الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(144) الأذكار بعد السلام من الصلاة "أستغفر الله اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام"
تاريخ النشر: ٢٤ / جمادى الآخرة / ١٤٣٥
التحميل: 2387
مرات الإستماع: 2136

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،

في هذه الليلة نشرع في الحديث على دعاءٍ جديدٍ مما يُقال في آخر الصَّلاة، وذلك ما جاء عن بُريدة : أنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- سمع رجلاً يقول: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت، الواحد، الأحد، الصَّمد، الذي لم يلد ولم يُولد، ولم يكن له كفوًا أحد"، فقال: لقد سألتَ الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب، وإذا سُئِلَ به أعطى، فهذا واحدٌ من الأحاديث التي ورد فيها ذكر الاسم الأعظم.

هذا الحديث أخرجه أبو داود[1]، والترمذي[2]، وابن ماجه[3]، وأحمد[4]، وقال عنه الترمذي: "حسنٌ غريبٌ"، وصححه ابنُ حبان[5]، وصححه أيضًا من المعاصرين الشيخ ناصر الدين الألباني[6]، والشيخ عبدالعزيز بن باز[7] -رحم الله الجميع-.

بُريدة هو ابن الحصيب الأسلمي: أنَّ النبي ﷺ سمع رجلاً. ذكر بعضُهم أنَّ المبهم هنا هو أبو موسى الأشعري، يقول: "اللهم إني أسألك بأني أشهد أنَّك أنت الله"، هنا يتوسّل: "أسألك بأني أشهد"، فهو يتوسّل بإيمانه، بعمله الصَّالح، والتَّوسل بالعمل الصَّالح وبالإيمان هذا من التَّوسل المشروع، فالتَّوسل في الدُّعاء أن يتوسّل إلى الله بأسمائه وصفاته: يا الله، يا ربّ، يا رحمن، أتوسّل إليك برحمتك، بمغفرتك.

وكذلك أيضًا أن يتوسّل إلى ربِّه -تبارك وتعالى- بعمله الصَّالح: أتوسّل إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، أتوسّل إليك بعملي الفلاني، مثلما توسّل الثلاثةُ الذين انطبقت عليهم الصَّخرة[8]: هذا بكمال عفَّته، وذاك بكمال برِّه، والآخر بكمال أمانته، فهذا كلّه من العمل الصَّالح.

فلو قال الإنسانُ: "اللَّهم إني أتوسّل إليك بمحبَّتي لنبيِّك ﷺ"، فهذا لا إشكالَ فيه، لكن ليس له أن يقول: "اللهم إني أتوسّل إليك بنبيِّك ﷺ"؛ لأنَّه يدعو الله -تبارك وتعالى- مباشرةً، ولا يجعل وسائط بين الله لأحدٍ من المخلوقين، لكن لك أن تتوسّل بعملك، بإيمانك، بطاعتك، تتوسّل إليه بمحبَّتك لنبيِّه ﷺ، باتِّباع نبيّك ﷺ، وهكذا.

فهذا يتوسّل إلى الله بإيمانه بأنَّه يشهد أنَّ ربَّه -تبارك وتعالى- لا إله إلا هو: "أني أشهد أنَّك أنت الله، لا إله إلا أنت"، وقد مضى الكلامُ على هذه الجملة، كما مضى الكلامُ على قوله: "الواحد، الأحد"، وعرفنا الفرقَ بينهما قريبًا، وكذلك أيضًا "الصَّمد"، كلّ ذلك مضى الكلامُ عليه، وأنَّ "الواحد والأحد" يرجعان في الأصل إلى معنًى واحدٍ، فالله واحدٌ في إلهيَّته، وربوبيَّته، وأسمائه وصفاته، له الوحدانيَّة المطلقة، وكذلك هو "الصَّمد" الذي تصمد إليه الخلائقُ بفقرها، وحاجاتها، وسُؤلها، وما إلى ذلك من المعاني التي ذكرها أهلُ العلم.

