الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
تتمة قوله تعالى "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ.." إلى نهاية السورة
تاريخ النشر: ١٧ / ربيع الأوّل / ١٤٢٥
التحميل: 986
مرات الإستماع: 1275

قال تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ۝ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا  أيها الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۝ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۝ وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ [النور:30-34].

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا هو المجلس السادس والأخير في هذه المجالس التي نقف فيها مع هذه السورة الكريمة سورة النور، فلا زال الكلام في الوقفة السادسة مع قوله -تبارك وتعالى-: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النور:30]، ولم نجاوزها بعدُ، فـالبصر هو مرآة القلب، فإذا أطلقت البصر انطلق القلب يبحث عن شهواته، ويتلفت يمنة ويسرة علّه أن يشبع ما خالجه من الحركة التي دفعتها الغريزة، ولهذا قال النبي ﷺ كما في الصحيح: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فالعين تزني وزناها النظر[1]، فبدأ بزنا العين؛ لأنه الأصل لزنى ما بعده، فيبدأ بنظرة، ثم يتحرك القلب فتندفع سائر الجوارح لتُحقق نهمتها وتشبع مأربها، وأصل ذلك من نظرة نظرها هذا الإنسان، ولهذا فإن النبي ﷺ حينما رأى الفضل بن العباس في حجة الوداع ينظر إلى ظعن يجرين فنظر إليهن العباس فجعل النبي ﷺ يصرف وجهه[2]، ولما سأله جرير بن عبد الله البجلي عن نظر الفجأة وهو النظر الذي لم يتعمده الإنسان أمره ﷺ أن يصرف بصره[3].

فهذا في النظر الذي يقع من الإنسان من غير قصد، فهو معفو عنه لكنه مطالب بصرف البصر، وإلا فإنه إن أبقى هذه النظرة واستمر ينظر فإنها لا تكون من نظر الفجأة، ولا تكون من العفو؛ لأن النبي ﷺ قال: لك الأولى، وعليك الثانية[4]، فإذا استمر الإنسان وأشخص بصره فإن ذلك في عِداد النظر الثاني فلا يجوز له أن يستمر على ذلك.

وانظروا إلى قول الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30]، أي: أن غض الأبصار، وحفظ الفروج أزكى لأهل الإيمان، أزكى للنفوس، أزكى للعباد، أزكى للمجتمعات، ومما يدخل في هذه العبارة المختصرة التي تشتمل على معاني كثيرة، كعادة القرآن يُعبر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، ومما يدخل تحت هذه الزكاة التي ذكرها الله حينما يغض الإنسان بصره أنه يكون بذلك ممتثلاً لأمر الله ، وهذا هو قطب رحى السعادة في الدارين في الدنيا والآخرة؛ لأن العبد إذا كان مطيعًا لربه فإنه يسعد في عاجله وآجله، فهذه واحدة، وما يشقى الناس إلا بتضييع أمر الله ، ومقارفة محارم الله، وارتكاب حدوده.

وأمر آخر أن ذلك يمنعه بإذن الله ، ويقيه يكون كالترس فلا يصل ذلك السهم المسموم إلى قلبه فيعطب هذا القلب ويهلك، فإذا غض العبد بصره فإنه يتخلص من ألم الحسرة التي تعصر قلبه؛ لأن من أطلق نظراته طالت حسراته ودامت، ومن أضر الأشياء على قلب الإنسان إطلاق البصر؛ لأن القلب يتعلق بما تعلق به البصر، فيكون الإنسان مشدودًا إلى هذه المشاهد لا هو يستطيع أن يحصل شيئًا من ذلك فيبقى قلبه مشغولاً به، دائم التفكير، فيتعذب بهذا الاشتغال، والقلب إنما يصلح لعبودية الله ، فإذا تعلق بغيره فإنه يعذب بهذا التعلق على قدر تعلقه، ولهذا قال النبي ﷺ: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم...[5]، والله يقول: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الفرقان:43].

فهذه الأمور التي يتعلق بها القلب وينجذب إليها تكون كالصنم الذي يعبده، وهكذا تفعل الصورة حينما تفتك بقلب صاحبها، فيبقى القلب مشغولاً بهذه الصورة التي رآها، فيكون متيمًا ومعبدًا لهذه الصورة، يصبح ويمسي على ذكراها، ولا زالت تتردد على قلبه، وقد قال الأصمعي -رحمه الله- ولعل ذلك في أول حياته: "رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة فجعلت أنظر إليها وأملأ عيني من محاسنها"، -هو من أئمة اللغة-، "فقالت لي: يا هذا ما شأنك؟ قلت: وما عليك من النظر؟! فأنشأت تقول:

وكنتَ متى أرسلت طرفك رائـدًا لقلبك يومًا أتعبتك المناظرُ
رأيتَ الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صــابرُ[6]

أنت تعذب بهذه الصورة لا تستطيع أن تتمكن من هذا الذي شاهدته، وقلبك لازال مشغولاً به، ولذلك لا تسأل عن حسرات هؤلاء الذين يقفون بالأسواق، أو عند تجمعات النساء يقف وقتًا طويلا ً ككلب الزرع:

وهل لقلبٍ لا يفــارق طيره الأغصـان قائمة على الكثبـانِ
فيظل يسجع فوقها ولغيره منها الثمــار وكل قطفٍ دانِ[7]

فيقف قد سمّر عينيه وقلبه ينعصر من هذه المشاهد الذي يشاهدها، ويذهب يرجع خائبًا بعد ساعات تعلوه الحسرة والكآبة، فالنظرة تفعل في القلب فعل السهم المسموم في الرمية، فإن لم تقتله فإنها تجرحه، وهي بمنزلة الشرارة التي تلقى في الهشيم فقد تحرقه جميعًا، وقد تحرق معظمه، فلا ينبغي للإنسان أن يتساهل في النظر:

كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشـررِ
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قـوس ولا وتــرِ
والمرء ما دام ذا عـين يقلبها في أعين الغِيد موقوف على الخطرِ
يسر مقلته ما ضر مهجتـه لا مرحبًا بسرور عـاد بالضـررِ[8]

ولكن أين من يعقل؟!!

فهو حينما يرمي بهذه النظرة بهذا السهم هو لا يدري في الواقع أنه يصوب هذا السهم إلى سويداء قلبه فقد يصيبه ذلك بمقتل كما قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله-:

يا راميًا بسهام اللحظ مجتهدًا أنت القتيل بما ترمي فلا تصبِ
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له توقهِ إنـه يـأتـيك بالعـطـبِ[9]

وقد صور ذلك المعنى الفرزدق الشاعر المعروف بقوله:

تزود منها نظرة لم تدع لـه فـؤادًا ولم يشعر بما قد تزودا
فلم أر مقتولا ًولم أر قاتلاً بغير سـلاح مثلها حين أقصـدا[10]

وقال آخر يصور حاله، وما يعانيه ويكابده بسبب نظرة نظرها:

رماني بها طرفي فلم تخطئ مقلتي وما كل من يُرمى تصاب مقاتله
إذا مت فابكوني قتيلاً لطرفـه قتيل صديقٍ حاضرٍ ما يـزايله[11]

وآخر يصور ذلك بأبيات أذكر واحدًا منها يقول:

عيني أشاطت بدمي في الهوى فابكوا قتيلاً بعضه قاتله[12]

وأما المتنبي فكان من شعره:

وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيلُ القاتلُ[13]؟

ويقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله-:

ألم أقل لك لا تسرق ملاحظــه فسارق اللحظ لا ينجو من الدركِ
نصبت طرفي له لما بدا شرَكًا فكان قلبي أولى منـه بالشـرَكِ[14]

أو ما سمعتم قول العقلاء: "من سرح ناظره أتعب خاطره، ومن كثرتْ لحظاته؛ دامت حسراته، وضاعت عليه أوقاته، وفاضت عبراته"[15]، وقول الناظم:

نظر العيون إلى العيون هو الذي جعل الهلاك إلى الفؤاد سبيلا
وما زالت اللحظات تغزو قلبه حتى تشحط بينـهن قتـيلا[16]

وهذا يلوم مقلته وعينه يقول:

تمتعتما يا مقلتـي بنظرة وأوردتما قـلبي أمـرَّ المواردِ
أعيني كفا عن فؤادي فإنه من الظلم سعي اثنين في قتل واحدِ[17]

وأمر ثالث: مما يورثه إطلاق النظر، أو كفه هو الوحشة، حينما يكف الإنسان نظره فإن ذلك يكون سببًا لأنس قلبه بالله ، إن في القلب وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله[18]، وفيه فاقة لا يذهبها إلا التعلق به، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدًا.

