الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
33- ومن كتاب الاختيارات. القواعد 434-451‏
تاريخ النشر: ٢٠ / ذو القعدة / ١٤٣٣
التحميل: 2566
مرات الإستماع: 2108

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

قال المؤلف -رحمه الله-:

"عمدة التصرف على غلبة الظن بخلاف الأحكام، فإن طرقها مضبوطة".

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله: عمدة التصرف على غلبة الظن، هنا ذكره في باب الوصية، عمدة التصرف على غلبة الظن في هذا الباب، باب الوصية.

فالوصية مثلاً لا يطلب لها ما يطلب للأحكام، أو للحقوق التي تحصل بها الخصومات البينة على المدعي، واليمين على من أنكر[1] فتوثيق الحقوق، وتثبيت الحقوق التي لربما يختصم بها الناس، أو تحصل بها مطالبات، أو ما يتعلق بالعبادات؛ فإن ذلك موقوف على الدليل من الكتاب أو السنة، أو ما يرجع إليهما، ولهذا يقال مثلاً في باب الوصية: بأنها قد تثبت بأمور دون ما يثبت به الأحكام، أو دون ما يثبت به أيضًا مفاصل الحقوق في المطالبات، والمخاصمات، وما إلى ذلك، مثل الرؤيا، لو أنه قال مؤتمن من أولاده مثلاً، أو قالت زوجته، أو قالت أمه: رأيته في المنام يوصي، ويقول مثلاً: تصدقوا عني بكذا، أو مثلاً: اجعلوا لي صدقة في كل سنة بقدر كذا، أو يقول: لهم مثلاً: احفروا لي بئر ماء، صدقة بالماء، أو يوصيهم مثلاً بأضحية، وما أشبه ذلك، هل يعملون بمقتضى هذا، أو لا؟

شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول في باب الوصايا: يمكن أن تعتبر الرؤيا الصادقة التي قد اقترنت بما يدل على صدقها، يعني: أحيانًا تأتي بعض الرؤى واضحة، يدرك من رآها أنها حق، واضح؟ فمثل هذا يمكن أن يعمل به، فتصح هذه الوصية بذلك.

لو أنه جاء أحد مأمون من هؤلاء الأولاد، أو الزوجة، وقالت: أنا سمعت أباكم يقول: أخرجوا عني كل سنة في رمضان صدقة بقدر كذا مثلاً، أو يقول: أضحية كل سنة، أو يقول: فطروا عني كل سنة عن كل يوم مسكينًا مثلاً، يعني: إفطار، وليست كفارة، ولا.. قاله في اليقظة، هنا لا يوجد ما يثبت، ففي هذه الحال لا إشكال في العمل بمقتضى ذلك.

وهكذا لو أنهم وجدوا، ورقة بخطه، أو قال من يثقون به: إنه أملى ذلك عليه، فمثل هذه شيخ الإسلام يرى أن ذلك يؤخذ به، عمدة التصرف على غلبة الظن، يعني: في هذا الباب، بخلاف الأحكام فإن طرقها مضبوطة؛ ولهذا نقول: الرؤى لا يبنى عليها حكم، هذه قاعدة.

"من كان له حق في مال من يتهمُهُ بإتلافه، أو تفويته عليه؛ فله أن يضم إليه يدًا تمنعه".

من كان له حق في مال من يتهمُه بإتلافه، أو تفويته عليه، هذا إنسان من الورثة، وهذا صاحب المال في مرض الموت المخوف مثلاً، فصار يتبرع، ويوزع الأموال على الناس، سواء كان ذلك في صدقات، أو عطايا، وهبات، فهذا من الورثة، أو مجموعة من الورثة تخوفوا على نصيبهم من الميراث، قالوا: هذا سيتلف المال الآن، وهو في هذه الحال -حال مرض الموت- ثم لا يبقى لنا بعد ذلك شيء، إذا كان ذلك بأكثر من الثلث، يعني: الثلث له أن يتصرف فيه، وأن يوصي، لكن إذا كان أكثر من الثلث، بدأ يقول: البيت الفلاني للجمعية الفلانية، والعمارة الفلانية لفلان، والدار الفلانية لزيد، وهكذا، مثل هذا خافوا أن يذهب المال، فإذا كان أكثر من الثلث، فإذا اتهم هؤلاء الورثة المورث بأنه يذهب المال، فلا يبقى لهم نصيب في الميراث، أو أن ذلك يجحف في حقهم، فممكن أن يطالبوا بالحجر في هذه الحال.

من كان له حق في مال من يتهمُه بإتلافه، أو تفويته عليه؛ فله أن يضم إليه يدًا تمنعه، الحجر على المريض في مرض الموت المخوف، فمثل هذا لهم أن يطالبوا بالحجر عليه إذا كان يتصرف بهذه الطريقة.

وقل مثل ذلك أيضًا لو أن الإنسان أصيب بشيء من بوادر الخرف، فبدأ يصرف الأموال، هو لا زال على قيد الحياة لا يورث، فبدأ يصرف الأموال، كل من دخل عليه -كما يحصل أحيانًا- يكتب لهذا شيك بمائة ألف، وهذا شيك بمليون، وهذا، وهكذا، فهنا يطالبون بالحجر من يتهمه بإتلافه، أو تفويته عليه، فله أن يضم إليه يدًا تمنعه، من كان له حق في مال من يتهمه بإتلافه، هذا إنسان أخذ أموال الناس، وهو بزعمه يريد أن يستثمر هذه الأموال، ثم بعد ذلك يعود عليهم بالأرباح، فصار يتصرف بهذه الأموال بتصرفات تجحف بهم، وتذهب بهذا المال، ولا يأتيهم لا ربح، ولا رأس مال، هذا لا يجوز، فهنا لهم أن يطالبوا بالحجر عليه؛ لئلا يذهب مالهم، قد تكف يد هذا الإنسان، ثم بعد ذلك يبدأ يتصرف بالأموال التي عنده، عن طريق آخرين، عن طريق أسماء أخرى، ولربما بطريقة يكون ذلك فيه إجحاف ظاهر بهذه الأموال بأصحابها، يعني: من يسيل له هذا المال مثلاً يقول له: المليون بسبعمائة، هات سبعمائة ألف، وخذ المليون، أو ما قيمته مليون، يقول: خذ هذه الأرض أعطني نقدًا، خذ هذا العقار أعطني نقدًا، سبعمائة ألف، وهو يساوي مليونًا، واضح؟ فمثل هذا لهم أن يطالبوا بالحجر عليه.

"الإعراض عن الأهل، والأولاد ليس مما يحبه الله ورسوله، ولا هو دين الأنبياء".

الإعراض عن الأهل والأولاد، يعني: المقصود ألا يتزوج، يزهد، يرغب عن الزواج، يقول: أنا لا أريد الأولاد، ولا الزوجات؛ لئلا يشغل ذلك مثلاً، يعني: يترك ذلك على سبيل التقرب إلى الله والزهد، لكن لو أنه تركه بسبب آخر؛ أن هذا الإنسان مشغول، هذا الإنسان ليس له رغبة أصلاً في النساء، أو أنه مثلاً يكون فقيرًا فقرًا لا يتمكن معه من التزوج؛ فترك الزواج لهذا السبب، أو نحو ذلك من الأمور المانعة، أو المعوقة، فهذا له أن يترك الزواج؛ لأن الزواج لا يجب إلا حال كون الإنسان يخشى على نفسه العنت، ولا يستطيع التسري، فإنه يتزوج الحرة، فإن لم يستطع؛ فيتزوج، يرخص له بتزوج الأمة، فالمقصود أنه إن ترك ذلك زهدًا في الدنيا، وتورعًا، فهذا رغبة عن هدي الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وهذا من الابتداع، والنبي ﷺ أنكر على الثلاثة الذين تعرفون خبرهم، لما سألوا عن عبادته ﷺ وقال أحدهم: أنا لا أتزوج النساء، وكان مما قال ﷺ: فمن رغب عن سنتي، فليس مني[2] فهذا هو المقصود: الإعراض عن الأهل والأولاد تدينًا، وتورعًا، وزهدًا.

"إن كانت العبادات فرض كفاية كالجهاد والعلم؛ قدمت على النكاح إن لم يخش العنت".

