الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(004-ب) من قوله تعالى (لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا..) الآية 33 – إلى قوله (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) الآية 44
تاريخ النشر: ٢٨ / محرّم / ١٤٣٩
التحميل: 798
مرات الإستماع: 735

قول الله -تبارك وتعالى-:

"خِزْيٌ فِي الدُّنْيا [المائدة:33] هو العقوبة، وعذاب الآخرة النار، وظاهر هذا أن العقوبة في الدنيا لا تكون كفارة للمحارب، بخلاف سائر الحدود، ويحتمل: أن يكون الخزي في الدنيا لمن عوقب فيها، والعذاب في الآخرة لمن لم يعاقب".

يقول: "الخزي في الدنيا هو العقوبة" والخزي يقال للهوان والهلاك، وفسره ابن جرير بنحو هذا، في الشر والعار والنكال والذلة والعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة[1]، فهذا الذي يحصل له من الإذلال والهوان يقال له: الخزي.

قال: "هو العقوبة، وعذاب الآخرة النار" وهذا كما قال ابن كثير -رحمه الله- يؤيد قول من قال: إنها نزلت في المشركين[2]، باعتبار أن المسلمين تكون هذه الحدود كفارات لهم، كما جاء في صحيح مسلم من حديث عبادة : ومن أصاب شيئًا من ذلك، فعوقب به، فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه[3]، ففي المحارب جمع له بين الخزي في الدنيا بهذه العقوبة، والعذاب في الآخرة في النار.

ومن أهل العلم من قال: إن قوله: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه [المائدة:33] في أهل الكفر والشرك، ومن ارتد عن الإسلام، ونحو هذا؛ لهذا السبب، وهو ذكر الخزي في الدنيا، وعذاب النار في الآخرة، قال: "وظاهر هذا أن العقوبة في الدنيا لا تكون كفارة للمحارب، بخلاف سائر الحدود" لحديث عبادة، فيكون هذا استثناء إذا قيل بأن ذلك في المسلمين، وهذا هو المشهور عند عامة أهل العلم أن هذا الحد في المحاربين من المسلمين، ويحتمل أن يكون الخزي في الدنيا لمن عوقب فيها، والعذاب في الآخرة لمن لم يعاقب، لكن ظاهر الآية لا يدل على هذا، وإنما جمع لهم بين الأمرين، فيكون ذلك استثناءً من العموم الوارد في حديث عبادة، فيكون العام في السنة مخصص بهذا من القرآن، فيكون من قبيل تخصيص السنة بالقرآن، بهذا الاعتبار، والله أعلم.

"إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34] قيل: هي في المشركين، وهو ضعيف؛ لأن المشرك لا يختلف حكم توبته قبل القدرة عليه وبعدها، وقيل: هي في المحاربين من المسلمين، وهو الصحيح، وهم الذين جاءتهم العقوبات المذكورة، فمن تاب منهم قبل أن يُقدر عليه، فقد سقط عنه حكم الحرابة؛ لقوله: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34]".

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34] يقول: "قيل: هي في المشركين" هذا مروي عن ابن عباس، وعكرمة، والحسن[4]، لكن يرد هذا قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38] وكذلك حديث: الإسلام يهدم ما كان قبله[5].

قال: "وهو ضعيف؛ لأن المشرك لا يختلف حكم توبته قبل القدرة عليه، وبعدها، وقيل: في المحاربين من المسلمين، وهو الصحيح" وعممها ابن كثير فيمن ارتكب هذه الصفات، يعني يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادًا، سواء كان من المشركين، أو من المسلمين[6]، يقول: "فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه فقد سقط عنه حكم الحرابة" يعني إذا تاب يسقط عنه الحد، لكن يبقى هل يسقط عنه القتل إذا قتل، ونحو ذلك من الجنايات؟ لأن الكلام هنا على الحد فقط، وهو حد الحرابة، أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم، وأرجلهم من خلاف، فإذا قلنا: الإمام مخير فيهم مثلاً، فهذا يدل على أن الحد يسقط، لكنه لا يدل على أن الحقوق الخاصة تسقط.

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34] يقول ابن كثير: "وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع، وعليه عمل الصحابة، كما قال ابن أبي حاتم... عن الشعبي، قال: كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة، وكان قد أفسد في الأرض وحارب، فكلم رجالاً من قريش منهم: الحسن بن علي، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، فكلموا عليًا، فلم يؤمنه، فأتى سعيد بن قيس الهمداني، فخلفه في داره، ثم أتى عليًا، فقال: يا أمير المؤمنين، أرأيت من حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا، فقرأ حتى بلغ: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34] قال: فكتب له أمانًا، قال سعيد بن قيس: فإنه حارثة بن بدر، وكذا رواه ابن جرير"[7].

ونقل القرطبي الإجماع على أن السلطان ولي من حارب[8]، قال: "فإن قتل محارب أخا امرئ، أو أباه في حال المحاربة، فليس إلى طالب الدم من أمر المحارب شيء، ولا يجوز عفو ولي الدم"[9]. يعني هذا غير هذا، المحاربة حد، يسقط بالتوبة قبل القدرة عليه.

ثم قال ابن كثير: "وروى ابن جرير[10]... عن عامر الشعبي قال: جاء رجل من مراد إلى أبي موسى، وهو على الكوفة في إمارة عثمان ، بعد ما صلى المكتوبة، فقال: يا أبا موسى، هذا مقام العائذ بك، أنا فلان بن فلان المرادي، وإني كنت حاربت الله ورسوله، وسعيت في الأرض فسادًا، وإني تبت من قبل أن يقدر علي، فقام أبو موسى فقال: إن هذا فلان بن فلان، وإنه كان حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا، وإنه تاب من قبل أن يقدر عليه، فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير، فإن يك صادقًا فسبيل من صدق، وإن يك كاذبًا، تدركه ذنوبه، فأقام الرجل ما شاء الله، ثم إنه خرج -أي إلى الإفساد مرة ثانية-، فأدركه الله تعالى بذنوبه فقتله.