فإطلاق البصر يفرق القلب، ويشتته ويبعده عن الله ، ويعلقه بالمخلوقين، ويوقع الوحشة بين العبد وربه.

وأمر رابع: إن حفظ البصر يقوي القلب ويفرحه، وأما إطلاق البصر فيضعفه ويحزنه، ومعلوم أن الأحزان والآلام إذا تتابعت على القلوب فإنها تضعف قوى القلب، ولذلك فإن الحزن ليس مطلوبًا بحال من الأحوال إلا إن كان من قبيل الإشفاق من الدار الآخرة، ولهذا فإن أهل الجنة يقولون إذا دخلوا الجنة: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ[فاطر:34]، والواقع أن هذا من قبيل الخوف الذي عبر عنه بالحزن فهم وجلون خائفون من الله ، فعوضهم الله الطمأنينة والأمن التام: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ[الأنعام:82].

فالمقصود: أن الإنسان إذا كف البصر؛ قوى قلبه، ونمى عقله، وزاد تثبيته بإذن الله ، وأما إطلاق البصر فتشتيت القلب، وتفريقه، وإضعافه، وإعطابه.

وأمر خامس: أنه يكسب القلب نورًا إذا كف الإنسان بصره أشرق قلبه، وأشرقت جوارحه، وأشرقت عينه، وأشرق وجهه، وإذا أطلق بصره فإنه تعلوه الظلمة التي جعلها الله لأهل المعاصي والذنوب، فإن الوجه هو مرآة للقلب، فالوجه يسود ويشرق بقدر ما يكون لصاحبه من التعلق بالله وطاعته والإخبات له -تبارك وتعالى-، فإذا كان العبد قد سرّح طرفه في معصية الله واستعمله في غير مرضاته؛ فإن ذلك يورثه سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، والجزاء من جنس العمل، وهو المعنى المشهور لقوله -تبارك وتعالى- عن أهل الإيمان: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ[الفتح:29].

والمراد به على الأرجح هو إشراق الوجه، أن أهل الإيمان يُعرفون بوجوههم، بما يبدو عليهم من سيما الفضل والخير والصلاح والإيمان، ومراقبة الله ، وأهل الفجور والكفر يبدو عليهم ذلك مرتسمًا على وجوههم، والجزاء من جنس العمل، وتأملوا قول الله بعد الأمر بغض الأبصار كيف ذكر الله بعده آية النور؟ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ[النــور:35]، أي: مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه، فإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إلى صاحب هذا القلب، فانفتحت له ألوان المعارف والعلوم وألوان الأعمال القلبية التي لا يعرفها البطالون، فصار مخبتًا محبًا خائفًا راجيًا لله متوكلاً عليه، منيبًا إليه .

وأمر سادس مما يورثه غض البصر: أنه يورث الفِراسة إذا كف هذا البصر عن النظر إلى المحارم أبصر القلب، وإذا أنطلق البصر فيما حرم الله أظلم القلب، ومن ثم فإنه تعمى بصيرته، ولهذا كان بعض المتقدمين من أهل العلم ممن كانت لا تخطئ له فراسة يقول: "من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم؛ وكف نفسه عن الشهوات، واعتاد أكل الحلال؛ لم تخطئ له فراسة"[19].

وذلك أن هذه الفِراسة من النور وثمراته فإذا استنار القلب صحت الفراسة؛ لأنه يصير بمنزلة المرآة المجلوة، وهذا النظر نظر البصر إنما هو بمنزلة النفَس، فإذا تنفس الإنسان في المرآة فإن ذلك يكون كدرًا فيها، فلا يرى الأمور فيها على وجهها الصحيح كما هي، بل تبدو معتمة مكدرةً فهكذا القلب، فكف هذا البصر عن الحرام يبصر القلب، فإن نور القلب وبصر القلب أعظم من نور البصر:

أن يأخذ الله من عيني نورهما ففي فؤادي وقلبي منهما نـورُ
عقل ذكي وقلبي غير ذي دغل وفي فمي صارم كالسيف مشهورُ[20]
إِذا أبصر المرءُ المروءة والتُّقى فإن عمى العينين ليس يضير[21]

فيكون الإنسان ذا بصيرة يميز بها بين الحق والباطل، ولهذا قال الله : يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا[الأنفال:29]، فهذا الفرقان هو الذي تفرقون به بين الحق والباطل، وما أحوجنا إلى هذا الفرقان حينما يكثر الخلاف، وتكثر الفتن، ويكثر الهَرْج؛ وهو الخلاف الذي يورث الشر والتراشق بالتهم والتضليل، ومن ثم الاقتتال والاحتراب، إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا فما أحوجنا إلى هذا الفرقان.

وأمر سابع مما يورثه كف البصر وغضه عما حرمه الله : أنه يورث القلب شجاعة وثباتًا ويجمع له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القوة والقدرة، فالقوة هي قوة القلب، والشجاعة هي شجاعة القلب، ليست الشجاعة بوزن الإنسان، وليست الشجاعة بحجم أعضائه، فكم من إنسان نحيل وهو أسد هصور.

ترى الرجل النحيل فتزدريه وفي أثوابه أسد هصورُ[22]

فالعبرة ليست بضخامة الأبدان وطولها وامتدادها، وإنما العبرة بقوة القلب وثباته، فالشجاعة الحقيقية هي شجاعة القلب، فكم من إنسان له بدن ممتد، ومع ذلك فهو أجبن وأخوف وأذل مما يخطر على البال، ولذلك فإنك تجد أهل الذنوب مهما كان لهم من المراتب، ومهما كان لهم من المراكب، ومهما كان لهم من الأموال والضيعات والمساكن، ومهما هابهم أمثالهم فإن في قلوبهم وعلى ظاهرهم من ألوان الذل ما لا يقادر قدره، ولهذا قال الحسن البصري -رحمه الله-: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق رقابهم، أبَى الله إلا أن يذل من عصاه"[23].

فالله جعل العزة له ولرسوله وللمؤمنين فذكر وصف الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون له من العزة، وعلى قدر ضعف إيمانه يكون فيه من الخنوع والذل والمهانة بقدر تفريطه بأمر الله -تبارك وتعالى-، والجزاء من جنس العمل!، والله يقول: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[آل عمران:139]، مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر:10]، فكلها لله فتطلب باتباع مرضاته .

وأمر ثامن مما يورثه كف البصر وغضه: أنه يسد الباب الأعظم على الشيطان، كيف يحصل التعلق؟ أحيانًا يحصل التعلق بالسماع كما قيل: 

  والأُذن تعشق قبل العين أحيانًا[24]

ولكن الغالب أن الإنسان إنما يتعلق بسبب إطلاق البصر، فإذا نظر الإنسان امتد قلبه، ثم طمعت بعد ذلك جوارحه، فالشيطان يدخل عليك من هذا الباب، ولهذا قال الله : وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36]، فالسمع والبصر ميزابان يصبان في القلب.

فالقلب قد يمتلئ بالمناظر التي تشغله وتلهيه عن ذكر ربه -تبارك وتعالى-، وتجعل الشيطان يعتلج في هذا القلب، ويتحرك ويملئ هذا القلب من الأفكار والخواطر والوساوس والإرادات السيئة، فيكون حركة هذا القلب في التفكير دائمًا بتحصيل هذه الشهوات كيف يحصلها؟ كيف يظفر بها؟ كيف يستطيع أن يصل إلى مطلوبه من ذلك المشهد الذي رآه في امرأة أو غيرها؟ فيتوقد قلبه بالشهوة، والشهوة أشبه ما تكون بالنار التي تتأجج في داخل القلب، ولهذا يقول بعض أهل العلم كالحافظ ابن القيم -رحمه الله- يقول: "ولعل ذلك هو السبب في أن الله جعل في البرزخ عذاب الزناة والزواني في تنور"[25]،  كما أخبر النبي ﷺ، فهذه النار تأخذهم وترفعهم فيكون لهم ضوضاء وصياح، ثم بعد ذلك تخفضهم، وهكذا في عذاب دائم في الرؤيا التي رآها النبي ﷺ[26].