نعم، يعني: هنا هذا من فقه الأولويات، إذا كانت العبادات فرض كفاية، كالجهاد والعلم؛ قدمت على النكاح؛ إن لم يخش العنت، إذا كان يخشى العنت؛ فالمقدم النكاح، بمعنى أن هذا الإنسان إذا كان لا يتأتى له الجمع بين النكاح، وهذه الفروض الكفائية، ما يستطيع، فيقول: إما أن أفعل هذا، أو هذا، إذا كان يستطيع الجمع، فهذا هو الأكمل، لكن إذا كان لا يستطيع، بمعنى: تزاحمت المصالح في حقه، فما هو المقدم؟

القاعدة أنها إذا تزاحمت المصالح يقدم الأقوى، والأرفع مرتبة من هذه المصالح، فهنا هذه فروض كفائية، الجهاد، وطلب العلم، فهو عند نفسه أنه إذا اشتغل بواحد منهما فإنه لا يستطيع التزوج، واضح؟ إما لأن المال الذي عنده لا يكفي إلا لواحد، أو لأنه إذا اشتغل بالعلم، أو اشتغل بالجهاد؛ سينشغل عن الزواج، وينفق ما بيده في هذه الأمور، ولن يبقَ شيء عنده للنكاح مثلاً، فماذا يقدم؟

يقول: أقدم هذا، أو أقدم هذا؟ شيخ الإسلام يقول: بأن هذا يقدم على النكاح إن لم يخش العنت، بمعنى أنه ليس بحقه واجب، بل هو في حقه مندوب، وتلك من قبيل الفروض الكفائية، فرض كفاية، وفرض الكفاية أفضل في الجنس من المندوب، فهذه طريقة في الترجيح بين هذه الأمور، يعني: ننظر في المراتب، مراتب الأشياء، فما كان من قبيل فروض الأعيان، فهذا لا إشكال فيه، لكن في حال التزاحم إذا كان فرض كفاية، وفرض عين؛ نقدم فرض العين، وإذا كان فرض كفاية مع مندوب؛ نقدم فرض الكفاية؛ لأن الله يقول: وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه[3] فيدخل في هذا فرض العين، وفرض الكفاية، فالفروض أثقل في الميزان من السنن، والأمور المندوبة، هذه طريقة في الفقه مهمة.

وأحيانًا تتزاحم المصالح في أمور مندوبة في أعمال البر التي لا تجب عليه، فهنا يحتاج أن ينظر إلى جوانب متنوعة، ينظر ما هو النفع، أو الأثر، فإذا كان ذلك من قبيل المتعدي، والآخر من قبيل القاصر فالأصل أن جنس المتعدي أفضل من جنس القاصر، هذا من حيث الجنس؛ ولهذا النبي ﷺ قال: لئن أمشي مع أخٍ في حاجة..[4] يعني: مشي في حاجة إنسان مسلم أحب إليه ﷺ من أن يعتكف في مسجده شهرًا، فهذه عبادة قاصرة، وهذه عبادة متعدية، وهكذا في أمثلة كثيرة، ولكن ذلك باعتبار المعين، قد يقال بأن المندوب في حقه أفضل من فرض الكفاية، أو أن القاصر في حقه أفضل من المتعدي المعين، في حق المعين، لماذا؟

لأن ذلك أصلح له، ولذلك تجد النبي ﷺ حينما يسأل، أو يطلب منه الوصية يقول: لكل أحد بحسبه، لكن من حيث الجنس يقال: كذا أفضل من كذا، كما يقال في البقاع مثلاً بأن مكة والمدينة أفضل من غيرهما، لكن من حيث المعين الفرد، فإن ذلك يختلف، فقد يكون الأفضل في حقه غير مكة، أو المدينة، كما يقول: شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، يعني: حيث يجد قلبه؛ فقد لا يجد قلبه في سكنى مكة، ولا المدينة، فلا تكون الأفضل في حقه، وإن كانت من حيث العموم هي الأفضل، لكن إذا أردنا أن ننزل على الأفراد؛ فإن الأمر يختلف، وهذه القضايا تكلم عليها شيخ الإسلام، تكلم عليها الشاطبي في المفاضلات، وتزاحم المصالح.

"يجوز نقل الملك عن الشيء مع استثناء المنفعة؛ إن كان العقد معاوضة، وإن كان عقد تبرع جاز استثناء المعلوم من المنفعة، والمجهول".

نعم، نقل الملك عن الشيء مع استثناء المنفعة، فهذا إن كان العقد مع استثناء المنفعة إن كان عقد معاوضة، وإن كان عقد تبرع؛ جاز استثناء المعلوم من المنفعة، والمجهول. العبارة التي عندك ما هي؟

يقول: "يجوز نقل الملك عن الشيء مع استثناء المنفعة إن كان العقد معاوضة".

يحوز نقل الملك عن الشيء مع استثناء المنفعة إن كان العقد معاوضة. معاوضة: البيع والشراء مثلاً، فلو أنه باعه، واشترط أن يركب، باعه هذه الدابة، أو هذا البعير، أو هذه السيارة، واشترط أن يركبها إلى بلده، أو أن يستعملها شهرًا، أو باعه هذه الدار، واشترط أن يسكنها إلى نهاية الحول، فهذا لا إشكال فيه، أو قال له: أبيعك هذه الدار على أن أنتفع بها، وأسكنها إلى أن ينتهي البناء الذي أبينه الجديد في سنة، أو حدد له مدة معينة، قال: في سنتين، أو نحو ذلك، مع استثناء المنفعة، إن كان العقد معاوضة، وإن كان عقد تبرع؛ جاز استثناء المعلوم من المنفعة، والمجهول، يعني: إن كان عقد تبرع؛ جاز استثناء المنفعة، المعلوم والمجهول، أما في عقد المعاوضة فلا بد من المعلوم، ما يكون مجهولاً، ما يقول له مثلاً: أنا أبيعك هذه الدار، وأشترط الانتفاع بها، وسكناها إلى أن أرغب عنها، متى يرغب عنها؟ ما ندري، فمثل هذا لا يصح، لكن لو قال له: إلى رأس الحول، إلى أن تنتهي عمارتي في سنة، أو في سنتين، فهذا لا إشكال فيه.

أو يقول: له مثلاً: أبيعك هذه الناقة، أو هذه السيارة على أن أركبها إلى بلدي، واضح؟ أو إلى المكان الفلاني، أو أن أستعملها إلى نهاية الشهر، فهذا لا إشكال فيه، أو يقول: أنا أستعملها إلى أن أنتقل من هذه البلدة بتاريخ كذا، فهذا لا إشكال فيه، استثناء المعلوم.

أما عقود التبرع فيجوز استثناء المعلوم، والمجهول، المعلوم مثل ماذا؟ لو أنه أعتق أحدًا، وقال: أعتقتك -المعلوم- على أن تقوم بخدمتي سنة، استثنى الخدمة، أعتق الرقيق، واستثنى الخدمة لمدة سنة، هذا معلوم، واضح؟

لو أنه قال: هذه الدار وقف على أن أستغلها عشر سنوات، لو أنه قال: هذه العمارة التي تؤجر، هي وقف على أن يكون الريع لي لمدة عشر سنوات، هذا استثناء معلوم.

أما استثناء المجهول كأن يقول: مثلاً: هذه الدار وقف، ويستثني أن يسكنها، وأن يستغلها مدة حياته، كم مدة حياته؟ يوم، سنة، عشر سنوات؟ ما يعرف، فيقول: مدة حياتي أستغل هذه، أو كأن يقول: كما يقول كثير من الناس، يقول: هذا العقار، هذه المزرعة، هذه العمارة وقف، لكن ما يخرج منها من الغلة لي ما دمت على قيد الحياة، هذا كثير، فهذا لا إشكال فيه، واضح؟

لا إشكال فيه، سواء، يعني: استثنى جميع الغلة، أو أنه استثنى بعضها، ولو كان ذلك محددًا معلومًا، أو غير معلوم، كأن يقول: مثلاً: أنا هذه الدار وقف، هذه العمارة، وقف، هذه المزرعة وقف، لكن اشترط، أو استثنى أن يأخذ كفايته منها، ما مقدار الكفاية؟ يقول: آخذ منها متى احتجت إلى ذلك، فمثل هذا في عقود التبرع لا إشكال فيه، وهكذا العتق، الوقف، الهبة، لا إشكال في ذلك.

مداخلة: ... [22: 32]

المدبر، لا، هو المدبر أنه على أساس إذا مات؛ يكون حرًا، لكنه هو في المدبر يقول له: أنت حر الآن، يطلق العتق؟ لا، لكن هنا يقول له: أنت حر، ولكني أشترط الخدمة، تخدمني، وهذا موجود، ويحصل، وإلى الآن، يعني: بقايا الرق، بعض الذين كان عندهم رق إلى الآن يوجد من يخدمهم من هؤلاء الأرقاء الذين اعتقوهم بهذه الطريقة، يأتونهم، ويقدمون لهم الخدمة، ويحضرون لهم ما يحتاجون إليه.

مداخلة: هل مقيد الثلث؟

لا يقيد بالثلث في الوقف، عقود التبرعات لا يقيد بالثلث، لكن إذا أراد أنه يوقف إن كان في صحته وعافيته فيوقف ما شاء، أما في مرض الموت المخوف فله أن يتصرف في الثلث، يوقف من أمواله مثلاً بقدر الثلث، واضح؟ لو أنه جعل ذلك في وصية على خلاف بين أهل العلم في مسألة الوقف فيما يتعلق بالوصية، يعني: الوقف غير الناجز، كأن يقول: اجعلوا ثلث مالي وقفًا، أو ربع مالي وقفًا، أو نحو ذلك، فهذا لا إشكال فيه -والله أعلم-.

"وإذا دخل النقص على الزوج لعيب بالمرأة، أو فوات صفة، أو شرط صحيح أو باطل، فإنه ينقص من المسمى بنسبة ما نقص، وهذا النقص من مهر المثل".