"الذي لم يلد، ولم يُولد" سبق الحديثُ عنه، وأنَّه ردّ على النَّصارى الذين زعموا أنَّ المسيح -عليه الصَّلاة والسَّلام- هو ابن الله، وهو ردٌّ على اليهود الذين زعموا أنَّ عُزيرًا ابن الله، وردّ على طوائف من المشركين الذين زعموا أنَّ الملائكة بنات الله، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا.

"ولم يكن له كفوًا أحد" أي: ليس له نظيرٌ، فهنا جاءت هذه النَّكرة: "لم يكن له كفوًا"، و"أحد" في سياق النَّفي، وهذا للعموم، ليس ثمَّة مَن يُكافئه، أو يكون نظيرًا له في شيءٍ من صفاته، أو في ذاته، أو في أفعاله وكمالاته، الله -تبارك وتعالى- هو المنفرد بالكمال من كل وجهٍ، وأمَّا المخلوق فهو ضعيفٌ، مربوبٌ، فقد يشترك في أصل صفةٍ مع الخالق -تبارك وتعالى-، مثل: الحياة؛ فالله حيٌّ، والمخلوق حيٌّ، لكن شتان ما بين الحياتين؛ فحياة المخلوق إنما وهبه إيَّاها ربُّه وخالقه، ثم إنَّ هذه الحياة مسبوقة بعدمٍ، ويلحقها الفناء والعدم والموت.

كذلك أيضًا هذه الحياة يحصل لها أنواع المنغِّصات: فأول ذلك النوم؛ لأنَّه موتة، فهو نقصٌ في الواقع في الحياة؛ ولهذا فإنَّ الله -تبارك وتعالى- لا تأخذه سنةٌ ولا نومٌ، فنفى عنه ذلك، هذا بالإضافة إلى نقص الحياة بالأمراض والآلام، وما يعتري الإنسان ونفسه وروحه من الغمِّ والهمِّ والكدر، وكلّ هذا نقصٌ في حياته، فالله لم يكن له كفوًا أحدٌ، فهذا كلّه مضى الكلامُ عليه قريبًا.

فقال النبي ﷺ: لقد سألتَ الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، الأعظم هنا هذه الصِّيغة تدلّ على التَّفضيل، تقول: هذا كبير، وهذا أكبر. فأفعل التَّفضيل تكون لاثنين اشتركا في صفةٍ، فزاد أحدُهما على الآخر فيها، تقول: هذا كبيرٌ، وهذا أكبر. تقول: هذا عليمٌ، وهذا أعلم. اشتركا في علمٍ، لكن لا تقول لمن كان عادمًا لأصل الصِّفة، تقول مثلاً: زيدٌ أعلم من هذه السَّارية؛ لأنَّ السَّارية لا تعلم، زيدٌ أعلم من هذه السَّيارة؛ لأنَّ السيارة لا تعلم، وإنما يكون ذلك لاثنين اشتركا في صفةٍ، فزاد أحدُهما على الآخر، تقول: فلانٌ أغنى من فلانٍ، فلانٌ أقوى من فلانٍ. وإلا لو قلتَ: إنَّ السيفَ أمضى وأقطع من العصا؛ لكان هذا إزراءً بالسَّيف:

ألم تر أنَّ السيفَ ينقص قدره إذا قيل: إنَّ السَّيفَ أمضى من العصا[9]

لكن تقول: هذا السيف أمضى من هذا. يعني: أقطع، لكن ما تقول: أمضى من العصا؛ لأنَّ العصا لا تقطع، وهكذا.