ثم روى ابن جرير[11]... عن موسى بن إسحاق المدني، وهو الأمير عندنا، أن عليًا الأسدي حارب، وأخاف السبيل، وأصاب الدم والمال، فطلبه الأئمة والعامة، فامتنع، ولم يقدر عليه، حتى جاء تائبًا؛ وذلك أنه سمع رجلاً يقرأ هذه الآية: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] فوقف عليه فقال: يا عبد الله، أعد قراءتها. فأعادها عليه، فغمد سيفه، ثم جاء تائبًا، حتى قدم المدينة من السحر، فاغتسل، ثم أتى مسجد رسول الله ﷺ فصلى الصبح، ثم قعد إلى أبي هريرة في غمار أصحابه، فلما أسفروا عرفه الناس، فقاموا إليه، فقال: لا سبيل لكم علي جئت تائبًا من قبل أن تقدروا علي، فقال أبو هريرة: صدق، وأخذ بيده أبو هريرة، حتى أتى مروان بن الحكم -وهو أمير على المدينة في زمن معاوية-، فقال: هذا علي جاء تائبًا، ولا سبيل لكم عليه ولا قتل، قال: فترك من ذلك كله، قال: وخرج علي تائبًا مجاهدًا في سبيل الله في البحر، فلقوا الروم، فقربوا سفينته إلى سفينة من سفنهم، فاقتحم على الروم في سفينتهم، فهربوا منه إلى شقها الآخر، فمالت به وبهم، فغرقوا جميعًا"[12].

فهذه أمثلة على كيف تُعرف توبته؟ وهي من زمن الصحابة ، يأتي الرجل إلى الناس أو إلى السلطان فيقول: إنه تائب، أو نحو هذا.

"واختلف هل يطالب بما عليه من حقوق الناس في الدماء والأموال أو لا؟ فوجه المطالبة بها أنها زائدة على حدّ الحرابة التي سقطت عنه بالتوبة، ووجه إسقاطها إطلاق قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34]".

ذكر ابن قدامة في المغني: أن هذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، يعني: أنها زائدة على حد الحرابة التي سقطت بالتوبة، أي: أن الذي يسقط هو حد الحرابة فقط، أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم، هذا حد الحرابة، لكن يبقى الحقوق الخاصة لا تسقط، وابن قدامة يقول: لا خلاف في هذا بين أهل العلم، يعني قتل أخا هذا، أو قتل أباه، أو أخذ مال هذا، فهنا أصحاب الحقوق يطالبون بحقوقهم.

"وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة:35] أي: ما يتوسل به، ويتقرّب به إليه من الأعمال الصالحة، والدعاء، وغير ذلك".

الوسيلة: هي ما يتوسل به، ويتقرب إلى الله من الأعمال الصالحة، فهي القربى والزلفى إليه، وابتغاء الوسيلة: بمراعاة سبيله، بالعلم، والعبادة، وأصل ذلك التوصل إلى الشيء برغبة.

وقد فسرها بالقربة ابن عباس، ومجاهد، وأبو وائل، والحسن، وقتادة، والسدي، وابن زيد[13]، فكل هذه المعاني يرجع إلى شيء واحد، وهو ابتغوا إليه الوسيلة بطاعته، والتقرب إليه بطلب مرضاته.

"لِيَفْتَدُوا بِهِ [المائدة:36] إن قيل: لم وحّد الضمير وقد ذكر شيئين: وهما ما في الأرض، ومثله؟

فالجواب: أنه وضع المفرد في موضع الاثنين، أو أجرى الضمير مجرى اسم الإشارة، كأنه قال: ليفتدوا بذلك، أو تكون الواو بمعنى (مع)".

لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ [المائدة:36] فذكر شيئين، "فإن قيل: لم وحّد الضمير...؟ فالجواب: أنه وضع المفرد موضع الاثنين" وهذا يرد في القرآن، وفي كلام العرب، يذكر اثنين ويكون الضمير مفردًا، فيمكن هنا -والله أعلم- أن يكون المراد: ليفتدوا به أي المذكور، فيكون وضع المفرد موضع الاثنين.

يقول: "أو أجرى الضمير مجرى اسم الإشارة" كأنه قال: ليفتدوا بذلك "أو تكون الواو بمعنى (مع)" لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ يعني مع مثله؛ ليفتدوا به، ولا إشكال في هذا -إن شاء الله-.

وأصل (فدى) بمعنى جعل الشيء مكان الشيء حمىً له، فالفداء حفظ الإنسان عن النائبة بما يبذله.

"عَذابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37] أي: دائم، وكذلك: نَعِيمٌ مُقِيمٌ [التوبة:21].

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [المائدة:38] عموم الآية يقتضي قطع كل سارق، إلا أن الفقهاء اشترطوا في القطع شروطًا خصصوا بها العموم، فمن ذلك: من اضطره الجوع إلى السرقة لم يقطع عند مالك[14]؛ لتحليل الميتة له، وكذلك من سرق مال ولده، أو سيده، أو من سرق من غير حرز، أو سرق أقل من النصاب، وهو عند مالك ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الفضة[15]".