المهر المثل، يعني: ينقص من المسمى بنسبة ما نقص، يعني: من الأوصاف. هذه المرأة تزوجها على أنها جميلة، فدفع لها مهر مائة ألف، فلما رآها؛ تبين أنها ليست كذلك، ليس فيها جمال إطلاقًا، فهنا ماذا يصنع؟ يستحق من المهر بقدر ما نقص، كيف يعرف هذا؟ بمهر المثل، يعني: ينظر هذه المرأة كم مهرها عادة؟ يقال: والله يبلغ مهر هذه المرأة خمسين ألفًا، واضح؟ فيعاد له القدر الزائد.

كذلك لو كان مثلاً أخذ هذه المرأة على أنها تجيد صنعة معينة، أو حرفة، قيل له: هذه المرأة عندها صنعة عندها حرفة، هذه المرأة تجيد مثلاً العمل في البرامج الحاسوبية، وعندها مهارة، يمكن أنها تقوم بأعمال تكتسب من خلالها، أو نحو ذلك، أو أنها تشارك في أشياء يحتاج إليها، أو قيل: بأن هذه المرأة تجيد الطبخ، متفننة في ذلك، فلما تزوجها؛ تبين أنها لا تحسن شيئًا من هذا، فيقول: أنا تزوجتك بهذا المهر باعتبار هذه الحرفة، وهذه الصنعة، فهنا يحق له أن يأخذ بقدر ما حصل، يأخذ من المهر بقدر ما حصل من النقص، وهكذا؛ يعني: لو أن المرأة أيضًا بعكس هذا، لو أنها قالت له: مهري بألف على ألا تطلقني، أو على ألا تتزوج عليّ، واضح؟ أو على ألا تنقلني من هذا البلد، العلماء -رحمهم الله- تكلموا في الشروط في النكاح، بعضهم يمنع ذلك مطلقًا، وبعضهم يصحح بعض الشروط، وكما هو معروف، ويبطل بعضها.

فهذه الشروط العلماء يختلفون فيها أصلاً، هل تصح، أو لا، إذا اشترطت ألا ينقلها من البلد، ألا يتزوج عليها مثلاً، واضح؟ فهذه المرأة تزوجها هذا الرجل بألف، المهر مخفض جدًا، بألف فقط، قالت: أنا لا أريد مهر المثيلات، أنا يكفيني ألف ريال، بس ما تتزوج عليّ، أو ما تنقلني من هذا البلد، ما تسافر بي إلى بلد آخر، ثم بعد ذلك فاجأها أنه يقول: أنا أريد أن أنتقل، أو قال لها: أنا أريد أن أتزوج، قالت: أنا قبلت بألف لا لأوفر لك مالاً من أجل أن تتزوج عليّ، ففي هذه الحال لها أن تطالب بمهر المثل، واضح؟ لها أن تطالب بمهر المثل.

طبعًا في بعض البلاد المرأة هي التي تدفع المهر، فبحسب مواصفات الزوج، فلو أنه جاء إليها، وقال لها: أنا أحمل شهادة بمرتبة كذا، وأجيد كذا، وأجيد كذا، وأجيد كذا، فطلب منها مهرًا عاليًا، فدفعت له هذا المهر؛ بناء على هذه المواصفات النادرة، فلما تزوجته؛ تبينت أن ذلك غير صحيح، فماذا تصنع؟ يكون له مهر المثل؟ هذا أذكره على سبيل الطرفة، وإلا لا يجوز أن تكون المرأة هي التي تدفع المهر، لكن للأسف يوجد في بعض بلاد المسلمين، ويحصل لهم مثل هذه الأحوال، يذكر لها مواصفات، ثم ينكشف الأمر عن حال أخرى؛ لأنها للأسف تتعرف عليه في الجامعة، أو تتعرف عليه في مكان عام، أو في الإنترنت الآن، يذكرون من الصفات، ومن الأشياء نسمع من النساء، يذكر لها صفات، وأمورًا، وأنه يحمل شهادة دكتوراه، وأنه متخرج من الجامعة العريقة الفلانية، ومن البلد الفلاني إلى آخره، ثم يتبين بعد ذلك أنه ما يحمل شهادة خامس ابتدائي، أو جاء بشهادة مزورة، قال لها أنه طبيب، ثم اكتشف أن الشهادة أصلاً مزورة، وهي تزوجته على أساس... ودفعت له مهرًا.

"والذي ينبغي في أصناف سائر المال، كالعبد، والشاة، والبقر، والثياب، ونحوها إذا أصدقها شيئًا من ذلك أن يرجع فيه إلى مسمى ذلك اللفظ في عرفها، وإن كان بعض ذلك غالبًا أخذ به، كالبيع، أو كان من عادتها اقتناؤه أو لبسه فهو كالملفوظ به".

نعم، هنا يقول: الذي ينبغي في أصناف سائر المال، كالعبد، والشاة، والبقر، والثياب، ونحوها إذا أصدقها شيئًا من ذلك أن يرجع فيه إلى مسمى ذلك اللفظ في عرفها، هذا كما ذكرت لكم في المناسبة السابقة، لو سمى لها المهر، قالت له: أنا أتزوجك على عشر من الإبل، أو على مائة ثوب، أو نحو ذلك، إذا كان ذلك في عادتهم، فهنا هل إذا اختلفت معه، أراد أن يعطيها الإبل، وقالت: لا، أنا أريد قيمة الإبل، فيرجع إلى ماذا؟ إلى عرفها هي، واضح؟

فإذا كان هذا هو العرف عندهم فإنها تستحق قيمة الإبل. قال: أن يرجع فيه إلى مسمى ذلك اللفظ في عرفها، وإن كان بعض ذلك غالبًا أخذ به كالبيع، يعني: إذا كان هذا هو الغالب في عرف الاستعمال أخذ به كالبيع، يعني: كما هو في الشأن في البيع، هو يتكلم هنا عن الصداق، فيقول: كذلك في البيع، يعني: يرجع إلى العرف الغالب إذا اختلفوا، يرجع إلى العرف الغالب.

طيب، أو كان عادتها، يعني: كان عادتها اقتناءه أو لبسه، فهو كالملفوظ به، يعني: لو أنها مثلاً قالت له: أتزوجك على مائة ثوب، وعندهم ثياب معينة إذا أطلقت فإنها هي المعهود والمعروف، أو قالت له: على مسمى معين؛ هميان، أو حزام من فضة أو ذهب، الهميان ما تلبسه المرأة، يعني: في أشياء معروفة عند العوام، يسمونها أحيانًا هميان، وأحيانًا يسمونها رشرش، أو كذا، عرف عندهم معروف بحجم معين، وصفة معينة، ونحو ذلك، لو أنها قالت مثل هذا، أو ذكرت ثيابًا، أو ذكرت شيئًا مما يتعاطونه، أو نحو ذلك، فإنه في مثل هذه الحال إن كان لهم فيه عادة، فإن ذلك يكون هو المعتبر، كان عادتها اقتناءه، أو لبسه، فهو كالملفوظ به.

لو قالت له مثلاً: أتزوجك على مائة شماغ، هي لا تلبس شماغًا، لكنها قالت ذلك مثلاً؛ لغرض معين، وكان من عادتهم أنهم يلبسون نوعًا معينًا، فما يذهب إلى أرخص الأنواع، ويقول: يصدق عليه هذا اللفظ.

والذي ينبغي في أصناف سائر المال، كالعبد، والشاة، والبقر، والثياب، ونحو هذا أصدقها شيئًا من ذلك أن يرجع فيه إلى مسمى ذلك اللفظ في عرفها.

وذكرت لكم من قبل أن القاضي، في آداب القاضي: أنه إذا ذهب إلى بلد، أو عُين في بلد، أنه ينبغي عليه أن يعرف عرفهم في المخاطبات، وما أشبه ذلك؛ لأنهم سيختصمون إليه، ولهم أعراف، وعادات في الإطلاقات، وفي الكلام يحتاج أن يعرفها.

"كل من أهدي، أو وهب له شيء بسبب يثبت بثبوته، ويزول بزواله، ويحرم بحرمته، ويحل بحله".

نعم، كل من أهدي، أو وهب له شيء بسبب معين، فهذه الهدية، والهبة، والعطية تثبت بثبوت ذلك السبب، وتنتفي، وتزول بزواله.