فهذا كلّه يدل على أنَّ الاسم الأعظم أنَّ ذلك أفعل تفضيل، يعني: أنَّ أسماء الله جميعًا حُسنى، بالغة في الحُسن غايته، وهي كلّها عظيمة، لكنَّها مُتفاوتة؛ فمنها ما يُقال له: الاسم الأعظم، باعتبار أنَّه اسمٌ واحدٌ، هذا هو المشهور الذي عليه عامَّة أهل العلم؛ ولهذا اختلفوا في تحديده، ما هذا الاسم الأعظم؟

وقد أخفاه الشارعُ، كما أُخفيت ليلةُ القدر، وأُخفيت ساعةُ الإجابة في الجمعة، كلّ هذا -والله تعالى أعلم- من أجل الجدِّ والاجتهاد في طلب ذلك وتحريه؛ ليقع العبدُ عليه ويُحصّله.

فهنا اختلفت أقوالهم باعتبار أنَّه اسمٌ واحدٌ هو الأعظم.

ومن أهل العلم مَن قال: إنَّ أعظم هنا يُراد بها مُطلق الاتِّصاف؛ لأنَّ أفعل التَّفضيل تارةً تُقال لمجرد الوصف، وهو أحد القولين في قوله: وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى [الليل:17] يعني: التَّقي، وأنَّ الآية لا تختصّ بأبي بكر ، فليس المقصودُ بها أفعل التَّفضيل.

فهنا بعض أهل العلم قال: إنَّ الاسم الأعظم المقصود بذلك مُطلق الاتِّصاف، يعني: العظيم، وليس المرادُ أفعل التَّفضيل، أو معنى أفعل التَّفضيل، ومن ثم فكلّ أسماء الله -تبارك وتعالى- كذلك عظيمة، فإذا دعا العبدُ بشيءٍ منها مع التَّحري وحضور القلب؛ فإنَّ ذلك يكون سببًا لإجابة دُعائه، لكن هذا خلاف المشهور، ولا شكَّ أنَّ أسماء الله -تبارك وتعالى- تتفاوت، فلفظ الجلالة "الله" أوسع في المعنى، وأكمل في الدّلالة من "الخالق".

فالله هو المألوه، فهو مُشتقٌّ من الإلهيَّة، وهي أوسع الصِّفات، فيدخل فيها الرُّبوبية التي من معانيها الخلق؛ لأنَّ الإله لا بدَّ أن يكون ربًّا، ولا بدَّ أن يكون خالقًا، رازقًا، مُحييًا، مُميتًا، إلى آخره، فمن ثم فإنَّ هذا الاسم قال جمعٌ من أهل العلم: إنَّه هو الاسم الأعظم، وذكرنا بعض ما يحتجّون به إضافةً إلى هذه الدّلائل من المنقول –الأحاديث.

وكل الأحاديث الواردة في الاسم الأعظم الاسم الوحيد الذي تكرر فيها جميعًا هو لفظ الجلالة: "الله"، هذا بالإضافة إلى ما في ضمن ذلك الاسم من الصِّفة، وهي الإلهية، أوسع الصِّفات، وهي أعظمها، إضافةً إلى كون الأسماء الحُسنى تعود إليه لفظًا ومعنًى، وعرفنا معنى ذلك، تُعطف عليه، ولا يُعطف على شيءٍ منها، بالإضافة إلى أنَّ معانيها جميعًا ترجع إلى معنى الإلهية.

فأسماء الله تتفاوت بلا شكٍّ، وليست على وزانٍ واحدٍ، ومن ثم فإنَّ أهل العلم منهم مَن نظر إلى هذه الأحاديث فقال: بأنَّ الاسم الأعظم هو "الله"؛ لأنَّه هو الذي تكرر فيها جميعًا.

وبعضهم نظر إلى بعض الألفاظ؛ لقول النبي ﷺ بأنَّ الاسم الأعظم في هاتين الآيتين: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163]، واللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة:255].

وكذلك أيضًا ما جاء من أنَّه في ثلاث سورٍ: في البقرة، وآل عمران، وكذلك في طه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه:111]، ثلاثُ سورٍ، فالحيّ القيّوم هو المتكرر فيها؛ في هذه السّور؛ ولذلك بعضُهم قال: إنَّ الاسم الأعظم "الحيّ القيوم".