وأمر تاسع: وهو أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والاشتغال بها، وذلك أمر لازم لما سبق، إذا كان إطلاق البصر يشتت القلب ويجعل الإنسان ينشغل بأمور تضره، فكذلك غض البصر يستجمع فيه الإنسان قوى القلب فيكون توجهه وشغله في الأمور التي تنفعه، والأمور التي تصلح قلبه وجوارحه وتدله على الله ويحصل بها منافعه في الدنيا والآخرة؛ لأن الإنسان طاقة؛ البصر طاقة، والقلب طاقة، واليد طاقة، وسائر الجوارح طاقة، فإذا أشغل بصره أو قلبه بأمور ضارة لم يبق محل للاشتغال بالأمور النافعة؛ فيكون شغله فيما يضره، فيكون كمن قال الله : وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ[الحشر:19]، فإنساء الله العبد نفسه يعني أن الله يترك العبد يتمرغ في أوحال المعصية، فلا يرتفع منها، فيكون مسرته وشغله وكده نفقته وذهابه ومجيئه وتفكيره إنما هو بهذه الأمور التي لا تزيده إلا بعدًا من الله ، حتى إذا قدم على ربه أدرك أنه قد ضيع كثيرًا، فذلك من التغابن الذي يحصل للناس في الآخرة كما وصف الله يوم القيامة بأنه يوم التغابن.

وأمر عاشر: وهو أن بين القلب وبين العين ملازمة أكيدة، فإذا صلح البصر كان ذلك سببًا لصلاح القلب بإذن الله ، وإذا فسد البصر كان البصر موردًا لكل المزابل تلقى في القلب، والعكس صحيح إذا صح القلب صحت الجوارح واستقامت ومن ذلك البصر، فالقلب بمنزلة الملك؛ يكف هذه الرعية، يكف الأطراف والجوارح عن مقارفة ما لا يليق، يكفها عن معصية الله فتتوجه لطاعته، فإذا كان القلب فاسدًا فسدت الجوارح، وإذا كان القلب صالحًا صلحت الجوارح، وإذا فسد البصر كان ذلك مادة تمد القلب بالصديد والآفات والأمور المضرة، ولذلك تجدون أن من ضعف إيمانه فإنه لا يرعوي من إطلاق بصره فيما حرم الله ، كما أنك تجد من باب الملازمة أولئك الذين يطلقون أبصارهم فيما حرم الله ، تجد أن قلوبهم فاسدة، فيها من مادة الشر والإرادات السيئة التي تؤزهم أزًا إلى تحصيل معاصي الله الشيء الكثير.

والأمر الحادي عشر: أن غض البصر يفتح للإنسان ولقلبه أبواب العلم، وفهم القرآن والتدبر لمعانيه، الله وصف القرآن بأنه كتاب عزيز، فمن عزته أن معانيه لا تدخل في القلوب المعرضة عنه، ولا يمكن أن تزاحم هذه المعاني والاستنباطات والفوائد والفتوح التي يفتحها الله على العبد بالصديد والأذى والقذر الذي قد استجمع في القلب، فمن عزة القرآن أن لا تدخل معانيه للقلب الفاسد، ومن عزة القرآن أن لا تبقى فيه هذه المعاني في قلب فاسد مكدر ملوث، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وقاله قبله غيره كالغزالي يعني أبا حامد: عند قول النبي ﷺ: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة[27]، قال:  كذلك القلوب إذا كانت تحمل أخلاق الكلاب فإن الملائكة لا تدخلها بالمعاني الطيبة[28].

فالإنسان يحتاج إلى مجاهدة كبيرة يحتاج إلى تفريغ القلب، والقلب مثل: الوعاء تمامًا، فإذا ملأته بالخل لم يصلح فيه اللبن، ولا يصلح فيه العسل فإن ذلك يفسده، إذا وضعت فيه الأذى والقذر والنجاسة فإنه لا يصلح للماء الزُلال، ومن ثم فمن أراد أن يفتح على قلبه بالعلم النافع وفهم القرآن وتدبره فعليه أن يحفظ بصره وسمعه من كل ما لا يليق، ولذلك فإن هذه الأدناس تطرد هذه المعاني من القلب، فيبقى القلب بطّالاً منشغلاً بالأمور السافلة المنحطة، بل لربما كان ذلك وهو في أعز مقاماته في الصلاة لربما كان العبد يناجي ربه أو هو ساجد ويفكر في شهوة من الشهوات المحرمة، وأي ذلٍ يقع لقلب الإنسان؟ وأي عقوبة تقع لهذا المصاب أعظم من هذه العقوبة أن يمرغ جبهته في الأرض وأن يضع وجهه في التراب ساجدًا لله وقلبه يتمرغ في شهواته يتخيل اللذات المنكرة المحرمة؟!!

أما يخشى الإنسان وهو في هذه الحال أن يمقته الله ؟! وأن يرده وأن يطرده من رحمته؟!

أقول: نحن بحاجة إلى تدبر مثل هذه المعاني، والتفكر فيها، فلا يبقى القلب متعلقًا بغير الله .

والأمر الثاني عشر: وهو أن غض البصر يورث القلب سرورًا وفرحة وانشراحًا ولذة، أولئك الذين يطلقون أبصارهم يظنون أنهم يحصلون اللذات وأخطئوا الطريق.

اللذة لا تحصل بمعصية الله سلوهم أما يجدون ألمًا يعصر قلوبهم، لا يستطيع أن ينكر هذا أحد، أما إذا غض الإنسان بصره فإن الله يورثه من ألوان اللذة التي تكون عوضًا له عما ترك في طلب مرضاته، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ولا بد! ومن جرب هذا، وجاهد نفسه يلحظ ذلك.

والإنسان قد يصعب عليه هذه المجاهدة إذا كان قد اعتاد على إطلاق البصر، فلربما أراد أن ينزل رأسه فيرتفع رأسه؛ لأن نفسه قد طوعت للهوى، فيحتاج إلى خطمها وزمها ومجاهدتها، ومن ثم فإنه بعد ذلك يستطيع السيطرة على بصره وجوارحه، فإذا نظر شيئًا يسخط الله كف بصره، ولربما يعينه على ذلك أمور: كمراقبة الله ، وتذكر أن هذه الأمور غير محصولة له، وإذا حصلت فهي تورثه مقت الله: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء: 32].

فأقول: من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.

الثالث عشر: وهو أنه يخلص القلب من أسر الشهوات، فلا يبقى القلب أسيرًا لشهوته، فيبقى القلب طليقًا حرًا يحلق في الأمور النافعة، يحلق في طاعة الله وطلب مرضاته، وتحصيل ألوان العبوديات القلبية، فيمتلئ القلب بما يعود عليه بالنفع في دنياه وآخرته لا سيما أن الأعمال القلبية كالخوف والرجاء والمحبة والإنابة والتوكل والحياء وما أشبه ذلك أعظم وأجل من الأعمال البدنية، كما أن القلب أجل وأشرف من أعضاء البدن، فكذلك أعمال القلب هي أشرف من حيث الجنس أشرف من أعمال الأبدان، ولذلك فإن القلب ينعتق من أسر شهوته فلا تسيطر عليه هذه الشهوة، وإنما يكون هو العتيق منها الذي يأسرها ويضبطها ويزمها ويخدمها فيما يكون مباحًا أو فيما يرضاه الله ، وإلا فيكون كما قيل:

طليق برأي العين وهو أسير [29]  

فالمأسور من أسر قلبه بالهوى، فيكون هذا الإنسان الذي ينظر إلى هذه المشاهد، ينظر إلى هذه المرأة، ينظر إلى هذه المحرمات يكون كما قيل:

كعصفورة في كف طفل يسومها حياض الردى والطفل يلهو ويلعبُ[30]

هذا الذي يشاهده هذا الإنسان يذهب ويجيء يلهو ويلعب غير عابئ به لربما، وهو كالعصفور بيد الطفل، يعني أن قلبه كالعصفور بيد طفلٍ لاهٍ، فالطفل يلهو ويلعب بيد هذا العصفور، وهذا اللعب يورث هذا العصفور حِمَام الموارد، حِمَام الموت والهلكة، والطفل يلهو ويلعبُ، فهكذا الإنسان حينما ينظر إلى هذه المشاهد إلى الصبايا، إلى العرايا إلى هؤلاء النسوة اللاتي نظر إليهن هو قلبه كالعصفور بيد طفل يلهو به، ومن يرضى أن يكون قلبه بهذه المثابة.