الآن هذا رجل خطب امرأة، واضح؟ خطب امرأة، وعقد عليها، فسمي المهر، قالوا له: تدفع خمسين ألف هذا هو المهر، أعطاها المهر، وأعطاها شبكة كما يقال، هذه الشبكة أعطاها من أجل ماذا؟ من أجل العقد، والنكاح، والزواج، واضح؟ ثم بعد ذلك طالبته بالطلاق، هي التي طلبت الطلاق، وهو يريدها، فما الذي ترجع إليه؟ ترجع له المهر، والهدايا، والشبكة المتعلقة بالزواج، أهداها خاتم، أهداها شبكة، أهداها قلادة، أهداها.. ترجع له ذلك كله، أعطاها عربية كما يفعل بعض الناس فيها صنوف المجوهرات، والحلوى الغالية جدًا، فطلبت الطلاق، فهي تفتدي منه، فقال لها: أعيدي لي ما دفعت، هل نقول: إن هذه الهدايا تدخل في قوله ﷺ: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه[5]؟ نقول: لا يجوز لك أن تسترجعها، تأخذ المهر فقط الذي هو خمسين ألف، والباقي هدايا، كيف تسترجعها؟ هل يقال هذا؟ ليس لنا مثل السوء، هذا عود في الهبة؟ يقال: لا؛ هو ما أعطاها هبة مجردة، وإنما يحتف بها قرائن، أن ذلك من توابع المهر.

لو أنه طلقها من عند نفسه، يعني: ما طلبت الطلاق هي، هو طلق قبل الدخول، فكم يستحق؟ نصف المهر، هل يعطيها نصف المهر، يعني: يكون المسمى، أو ما يحتف به أيضًا من الشبكة، وغيرها؟ ما الذي تستحق؟ لاحظت.

هنا يقول: كل من أهدي، أو وهب له شيء بسبب يثبت بثبوته، هذه أحكام هذه الموهوب، ويزول بزواله، ويحرم بحرمته، ويحل بحله، هذا مثل هذه. طيب لو أنه عقد عليها عقدًا فاسدًا؟ عقد على امرأة عقدًا فاسدًا، فأعطاها شبكة، وأعطاها مهرًا، وما إلى ذلك، نعم، ففي هذه الحال يرجع بذلك كله، الآن هي لا يثبت لها نصف المهر بهذا العقد الفاسد، ما تقول له: أنا أعيد لك المهر فقط، والباقي هدايا، ترجع له هذه الهدايا، نعم، وكل ما أعطاها بسبب النكاح، فإذا زال النكاح؛ تبين أن العقد فاسد، تبين أنها أخته من الرضاع مثلاً، أو نحو ذلك ترجع لها ما دفع، ولا يقال: هذا عود في الهبة، وهكذا.

"ويتوجه صحة السلف في العقود كلها".

قال: ويتوجه صحة السلف في العقود كلها، السلف معروف، الآن لو أنه قال لأمته: لو أنه أعتقها، وجعل عتقها صداقها، يجوز هذا، أو لا يجوز؟ يجوز، جعل العتق صداقًا لها، فهذا لا إشكال فيه، نعم، يعني: قال لها: أنا أعتقك على أن تزوجيني نفسك، فهذا سلف، أو من قبيل السلف، فلا يكون ذلك في البيوع فقط من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم..[6] كما في الحديث، وإنما يكو أيضًا في سائر العقود عند شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.

"إذا تعارض الأصل والظاهر رجح أرجحهما".

عندك هنا الأصل والظاهر، عندي: "الأصل والعادة".

"إذا تعارض الأصل والعادة"

هو الأصل والعادة في الاختيارات، اختيارات شيخ الإسلام، قال: الأصل والعادة، إذا تعارض الأصل والعادة رجح؟

"إذا تعارض الأصل والعادة رجح أرجحهما، ومن الترجيحات كثرة القرائن وقوتها".

الآن إذا تعارض الأصل والعادة ماذا نقدم؟ يقول: رجح أرجحهما، لاحظ، ومن الترجيحات: كثرة القرائن وقوتها، يعني: ما قال: نرجح مثلاً الأصل بإطلاق، أو قال: نرجح العادة بإطلاق، وهذا هو الأحسن والأقرب -والله تعالى أعلم-.

تعارض الأصل والعادة، الآن لو أنه اختلف الرجل والمرأة عند القاضي، وتداعوا، وقالت: إنه لم يدفع إلي المهر، أنا ما قبضت المهر، ما أعطاني المهر، وقال بأنه قد أعطاها، ما هو الأصل؟ أنه أعطاها، وإلا ما أعطاها، الأصل؟

مداخلة: أعطاها.

كيف الأصل أنه أعطاها؟

الأصل أنه ما أعطاها، الأصل أن المال لم يخرج من يده، ويصل إليها، الأصل أنه ما أعطاها، واضح؟ طيب، لكن لو كانت العادة عندهم في هذا البلد، أو هذه القبيلة أن المهر يدفع عند العقد في مجلس العقد، عندهم عادة، وجاؤوا عند القاضي، وقالت: ما أعطاني، تعارض هنا الأصل، والعادة، نعم، فهنا شيخ الإسلام يرى أنها تغلب العادة على الأصل، لماذا؟

لوجود القرينة، فيكون ذلك مرجحًا باعتبار أن هذه عادتهم، أو العادة الغالبة عندهم، والعادة أن الناس يقبضون هذا في حينه، لو كان مثلاً عادة الناس -كما هو الغالب عندنا مثلاً- أنهم يعطون المهر قبل العقد، أو لا؟ أليس كذلك؟ يبعثون بالمهر قبل العقد، هذه هي العادة، فلو أنها قالت: ما أعطاني المهر، فإذا كانت هذه هي العادة الغالبة؛ فالقول قوله، بأنه قد أعطاها، يعني: قول من وافق العادة.

لو أن هذه المرأة مثلاً قالت: ما أعطاني المهر، ولم يكن لهم عادة في إعطاء المهر متى يعطي، في وقت إعطاء المهر، وهي امرأة فقيرة، معدمة، وقالت هي، أو قال هو، أو اتفقوا، أو لم يتفقوا، ادعى هو أن المهر مثلاً خمسون ألفًا، فوجد معها خمسون ألفًا، وهي فقيرة، قال: أنا أعطيتها، أنا سلمت لها خمسين ألفًا، فنظروا؛ فوجدوا معها خمسين ألفًا، قالت: هذه مالي، وبكسبي، وما أخذته منه، أو ورثته، وهي فقيرة معدمة ما عندها شيء، ما عندها مبلغ مثل هذا، واضح؟ فالقول قول من؟ قول من تشهد له هذه القرينة.

وقل مثل ذلك لو أنها ادعت أن زوجها لا ينفق عليها، ولا يكسوها، وهي ليس عندها مصدر للكسب، فوجدت في بزة، وحالة حسنة، وتدعي أنه ما ينفق عليها، ولا شيء، تقول: منذ تزوجته ما اشترى لي ثيابًا. طيب، وهذه الثياب الجميلة التي عليك، من أين؟ واضح؟ وهي ليس عندها مصدر، يعني: ما عندها مال، ولا غنية، ولا مكتسبة، أو نحو ذلك، ففي هذه الحال هذه قرينة على أن قوله أنه ينفق عليها أنه حق -والله تعالى أعلم-.

"بيع الكفار ما يعملونه كنيسة أو تمثالاً، أو يعينهم على شيء من شعائر دينهم محرم، وهو من التشبه بهم، والتشبه بهم منهي عنه إجماعًا".

بيع الكفار ما يعملونه كنيسة أو تمثالاً، أو يعينهم على شيء من شعائر دينهم، مقاول يبني بنايات، فطلبوا منه في بلد تقام فيها الكنائس أن يعمر لهم كنيسة، هذا لا يجوز، فقال: إن لم أقم بهذا المشروع بمئات الملايين، إن لم أقم به أنا سيقوم به مقاول آخر، فأنت تستأثر بالنار عن هذا المقاول؛ لئلا يدخلها، فتدخلها أنت؟ هذا لا يجوز، واضح؟

كذلك هذه الأشياء التي تباع في هذه الأعياد المحدثة، المبتدعة، أو مما يتعلق بها مباشرة، أو كان ذلك مما يتخذ في الأشياء التي تصنع في هذه الأعياد، يشتري منه دقيقًا ليعمل منه مثلاً أطعمة، ومأكولات في هذا العيد المحدث من أعيادهم، فإنه لا يجوز له أن يبيعه، واضح؟ لماذا؟

لأن هذا تشبه بهم، وإعانة لهم على الباطل، والله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] وهذا يختلف عما قد يبذلونه هم من طعام بهذه المناسبة، يهدون لجيرانهم، يهدون لأحد من الناس، فهل يجوز الأكل، أو لا؟ هذه مسألة أخرى.