ثلاثة دراهم من الفضة، كما في الصحيحين عن عائشة -ا- مرفوعًا: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا[16]، هذا نص في المقدار، في ربع دينار فصاعدًا، والقطع بالمجن باعتبار حديث ثمن المجن[17] أنه كان ثلاثة دراهم، فهذا باعتبار أن الدينار في ذلك الوقت يبلغ اثني عشر درهمًا، فربعه ثلاثة دراهم، فثمن المجن كان ربع دينار، هذا ذكره ابن كثير -رحمه الله- في الجمع بينهما[18]، ونصاب الربع الدينار يروى عن عمر، وعثمان، وعلي، الخلفاء الثلاثة [19]، وعن جماعة من السلف: كعمر بن عبد العزيز، والليث، والأئمة: الشافعي، والأوزاعي، وأصحاب الشافعي أيضًا، وإسحاق بن راهويه في رواية، وكذلك يروى عن أبي ثور، وقال به داود، وذهب أحمد وإسحاق في الرواية الأخرى إلى أن كل واحد من الثلاثة درهم وربع الدينار مرد شرعي، فمن سرق واحدًا منهما، أو ما يساويه قطع[20]، يعني باعتبار التفاوت بين الربع دينار والثلاثة دراهم، فمن سرق ما يقدر بثلاثة دراهم، أو ربع دينار فإنه يقطع، وعلى الأول: أن الثلاثة دراهم هي تعادل ربع دينار، وأنه لا منافاة، وأن النصاب ربع دينار، والله أعلم.

"أو ما يساوي أحدهما".

هذا كما سبق على قول هؤلاء الأئمة الذين هم: أحمد، وإسحاق في رواية، أن ذلك كله مرد شرعي.

"وأدلة التخصيص بهذه الأشياء في غير هذه الآية، وقد قيل: إن الحرز مأخوذ من هذه الآية؛ لأن ما أهمل بغير حرز، أو ائتمن عليه، فليس أخذه سرقة".

باعتبار التسمية في اللغة.

"وإنما هو اختلاس أو خيانة، وإعراب (السارق) عند سيبويه: مبتدأ[21]، وخبره محذوف: كأنه قال: فيما يتلى عليكم السارق والسارقة، والخبر عند المبرد وغيره: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما[22] ودخلت الفاء لتضمنها معنى الشرط".

فاقطعوا أيديهما ودخلت الفاء لتضمنها معنى الشرط يعني كأنه يقول إن سرقا فاقطعوا أيديهما فتكون داخلة على جواب الشرط بهذا الاعتبار، فالآية فيها معنى الشرط، وإن لم تكن الصيغة صيغة شرط، وفي قراءة ابن مسعود، وهي قراءة غير متواترة: "فاقطعوا أيمانهما"[23]، وهذا يفسر اليد هنا، هل هي اليمين أو اليسار؟ فتقطع اليد اليمنى، ودلت السنة على أن القطع يكون من مفصل الكف.

"فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ [المائدة:39] الآية، توبة السارق هي أن يندم على ما مضى، ويقلع فيما يستقبل، ويردّ ما سرق إلى من يستحقه".

لكن إذا تلف المسروق بالكلية، أو ضاع، أو تغير تغيرًا مؤثرًا بنقص، أو صفة، أو نحو ذلك، فإنه يرد بدلاً منه عند الجمهور.

"واختلف إذا تاب قبل أن يصل إلى الحاكم، هل يسقط عنه القطع؟ وهو مذهب الشافعي[24]؛ لظاهر الآية؟".

وهذا مذهب الحنفية أيضًا[25]، وهو رواية عند الحنابلة[26]، أنه يسقط إذا تاب قبل أن يرفع إلى الحاكم، أو من ينوب عن الحاكم كالأمير، أو من ينوب عنه، وهو القاضي، لكن هل الهيئة تعتبر بهذه المنزلة (المحتسب) ولو كان موظفًا بصفة رسمية في هذا؛ لأنهم يسمون المحتسب من توظف في هذا عرفًا، فالذي يظهر أنه ليس كذلك، يعني لو أن رجال الهيئة قبضوا عليه، وتاب، فهل تنفعه التوبة هذه قبل أن يرفع؟ ورأوا من حاله صدق التوبة، وأن من المصلحة أن يستر على مثل هذا، وبخاصة إذا قال: أنا سأعيد المسروق إلى صاحبه، وأنا تبت إلى الله، فهل لهم أن يستروا وإلا لا بد أن يرفع للمحكمة مثلاً؟ الذي يظهر إن توبته تنفعه، ويسقط عنه الحد، إذا كان قبل أن يبلغ السلطان، وقد دلت على هذا السنة، حيث ورد في قصة الذي سرق رداء صفوان، أن صفوان لما حكم النبي ﷺ بقطع يد الرجل الأعرابي، تنازل عن ذلك، وقال: هو له، يعني لا تقطع يده، فقال النبي ﷺ: فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به؟[27]، فصفوان تنازل، وقال: هو له، لكن هذه الزيادة: فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به؟ في إسنادها ضعف.

يقولون: إذا تغير بسوق أو ثمن، فيعيد قيمة المسروق، هكذا قال بعض الفقهاء من المالكية وغيرهم، لكن التغير قد يكون في الصفة مثلاً، كأن تكون هذه السيارة صُدمت، أو تعطلت، أو نحو هذا، ففي هذه الحال فإنه إما أن يعيد نفس السيارة مع جبر النقص، الأرش، إذا قَبِلَ صاحبها، أو يعطيه قيمة المسروق، كم تساوي هذه السيارة، هل هو حينما تاب، وإلا حينما سرقها؟ فالذي يظهر -والله أعلم- أنه يعطي قيمة السيارة حينما سرقها؛ لأنها مال أخذه بغير حق، ودخل عليه، وانتفع به، وما إلى ذلك، وذاك فاته تلك المصلحة فيعطيه قيمتها حينما سرقها، وليس بوقت توبته، فوقت توبته قد تساوي عشر قيمتها، فليس هذا من الإنصاف والعدل.