والأمر الرابع عشر: أن غض البصر يسد على الإنسان طريق العذاب؛ لأن الإنسان يعذب بالنظر في الدنيا، ويعذب به في الآخرة، فنظره يدفعه إلى أسر القلب، ويدفعه أيضًا إلى تحقيق مرغوباته، ومطلوباته من هذه الشهوات، ومن ثم فإنه يورده الموارد فيقع في معصية الله ، ولا يقف عند حد بل حتى إذا حصل شهوته من هذا المنظور فإن ذلك يكون تليدًا في نظره فيبحث عن الطارف، ومعلوم أن الطارف تمتد إليه العين أعظم مما تمتد إلى التليد؛ لأن الإنسان من شأنه عادة أن يمل الأشياء التي جربها وعافسها، ثم بعد ذلك يبحث عن أشياء أخرى إلا إن كان ذلك فيما أباحه الله ورضيه، وإلا فكما هو مشاهد عند أولئك الذين يقارفون ما لا يحل يملون، ولربما سمع من كلامهم ما يدل على ذلك، فيبحث عن التجديد مرة بعد مرة وبعد مرة، ثم بعد ذلك نجد أن هؤلاء -أعزكم الله وأكرمكم ومن يسمع- يبحثون عن الشذوذ مع الآدميين، مع الحيوانات، مع ما تتوقعون وما لا تتوقعون! مع الكلاب، ومع جميع أنواع البهائم؛ لأنه يمل في كل مرة فيبحث عن شيء جديد آخر.

والأمر الخامس عشر: وهو أنه يخلص القلب من سُكْر الشهوة، الشهوة مثل: السُّكْر، هي كالسكر تمامًا فيغيب الإنسان إذا اشتدت شهوته، ويصبح كالسكران يبحث عن تفريغها بكل طريق، ولربما وقع على أقرب الناس إليه إذا اشتدت نزواته وشهواته، وهكذا إذا اضطرمت في القلب نار الشهوات إلا إذا عصم الله عبده، ولهذا قال الله عن اللواطية -أعزكم الله ومن يسمع- قال تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ[الحج:72]، فوصفهم بالسكرة، فهذا هو سكر الشهوة، وهو أعظم من سكر الخمر.

الوقفة السابعة: مع قوله -تبارك وتعالى- بعد الأمر بغض الأبصار: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ[النــور:30]، فلما ذكر غض البصر قال: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ[النــور:30]، ولما ذكر حفظ الفروج قال: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ فعم في الفروج وجاء بـ (من) التبعيضية بغض الأبصار، ووجه ذلك -والله تعالى أعلم- هو أن باب النظر أوسع من باب حفظ الفرج، وذلك أن باب النظر أن الإنسان يجوز له أن ينظر إلى الأشياء المباحة، ويجوز للإنسان بل يشرع له أن ينظر إلى المصحف والأمور الطاعات وهكذا، فليس كل نظر هو محرم، وأما حفظ الفرج فهو أضيق من ذلك، ولهذا فاوت في التعبير بينهما فقال: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ، وقال: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ولم يقل: يحفظوا من فروجهم، ثم انظر إلى إطلاق البصر وحفظ الفرج إطلاق البصر، البصر يتعذر كفه تمامًا، لا بد أن ينظر ليحصل مصالحه.

ثم تأمل كيف أن الله ذكر غض الأبصار أولاً ثم أعقبه بالأمر بحفظ الفروج؟ وذلك أن البصر لما كان أصلاً لحفظ الفرج بدأ بذكره، فتحريم البصر هو من باب تحريم الوسائل، والأمر بحفظ الفرج هو أمر بحفظ غاية من الغايات، ولهذا فإن الموبقات يجعل الله عليها سياجًا يحميها، فالشرك حرم الله جملة من الأمور التي توقع به مثل: البناء على القبور، والكتابة، والصلاة في المقابر، وما إلى ذلك.

وهكذا الزنا: حرم إطلاق البصر، وحرم الخضوع بالقول، وحرم أيضًا التبرج بالزينة، وما أشبه ذلك.

وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النــور:30]، فحفظ الفرج أزكى للإنسان والله يقول عن الزنا: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً[الإسراء:32]، أي: ساء مسلكًا وطريقًا لما يوصل إليه من المعاطب في الدنيا والآخرة، فحقيق بالعبد أن يحفظ هذا الأمر الذي يكون سببًا لهلكته، وذلك أنه يورثه من ألوان العقوبات المعجلة والمؤجلة ما لا يقادر قدره، وقد أشرت آنفًا إلى عذاب الزناة في التنور الذين يعذبون فيه بالبرزخ، كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب [31] .

وأمر آخر مما يدخل في هذا الزكاة الذي ذكره الله حيث يحصل عند حفظ الفرج، وهو أن الله قد جعل مع رحمته البالغة قد جعل لهذه الجريمة عقوبة لا يماثلها ولا يقاربها عقوبة وهو الرجم، يقتل هذه القِتلة الشنيعة الشديدة ضربًا بالحجارة حتى يفارق الحياة ويموت، ثم حتى البهيمة تأنف من هذه الفاحشة لربما إذا غرز الله فيها ذلك، كما في صحيح البخاري عن عمرو بن ميمون الأسدي أنه قال: "رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة، قد زنت، فرجموها، فرجمتها معهم"[32]، حتى القرود، هذا قرد نائم وقد مد ذراعه فجاءت قردة كأنها زوجته فنامت على ذراعه فلما ظنت أنه نام انسلت انسلالاً خفيفًا، وعمرو بن ميمون يراقبها فأنسلت انسلالاً خفيفًا ثم جاء قرد فواقعها، فلما استيقظ تلفت زوجها فنظر فوجدها مع هذا القرد ثم شمها فعرف أنها قد زنت فصاح، فاجتمع القردة؛ فقاموا برجمها.

فأقول: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ يُجنب الإنسان هذه العقوبة في الدنيا وفي الآخرة، كما أن الزنا يجمع الشرور كلها قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة؛ فلا تجد زانيًا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله، تجده يقارف أقرب الناس إليه وهو صديقه يحاول أن يصل إلى أهله وحريمه، فهو لا يوثق به، غدار، لا يطمئن إلى صحبته ومجالسته، فالغدر والكذب والخيانة كما يقول الحافظ ابن القيم -رحمه الله-: "وقلة الحياء، وعدم المراقبة، وعدم الأنفة للمحارم، وذهاب الغيرة من القلب هي أخلاقه وشعبه وصفاته"[33]، صفات صاحب هذا العمل.

وأمر رابع: وهو أنه يوجب غضب الله ؛ لأنه يقارف محارمه وحدوده، والله يغار أعظم من غيرة خلقه.

وأمر خامس: وهو أنه يورث صاحبه سواد الوجه، وهذا يورثه الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين.

وأمر سادس: وهو أنه يورث ظلمة القلب، وطمس نور البصيرة، وذلك ينعكس على بصره فيحصل له ما ذكرت من غشيان الظلمة.

وأمر سابع: وهو أنه يورث الفقر؛ وهو أمر معلوم وقد ذكره جمع من أهل العلم وقالوا: هذا مشاهد في أحوال الخلق.

وأمر ثامن: أنه يذهب حرمة فاعله، ويسقطه من عين الله، ومن عين الخلق.

وأمر تاسع: أنه يسلب صاحبه اسم العفة، فلا يكون عفيفًا، ولا يكون في عداد أهل العدالة والمروءة، ويعطيه أسماء أحط الناس من أهل الفجور والفساق والزواني والخونة.

