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا وتناصفوا فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر وليس ابن عمرو، فهذا ما يتعلق ببعض العبارات والألفاظ.

وبالنسبة لضبط الأبيات يقول:

عَجِبْتُ لمَا تَصوَّبَت العِقَاب إلى الثعبان وهي لها اضطرابُ
وقد كانت يكون لها كَشِيشٌ وأحيانًا يكون لها وِثََابُ
إذا قمنا إلى التأسيس شَدَّت تُهَيّبُنُا البناءَ وقد تُهَابُ
فلما أن خَشِينا الرِّجز جاءت عقاب تَتْلَئِبُّ لها انتصاب
فضمتها إليها ثم خَلَّت لنا البنيانَ ليس له حجاب
فَقُمْنَا حاشدين إلى بناء لنا منه القواعدُ والتراب
غداة نرَفِّع التأسيس منه وليس على مُسَوِّينا ثياب

قوله: وليس على مُسَوِّينا ثياب: ضبطها بعضهم مساوينا -جمع سوءة- والمسوي يعني الباني، أي ليس على من يقوم بالبناء ثياب، وعلى الضبط الآخر يكون المعنى وليس على العورات ثياب، أي أنهم كانوا يبنون مع التعري يفعلون ذلك ديانة يتقربون بذلك إلى الله .

ثم يقول:

أعَزّ به المليكُ بني لُؤي فليسَ لأصله منْهُم ذَهاب
وقد حَشَدَتْ هُنَاك بنو عَديّ ومُرَّة قد تَقَدَّمَها كلاب
فَبَوَّأنا المليك بذاكَ عزّا وعند الله يُلْتَمَسُ الثواب

هذا ضبط بعض الألفاظ في ذلك النص، وعموماً هذا من كلام أهل السير، ومعروف ما جاء في هذه الكتب أنه إذا طبقت عليه شروط المحدثين ذهب أكثره، فقضية هذه الحية وما أشبهها كله يحتاج إلى إثبات، وأهل السير معلوم أنهم يذكرون مثل هذه الأشياء ويتساهلون فيها حتى إنهم يقولون: إن هذا الثعبان جاء منذ مئات السنين -من أيام العمالقة- وعاش مئات السنين، ويقولون عنها: إنها كانت إذا التفت على الكعبة التصق رأسها بذيلها من طولها ويذكرون -أهل السير أيضاً- أنه نزل شخص في بئر الكعبة ليسرق كنز الكعبة فسقط عليه حجر ثم جاءت هذه الحية بعد ذلك، وأن هذا الكلام كله منذ أكثر من خمسمائة سنة من وقت بناء الكعبة، لكن هذا الكلام كله ليس هناك ما يثبته، والله أعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المفسر -رحمه الله تعالى: وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا [سورة البقرة:128] قال سعيد بن منصور أخبرنا عتاب بن بشير عن خُصيف عن مجاهد قال: قال إبراهيم وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا فأتاه جبرائيل، فأتى به البيت، فقال: ارفع القواعد فرفع القواعد وأتم البنيان، ثم أخذ بيده فأخرجه فانطلق به إلى الصفا، قال: هذا من شعائر الله، ثم انطلق به إلى المروة، فقال: وهذا من شعائر الله، ثم انطلق به نحو مِنًى، فلما كان من العقبة إذا إبليس قائم عند الشجرة، فقال: كَبِّر وارمه.

قوله: فلما كان من العقبة أي العقبة التي عندها الجمرة.

وهذا الأثر يدل على أن الرؤية في قوله: وَأَرِنَا [سورة البقرة:128] رؤية بصرية تقتضي علماً بهذا المبصَر، فيكون بذلك الجمع بين التفسيرين، أي أرنا رؤية بصرية تقتضي علماً بالمبصَر، وبهذا نكون جمعنا بين القولين في تفسير قوله: وَأَرِنَا [سورة البقرة:128].

فكبر ورماه، ثم انطلق إبليس فقام عند الجمرة الوسطى فلما جاز به جبريل وإبراهيم قال له: كبر وارمه فكبر ورماه، فذهب الخبيث إبليس وكان الخبيث أراد أن يُدْخِل في الحج شيئًا فلم يستطع، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به المشعر الحرام، فقال: هذا المشعر الحرام، فأخذ بيد إبراهيم حتى أتى به عرفات قال: قد عرفت ما أريتك؟ قالها: ثلاث مرات، قال: نعم، وروي عن أبي مِجْلز وقتادة نحو ذلك.

ذكرت في سبب تسمية عرفات بهذا الاسم وجوه متعددة وأقوال، فمنهم من قال: إن آدم وحواء التقيا فيها بعد أن أهبطا إلى الأرض فتعارفا هناك -وهذا ليس عليه ما يثبته- وبعضهم يقول: إن جبريل ﷺ- كما هو هنا سأل إبراهيم ﷺ: وهل عرفت يعني المناسك؟ قال: نعم، فقيل لها: عرفات، وبعضهم يقول غير هذا، وليس على شيء من ذلك دليل يمكن أن يوقف عنده، والعلم عند الله وعلى كل حال هم يذكرون ذلك فقد يكون صحيحاً، وقد لا يكون كذلك، والله أعلم.

قوله تعالى: وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [سورة البقرة:128]، توبة الله على العبد تأتي بمعنى توفيقه للتوبة وقبولها منه والتجاوز عنه وعدم المؤاخذة على التقصير والذنب والخطأ الذي يحصل منه كما قال تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ [سورة التوبة:118] أي وفقهم للتوبة وقبلها منهم.

فالتوبة هي الرجوع، وتوبة الله على العبد تعني رجوع الله على العبد بالتجاوز عن التقصير والإساءة أو الذنب، أي رجع عليهم بالتوبة ورجع عليهم بالمغفرة ورجع عليهم بالتجاوز.

وتوبة العبد تعني رجوعه من تقصيره وذنبه إلى الحق، ومعلوم أن التوبة تكون من الذنب وتكون من غيره كالتقصير الذي قد لا يكون ذنباً، فهذه هي توبة الله على العبد التي تفسر قوله: وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [سورة البقرة:128]، والله أعلم. 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

مواد ذات صلة