الثلاثاء 09 / رمضان / 1445 - 19 / مارس 2024
حديث «أن رجلًا زار أخًا له في قرية..» ، «من عاد مريضًا..»
تاريخ النشر: ٣٠ / جمادى الأولى / ١٤٢٨
التحميل: 1751
مرات الإستماع: 13947

أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب "زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم" أورد المصنف -رحمه الله-

حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مَدْرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه[1].

أن رجلاً زار أخاً له في قرية يعني: زار أخاً له في الله، في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى يعني: أن الله جعل على طريقه ملكاً ينتظره من أجل أن يقول له ما قال.

على مَدْرجته يعني على طريقه. 

فلما أتى عليه، وهذا الملك: الذي يظهر -والله أعلم- أن الله جعله على صورة رجل، كما في حديث الثلاثة الأقرع والأعمى والأبرص[2]، أرسل الله  إليهم ملكاً في صورة رجل كما هو معلوم، ومجيء الملك إلى أحد من الناس لا يعني أنه بالضرورة يصير نبيًّا، فإن الله -تبارك وتعالى- قد أرسل إلى هؤلاء الثلاثة ملكاً، ولكنه في أمر خاص، ولم يكن ذلك في أمر النبوة.

وكذلك أيضاً الله قال عن مريم إنه أرسل إليها جبريل : فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا [مريم:17].

وكذلك أيضاً أم موسى أوحى الله إليها كما في قوله -تبارك وتعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7]، إلى آخر ما ذكر الله ، فمجيء الملك إلى الإنسان بصورة رجل أو بالطريقة التي أرادها الله لا يعني ذلك أنه يكون نبيًّا، فما كل من جاءه الملك يكون نبيًّا، وقد يلقي الملك في قلبه شيئاً، وهو ما يسميه بعض أهل العلم بالإلقاء في الروع وهو القلب، وقد يكون ذلك إلهاماً من الله -تبارك وتعالى- مباشرة، فالمقصود: أن الله أرصد على مدرجته ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه؟، هل لك عليه؟: يعني أنك قد أتيت لمصلحة دنيوية، تربُّها عليه أي: أنك تتعاهد هذه المصلحة، وتقصد حفظها ورعايتها وتربيتها، تربُّها عليه يعني: مصلحة تحتفظ بها تنميها، تثمرها، فقال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى، زاره محبة ليس لمصلحة دنيوية يرجوها من هذه الزيارة، وإنما محبة في الله، ولم تكن زيارته له من باب مشاكلة الطبع، أو أنه مجرد مجلس يستأنس به الإنسان ويستروح فيه فحسب، وإنما هي محبة، فهي زيارة في الله ومحبة فيه خالصة، ليست على شيء من حظوظ النفس أو حطام الدنيا الذي عليه علاقة أكثر الناس منذ أزمان متطاولة، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه، رواه مسلم.

فهذا الرجل ذهب يزور أخاً له في قرية، ولربما لم يخطر في باله هذا الثواب العظيم، وهذه النتيجة العظمى أن الله قد أحبه، ويأتيه ملك على طريقه ويخبره ويبشره بذلك على أمر يسير يحصل من الناس، ولربما لم يحسبوا له حساباً، ولم يعرفوا عظمه وخطره وشأنه عند الله .

فأقول: هذا الحديث يدل على منزلة المحبة في الله ، ويدل أيضاً على أهمية التزاور الذي يكون بنية صافية خالصة ليس من أجل الدنيا وحطامها الفاني، وإنما يزوره لله وفي الله، محبة في الله -تبارك وتعالى، كما أنه يدل أيضاً على أن من الأعمال ما يكون قليلاً في نظرنا ولكن الإنسان قد يبلغ به عند الله  المنازل العالية، فنسأل الله أن لا يحرمنا وإياكم من فضله، وأن يبلغنا الدرجات العالية من الجنة.

من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله

ثم ذكر الحديث الآخر وهو أيضاً:

عن أبي هريرة قال: من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه منادٍ بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً[1].