وأمر عاشر: أنه يسلب صاحبه اسم الإيمان المطلق، كما قال النبي ﷺ: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن[34].

والأمر الحادي عشر: أنه يعرض صاحبه لسكنى ذلك التنور الذي ذكره النبي ﷺ[35].

والأمر الثاني عشر: أنه يجعل الطيب مفارقًا لصاحبه؛ لأن الله قال: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ[النــور:26]، فهل يكون الزاني طيبًا؟ وإنما هو بعكس ذلك حيث يكون خبيثًا، والجنة دار لا تصلح إلا للطيبين؛ كما قال الله : الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل:32]، والله يقول: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73]، فهم استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بما حصلوا من هذا الوصف الكريم وهو الطيب، وأما الزناة فهم أخبث الخلق وأشنعهم.

والأمر الثالث عشر: وهو أنه يورث وحشة تكون في قلب هذا الزاني، فلا يكون في قلبه أُنس بالله ، ولا يأنس بالخلق، ولا يأنسون به بل يستوحشون من مجالسته، وتعلو وجهه تلك الوحشة.

والأمر الرابع عشر: هو قلة الهيبة، لا يكون لصاحبه هيبة، بل يكون مهينًا؛ لأنه كما ذكرنا في غض البصر يكون هيبة الإنسان على قدر ملازمته لحدود الله ، فإذا انطلق الإنسان في حدود الله صار بعد ذلك بهذه المهانة والمذلة.

والأمر الخامس عشر: أنه يكون خائنًا في أعين الناس بعين الخلق، وفي عين الله ، لا يأمنه الناس على أهلهم، ومحارمهم بل لا يؤمن على حرمته ولا عياله.

والأمر السادس عشر: وهو أنه يورث صاحبه ضيق الصدر وحرجه؛ لأن هؤلاء بحثوا عن اللذة والمسرة في المعصية الله فأورثهم ذلك خلاف مقصودهم، فصار لهم من النكد وسوء الحياة ما يعانونه في صدورهم؛ لأن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، فلا يمكن أن تحصل اللذات القلبية والأنس والراحة والانشراح بمجابهة الله بمعاصيه ومحاربته بارتكاب مساخطه.

والأمر السابع عشر: أن الزنا يجرئه على كل قبيح على قطيعة الأرحام، وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق، وإضاعة من استرعاه الله ، ولربما قاده إلى سفك الدماء، ولربما استعان عليه بالسحر والشرك بالله -تبارك وتعالى-، فهذه المعصية لها جرائر كثيرة جدًا قبلها، وأثنائها، وبعدها، فكثير ممن يعافسون هذا لا يطيب لهم إلا مع شرب المسكر، ولربما لا يلتذ إلا بالعدوان على أموال الناس، والعدوان على ألوان حقوقهم، فيتولد من ذلك أمور من المفاسد لا يحصيها إلا الله فيكون ذلك مؤذنًا بذهاب النعمة التي كساها الله هذا العبد من نعمة المال والغنى وغير ذلك، والله يقول: ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53].

وبعد ذلك أقول: لا كانت لذة توجب هذا كله، وتسوق صاحبها إلى مرافقة أصحاب الجحيم فتذهب اللذات وتبقى الحسرات، تفنى الشهوة وتبقى الشقوة، وكان الإمام أحمد -رحمه الله- يردد هذين البيتين:

تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقى عواقب سوء من مغبتها لا خير في لذة من بعدها النارُ[36]

وهذه المفاسد التي ذكرتها أنفًا ذكرها ابن القيم -رحمه الله- في عدد من كتبه كــ"الجواب الكافي"[37]، و"روضة المحبين"[38].

الوقفة الثامنة: مع قوله -تبارك وتعالى-: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النــور:31]. والمراد لا يظهرن شيئًا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاءه كما قال ابن مسعود : "كالرداء والثياب"[39]، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل الثياب، الزينة هنا في أول هذه الآية: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أي ما لا بد من ظهوره ولا يمكن إخفاءه كظاهر العباءة، وما بدا تحتها من طرف الثوب، وهذا أمام الرجال الأجانب، وهذا الذي قال به الحافظ ابن كثير[40]، وقبله ابن مسعود، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وابن سيرين، وأبو الجوزاء[41]، حتى ما نُقل عن ابن عباس من أنه قال: "إلا ما ظهر منها: الوجه والكفان"[42]، فإن بعض كلامه يفسرُ البعض الآخر، فيوجد في بعض الروايات عنه أن ذلك يكون لمن يدخل عليها في بيتها[43]، والذي يدخل عليها في بيتها هم المحارم والنساء كما سيأتي.

فقوله: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الزينة اسم يقع على محاسن الخلق التي خلقها الله ، فالبدن في نفسه فيه زينة، وكذلك على الأمور الزائدة، وذلك في ثلاثة أمور:

الأول: الأصباغ كالحمرة والحناء والكحل، وما أشبه ذلك، فهذا كله من الزينة، فهذا لا يجوز أن تبديه للأجانب.

والثاني: الحلي كالخاتم والقلادة والسوار والخلخال وما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز أن يبدو للأجانب.

والثالث: زينة الثياب فلا تخرج متزينة كما قال عمر : "تخرج في أطمارها"[44]، أي: في أثواب فيها شيء من الابتذال غير ملفتة للنظر إذا اضطرت للخروج تلبس عباءة غير ملفتة، ليست مخصرة، ولا مزركشة، وليست مطرزة، وليست عباءة فرنسية وما شأن الفرنسيين بالعباءة لولا أنها أحابيل الشيطان، فحينما يتحول الحجاب إلى زينة في نفسه، فإن ذلك هو قلب الأمور والحقائق، وعكس ما أراد الله من الحشمة والستر والعفاف؛ لتحصيل الفضيلة.

فأقول: هذه الزينة هي أمر تتطلع إليه قلوب النساء، وهي مجبولة على محبته، وتنجذب إليه غاية الانجذاب كل أنثى مولعة بالزينة: أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]، فالمرأة تنشأ منذ صغرها منذ نعومة أظفارها بالحلية والزينة.

فهذا أمر لم يحرمه الشارع؛ ولكنه هذبها ووجهها فتكون الزينة موجهة لمن تصلح له الزينة؛ لينجذب إليها وهو زوجها وبعلها هذا في الزينة الباطنة الخفية، وأما الزينة الظاهرة، فإنها لا تُظهر من زينتها إلا ما لا يمكن التحرز منه كظاهر العباءة، وطرف الثوب إذا ظهر من غير قصد بشرط ألا تكون هذه العباءة مزينة، ولا هذا الثوب مزينًا، ولا تلبس حذاء مزركشًا مزينًا، يجذب الأنظار إليه، وهناك زينة وسط، وهي التي سيأتي ذكرها.

المقصود أن الله لم يقمع هذه الفطرة عند المرأة وهي الانجذاب إلى الزينة، وإنما وجهها التوجيه الصحيح فلم يجعلها مجرد إغراء للأجانب ينجذبون إليها فتتحرك شهواتهم اتجاه هذه المرأة التي قد أظهرت مفاتنها وزينتها.

 الوقفة التاسعة: مع قوله -تبارك وتعالى-: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النــور:31]، الجيب: هو المحل الذي يكون في أعلى الثوب يدخل منه الرأس، ولاحظ هذا التعبير: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ خلافًا لنساء الجاهلية تخرج مبدية لنحرها مظهرة لحليها مبدية لشيء من شعرها، فهذا أمر لا يجوز، فالله عبر بهذا التعبير: وَلْيَضْرِبْنَ مبالغة في الإلقاء.

فأقول: لما قال الله : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ فهذا أمر من الله وهو يدل على الوجوب فلا خيار للمؤمنة فيه، وليست قضية الحجاب قضية شخصية وحرية متروكة للمرأة أو لوليها بل هو إلزام من الله : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ[الأحزاب:36]، فلذلك فإن المؤمنات حينما سمعن هذا الخطاب وهذا الأمر وهذا التوجيه كما في حديث عائشة -رضي الله عنها -: "يرحم الله نساء المهاجرات لما أنزل الله: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهن؛ فاختمرن بها"[45]، حتى وصفتهن -رضي الله عنها- بقولها: " كأن على رؤوسهن الغربان"[46].