كما يقال في الديون إذا اقترض من أحد دراهم، وتغيرت قيمتها في الصرف بعد مدة، ففي هذه الحالة وهو في القرض، يقضيه بحسب وقت القضاء، لا بحسب الوقت الذي اقترض فيه؛ لأن هذا مباح، وذاك غصب وسرقة، وحرام.

ففي القرض مثلاً لو اقترض منه ألف جنيه مصري مثلاً قبل عشر سنوات، وسيرد له هذه الجنيهات الآن، وقد يكون هذا الآن قريب من النصف، فكيف يرد عليه؟ يرد عليه الألف التي أخذها، ولو كانت نزلت قيمتها، لكن في السرقة فيما يكون من الأعيان يتحول ويتغير إلى آخره، كمن سرق سيارة وصدم فيها، أو نحو هذا، فإن وجدت السيارة على حالتها لم تتغير، أخذ السيارة هذه وحافظ عليها وخزنها، أو أخفاها في مكان، فتعاد السيارة كما هي، ولو بعد عشر سنوات، ولا يعطيه فرق السعر في السوق، لكن لو أنه أتلفها أو تغيرت تغيرًا مؤثرًا، وقال صاحبها: أنا أريد العوض، فيعوضه بقيمتها حينما سرقها، والله أعلم.

"أو لا يسقط عنه؟ وهو مذهب مالك[28]؛ لأن الحدود عنده لا تسقط بالتوبة إلا عن المحارب؛ للنص عليه".

من فعل شيئًا، وقارف مقارفة توجب الحد، فتاب قبل ذلك، فأن توبته صحيحة، ويسقط عنه الحد، سواء كان ذلك في المحاربين، أو في غيرهم؛ ولذلك كان النبي ﷺ وأصحابه يرشدون من قارف بعض المقارفات كمن زنا، أو نحو ذلك: أن يستر نفسه، وأن يتوب؛ ولهذا كان النبي ﷺ يقول لمن أتاه في هذا: لعلك قبلت، أو غمزت، أو نظرت[29]، يعني لعلك قارفت دون ما يوجب الحد، والله أعلم.

"يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ [المائدة:40] قدم العذاب على المغفرة؛ لأنه قُوبل بذلك تقدُّم السرقة على التوبة".

يعني رحمة الرب -تبارك وتعالى- سبقت غضبه، فلماذا هنا قدم العذاب؟ باعتبار أن ذلك يقابل ما ذُكر قبله من تقدم السرقة على التوبة.

"يا أَيُّهَا الرَّسُولُ [المائدة:41] الآية: خطاب للنبي ﷺ على وجه التسلية".

يعني يقول له: لا يحزنك، يسليه.

"مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ [المائدة:41] هم المنافقون".

كما قال ابن كثير -رحمه الله-[30].

"وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا [المائدة:41] يحتمل: أن يكون عطفًا على الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا [المائدة:41] ثم يكون سَمَّاعُونَ استئناف إخبار عن الصنفين: المنافقين واليهود، ويحتمل: أن يكون وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا استئنافًا منقطعًا مما قبله، وسَمَّاعُونَ راجع إليهم خاصة".

قوله: وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا مضى في الغريب أن أصله من هاد بمعنى رجع، من قولهم: هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156] يعني: رجعنا إليك، وتبنا إليك، فقيل لهم ذلك بهذا الاعتبار، وقال بعضهم: قيل لهم ذلك نسبة إلى جد لهم، يقال له: يهوذا، وهو يهوذا بن يعقوب، أحد أبناء يعقوب ، وكأن الأول أقرب، والله أعلم.

يقول: "وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا [المائدة:41] يحتمل: أن يكون عطفًا على الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا" وهذا الذي اختاره ابن جرير[31]، وابن كثير[32]، فيكون المعنى: النهي عن الحزن من مسارعة المنافقين واليهود في الكفر.

"ثم يكون سَمَّاعُونَ استئناف إخبار عن الصنفين: المنافقين واليهود" وهذا الذي اختاره ابن كثير[33]، وممن قال به الطاهر بن عاشور أيضًا[34]، وهذا الذي ذكره ابن جزي -رحمه الله-، فكل هؤلاء سماعون للكذب.

وقال بعضهم: بأن ذلك في المنافقين من اليهود، كما يقول ابن جرير -رحمه الله-[35].

وبعضهم يقول: هي في اليهود.

يقول: "ويحتمل: أن يكون وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا استئنافًا منقطعًا مما قبله، وسَمَّاعُونَ راجع إليهم خاصة" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ [المائدة:41] هذا في المنافقين، وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ [المائدة:41] فيكون ذلك من قبيل الاستئناف، يعني لا يتعلق بما قبله، فعلى الأول: أن الله نهاه عن أن يحزن بسبب الذين يسارعون في الكفر من المنافقين، ثم انتهى ذلك، ثم استأنف مخبرًا عن اليهود، فقال: وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41] يكون إخبارًا عن اليهود، وليس معطوفًا، فتكون الواو للاستئناف، وليس للعطف على الذي قبله.

