الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز..»
تاريخ النشر: ٠٦ / ذو القعدة / ١٤٢٦
التحميل: 2200
مرات الإستماع: 9962

ترجمة عبدالله بن عمرو

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمن الأحاديث الدالة على كثرة الطرق إلى الخير: حديث أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي  وهو من خيار أصحاب النبي ﷺ كما هو معروف، ومن عبّاد الصحابة وزهادهم، وعلمائهم، وكان قد روى عن رسول الله ﷺ أحاديث كثيرة، حتى قال أبو هريرة : ما كان أحد أكثر رواية للحديث -أو أخذاً للحديث أو حديثاً- مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب، مع كثرة حديث أبي هريرة .

ولكن الرواية عنه قلّت؛ لأنه سكن في مصر، ولم يكن الوارد إليها كثيرًا، بخلاف أبي هريرة فقد استوطن المدينة، والناس يرِدون إليها، ويفدون إليها من كل مكان، وكان بينه وبين أبيه عمرو بن العاص اثنتا عشرة سنة، يكبره أبوه باثنتي عشرة سنة فقط، وخبره معروف حينما زوجه أبوه امرأة من أشراف قريش وخيارهم، فبقي أبوه بعد أسبوع، ثم أتاها فسألها فقالت: نعم الرجل، لم يطأ لنا فراشاً ولم يكشف لنا ستراً، كان مشغولًا بقيام الليل وصيام النهار، فشكاه إلى النبي ﷺ، كان يصلي إلى الفجر، ويصوم كل يوم، وخبره في ذلك مشهور.

وروايته التي أحصيت عن رسول الله ﷺ بلغت نحواً من سبعمائة حديث، اتفق الشيخان على سبعة عشر حديثاً منها، ولمسلم عشرون، وللبخاري ثمانية.

كانت وفاته في حدود سنة ثلاث وستين أو خمس وستين، وقيل غير ذلك، قيل توفي بمكة، وقيل في الطائف، وقيل بمصر.

أربعون خصلة
يقول: قال رسول الله ﷺ: أربعون خصلة: أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها؛ رجاء ثوابها وتصديق موعودها، إلا أدخله الله بها الجنة[1].

أي: أربعون نوعاً من أنواع البر والعمل الطيب الصالح: أعلاها مَنيحةُ العَنْز، يعني: هذه خصال، أعمال طيبة يؤجر الإنسان عليها، أعلاها منيحة العنز، والمنيحة: الأصل أن يقال ذلك في الناقة، ولكنه يستعمل في الشاة ونحوها، تقول: أغرستك هذا الغرس، وأعمرتك هذه الدار، ومنحتك هذه الناقة، بمعنى: أنك تنتفع بها دون التملك، تعطيه هذه الشاة أو العنز أو الناقة ينتفع بها يأخذ من صوفها، أو شعرها، أو وبرها، ومن حليبها وما إلى ذلك، لكنه لا يتملكها.

أعلاها منيحة العنز، معناها أن هذا ليس من الأعمال التي تحتاج إلى الملايين، وإنما هو شيء أعلاه -أعلى هذه الخصال- منيحة العنز، العنز كم تباع؟ بمائتي ريال، بمائتين وخمسين ريالًا، أو نحو هذا، فانظروا ما لهذه الأعمال.

ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها، تصديق موعودها: أي: ما وعد الله له فيها لمن عمل هذا العمل، إلا أدخله الله بها الجنة، رواه البخاري.

يقول: أربعون عملًا أعلاها منيحة العنز، ما من عبد يعمل بها رجاء ما عند الله وتصديقاً لموعودها إلا أدخله الله الجنة.

يقول حسان -أحد رواة الحديث: " فعددنا فلم نقدر على أكثر من خمس عشرة خصلة"، يقول: مثل تشميت العاطس، ورد السلام.

فالحاصل أن هناك أشياء كثيرة جداً من العمل الصالح، مثل: إجابة الدعوة هي دون منيحة العنز، ما تخسر شيئًا، رد السلام، إلقاء السلام، تشميت العاطس، أن تعين الإنسان على حمل متاعه كما جاء في بعض الأحاديث، أن تصنع لأخرق، أن تعين صانعاً، أن تدل إنساناً على الطريق، الكلمة الطيبة صدقة، تبسمك بوجه أخيك صدقة، تعدل بين اثنين صدقة، التسبيح والتهليل والتحميد، كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، إلى آخره، كل هذه الأشياء التي يقولها الإنسان باللسان لا تكلفه شيئاً فهي من جملة الصدقات، ونحن لا نستطيع أن نحدد هذه، وقد تتبع بعضُ العلماء وذكر أكثر من أربعين، هذه الأعمال السهلة التي جاء الترغيب فيها بالنصوص، ولا شك أنها من العمل الصالح، لكن النبي ﷺ حدها بأربعين، فلا نستطيع أن نأتي بأعمال سرداً، ونقول: هذه هي الأربعون المقصودة في الحديث، لا، لكن نقول: مثل كذا، ومثل كذا، ومثل كذا من الأعمال الكثيرة الطيبة التي هي سهلة لا تكلف الإنسان شيئاً، فلا تصل إلى حد منيحة العنز، فأين نحن أيها الأحبة من هذه الأعمال والفضائل التي رُتب عليها هذا؟!.

ما من عامل -يعني للعموم- يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة، بعض الناس يقول: أنا ما عندي إمكانيات أن أعمل أوقافًا ومساجد، وأعمل مشاريع ضخمة، وكل من دخلها ترحم عليّ ودعا لي ولوالدي، نقول: هذه أربعون خصلة ما تحتاج، أغلى واحدة منها بمائتين وخمسين ريالًا، وإذا عملت بواحدة فقط رجاء ثوابها أدخلك الله الجنة، فالأبواب إلى الخير كثيرة جدًّا، طرق العمل الصالح كثيرة، ولكن يُحتاج أن يكون عند الإنسان قلب حي يحرص فيه على طاعة الله، ويكون عنده إخلاص ورجاء لما عند الله ، لا يرجو ما عند الناس ولا ينتظر منهم الشكر والمكافأة والإثابة والتقدير لجهوده وما أشبه ذلك، ويكون عنده يقين بوعد الله .

أسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب فضل المنيحة (3/ 153)، رقم: (2631).

مواد ذات صلة