وكذلك ما يقام من أسواق، ومعارض، وتخفيضات، هل يجوز للإنسان أن يشتري بهذه المناسبة، وأن يغشى هذه الأسواق، أو لا؟ أسواق تقام بهذه المناسبة البدعية، يجوز، أو لا يجوز؟

ظاهر كلام شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم كما مر معنا أن ذلك جائز، ونقل ذلك عن بعض أهل العلم كالإمام أحمد -رحمه الله- أنه لو أعطوه طعام جاز له أن يأكل، ولو أنه اشترى من سوق يقام لهذه المناسبة جاز له أن يشتري، أو تخفيضات، أو نحو ذلك[7] لكن هل له أن يمتنع من باب الزجر مثلاً؟

الجواب: نعم، له أن يمتنع ليفهمهم أنه يرفض هذه المناسبات، ويأباها، لكن الأكل حلال أو حرام؟ حلال، البيع والشراء مستوفي للشروط الشرعية حلال أو حرام؟ حلال، لكن تأتي قضية أخرى، وهو هل يقاطع هؤلاء الناس لزجرهم مثلاً؟

الجواب: له ذلك، لكن هل يجب عليه؟ الجواب: لا يجب، وهذا غير المشاركة في الاحتفال، هنا سوق بيع وشراء، أما حضور الاحتفالات، والأكل على تلك الموائد في أثناء إقامة هذه الاحتفالات هذا لا يجوز، هذا مشاركة لهم في هذه المناسبة، لكن نحن نتكلم عن قضية أخرى، إنسان يقول: أعطوا لي في البيت، أرسلوا لي قطعة من الكيك بمناسبة عيد الميلاد، عيد ميلاد الولد، عيد ميلاد البنت، يجوز أن آكل، أو ما يجوز؟

النظر الفقهي يقتضي أن هذا طعام مباح، يجوز أكله، واضح؟ لكن هنا تصرف آخر فوق ذلك، كما يقال في أبواب الورع الصحيح، لو قال: أنا مثلاً أقصد زجر هؤلاء، وردع هؤلاء، ولا أريد أن آخذ منهم شيئًا، لا إشكال، له ذلك، لكن الكلام: هل يحرم عليه الأكل أو لا يحرم؟ طعام حرام أو ليس بحرام؟ هي فقط هذه الجزئية، لكن ما هو الأصلح ما هو الأولى ما هو، يعني: مقتضى النظر، أو السياسة الشرعية؟ مثلاً مقاطعة هؤلاء، أو عدم مقاطعة هؤلاء إلى آخره مما يكثر طرقه الآن؟

هذا موضوع آخر غير الحلال والحرام، يعني: حينما يقال: والله نقاطع المنتجات الفلانية، هؤلاء الذين يقدحون في رسول الله ﷺ هل يجوز أن يشتري الإنسان من سلعهم، أو ما يجوز؟ يجوز، واضح؟ لا يقال: يحرم عليه، لكن ما هو المصلحة مثلاً، والأولى؟ هذا موضوع آخر.

"وتكره المواسم الخاصة، كالرغائب، وليلة النصف من شعبان، ونحو ذلك".

نعم، تكره المواسم الخاصة، هنا الكراهة -الذي يظهر والله أعلم- المقصود بها الكراهة التحريمية؛ لأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن هذه الأشياء من البدع المحدثة، وكذلك الحافظ ابن القيم، يعني مثلاً صلاة الرغائب، هذه الصلاة المبتدعة التي تصلى في أول ليلة جمعة من شهر رجب، فهذه بدعة منكرة، وقد حكم على الحديث بالوضع جماعة من أهل العلم: كالحافظ العراقي، وابن الجوزي، وتكلم في بدعية هذه الصلاة كثيرون: كالنووي، وأبي بكر الطرطوشي في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث، وهناك رسالة في المناظرة بين أبي عمرو بن الصلاح، والعز بن عبد السلام -رحمهما الله-؛ فأبو عمرو بن الصلاح -رحمه الله- كان يرى أنها مشروعة، والعز بن عبد السلام كان يرى أنها من البدع صلاة الرغائب هذه.

فالمقصود أن هذه المواسم الخاصة كالرغائب إلى آخره، هذه التي ما أنزل الله بها من سلطان، هذه تحرم، فتكره كراهة تحريمية؛ لأنها من البدع المحدثة في الدين، يصلى بين المغرب والعشاء صلاة اثنى عشر ركعة يقرأ مثلاً في كل ركعة سورة الإخلاص أربعين مرة.

كذلك يقول: وليلة النصف من شعبان، ليلة النصف من شعبان يحيونها بالقيام، ونحو ذلك، ولا يصح في ذلك حديث، فهذا من البدع، وما ورد فيه لا يصح منه شيء، فهذا كله لا يجوز، والعلماء -رحمهم الله- في كتب الحوادث، والبدع تكلموا على هذه المواسم بأنواعها، على تفاوت بين هذه الكتب في ضبط هذه المسائل، ولكن لو نظرت إلى الفهارس فقط في كتاب حافل كبير على ما فيه من ملحوظات، هو كتاب المدخل لابن الحاج، فإنك ستخرج بنتيجة أن هؤلاء الذين ينقادون لهذه المحدثات والبدع ستكون جميع السنة كل ليالي العام مشغولة ببدع من صلوات، وأذكار، وعبادات، وما إلى ذلك ما أنزل الله بها من سلطان.

انظر في الفهارس فقط في كتاب المدخل لابن الحاج، لكن الكتب الجيدة المعروفة في هذا كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي بكر الطرطوشي -رحمه الله-، وكتاب الشيخ علي محفوظ الحوادث والبدع، وما شابه ذلك، هذه كتب نافعة لطالب العلم.

"وتجب معاشرة الزوجة بالمعروف، وكذلك النفقة، والكسوة، والتسلم، والخدمة، ونحوها".

نعم، تجب معاشرة الزوجة، الله أمر بالمعاشرة بالمعروف: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] فإذا أحال الشارع إلى مثل هذا إلى المعروف، فإن ذلك ينصرف إلى المعروف في ذلك الزمان والمكان، فما هي المعاشرة بالمعروف؟ أن يسكنها من حيث يسكن، وأن ينفق من جدته، وبحسب استطاعته، هذا في الجملة، فالمعروف في القرن الأول الهجري لا يكون كذلك في عصرنا هذا، المعروف في هذا البلد، هنا في هذه المدينة غير المعروف في قرية نائية، المعروف في هذه البلاد غير المعروف في بلاد أخرى، فهذه الأمور يرجع فيها إلى العصر، والمكان الذي يكون فيه الناس، كم تكون النفقات؟ ما نوع الثياب التي تلبسها؟ المكان الذي تسكن فيه، يعني: الآن لو أن أحدًا أراد أن يسكنها في بيت من لبن، ومسقوف بالجريد، ويقول: لست أفضل من أمهات المؤمنين، في ذلك الوقت كان هذا هو المعروف، هذه بيوتهم الذين يسكنون فيها، لكن الآن لم يعهد الناس هذا، فلا يكون في حقها ذلك من السكنى بالمعروف.

وقل مثل ذلك في النفقة، قبل سبعين سنة لو أنه أعطاها ربع ريال، أو قبل ثمانين سنة، أو قبل مائة سنة، ربع ريال، فهذا يعتبر لربما بالمعروف إذا لم يكن الرجل غنيًا، قبل نحو أكثر من خمسين سنة كان الرجل يشتغل لربما اليوم بريال واحد، فمثل هذا، وراتبه لربما لا يصل إلى ثلاثين ريال في نهاية الشهر، الآن لو قال: أنا سأعطيك نفقة، ما أعطيك غيرها، لا طعام، ولا كسوة، ولا شيء، أنت تشترين بهذه النفقة، أنا سأعطيك ثلاثين ريال، هي نفقة رجل قبل سبعين سنة، يقول: أنا كنت آخذ ثلاثين ريال في الشهر، وسأعطيك إياها كاملة لا أستثني منها شيئًا. يصلح هذا الآن؟

ما يحل، واضح؟ وإنما يرجع.. على تفاصيل يذكرها الفقهاء -رحمهم الله- كما هو معروف فيما إذا كانت هي غنية، وهو دون ذلك، هل ينظر، ويراعى حالها؟ أو إذا كان هو من أهل الغنى والسعة، وهي من بيت فقير، فهل تطالبه بأن تسكن فيما يليق بحاله هو في القصور؟ لو أنه قال: أنت ستسكنين في شقة متواضعة بثمانية آلاف في الشهر، وهو يسكن، وأهله يسكنون في قصور، هل هذا معروف، أو لا؟ هل يرجع في ذلك إلى حالها، وحال أهلها، ويكون هذا هو المعتبر، أو يرجع إلى حال الزوج، أو يكون بين ذلك إذا كان هذا التفاوت بين حال الزوجة، وحال الزوج، يكون في حال وسط مثلاً؟ يقول: تجب معاشرة الزوجة بالمعروف، ويدخل في المعاشرة أيضًا الجماع، فيكون بالمعروف، فليس لها أن تحدد أيامًا، وتقول له مثلاً: ليلة واحدة في الأسبوع فقط، أو تقول مثلاً: من حقك أن تتزوج أربعًا، أنا من حقي ليلة واحدة، هو أصلاً حتى لو تزوج أربعًا لا يجب عليه أن يجامع كل ليلة، يعني: كل واحدة، لكن لو أنها قالت له: أنا أريد أن أحدد يومًا، من حقي أن أحدد يومًا، أو يومين، أو ثلاثة، أو أربعة، يقال: هذا يرجع فيها إلى المعروف، ينظر إلى حال الرجل، وقوته، وينظر إلى حال المرأة، وما يحصل به إعفافها، فالواجب عليه أن يعفها.