وبعضُهم يقول: هو "الأحد الصَّمد" باعتبار أنَّ الأحدية والصَّمدية ترجع إليها جميعُ صفات الكمال الذَّاتية والفعلية، صفات الذَّات، وصفات الفعل، والذي لربما يكون أسعد بالأدلة أنَّه لفظ الجلالة، خلافًا لمن قال: بأنَّ الاسم الأعظم اسمُ جنسٍ، وأنَّ ذلك جاء في أحاديث مُتعددة بذكر أسماء مُتنوعة، كما يقول الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي[10] -رحمه الله-، لكن لو أنَّ العبدَ جمع ما جاء في هذه الأحاديث، فيدعو يقول: اللهم إني أسألك بأنَّك أنت الله، أسألك يا الله، يا حي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا واحد، يا أحد، ويا صمد، ويا حنان، ويا منان. فإذا قال ذلك يكون قد جمع أشهر الأقوال وأقواها التي جاءت هذه الأسماء في الأحاديث التي يحتجّ بها كلُّ فريقٍ، فيكون قد دعا الله باسمه الأعظم -إن شاء الله-، لكن هذا يحتاج أيضًا إلى حضور قلبٍ، ولا يكون قلبُه غافلاً، لاهيًا، والله تعالى أعلم.

وقوله: الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب، السؤال والدُّعاء، سُئِلَ أعطى، والعطاء هو الإجابة: سُئل أعطى، دُعِيَ أجاب، ما الفرق بينهما؟

المعنى مُتقارب، فبعض أهل العلم يقول: إذا سُئل به أعطى بأنَّ السؤال أعمّ من الدعاء، كما أنَّ العطاء أعمُّ من الإجابة، فالإجابة قالوا: تدلّ على مكانةٍ، تدلّ على وجاهةٍ لمن أُجيب، أما العطاء فقد يُعطى مَن له هذه المنزلة، ومَن ليست له.

فهنا فرقٌ ذكره بعضُ أهل العلم، وذكر آخرون أنَّ الفرقَ أنَّ قوله: إذا سُئِلَ به أعطى، أنَّ السؤالَ أن يقول العبدُ: أعطني الشَّيء الفلاني. ويُعطى، وأمَّا دُعاء أن يُنادي فيقول: يا ربّ، فيُجاب، وبمُقابل السّؤال الإعطاء، وفي مُقابل الدُّعاء الإجابة. هكذا قال بعضُ أهل العلم، والمعنى مُتقارب، فالله يُعطيه سُؤله، ويُجيب دُعاءه.

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن يستجيب ما ندعو، وأن يُلهمنا رُشدنا، وأن يغفر لنا، ولوالدينا، ولإخواننا المسلمين.

والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود: تفريع أبواب الوتر، باب الدُّعاء، برقم (1493).
  2. أخرجه الترمذي: أبواب الدَّعوات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بابٌ في فضل التوبة والاستغفار وما ذُكِرَ من رحمة الله بعباده، برقم (3544).
  3. أخرجه ابنُ ماجه: أبواب الدُّعاء، باب اسم الله الأعظم، برقم (3857).
  4. أخرجه أحمد في "المسند"، برقم (23041)، وقال مُحققوه: "إسناده صحيحٌ، رجاله ثقات رجال الشَّيخين".
  5. أخرجه ابنُ حبان في "صحيحه"، برقم (891).
  6. "صحيح أبي داود" (5/233)، برقم (1342).
  7. "مجموع فتاوى ابن باز" (5/325).
  8. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي، برقم (2215)، ومسلم: كتاب الرقاق، باب قصّة أصحاب الغار الثلاثة والتَّوسل بصالح الأعمال، برقم (2743).
  9. "الدر الفريد وبيت القصيد" (4/157).
  10. انظر: "تفسير السعدي" (ص937).

مواد ذات صلة