يقول: "وهذا احتمال أن يكون استئنافًا منقطعًا مما قبله، وسَمَّاعُونَ راجع إليهم خاصة" فالآية التي بعدها: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42] فهي لا ترجع إلى المنافقين، وإنما ترجع إلى هؤلاء: وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [المائدة:41] يعني بدأ حديث جديد عن اليهود، وعلى الأول: لا يحزنك أهل النفاق وهؤلاء اليهود الذين هم بهذه الصفة، باعتبار أن الواو عاطفة، وكأن هذا -والله أعلم- أقرب، وهو أنه نهاه أن يحزن من هؤلاء المنافقين، ومن حال هؤلاء اليهود.

"سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ [المائدة:41] أي: سماعون كلام قوم آخرين، من اليهود الذين لا يأتون النبي ﷺ لإفراط البغضة والمجاهرة بالعداوة، فقوله: لَمْ يَأْتُوكَ صفة لِقَوْمٍ آخَرِينَ".

سَمَّاعُونَ قال ابن كثير: يعني يستجيبون لأقوام آخرين، لا يأتون لمجلسه[36]، يعني هناك من يوجههم، ويقبلون، وهؤلاء الذين يوجهونهم لا يحضرون مجلسك؛ لشدة العداوة، وقيل: المراد أنهم يستمعون الكلام وينهونه إلى قوم آخرين.

فالفرق بين المعنيين الأول: يسمعون لقوم آخرين سماع استجابة، وأولئك الذين يستمعون إلى كلامهم، ويعملون بموجب ذلك، لا يحضرون مجلسك؛ لشدة عداوتهم، والمعنى الآخر: أنهم يسمعون لهم ليوصلوا إليهم الكلام، وينهونه إلى قوم آخرين، ممن لم يحضر عندك من أعدائك، وعليه تكون اللام في قوله: لِقَوْمٍ آخَرِينَ تعليلية، يعني لأجل قوم آخرين، فهذا معنى تحتمله الآية، كما في قوله تعالى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ [التوبة:47] يعني بعضهم سماعون لهم، أي: من يستجيب ويتأثر بهم، والمعنى الآخر: من يستمع ليوصل إليهم ذلك، فبعض الناس يحضر من أجل أن ينقل لآخرين ما سمع وشاهد، فيحضر لهذا القصد، من باب الكيد، ونحو ذلك، باعتبار أن اللام للتعليل، كما في قوله: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [المائدة:41] أي لأجل الكذب عليه، مع أن ظاهر سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [المائدة:41] أي: أنهم يقبلونه ويستجيبون ويتأثرون به.

فقوله: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ هذا يحتمل أنهم يستمعون كلامهم، ويعملون بمقتضاه، أو أنهم عيون لهم، بمعنى: سماعون لآخرين، يعني عيون لهم، يستمعون وينقلون لهم ما سمعوا، وما قيل من اليهود الذين لم يأتوا النبي ﷺ "لإفراط البغضة" يعني لشدة البغض "والمجاهرة بالعداوة" ولا يبعد أن الآية تحمل على المعنيين، لكن قد يكون فيها قرينة تدل على أحدهما، وهي قوله: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا [المائدة:41] فيكون المعنى: أنهم سماعون لهم بمعنى يستجيبون وينقادون، وليس المقصود: أنهم يستمعون لنقل الكلام إليهم، فتكون هذه قرينة مرجحة لهذا المعنى، والله أعلم.

"والمراد بالقوم الآخرين يهود خيبر، والسماعون للكذب بنو قريظة".

وابن جرير -رحمه الله- فسر سماعهم للكذب بسماع قول أحبارهم: إن الزاني المحصن يحمم أي: يطلى وجهه بالسواد، ويجلد، وفسَّر: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ يعني: أهل الزاني، الذين أرادوا الاحتكام إلى رسول الله ﷺ، وكانوا يريدون المجيء إليه[37].

وعلى كل حال فهم سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [المائدة:41] ومن هذا الكذب الذي يستمعونه: التبديل والتحريف من الزعم بأن الزاني مثلاً لا يرجم المحصن، وأنه يحمم ويجلد، وكذلك هم سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ يستجيبون لهم، ويوجهونهم، ويقولون لهم: إن أوتيتم هذا فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا، كأن هذا المعنى -والله أعلم- قريب.

"يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41] أي: يبدلونه من بعد أن يوضع في موضعه، وقصدت به: وجوهه القويمة؛ وذلك من صفة اليهود".

يعني بعد أن يوضع في موضعه، وقصدت به: وجوهه القويمة، يعني من حيث اللفظ والمعنى، يعني من بعد ما كان على حالٍ من الاستقامة في لفظه ومعناه، فهم يبدلونه بعد أن وضع بهذا الوضع من قبل الله -تبارك وتعالى-، فحرفوه وبدلوه، فهم يبدلون الألفاظ، ويبدلون الأحكام والمعاني.

يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41] من هؤلاء؟ ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الصفة للقوم الآخرين سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41] وهذا هو الظاهر، فهم يستمعون لأحبارهم وكبرائهم، وبهذا قال: ابن زيد، وذهب ابن جرير -رحمه الله- إلى أن هذه الصفة للذين يسارعون في الكفر[38]، فما ذُكر أوصاف لهم، والله أعلم.

"يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ [المائدة:41] نزلت بسبب أن يهوديًا زنى بيهودية، فسأل رسول الله ﷺ اليهود عن حد الزاني عندهم، فقالوا: نجلدهما ونحمم وجوههما، فقال لهم رسول الله ﷺ: إن في التوراة الرجم[39]، فأنكروا ذلك، فأمرهم أن يأتوا بالتوراة فقرأوها، فجعل أحدهم يده على آية الرجم، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع، فإذا آية الرجم، فأمر رسول الله ﷺ باليهودي واليهودية فرجما".