لو أنه كان يرغب عنها تزوج أخرى، ثم ترك هذه، يلحقها حرج، أو لا يلحقها حرج، يبات عندها لكنه لا يقربها، يقال: يجب عليه أن يعاشرها بالمعروف، ما هو المعروف؟ ما يحصل به العفاف، إعفاف هذه المرأة، ولا يطالب بأكثر من هذا، يعني: لا يجب عليه العدل في الوطء.

قال: وكذلك النفقة، والكسوة، والتسلم، والخدمة، التسلم يعني: تسلم للمرأة، يعني: لو أنه عقد على هذه المرأة، وكما هو في عرفنا يحصل الدخول بعد ذلك، قبل أن يدخل بها، حدد أراد أن يدخل بها، أو دخل بها، ثم طلب أن يسلموا له هذه المرأة، تأتي عنده في بيته، وقالت: لا، أنا أريد أن أجلس عند أهلي، انتظر حتى نؤذنك، وهذا يحصل أحيانًا، يقول: انتظرت شهرين، ثلاثة أشهر، أربعة أشهر، خمسة، سنة كاملة يقول: وأنا أنتظر، منذ تزوجتها لم أجامعها إلا مرة واحدة، سنة كاملة، وهي كلما اتصل أريد أن آتي قالت: لا، أنا غير متهيئة إلى الآن، فهذا لا يجوز.

يقول: هل من حقي أن أطالبهم، الجواب: نعم، فهذا يجب أن يسلموا له المرأة بالمعروف، لكن لو أنهم قالوا له: انتظر يومين، أو انتظر ثلاثة أيام، أو نحو ذلك، المرأة في حالة نفسية مرتبكة، وتبكي، أو قلقة، أو خائفة، أو نحو ذلك، نحن نهيؤها لك، فلا إشكال، لكن أن تجلس هذه المدة بعد شهر، بعد شهر، وتمضي سنة، وما سلموا له المرأة، فهذا لا يجوز.

والتسلم، والخدمة، ونحوها، الخدمة بالمعروف، لكن لو كان هذا عنده محل براغي، وصواميل، تعرفون الصواميل؟ فيأتي لها بالكراتين البراغي، والصواميل، هذه كراتين، وهذه كراتين، وعمل دؤوب الليل والنهار، تخرج عيونها من أجل أنها تضع على كل برغي صامولة، هذا موجود، يعني: الأعمال التي عنده هناك بدل ما يأتي بعمال، هو يريد أن يوفر على نفسه، فيأتي بالكراتين في البيت، هو تزوجها من أجل أن... هذا ما يجوز، الخدمة بالمعروف، ما يقول: أنت زوجتي، يجب عليك أن تطيعيني، وأن تخدميني، الخدمة بالمعروف، واضح؟ الخدمة بالمعروف.

لو كان هذه المرأة ما اعتادت أنها، يعني: في عادتهم، في عادة البلد أن الإنسان إذا عنده ولائم، ونحو ذلك يعملونها في المطبخ، خارج، بأجرة، وهذا كل يوم، والثاني عنده ضيوف، ويأتي لها مرةً بحاشي، ومرة بخروف، ومرة بخروفين، أو أكثر، والقدور ما شاء الله كالجواب، ويقول: الآن، أنت التي تطبخين نحن ما عندنا مطابخ، من يقبله؟

أنا أتحدث عن أشياء موجودة، واشتغلي، المسكينة ما تعرف هذا، ولا تعودت عليه، ولم تألف هذا، وما رأته قط في بيت أهلها، لو مناسبة عندهم يتصلون بالتلفون، ويأتيهم الطعام جاهزًا، وما يحتاج هذا العمل الكثير من الفجر، أو تقوم قبل الفجر بساعة من أجل تبدأ تسوي الجريش، هذا تعذيب، فالخدمة بالمعروف، واضح؟

وهكذا قد يكون عنده دواب عنده إبل يريد أن تحلب الإبل، هي تخاف تقرب عندها، تخاف تلمسها، ويقول لها: أنت تحلبينها، عنده -ما شاء الله- قطيع من الإبل، فيقال لها يا شيخ فالح: قطيع، أو ماذا يقال لها؟ يقال لها: ذود، نعم.

"الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه".

نعم، الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه. هو في الجملة الإكراه على نوعين في الجملة، هناك إكراه يسمونه الإكراه الملجئ الذي لا اختيار للإنسان معه، مثل لو أنه أخذه، وضرب به إنسانًا، واضح؟ يعني: جعله كالآلة، أو امرأة ربطها بحيث لم يكن لها حراك، ولا تستطيع الدفع، ولا المنع، ثم فجر بها، هذا فتح فمه، ثم صب فيه الماء، وهو صائم، فطره في رمضان، فهذا إكراه ملجئ، نقول: لا يفطر، صومه صحيح، جامعها زوجها بإكراه ملجئ، أوثقها، وربطها، وجامعها، صومها صحيح، وليس عليها شيء، واضح؟

اجتمع عليه زملاؤه ففتحوا فمه، وصبوا فيه الخمر، مجموعة من المبتعثين اجتمعوا على أحد زملائهم لما أبي أن يشاركهم، فصبوا في فمه الخمر في نهار رمضان، هل هذا يقال: إنه مؤاخذ؟ هل يفطر؟ الجواب: لا، صومه صحيح، وليس عليه حرج في ذلك، هذا اسمه إكراه ملجئ.

النوع الثاني: الإكراه غير الملجئ المعتبر شرعًا، فالأول لا إشكال فيه، بالاتفاق أن الإنسان غير مؤاخذ، لكن الثاني الإكراه غير الملجئ، لكنه معتبر شرعًا، فمثل هذا يقول: الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه، يقصد هذا النوع من الإكراه، يعني: مثلاً عند شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن الإكراه على كلمة الكفر يراعى فيه ما لا يراعى في الإكراه بما هو دون ذلك، يعني: في كلمة الكفر شيخ الإسلام يرى أنه لا يعذر أن يتفوه بالكفر إلا -الإكراه المعتبر- في كلمة الكفر إلا بالقتل، يعني: هدد بالقتل، أو ماذا؟ أو أمر شديد، مثل: الضرب الشديد، أو الحبس، مثل هذه الأشياء، ويقول: ويطبق، وينفذ، ويفعل يعني، ليس مجرد، ففي هذه الحال يجوز له، حبسه، قال: حتى تتلكم بكلمة الكفر، أخذه يضرب، أو هدده بالقتل، وضع السلاح على رأسه، وقال: تتكلم بكلمة الكفر، وإلا أقتلك، ففي هذه الحال يكون معذورًا، هذا في كلمة الكفر، لكن فيما كان دون ذلك فهو، طبعًا فيما يكون بعلم أنه يفعل، أو غلبة الظن أنه يضره في نفسه، أو في ماله، ولو بلا تهديد، لكنه يعرف أنه سيفعل، بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يرى أن ذلك يكون باستواء الطرفين، يعني: حتى لو لم يكن غلبة ظن، لكن لاحتمال وارد، يحتمل أن يفعل، وألا يفعل بدرجة متساوية، فشيخ الإسلام يرى أن هذا من قبيل الإكراه المعتبر في غير كلمة الكفر، بما نسميه اليوم مثلاً؟ ضغوط يمارسها الزوج على زوجته مثلاً، أو ما يسمى اليوم بالابتزاز، سواء كان للزوجة، أو لغيرها، بأشياء يهدد بها معتبرة.

مثل: الزوجة هذه تزوجها، فبدأ يقول لها: هاه، هي عندها راتب، قال: هاه، إذا قال: هاه، معروف ماذا يريد، الراتب، تعطيني البطاقة، أو الراتب تعطيني إياه، أو تعطيني مائتين وخمسين ألف، هي ما تريد أن تعطيه، ماذا تصنع؟ وهو يعرف أنها عندها، فغلب على ظنها أنه سيطلقها إن لم تفعل، وتبين لها أنه إنما تزوجها طمعًا بمالها، فصار يصبحها، يمسيها بهذا الموضوع، فعرفت من خلقه أنه سيجفوها، سيعاملها معاملة سيئة، سيضيع حقوقها، أو سيطلقها، أو نحو ذلك، فقال: أعطيني مائتين وخمسين ألفًا، قالت: تفضل، بعد يومين قال لها: أعطيني خمسين ألفًا، تفضل، بعد ثلاثة أيام قال: اكفليني في سيارة، قالت له: تفضل، صارت تسدد هذه السيارة من راتبها، وهكذا.

هذه أمور للأسف واقعة، ثم فوجئت أنه ذهب، وتزوج عليها بهذه الأموال، أو ببعض هذه الأموال، فهنا هل لها أن ترجع، أو تطالب بهذه الأموال التي دفعتها، أو يقال لها: هذه أنت بأي نية دفعتيها؟ إن كنت قصدت الهبة؛ فلا يجوز الرجوع في الهبة، وإن كنت قصدت القرض؛ فإنه يرجع هذا المال، قالت: لا، أنا أعطيته ما هو بقرض، لكن أتقي شره، والآن لم يقدر هذا كله، ووقع ما كنت أحاذر، طلقني، ففي هذه الحال يجوز لها -على قول شيخ الإسلام- أن تطالب بهذه الأشياء كلها، تقول: أنا ما أعطيته قرضًا، ولا شيئًا، لكن تحت ضغوط، خشيت أن يضيع حقي، وبدأت لي بوادر الجفاء منه.