ناداه منادٍ: هذا أمر يحصل ولو لم يسمعه الإنسان، طبت وطاب ممشاك، طبت في نفسك، ما يحصل له من السعادة والأنس والراحة واللذة والانشراح، وكذلك أيضاً عمله، فإن عمله يكون زاكياً عند الله ، وطاب ممشاك، هذا هو الممشى الذي يحبه الله ، لم يمشِ بطراً ولا أشراً ولا رياءً ولا سمعة، ولا إلى معصية، وإنما ذهب لعيادة مريض أو يزور أخاً له في الله.

طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً، تبوأت يعني اتخذتَ مباءة منزلاً من الجنة، فهذا المنزل اتُّخذ في الجنة بهذا العمل اليسير، زيارة مريض أو زيارة أخ في الله، مع أن هذا أمر تدعو إليه المروءات ومكارم الأخلاق، ويحمل عليه ما يوجد بين الناس من التراحم والتكافل وما أشبه ذلك من الوشائج التي تكون بينهم.

فالله رتب على هذه الأعمال اليسيرة التي لا كلفة فيها، رتب عليها هذه الأجور العظيمة، ومع ذلك قد لا نحتسب ذلك عند الله -تبارك وتعالى، وإن كنت أرجو أن يحصل للإنسان الثواب ولو لم يكن له احتساب إن كانت زيارته لهذا المعنى؛ لأنه على الأرجح ما كل عمل يحتاج إلى احتساب، مثل هذا العمل لا يحتاج إلى احتساب، يكفي أن تكون محبة في الله أن يعود هذا الإنسان، فيؤجر، وهكذا من أحسن إلى إنسان محتاج، أو حمل متاعه، لا يفعل ذلك رياءً ولا سمعة ولا لحظ دنيوي، ولكن حملته الشفقة على هذا الإنسان فأحسن إليه فإنه يؤجر على ذلك، فالمقصود أن هذه الأعمال ينبغي أن نفعلها لله ، يعني أحياناً هو نفس الجهد، نفس العمل، يذهب هذا الإنسان إلى المستشفى، لكن ما الذي في قلبه؟ يقول: أرد له الزيارة السابقة حينما كنت في المستشفى، ليست القضية بهذا الشكل، أو يقول: أزوره من أجل أن لا يقول: ما زارني، فيأتي كأنما يساق إلى الموت وهو ينظر، متثاقل غاية التثاقل، همٌّ يريد أن يلقيه، يثبت حضور -كما يقال- أنه جاء وزار والحمد لله، لا، لا حاجة لمثل هذا، صحح القصد والنية، وهذا عمل عظيم تؤجر عليه.

فكثير من الأعمال نعملها هي فقط تحتاج إلى نية، نية صحيحة، أو على الأقل أن لا يكون للإنسان فيها مقصد سيئ، الأوقات التي يقضيها الشباب، الأيام هذه -نسأل الله التوفيق للجميع، وأن يسددهم ويحسن لهم العاقبة في الأمور كلها- التي يقضونها في الدراسة، يقضون ساعات طويلة جدًّا، إذا كان همه فقط أن ينجح وأن يحصّل وظيفة أو نحو ذلك فهذه بضاعة لا تستحق أن يقضي الإنسان جهده وحياته ويسخر ذلك من أجلها، لكن حينما تكون له نية أنه يريد بهذا العلم وجه الله فإنه يصل إلى أعلى الدرجات والمراتب، تستغفر له حتى الحيتان، حتى الأسماك في البحر، يستغفر له كل شيء، فهل استشعرنا هذا المعنى؟، فرقٌ بين اثنين يذهبان إلى الكلية مثلاً أو إلى المدرسة، هذا يستغفر له كل شيء، الحجر والشجر: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وآخر صفقته وبضاعته خاسرة، وهو نفس العمل، فنحن نحتاج إلى تصحيح المقاصد في هذه الأعمال، فنحن نبذل نفس الجهد لكن يحتاج منا فقط إلى نية وقصد صحيح.

أسأل الله أن لا يحرمنا وإياكم الأجر، وأن يرزقنا وإياكم النية الصالحة والعمل الصالح الذي يقرب إلى وجهه الكريم، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، أبواب البر والصلة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في زيارة الإخوان، رقم: (2008)، وابن ماجه، أبواب الجنائز، باب ما جاء في ثواب من عاد مريضا، رقم: (1443)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم: (6387).

مواد ذات صلة