هذا السياق الذي ذكره ليس فيه ما هو مصرح بسبب النزول، لكن جاء في حديث البراء بن عازب قال: مر على النبي ﷺ بيهودي محممًا مجلودًا، فدعاهم ﷺ فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجل من علمائهم، فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك أنشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثير في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله ﷺ: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، فأمر به فرجم، فأنزل الله : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] إلى قوله: إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ [المائدة:41] يقول: أوتوا محمدًا ﷺ، فإن أمركم بالتحميم والجلد، فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم، فاحذروا، فأنزل الله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] في الكفار كلها[40].

هذا في صحيح مسلم، وفيه التصريح بسبب النزول، كما سمعتم، أما ما ذكره في الحاشية، وهو حديث ابن عمر ، فهو في الصحيحين، لكن ليس فيه ما هو مصرح بسبب النزول، وإنما التصريح بسبب النزول في حديث البراء بن عازب في صحيح مسلم.

"فمعنى قولهم: إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ [المائدة:41] إن أوتيتم هذا الذي ذكرتم من الجلد والتحميم، فخذوه، واعملوا به، وإن لم تؤتوه أفتاكم محمد ﷺ بغيره، فاحذروا".

فِتْنَتَهُ [المائدة:41] أي: ضلالته في الدنيا، أو عذابه في الآخرة".

من أراد الله فتنته، يعني ضلالته، والفتنة تقال أيضًا للعذاب، ويقال: فتن الذهب بالنار بإدخاله فيها ليتميز خالصه من شائبه، فعلى هذا فسَّره من فسَّره بالعذاب في الآخرة.

"فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ [المائدة:41] الذلة، والمسكنة، والجزية".

وأصل الخزي -كما سبق-: الذل والإبعاد، فكل هذا من الخزي، والمسكنة والجزية عن يد وهم صاغرون.

"سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [المائدة:41] إن كان الأول في اليهود، فكررها هنا تأكيدًا، وإن كان الأول في المنافقين واليهود، فهذا في اليهود خاصة.

أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42] أي: للحرام من الرشوة والربا، وشبه ذلك".

أصل مادة (سحت) تدل على الاستئصال، وسمي المال الحرام بذلك؛ لأنه لا بقاء له، ولا زال الناس يعبرون بمثل هذا في المكاسب، ويعبرون به حتى في الدعاء على غيرهم، بأن يسحته، أي يهلكه فلا يكون له بقاء، فأصل ذلك يقال للهلاك، ويقال أيضًا للشدة وبعضهم يقول: سمي الحرام سحتًا؛ لأنه يسحت الطاعات، وعلى الأول أنه لا بقاء له، أي: المال الحرام.

وابن جرير -رحمه الله- يقول: بأن أصله: كلب الجوع[41].

والمقصود: أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ أي: للحرام من الرشوة، وهذا قاله ابن مسعود [42]، ويدخل فيه أيضًا كما قال: "وشبه ذلك، مثل أكل الربا" وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [النساء:161] فكل هذه المكاسب المحرمة من الرشا والربا، وأكل أموال الناس بأي وجه كان، بغير حق، هو من السحت، ومنه: القمار، والميسر، وأنواع ما يستجد من صور أكل أموال الناس بالباطل، فكلها داخلة في السحت.

"فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ [المائدة:42] هذا تخيير للنبي ﷺ في أن يحكم بين اليهود أو يتركهم، وهو أيضًا يتناول الحاكم، وقيل: إنه منسوخ بقوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]".

وهذا القول بأنه منسوخ بما بعده مروي عن ابن عباس -ا-، ومجاهد، وعكرمة، والزهري، والحسن، وقتادة، والسدي، وزيد بن أسلم، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء الخرساني، والحسن[43]، وهو الصحيح من قول الشافعي[44]، وحكاه القرطبي عن أكثر العلماء[45]، وهو أن النبي ﷺ كان مخيرًا، ثم أمره ربه -تبارك وتعالى- أن يحكم بينهم بما أنزل الله وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [المائدة:49] لكن من أهل العلم كابن جرير -رحمه الله- من يقول: بأن الآية محكمة، وليست منسوخة[46]، ويكون المعنى: أنه مخير فإن حكم فيحكم بما أنزل الله، لكن أكثر أهل العلم على أنها منسوخة، وهذا توجيه لمن قال بأنها محكمة، ولا شك أن الآية إذا أمكن حملها على وجه يصح من غير دعوى النسخ الذي لم يقم عليه دليل هو المتعين؛ لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والله أعلم.

"وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ [المائدة:43] الآية، استبعاد لتحكيمهم النبي ﷺ، وهم لا يؤمنون به، مع أنهم يخالفون حكم التوراة التي يدعون الإيمان بها، فمعنى ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ [المائدة:43] أي: يتولون عن اتباع حكم الله في التوراة، من بعد كون حكم الله فيها موجودًا عندهم، ومعلومًا في قضية الرجم وغيرها.

وَما أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [المائدة:43] يعني: أنهم لا يؤمنون بالتوراة، وبموسى ، وهذا إلزام لهم؛ لأن من خالف كتاب الله، وبدّله، فدعواه الإيمان به باطلة.

النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44] هم الأنبياء الذين بين موسى ومحمد ".

كما قال ابن جرير -رحمه الله-[47]، فالنبيون الذين أسلموا أي: محمدًا ﷺ ومن قبله من الأنبياء، يحكمون بها.