لاحظ! هذا ليس مثل كلمة الكفر، يعني: لو واحد يراود آخر على كلمة الكفر، ويضغط عليه، وما أشبه ذلك، فهل يجوز له أن...؟

الجواب: لا، هذا في كلمة الكفر، وهناك أشياء مثل كلمة الكفر، لو أن امرأة أرادها أحد على عرضها، فما الحكم؟ يقال: لا يجوز أن تسلم نفسها، لكن لو هددت بالقتل، فهنا مراتب الضروريات الخمس كما هو معروف: الدين أعلاها، ثم النفس، ثم العقل، ثم العرض، ثم المال، هذه الخمس بهذا الترتيب، فلو أن نفسها صارت مهددة بالقتل على أن تبذل عرضها، يجوز لها أن تبذل عرضها، أو ما يجوز؟ يجوز ذلك، باعتبار أنه دفع أعلى المفسدتين بالأخف، كيف نزن الأمور هذه، ننظر إلى مرتبته في الضروري، إن كان في الضروريات، أو في غيرها كالحاجي، أو التحسيني، فهنا هددها بالقتل، لكن لو كانت مجرد ضغوط؟

لا، لا يجوز أن تسلم نفسها له، لو كان ابتزازًا، يقول: سأفضحك، والصور سأنشرها في الإنترنت، وما أشبه ذلك، لا يجوز لها أن تسلم نفسها لهذا.

طيب لو كان يبتز مالها بهذه الأشياء، يقول: أن سأفضحك، وسأنشر صور إلى آخره، فأعطته اتقاء لشره، ثم نشرها مثلاً، لها أن تطالبه، أو وجدت من يستطيع أن يأخذ حقها، فقال: هي وهبتني أصلاً هذه الأموال، قلت: وهبتك تحت ابتزاز، وتهديد فتعيد لها هذه الأموال، وهكذا الأموال التي لربما لا تصل إلى هذا، التي يأخذونها بألوان الحيل، يعدها وعودًا كاذبة أنه سيتزوجها، هذا يحصل عن طريق التعرف في النت، ووعود الزواج الكاذبة، وما إلى ذلك، فبعض الناس يسأل، يقول: أخذت منها أموالاً كثيرة على وعد أني سأتزوجها، وأنا لم يكن في نيتي أن أتزوجها، والآن تبت إلى الله، ماذا أفعل بهذه الأموال؟ نقول: أعطها المال، أرجع لها أموالها؛ أخذتها بغير حق.

"إذا اختلف اثنان، وتنازعا شيئًا بلا بينة؛ قدم قول من يشهد له العرف".

نعم، هنا العمل بالقرائن والعرف، وما إلى ذلك، يعني: هنا ما قال: تنازعا شيئًا بلا بينة البينة على المدعي، واليمين على من أنكر[8] هنا ينظر من يشهد له العرف، الآن لو تنازع الرجل مع زوجته في علبة مكياج ثمينة، الرجل قال: هذه لي، قالت هي: لي، فالمكياج عادة لمن؟ للمرأة، فيعطى للمرأة، واضح؟ حصل طلاق أحيانًا، المتاع لمن هذا؟ ولمن هذا؟ ولمن هذا؟ لو أنه نازعها -أعزكم الله- في حذاء امرأة، قال: هذا لي، يقال: هذا حذاء امرأة، وهي تقول: لي، فإنه يكون لها، لو نازعها في ثياب نساء، فساتين غالية الواحد لربما بعشرة آلاف، وأكثر، قال: هذه لي، فهذه تكون لها، واضح؟ حال التنازع.

هكذا فيما يتعلق بالصناع، وما أشبه ذلك، لو تنازع إنسان مع حداد في آلة اللحام، أو جاء اشتغل عنده في البيت، فأخذها صاحب البيت، فهذا قال: هذه لي، اللحام يقول: لي، صاحب البيت قال: لا، لي أنا، تكون لمن؟ من يشهد له العرف، فهذه آلة الحداد، لو أنه جاءه النجار، وعنده منشار كهربائي، وجلس يشتغل في البيت، فجاء أخذ المنشار، جاء النجار، وقال: هذا لي، فالرجل قال: لا، هذا منشاري، فيعطى لمن؟ لو تنازع نجار، وحداد في المنشار، فالمنشار لمن؟ للنجار.

لو تنازعوا في آلة اللحام يكون للحداد، واضح؟ لو تنازع فلاح مع راعي غنم في آلة حرث، فآلة الحرث لمن؟ للفلاح، يشهد له العرف، واضح؟ فهذه أشياء مرجحة يعمل بها.

"والقيافة في الأموال معتبرة، كما تعتبر في الأنساب".

نعم، القيافة هي نوع من الفراسة، وهي أنواع، منه ما يعرف به الأثر، تعرف فيه آثار الأقدام على الأرض، فيقال: هذا أثر فلان، وأحيانًا تعرف به الأنساب، لما كان زيد بن حارثة مع ابنه أسامة في لحاف قد غطيا وجوههما، وبدت أرجلهما، فجاء رجل من بني مدلج يجيد القيافة، فنظر إلى الأقدام فقال: هذه بعضها من بعض، وأسامة أسود شديد السواد، وزيد ين حارثة أبيض ظاهر البياض، فكان المنافقون يطعنون في نسبه، أو في عرضه، أو في كونه منه، كيف يكون هذا الولد الأسود جدًا من هذا الأب الأبيض، فكان ذلك يشق على النبي ﷺ لمحبته لزيد، ولمحبته لأسامة، فلما قال المدلجي هذا الكلام فرح النبي ﷺ ودخل على عائشة، وقال: ألم تسمعي ما قال المدلجي؟..[9] فاعتبر النبي ﷺ هذا، لاحظ! نظر إلى الأقدام، ما هو إلى الأثر في الأرض، فالجريمة تعرف أحيانًا بالأثر، وكلما كان الإنسان أكثر تمكنًا في هذا الباب؛ كانت أحكامه أدق، حتى إن بعض هؤلاء -كما هو معروف- يميز المرأة الحامل من غير الحامل، والبكر من غير البكر، في أثر مشيتها.

فهنا القيافة، يقول: القيافة في الأموال معتبرة، كما تعتبر في الأنساب، وهذا يحتاج إليه القاضي كثيرًا، يعني: القاضي ما يكون جامدًا، كل من جاء إليه يقول له: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر لا في أشياء ثانية، القيافة قد ترقى إلى مرتبة البينة، وهي من جملة القرائن على كل حال.

لو تداعيا مثلاً بهيمة، الغنم، أما تعرف التي ألفت المحل، وربت فيه ما تعرف هذا المحل؟ تعرف، وإلا ما تعرف؟ تعرف، فتداعيا الغنم، هذا الإنسان أخذ غنمًا، وقال: هذه لي، جاء إنسان آخر، وقال: هذه لي، الآن المدعي الذي ليس بيده شيء، والذي بيده الغنم هو مدعى عليه، فهل يقال لهذا المدعي الآن: ما عندنا غير البينة، تأتي ببينة، واليمين على من أنكر، أنت مدعي، وهناك أشياء يمكن أن يعرف بها، ويستطيع الحكم من خلالها، لو أطلقت هذه الغنم، وذهبت إلي بيت المدعي، وحصل هذا، تقفز، تريد أن تقفز على الجدار، من شدة إسراعها إلى البيت تريد أن تتقافز على الجدار، طيب أما يكفي هذا في أن هذه الغنم لهذا الذي ليست بيده؟ أو لا؟ هذه قرينة قوية.

كذلك أيضًا لو أنه أخذ شيئًا، مثلاً أخذ سماعة، أو أخذ رفًّا، أو نحو ذلك، وفيها أثر صبغ الجدار، أو أثرها باقي في الجدار موجودًا، فقال: هذه لي، فقال الثاني: لا، لي، هذا مكانها، فنظرنا فيها؛ وجدنا أثر الصبغ، وأثرها في الجدار، ومكانها في الجدار ظاهرًا، فهذه قرينة قوية على أنها لمن وجدت هذه القرينة معه، بصرف النظر عن كونها في يد من ليس كذلك، فلا يضيع حق ذاك يقال له: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر لكن هذه قد تكون قرينة هي قد ترقى إلى مستوى قريب من البينة.

وهكذا لو أنهم تداعوا بهائم؛ إبلاً، أو غنمًا، كل واحد قال: لي، والغنم هذه ما تدل أصلاً المكان، هم بدو الآن نازلين مثلاً، والغنم ما ألفت المكان، فماذا يصنع؟ لو أنه جاء بأهل القيافة، وقالوا: إن هذه تنتجها هذه، قالوا: هذه التي مأخوذة أمهاتها هذه، التي عند المدعي مثلاً، مع أنها في يد آخر، قال: هذه أولاد هذه، أو قال لهم: أنا اشتريتها من فلان، وأمهاتها عنده، فذهبوا إليه، وجاءوا بالقافة أهل الخبرة، والمعرفة، قالوا: هذه أولاد هذه، وذاك قال: نعم أنا الذي بعته، ففي هذه الحال يمكن أن يحكم من خلالها، بل هي عند شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مقدمة على اليد الحسية، اليد الحسية؛ لأن الغنم بيده، وذاك مدعي، ما بيده شيء، وقد يأتي بكثير من هذه، يعني: بعدد من هذه القرائن والشواهد.