هذا يدل على أن الحجاب في وقت الصحابة كان له لون محدد وهو الأسود وهو أبعد الألوان عن الزينة والجاذبية، لذلك فإن أعداء الحجاب وأعداء المرأة يحاولون زحزحته بكل طريقة، وتارة يقولون: الوجه مسألة خلافية، ويبدؤون يأتون لنا بالقاموس الفلسفي الحديث لماذا أحادية التفكير؟ ومصادرة الآخر؟ و.. و.. إلى آخر العبارات التي نسمعها.

نقول: لماذا ظهر هذا الخلاف في هذه الأيام فقط؟ نحن نعرف هذا الخلاف من قديم لكن ائتوني بامرأة واحدة كانت تبدي وجهها قبل الاستعمار؟ لا يوجد، في مصر حينما جاء دعاة تحرير المرأة: دعاة إفساد المرأة، وتحرير المرأة من طاعة الله ومن العفاف والحشمة، حينما جاءوا وأقاموا مؤتمرًا هناك في أوروبا حضر من مصر ثمان نسوة، ولأول مرة يعرف في التاريخ أن المرأة المصرية تسافر من غير محرم، والعجيب أن من هؤلاء النساء هدى الشعراوي وأمثال هؤلاء، هؤلاء حضرن وقد خمرن وجوههن سوى امرأتين، فماذا قال المؤتمرون المتآمرون من الغربيين؟

قالوا: هؤلاء المغطيات لوجوههن هن المصريات، وأما هؤلاء السافرات فإنهن مستعارات قد استعارهن المصريون؛ لتمثيل بلدهن، لم يصدقوا أن امرأة مسلمة تكشف عن وجهها‍! هذا الكلام مضى له أكثر من مائة سنة! ثم بعد ذلك حصلت الثورة، وجاء سعد زغلول فقام بنفسه يرفع الحجاب، وما علاقة الثورة بموضوع الحجاب؟ وما المناسبة؟ وما الارتباط بين الأمرين؟‍!

ثم صفق الحضور له هكذا فعلوا، ونُزع الحجاب وصار ذلك الجيل أمهات الجدات فجاءت أجيال بعدهن من المتبرجات، ثم نشأ جيل على هذا، وبدأوا يستغربون ظاهرة الحجاب التي بدأت تعود ويرون أن هذا الأمر غير ملائم للذوق وما إلى ذلك، وما علموا أن هذا هو غاية الذوق، فالإسلام يهذب الذوق والجمال بدلاً من أن يكون الجمال والذوق الجاهلي في العري وعرض الأجساد.

الإسلام هذبه بحجبه فتكون المرأة كالدرة المصونة لا تراها العيون الخائنة، ولا شك أن هذا أبقى لجمالها، وأبقى لرونقها ولماء وجهها، ولهذا اقرءوا ما كتبه الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في كتابه: "الرحلة إلى حج بيت الله الحرام" عندما سئل عن مسألة القاصرات أو القصيرات، سأله سائل عن بعض الأبيات فيها المدح، فالقصيرة لا تمدح، والمرأة الطويلة أجمل من القصيرة؟! فبين المراد بذلك عند العرب ليست قصيرة القوام؟! وإنما التي لا تخرج، فيقول: "هناك جمال آخر لا يدركه كثير من الناس وهو جمال المرأة التي في قعر بيتها"[47]، هذه لها جمال خاص غير الخراجة الولاجة التي تراها عيون الرجال والسائقين وفي الأسواق وفي كل مكان، المرأة المقصورة التي لا تخرج، لها جمال آخر يتمدح به الشعراء، واقرأوا الأبيات التي ذكرها بهذه المناسبة.

فهؤلاء يوردون علينا الخلاف الآن، مسألة خلافية؟ رأينا بعض الصور القديمة جدًا لعدد من البلاد الإسلامية النساء لا توجد واحدة قد أبدت وجهها؟ في مصر وفي الكويت وفي بلاد شرقية في أندونيسيا وفي الجمهوريات الإسلامية كل النساء يلبسن عباءة واسعة سوداء وقد غطين وجوههن، فما هذا الذي نراه من التبرج إلا حينما جاء الاستخراب الذي سموه الاستعمار، أفسدوا المرأة، ولهذا كانوا يراهنون على هذه القضية، والكلام في هذا يطول، فلذلك يقال: يجب على المؤمنة أن تتحجب حجابًا كاملاً لا يرى منها شيء.

وأما مسألة لون الحجاب لماذا لا يكون بغير الأسود؟ أو بهذه الطريقة؟

نقول: لا، وألف لا، الحجاب قلعة وصخرة قوية فهؤلاء لا يريدون دفعها بالكلية فماذا يصنعون؟

يزحزحونها باللون بالهيئة بالتفصيل بكذا، يتلاعبون به شيئًا فشيئًا حتى يصبح الحجاب كأنه فضلة، تقول المرأة: هكذا كأنه شيء تتململ منه، ثم بعد ذلك كأنه قد سقط منها من غير إرادتها كأنها تأنف منه، وكأنها تستثقله، فترى كثير من النساء هداهن الله وردهن إلى صوابهن تخرج بطريقة لو لم تتحجب فيها لكان أرحم لقلوب هؤلاء الشباب المساكين الذين أطلقوا أبصارهم.

الوقفة العاشرة: مع قوله -تبارك وتعالى-: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النــور:31]، هذه الأخرى لما ذكر مطلق الزينة ذكر بعده ما يتعلق بالزينة الخفية التي نهاهن عن إبدائها للأجانب، وبين أن هذه الزينة الخفية يجب إخفاءها عند الجميع، ثم استثنى اثني عشر صورة: وهو قوله -تبارك وتعالى-: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31]، يعني: الأزواج، والزينة إنما هي للزوج ونحن نعكس القضية حينما تتزين المرأة إذا خرجت للسوق، أو لصالة الأفراح، أو لصديقاتها، وعند الزوج متبذّلة، يتقطع قلبه من الأسى، ويضرب أخماسًا بأسداس يفكر صباح مساء في الحلول والبدائل أيكويها بزوجة أخرى حتى تتنافس معها على الزينة، ما شأن هذه المرأة البلهاء التي إذا أرادت أن تذهب إلى صويحباتها أو صالة الأفراح خرجت وكأنها قطعة من قمر؟! لا يرى هذا الجمال والحسن والزينة والنظافة والحلي وما أشبه ذلك، هي زينة ليست له وإنما هي زينة لغيره، فهذا من قلب الحقائق والموازين.

أَوْ آبَائِهِنَّ فيظهر أمام الآباء ومن ذكر بعدهم ما يظهر عادة من المرأة في مهنتها في بيتها، والذي يظهر منها الكفان والقدمان والوجه والرأس وموضع القلادة في النحر، وليست عورة المرأة هي ما بين السرة والركبة عند النساء أو عند المحارم، وما يقول بهذا أحد من العلماء أبدًا، لا من الأولين، ولا من الآخرين، لكن الناس ما فهموا كلامهم، ما فهموا كلام أهل العلم، العورة تطلق عدة إطلاقات، هناك عورة أمام الأجانب: فالمرأة كلها عورة وإذا خرجت استشرفها الشيطان.

وهناك عورة في الصلاة: يظهر الوجه والكفان فقط على خلاف في الكفين والقدمين.

وهناك عورة أمام المحارم والنساء: فهذه يظهر منها ما يظهر عادة في بيتها، وللأسف القضية معكوسة، نحن نعيش في أوضاع مقلوبة، انظروا إلينا نحن الآن معاشر الرجال لا يظهر منا إلا الوجه والكفان فقط أليس كذلك؟! حتى الصدر لا يظهر منه شيء إنما هو جزء يسير من الرقبة وقد لا تظهر، كل رجل في صالة الأفراح وفي السوق وفي المسجد محجب إلا الوجه والكفين فقط، أكمامنا إلى هنا وتظهر أقدامنا وأحيانًا يكون علينا جوارب المهم أننا محجبين، وأما النساء فاللحوم والعري في صالة الأفراح، وفي البيت الإغراء حتى النساء يشكون شكوى مرة من تحرك الغرائز حينما ينظرن إلى مثل هذه المشاهد، القلوب ليست حجارة.