"ومعنى: أسلموا هنا أخلصوا لله، وهو صفة مدح أريد به التعريض باليهود؛ لأنهم بخلاف هذه الصفة، وليس المراد هنا الإسلام الذي هو ضد الكفر؛ لأن الأنبياء لا يقال فيهم: أسلموا على هذا المعنى؛ لأنهم لم يكفروا قط، وإنما هو كقول إبراهيم : أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131]، وقوله تعالى: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ [آل عمران:20]".

الإسلام بمعناه العام، هو الإسلام الذي هو دين الأنبياء جميعًا إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ [البقرة:131]، أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ [البقرة:133] إلى أن قال: مُسْلِمُونَ [البقرة:133] فهذا دين الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فهو بمعنى الإسلام العام، فكلهم كان على الإسلام مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67] فذكر ذلك في مقابل الإشراك، وهو بمعنى إسلام الوجه لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة.

"لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة:44] متعلق بـ(يحكم) أي: يحكم الأنبياء بالتوراة للذين هادوا، ويحملونهم عليها، وقيل: يتعلق بقوله: فِيهِ هُدًى وَنُورٌ [المائدة:46]".

يحكم بها النبيون الذين أسلموا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة:44] هذا هو الأقرب، والله أعلم، فلا يكون المعنى: فيها هدى ونور للذين هادوا.

"بِمَا اسْتُحْفِظُوا [المائدة:44] أي: كلفوا حفظه، والباء هنا سببية، قاله الزمخشري[48]".

بما استحفظوا أي: بسبب ما استحفظوا، وكلفوا حفظه، فالسين والتاء للطلب، أي: كلفوا حفظه، وطلب منهم أن يحفظوه.

"ويحتمل: أن تكون بدلاً من المجرور في قوله: يَحْكُمُ بِهَا [المائدة:44]".

فيكون بدلاً منه، كأنه يقول: يحكم بما استحفظوا، يحكم الربانيون والأحبار بما استحفظوا، ويحكم بها النبيون الذين أسلموا.

"فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ [المائدة:44] وما بعده خطاب لليهود، ويحتمل: أن تكون وصية للمسلمين يراد بها التعريض باليهود؛ لأن ذلك من أفعالهم".

"وما بعده خطاب لليهود" خطاب لعلماء اليهود، كما يقول ابن عباس[49]، واختاره ابن جرير[50]، وقال به من المفسرين الواحدي[51]، وابن عطية[52]، باعتبار أنه يأمرهم ويحثهم على الحكم بها دون إخلال خشية من الناس.

يقول: "فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ [المائدة:44] وما بعده خطاب لليهود، ويحتمل: أن تكون وصية للمسلمين" وهذا ذكره ابن عطية[53] احتمالاً، ولم ينسبه لقائل، فمثل هذا لا يعد من الخلاف، فإذا ذكر احتمالاً في كتب التفسير فلا يقال: القول الأول كذا، والقول الثاني كذا، وهكذا جوّز ابن عاشور أن يكون ليهود زمان النبي ﷺ[54]، يعني يكون الخطاب لهم عند نزول الآية.

"أو لمن ذكر من النبيين والربانيين والأحبار، على تقدير القول" يعني قلنا لهم: لا تخشوا الناس، وهل هي لقوم مضوا وقضوا وماتوا من أنبيائهم؟ فيكون على تقدير القول، قلنا: لا تخشوا الناس، يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا [المائدة:44] قلنا لهم: لا تخشوا الناس، ويحتمل أن يكون خطاب لمن كانوا في وقت نزول الآية.

"وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] قال ابن عباس: نزلت الثلاثة في اليهود: الكافرون، والظالمون، والفاسقون[55]، وقد روي في هذا أحاديث عن النبي ﷺ، وقال جماعة: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله، من اليهود والمسلمين وغيرهم، إلا أن الكفر في حق المسلمين كفر معصية، لا يخرجهم عن الإيمان، وقال الشعبي: الكافرون في المسلمين، والظالمون في اليهود، والفاسقون في النصارى[56]".

مضى في حديث البراء بن عازب عند مسلم لما مر النبي ﷺ باليهودي المحمم وسألهم الذي ذكرته آنفًا، وفيه: قال: فأنزل الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44][57]، الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] في الكفار كلها، لما ذكر قال: فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فحذروا، فأنزل الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، الْفَاسِقُونَ [المائدة:47] وهذا في صحيح مسلم، فهذا في جملة ما نزل، يعني مع قوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] ذكرته بتمامه قبل قليل، فهذا سبب النزول.

يقول: "نزلت الثلاثة في اليهود" كما تدل عليه هذه الرواية "وقال جماعة: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من اليهود والمسلمين وغيرهم، إلا أن الكفر في حق المسلمين كفر معصية" يعني كفر دون كفر، لا يخرجهم عن الإيمان.

"وقال الشعبي: الكافرون في المسلمين، والظالمون في اليهود، والفاسقون في النصارى" وبهذا قال الشنقيطي -رحمه الله-[58]، وجاء عن الحسن: أنها نزلت في أهل الكتاب، وهي علينا واجبة[59]، يعني أن حكمها ينطبق على هذه الأمة أيضًا، وجاء عن إبراهيم النخعي: أنها نزلت في بني إسرائيل، ورضي الله لهذه الأمة بها[60]، وهو بمعنى قول إبراهيم النخعي.