لو أنه مثلاً حصل تداعي، وخصومة على ثمر، فجاء أهل القيافة، وقالوا: إن هذا الثمر من هذا البستان، الذي في يده الثمر ليس هو بصاحب البستان، إنما المدعي هو صاحب البستان مثلاً، فاليد الحسية مع من؟ مع المدعى عليه الآن، تحت يده الثمر، وذاك قال القافة: إن هذا الثمر من هذا البستان، واضح؟ فإنه يحكم له.

"قال: إذا ادعت المرأة ما يخالف الظاهر في النفقات، والعدد، وغيرها، فلا بد من بينة".

نعم، إذا ادعت المرأة ما يخالف الظاهر، لاحظ! فلا بد من بينة.

الأصل، والظاهر، اختلف الأصل والظاهر، فادعت ما يخالف الظاهر، فلا بد من بينة. هذه امرأة طلقت، واضح؟ فالمطلقة ذات الأقراء عدتها ثلاثة قروء، فجاءت في شهر، وقالت: انتهت عدتي، حضت في هذا الشهر ثلاث مرات، يمكن هذا، أو ما يمكن؟ يمكن، يمكن تنقضي عدة المرأة في شهر واحد، لكنه نادر، فإذا قالت مثل هذا، هو الأصل أنها مؤتمنة، لو بقيت ثلاثة قروء كما هو العادة في كل شهر قرء، وجاءت، وقالت: انتهى القرء الثالث، فالأصل أنها مؤتمنة، ما تحتاج إلى بينة، أليس كذلك؟ لكن في شهر واحد، قالت: انتهيت من الأقراء الثلاثة، تريد أن تقطع عليه الطريق ألا يراجع، هنا في تهمة، وهذا خلاف الظاهر، ففي هذه الحال يقال: لا بد من بينة، ما هي البينة؟ كأن تكون مثلاً أخواتها كذلك، يعني: أنه يأتيهن الحيض في الشهر ثلاث مرات، واضح؟ فهنا، أو أنها انتهت مثلاً في أقل من هذا، في شهر ونصف، فهنا نقول: لا بد من بينة؛ لأن الظاهر أنه في كل شهر حيضة، فلو جاءت في شهرين، وقالت: انتهت الأقراء الثلاثة، والرجل ناوي يراجع، حاسب الأمور على أنه باقي الشهر الثالث، ففاجأته بهذا الكلام، فهنا يقال: لا بد من بينة، لكن طبعًا لو أنه وافقها، وصدقها، وقال: نعم، هي عادتها في الشهر تحيض ثلاث مرات، فلا إشكال في هذا، لكن لو قال: لا، هي تريد أصلاً ألا ترجع إليّ، هي تدعي كاذبة، يقال: هاتي البينة، فهنا كل ذلك مخرج على قاعدة تقديم الظاهر على الأصل، كما سبق.

"العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده، فهي صادرة عن رحمة الخالق، وإرادة الإحسان".

لا لا لا، "فهي صادرة عن رحمة الله بالخلق، وإرادة الإحسان إليهم"، "العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله بعباده، فهي صادرة عن رحمة الله بالخلق، وإرادة الإحسان إليهم"، وذلك من وجهين: من جهة من وقع عليه الحد مثلاً، أو العقوبة، فهذا تطهير كما ثبت عن النبي ﷺ: ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له[10] فهذه رحمة من الله، شرع لهم من الأسباب ما يحصل به تكفير الخطايا، وتطهير العبد من آثار الذنوب والجرائم، فالحد يطهره، فهذه رحمة.

الأمر الثاني: أنه فيه تطهير للمجتمع؛ ولهذا قال الله : وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] فيرتدع الناس عن مقارفة هذه المدنسات، فكان ذلك من فضل الله على الناس ورحمته بهم، أن شرع لهم مثل هذه الأحكام، والحدود، والعقوبات التي تحجزهم دون مواقعة هذه المدنسات، فالمقصود بها الإحسان إليهم، والرحمة بهم، ولهذا شيخ الإسلام يقول: السارق تقطع يده، ويعطى ما يكفيه من بيت المال؛ إذا كان فقيرًا يعني، تقطع يده، ويعطى، هذه رحمة، ليس المقصود التشفي منه، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم، والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض.

نحن نقول: في الوالد، وفي المعلم، ونحو ذلك: متى ما كان يوقع العقوبة، ويشعر بالتشفي، فهذا انتقام، هذا انتقام، ولكن الذي يؤدب حقيقة هو الذي يعاقب، ويشعر بالألم، ما يشعر بالتشفي، هو يوقع الضرب على هذا الولد، أو على هذا التلميذ، وهو الذي يشعر بالألم، المعاقِب هذا هو المؤدِب، يوجد عنده رحمة، لكنه يكون بمنزلة الطبيب الذي يجرح ليصلح، فيسيل الدم، ولكنه لا يقصد، لكن تصور لو وجد من الأطباء من يتشفى بالمرضى، فهو يجري هذا المشرط في لحمهم، وأجسادهم، ويشعر بالتشفي، فهذا مجرم، واضح؟

وهكذا من ينكر المنكر، أو ينكر البدعة، أو نحو ذلك، إذا كان لا يجد في قلبه هذه الرحمة، ولا يقصد الإحسان إليهم، وإنما يقصد فقط النكاية بهم، فإن هذا لا يكون من قبيل التأديب المشروع، ولا يكون صاحبه قائمًا بأمر الله على الوجه الذي شرع، وإنما يكون قائمًا بحظ نفسه يطلب التشفي، سواء كان ذلك بالفعل، أو بالقول، يعني: قد يكو ما يقوله حق، ولكنه يقوله ويصدر ذلك من قلب يمتلئ بالضغينة على هؤلاء الناس، فمثل هذا لا يكون له فلاح، ولا نجحٌ، ولا يكون محلاً للقبول، ولا يقبل منه هذا التأديب، ولا التعليم، ولا هذا الإنكار، أو الاحتساب، أو نحو ذلك، بل ترفضه القلوب؛ لأنهم يفرقون، الناس يفرقون، ويعرفون بين المصلح والمفسد، فالمصلح يحمل رحمة، ومحبة خير لهؤلاء الناس، الآخر لا، هو قلبه أسود، مليء بالغل، فهو يتمنى لهم الويلات، ويفرح بما يقع لهم من النكبات، والمصائب، بل يسعى بهذا، مثل هذا لا يكون قائمًا بأمر الله وإنما هو يتشفى، ويطلب الانتقام لنفسه إما لمنافسة غير شريفة، أو ثارات قديمة، أو غير ذلك من الأسباب، فيظهر هذا أحيانًا في لبوس إنكار المنكر، أو نحو ذلك، الاحتساب -والله المستعان-.

فهذا معنى كبير، يعني: يحتاج الإنسان أن يختبر نفسه به دائمًا، هل نحن حينما ننكر على هؤلاء الناس نحمل رحمة لهم، ومحبة خير، ونفعل ذلك بهذا الدافع، أو نفعل ذلك أحيانًا، ونحن نمتلئ من الغيظ عليهم، والحنق، ونتمنى أن يصيبهم الله بقارعة، أو نحو ذلك، هذا لا يكون تأديبًا، إنما يكون الانتقام من الأعداء؛ أعداء الله من الكفار، ونحو ذلك، فهؤلاء الذين يحصل التشفي، والانتقام منهم، كما قال الله : قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة:14] أما أهل الإيمان فلا يكون المصلح، والمربي، والحاكم قائمًا بذلك على سبيل التشفي، وإلا لم يكن بذلك مقبولاً، ولا يكون عمله صالحًا -والله أعلم-.

  1. أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، كتاب الشهادات، باب القضاء باليمين مع الشاهد، برقم (20026)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (3758).
  2. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، برقم (5063)، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، برقم (1401).
  3. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع، برقم (6502).
  4. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، باب العين، برقم (13680)، وحسنه الألباني في مختصر السلسلة الصحيحة، برقم (906).
  5. أخرجه البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها، برقم (2589)، ومسلم، كتاب الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة بعد القبض إلا ما وهبه لولده وإن سفل، برقم (1622).
  6. أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب السلم في كيل معلوم، برقم (2239)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب السلم، برقم (1604).
  7. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية (2/13).
  8. أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار، كتاب الشهادات، باب القضاء باليمين مع الشاهد، برقم (20026)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم (3758).
  9. أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- برقم (3555).
  10. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12]، برقم (4894)، ومسلم، كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها، برقم (1709).

مواد ذات صلة