فأقول: هذا عكس لهذه المفاهيم الرجال محجبون، والنساء بغير ذلك.

 أَوْ آبَائِهِنَّ الآباء: وإن علوا من جهة الأم ومن جهة الأب يعني الأجداد: أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ، أباء الأزواج، وجده، وما أشبه ذلك.

أَوْ أَبْنَائِهِنَّ وإن نزلوا، أوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ يعني وإن نزلوا ابن الزوج، وابنته، وما أشبه ذلك.

أَوْ إِخْوَانِهِنَّ كل أخ لها لأب ولأم وشقيق.

أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ وإن نزلوا ابن الأخ، وابن الأخت، وابن ابن الأخ، وابن ابن الأخت، وما أشبه ذلك.

أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ وإن نزلوا.

الوقفة الحادية عشرة: مع قوله تعالى: أوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ من نسائهن؟  أضاف النساء إليهن، ولهذا فهم منه بعض أهل العلم مثل مجاهد[48]، ومكحول[49]، وابن جريج[50]، وعبادة بن نسي[51]، وهو اختيار القرطبي[52]، وابن كثير[53]: أن المرأة المقصود بها هنا النساء المسلمات، وأما أمام الكافرة فكالرجل تكون كالرجل الأجنبي وهو مذهب المالكية[54] أيضًا، وللشافعي[55]، وأبي حنيفة[56]، وأحمد[57] قولان في هذه المسألة.

وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- توسط فيها فقال: " قد كن النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها فيرين وجهها ويديها بخلاف الرجال"[58]، لكن المقصود أنها لا تخرج عندها كما تخرج عند المرأة المسلمة وهناك تحتاط أكثر تتحشم وتحتاط أكثر مما تحتاط لكن لا تغطي وجهها وكفيها.

الوقفة الثانية عشرة: مع قوله: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ المقصود به التابع الذي يتبع الناس يأكل معهم إنسان ضعيف العقل لا همة له بالنساء، ولا حاجة له بهن، ولا يتفطن لمفاتنهن، فلابد من الشرطين:

الأول: أن يكون الرجل لا همة له، لا يستطيع أن يواقع المرأة عاجز.

الثاني: أنه لا يتفطن لمفاتن النساء إذا كان عاجز لكنه يتفطن فهذا لا يجوز أن يدخل على النساء، ولذلك النبي ﷺ لما دخل وراء ذلك الرجل عند بعض أمهات المؤمنين، فكان يقول لأخي أم سلمة: "إذا فتح الله عليكم الطائف فعليك بأم غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان"[59]، كانوا يحبون المرأة الممتلئة:

فأما الأُلى يسكن غور تهامة فكل فتاة تترك الحجل أقصما[60]

فالجمال عندهم في السابق في البدانة، فهو كان يقول: إذا فتح الله عليكم الطائف فعليك بأم غيلان تقبل بأربع يعني: عكن البطن، وتدبر بثمان: هي أربع مسافط من الخلف من الجوانب أربع من هنا وأربع من هنا هذه ثمان، فقال النبي ﷺ: لا يدخل هذا عليكن[61]، فأخرجه النبي ﷺ مع أنه من غير أولى الأربة، فالرجل الذي لا يتفطن أبله معتوه لا يتفطن لمفاتن النساء ولا يجد أيضًا قدرة على المواقعة لا بأس أن يدخل على النساء ولا يحتجبن منه.

الوقفة الثالثة عشرة: مع قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [النــور:31]، ما المقصود بالطفل الذين...؟ كثير من العامة يفهمون أن الطفل يحتجب منه إذا بلغ وهذا خطأ كبير، الطفل متى يحتجب منه؟

كما ذكر الله في هذه الآية: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [النــور:31]، الطفل المقصود به الأطفال؛ لأنه اسم جنس: الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء بعض العلماء يقول: لم يظهروا عليها أي: لم يقووا على المواقعة.

وبعضهم يقول: لم يكشفوا عنها للمواقعة، وهذا كله فيه نظر، والأقرب -والله أعلم-: أي: لا يتفطنون لمفاتن المرأة، فإذا وجد طفل عمره ثمان سنوات لكنه ينظر بعين خاصة ويتفطن لمفاتن المرأة وزينتها ومواضع الفتنة فيها فيجب الاحتجاب منه، وأظن أن كثير من الأطفال بسبب الخلطة في المدارس أنهم يتفطنون لأشياء لا تخطر في بال الكبار.

فهذا هو الضابط في مسألة الأطفال إذا كان الطفل شارد الذهن يبحث عن اللعبة فقط ولا يلتفت أمامه امرأة أو رجل، فهذا لا بأس، لكن متى يتحجب منه ويمنع من الدخول على النساء؟

إذا كان يتفطن لمحاسن المرأة ومفاتنها، هذه الآية كما ترون فيها ضمائر كثيرة: {آبائهن وإخوانهن.... الخ} هي أكثر الآيات في عدد الضمائر فيها خمس وعشرون ضمير، ولم يذكر فيها العم والخال ويمكن أن يكون ترك؛ لأنه استغنى عنه بذكر بني الإخوة وبني الأخوات فهي بالنسبة له عمته وخالته، ولا يشترط أن يذكر الجميع ويمكن يذكر البعض في دليل ويذكر الباقي في دليل آخر، كما أنه لم يذكر أيضًا المحارم من الرضاع، وفي سورة الأحزاب حينما قال الله : لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [الأحزاب:55]، لم يذكر الأزواج البعولة، ولم يذكر أبناء الأزواج، وذكرهم في هذه الآية من سورة النور.

والوقفة الرابعة عشرة: مع قوله: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ [النــور:31]، قد تحتال المرأة وقد يزين لها الشيطان فتكون متحجبة حجابًا كاملاً لكنها تظهر زينة أخرى الرائحة العطر مثلاً، فنهيت المرأة أن تخرج متعطرة وجاء الوعيد في ذلك، وقد تظهر زينة بطريقة أخرى أن تضرب برجلها ليهتز الخلخال الذي يكون بمنزلة السوار في الذراع، فيكون ذلك في الساق، فيتحرك صوت الحلي فيتحرك معه القلب، ومن الناس من تجذبهم هذه الحركات، حركة المرأة إذا مشت وحركة الحلي الذي تلبسه، ومن الناس من تجذبهم رائحة العطر، ومن الناس من يجذبهم شبح المرأة فقط، ومن الناس من يجذبهم غير ذلك من الأمور كلامها صوتها، والدراسات النفسية تثبت أشياء من هذا القبيل، ومن الناس من يجذبه جذبًا شديدًا أحد هذه الأمور، وقد لا تجذبه كثير من الأمور الأخرى.

ومثل هذه قد سد الله فيها الباب على الفتنة والطريق إليها.

الوقفة الخامسة عشرة: أن الله رد القلوب إليه -تبارك وتعالى- وفتح باب التوبة: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النــور:31]، بعد ما ذكر هذه الآداب التي من شأنها أن تحفظ الأعراض والعفاف، وتكثر الشرف في المجتمع، وأن مقارفتها تورث المهالك والمعاطب أرشدهم الله إلى التوبة؛ أن يتوبوا إلى الله جميعًا، يتوب المجتمع بأجمعه، ويتوبوا إلى الله جميعًا أن يتوب الإنسان إلى ربه فيقبل على الله بكليته، وينيب إنابة تامة فيثير بذلك الحساسية في رقابة الله، ونظره إلى العبد وما إلى ذلك من معاني.