والحافظ ابن كثير -رحمه الله- ذهب إلى أن الأول في اليهود؛ لتبديلهم حكم التوراة، وجحدهم إياه، فهم كافرون بذلك، وأن الثاني فيهم الظالمون؛ لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم[61]، حيث كانوا لا يقيدون القرظي من النضري، فقد كان اليهود في المدينة ثلاث أصناف: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وكانت بنو النضير حلفاء للخزرج، وقريظة حلفاء للأوس، وتقع الحروب بين الأوس والخزرج، ويشترك الحلفاء، فيتقاتل اليهود، وما يحصل من قتل، كما قال الله : ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85]، يعني حرم عليهم أن يقتلوا بعضًا، أو أن يخرجوا من ديارهم، وأن يفدي اليهودي اليهودي إذا وجده أسيرًا، فهم يفدونهم، ويقتلونهم في الحرب، ويخرجونهم من ديارهم، ويعينون على إخراجهم، فأنكر الله عليهم هذا التناقض أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85] يعملون بما يوافق أهواؤهم، ويتركون بعضه، مما لا يوافق هواهم، فكانوا يرون أن النضري أشرف من القرظي، فبنو النضير يقولون: أنهم يرجعون إلى نسل هارون ، ويقولون: إنهم لم يحصل لهم إخراج قبل ذلك، واليهود يحصل لهم نفي وإخراج كما هو معلوم في التاريخ، فيقال: إن بني النضير أول إخراج حصل لهم، هو إخراج النبي ﷺ، حينما أخرجهم في وقعة النضير، إلى أطراف الشام وأذرعات، وبعضهم ذهب إلى خيبر، وبعضهم ذهب إلى بصرى؛ ولهذا قال الله: لِأَوَّلِ الْحَشْر [الحشر:2] فإذا فسرت الأولية هنا بالأولية المكانية، يعني أول أرض المحشر على هذا المعنى، فالشاهد أنهم كانوا يرون أن بني النضير أشرف من بني قريظة، فلا يقتل النضري بالقرظي، فلو أن نضريًا قتل قرظيًا فإنه لا يُقتل به؛ لأنه أشرف منه، والعكس: لو أن قرظيًا قتل نضريًا يُقتل به، فهذا من الظلم، فابن كثير -رحمه الله- يقول: بأن قوله في الآية الأخرى: فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]: إنها في اليهود باعتبار أنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم، فجعلها في اليهود، ولا شك أن الآيات نازلة في اليهود، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

  1. تفسير الطبري (10/276).
  2. تفسير ابن كثير (3/101).
  3. أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار برقم: (18) ومسلم في الحدود باب الحدود كفارات لأهلها برقم: (1709) واللفظ لمسلم.
  4. زاد المسير في علم التفسير (1/541) وتفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/183).
  5. أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج برقم: (121).
  6. تفسير ابن كثير (3/102).
  7. تفسير ابن كثير (3/102).
  8. تفسير القرطبي (6/156).
  9. تفسير القرطبي (6/156).
  10. تفسير الطبري (10/282).
  11. تفسير الطبري (10/284).
  12. تفسير ابن كثير (3/102-103).
  13. تفسير ابن كثير (3/103).
  14. البيان والتحصيل (16/324).
  15. المدونة (4/526).
  16. أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} [المائدة:38] وفي كم يقطع؟ برقم: (6789) ومسلم في كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها برقم: (1684).
  17. أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} [المائدة: 38] وفي كم يقطع؟ برقم: (6794) ومسلم في كتاب الحدود، باب حد السرقة ونصابها برقم: (1685).
  18. تفسير ابن كثير (3/108).
  19. تفسير ابن كثير (3/109).
  20. تفسير ابن كثير (3/109).
  21. تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (11/351).
  22. تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (3/34).
  23. تفسير الطبري (10/294).
  24. التدريب في الفقه الشافعي (4/196).
  25. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7/96).
  26. المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2/161).
  27. أخرجه أبو داود في كتاب الحدود، باب من سرق من حرز برقم: (4394) وابن ماجه في كتاب الحدود، باب من سرق من الحرز برقم: (2595) وأحمد ط الرسالة برقم: (15303) وصححه الألباني.
  28. الإشراف على نكت مسائل الخلاف (2/864).
  29. أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب هل يقول الإمام للمقر: لعلك لمست أو غمزت؟ برقم: (6824).
  30. تفسير ابن كثير (3/113).
  31. تفسير الطبري (10/309).
  32. تفسير ابن كثير (3/113).
  33. تفسير ابن كثير (3/113).
  34. التحرير والتنوير (6/199).
  35. تفسير الطبري (10/309).
  36. تفسير ابن كثير (3/113).
  37. تفسير الطبري (10/309).
  38. تفسير الطبري (10/311).
  39. بنحوه أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:93] برقم: (4556) ومسلم في كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى برقم: (1699).
  40. أخرجه مسلم في كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنى برقم: (1700).
  41. تفسير الطبري (10/324).
  42. البحر المحيط في التفسير (4/263).
  43. زاد المسير في علم التفسير (1/550) والبحر المحيط في التفسير (4/264) وفتح القدير للشوكاني (2/49).
  44. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/329) وانظر: وفتح القدير للشوكاني (2/49).
  45. تفسير القرطبي (6/186).
  46. تفسير الطبري (10/325).
  47. تفسير الطبري (10/338).
  48. تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (1/637).
  49. زاد المسير في علم التفسير (1/552).
  50. تفسير الطبري (10/344).
  51. التفسير الوسيط للواحدي (2/190).
  52. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/196)
  53. تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/196).
  54. التحرير والتنوير (6/210).
  55. زاد المسير في علم التفسير (1/552).
  56. القول منسوب للشعبي، وليس للشافعي في تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/354).
  57. سبق تخريجه.
  58. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/407).
  59. تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (10/357).
  60. تفسير الطبري (10/357).
  61. تفسير ابن كثير (3/120).

مواد ذات صلة