الوقفة السادسة عشرة: وهو أن الله بعد ما عالج هذه الأمور كما تقدم فتح بابًا من أبواب العفاف: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ[النــور:32] وهم غير المتزوجين من النساء والرجال يقال لهم: أيم سواء كان متزوج سابقًا ومطلق أو ماتت زوجته أو لا: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ الأيامى: يعني من الأحرار وأطلق زوجوهم تصلح حالهم بإذن الله ، وأما الأرقاء فيزوج أهل الصلاح منهم، فالزواج هو تكثير للعفاف: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء[62]، ولما كان الأرقاء في مرتبتهم في الشرف دون الأحرار ولربما حملهم ذلك على قلة الاكتراث والاحتياط للشرف حث الله على تزويج الصالحين منهم: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، فهذا هو الطريق الطبيعي لتلبية الغرائز وتفريغها في محلها الصحيح، ولا يجوز أن يكون العائق الفقر عائقًا لذلك؛ لأن الله قال: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النــور: 32]، ولهذا قال بعض أهل العلم: من أراد الغنى فعليه بالنكاح، تزوج فالله يغنيك، ثم إذا عجز الإنسان عن الزواج لقلة ذات اليد فما يذهب يسأل الناس، وإنما قال الله : وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النــور:33]، ومعنى يستعفف: أي: يطلب العفاف بالصوم، بغض البصر، بحفظ الفرج، وما إلى ذلك من عدم الذهاب إلى أماكن الفتنة.

الوقفة السابعة عشرة: وهي أن الله قال بعد ذلك: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا [النــور:33]، البغاء هو: الفجور بأجرة، الزنا بأجرة، وذلك أن عبد الله بن أُبي كانت له جاريتان دخلتا في الإسلام فكانا يكرههن على الفجور ليأخذ مقابل ذلك[63] وهو مهر البغي فنهى الله عن ذلك: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا هذا كله من باب تحصين المجتمع، فلا يجوز أن يفتح في المجتمع ثغرة يمكن أن تكون متنفسًا للأشرار عن طريق تعاطي هذه الأمور الفاسدة، والذين في قلوبهم الشهوات يلقون الشبهات، ويقولون: وجود ذلك أفضل من أن يفرغ ذلك بأهل العفاف.

نقول: لا، يجب أن يحمل الجميع على العفاف: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ، ثم ختم ذلك بقوله: وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ [النــور:34].

فالله ذكر في هذه السورة خبر الإفك الذي وقع لعائشة -رضي الله عنها-، وذكر في القرآن أمورًا مشابهة مما وقع فيه العدوان، والتهمة بالباطل على بعض الأخيار من أهل الإيمان كيوسف ، وما وقع له في ذلك وأدخل السجن بسببه، وكذلك أيضًا مريم -رحمها الله- حيث اتهمها اليهود بما هي منزهة وبريئة منه.

فهذه التهم وهذه الأشياء ليست جديدة حيث تلقى على أهل الفضل والخير والصلاح، وإنما هناك سابقة حفظها لنا التاريخ والقرآن.

هذه الآيات التي تتعلق بالعفاف وتكثيره وصيانة الشرف وما أ شبه ذلك، وهي المقصودة أولاً من طرح مثل هذه الدروس، وإن لم نتمكن من الإتيان على بقية السورة مع أني كنت أرجو في البداية أن آتي عليها جميعًا في مجلس من أول السورة إلى آخرها، ولكن الله أراد أمرًا آخر.

أسأل الله أن تكون هذه المجالس نافعة، ومقربة إليه، وسبيلاً إلى مرضاته، وأن يغفر لنا ولكم، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج، برقم (6243)، ومسلم، كتاب القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره، برقم (2657).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، برقم (1218).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الآداب، باب نظر الفجاءة، برقم (2159).
  4. أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غض البصر، برقم (2149)، والترمذي، أبواب الأدب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، باب ما جاء في نظرة الفجاءة، برقم (2777)، وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك"، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم (1865).
  5. أخرجه البخاري، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، برقم (2886).
  6. انظر: شرح ديوان الحماسة (ص:868)، ومصارع العشاق (2/194)، وروض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار (ص:378)، وروضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:97).
  7. نونية ابن القيم (الكافية الشافية) (ص:6).
  8. انظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:97).
  9. انظر: روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:97).
  10. ديوان الفرزدق (110 هـ) (ص:131).
  11. انظر: روضة المحبين (ص:98)، ونهاية الأرب في فنون الأدب (2/133).
  12. انظر: ذم الهوى (ص:97)، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/87).
  13. انظر: المنصف للسارق والمسروق منه (ص:701)، وشرح ديوان المتنبي للعكبري (1/165)، ونهاية الأرب (2/133)، وأمالي ابن الشجري (3/255)، وروضة المحبين (ص:98).
  14. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:101)، وغذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/87).
  15. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:107).
  16. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:107).
  17. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:107).
  18. انظر: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (3/156).
  19. انظر: الجواب الكافي (ص:179)، وروضة المحبين (ص:101)، وإغاثة اللهفان (1/48).
  20. انظر: أسد الغابة ط العلمية (3/291)، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب (1/294).
  21. انظر: البيان والتبيين (2/192)، وديوان بشار بن برد (168) (4/52).
  22. زهر الآداب وثمر الألباب (2/410)، وعند ابن فارس في مقاييس اللغة (5/319): "وَفِي أَثْوَابِهِ أسد مزير"، وعند ابن عساكر في تاريخ دمشق (50/84): "وفي أثوابه أسد يزير"، وعند ابن كثير في البداية والنهاية ط الفكر (9/251): "وَفِي أَثْوَابِهِ أسد زئير".
  23. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي - العلمية (ص:126).
  24. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:241).
  25. انظر: الجواب الكافي (ص:180).
  26. أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، برقم (1386)، وفي كتاب التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم (7047).
  27. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء، برقم (3322)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة، برقم (2106).
  28. انظر: مجموع الفتاوى (5/552).
  29. انظر: الجواب الكافي (ص:213)، وروضة المحبين (ص:103).
  30. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:103).
  31. أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، برقم (1386)، وفي كتاب التعبير، باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم (7047).
  32. أخرجه البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب القسامة في الجاهلية، برقم (3849).
  33. انظر: روضة المحبين (ص:360).
  34. أخرجه البخاري في مواضع منها: في كتاب الحدود، باب إثم الزناة، برقم (6810)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله، برقم (57).
  35. تقدم تخريجه.
  36. الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/238).
  37. الجواب الكافي (الداء والدواء) (ص:162).
  38. روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص:360).
  39. انظر: تفسير الطبري (جامع البيان) ت شاكر (19/155).
  40. انظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (6/45).
  41. انظر: تفسير ابن كثير ت سلامة (6/45).
  42. تفسير الطبري (19/157)، وتفسير ابن أبي حاتم - محققا (8/2574).
  43. انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (6/182).
  44. انظر: هداية السالكين لتيسير فهم اعلام الموقعين (ص:461).
  45. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]، برقم (4758).
  46. أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب في قوله تعالى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]، برقم (4101)، وصححه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (ص:282).
  47. رحلة الحج إلى بيت الله الحرام (ص:284).
  48. تفسير ابن كثير ت سلامة (6/47).
  49. تفسير ابن كثير ت سلامة (6/48).
  50. تفسير الطبري (19/160-161)، وتفسير القرطبي (12/233).
  51. تفسير الطبري (19/160)، وتفسير القرطبي (12/233).
  52. تفسير القرطبي (12/233).
  53. تفسير ابن كثير (6/47).
  54. انظر: الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/312)، وأسهل المدارك (3/356)، ومنح الجليل شرح مختصر خليل (4/444).
  55. تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (7/200)، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (6/194).
  56. انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (6/371).
  57. انظر: المبدع في شرح المقنع (7/10)، والكافي في فقه الإمام أحمد (3/8).
  58. مجموع الفتاوى (22/112).
  59. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة، برقم (523)، ومسلم، كتاب السلام، باب منع المخنث من الدخول على النساء الأجانب، برقم (2180).
  60. انظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (1/145)، وبالفاء بدل القاف في قوله: تَتْرُكُ الحِجْلَ أفْصَمَا. في لسان العرب (12/453)، وتاج العروس (33/209).
  61. هو تمام الحديث المتقدم.
  62. أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج، لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج)) وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح، برقم (5065)، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنه، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، برقم (1400).
  63. أخرجه مسلم، كتاب التفسير، باب في قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور:33]، برقم (3029).

مواد ذات صلة