السبت 11 / شوّال / 1445 - 20 / أبريل 2024
حديث «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» ، "كنت لأعتمد بكبدي على الأرض.."
تاريخ النشر: ٠٣ / جمادى الآخرة / ١٤٢٩
التحميل: 1487
مرات الإستماع: 4676

اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب فضل الجوع وخشونة العيش أورد المصنف -رحمه الله:

حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا[1] متفق عليه.

والقوت: هو ما يسد الرمق، يعني: ما يحصل به الكفاية، ويبقى الإنسان فيه مستغنيًا عن الحاجة إلى الناس، لكنه لا يفضل منه شيء، لا يزيد منه شيء، بمعنى أنه ﷺ دعا ربه أن يجعل رزق آل محمد -ويدخل فيه هو ﷺ دخولًا أوليًّا، ويدخل فيه أهله من زوجاته وبناته- قوتًا، وهذا يعني أنه ﷺ لم يرد أن يكون مع أهله من أهل الثروات، وأهل العرض والسعة والغنى والجدة في الدنيا، وإنما يكون عندهم ما يحصل به الكفاية ويستغنون به عن الناس، فهذا دعاؤه ﷺ، ولو كان في جمع الدنيا وحطامها والاستكثار منها خير للإنسان لدعا به النبي ﷺ لنفسه ولأهل بيته.

كنتُ لأعتمد بكبدي على الأرض

ثم أورد:

حديث أبي هريرة أيضًا قال: والله الذي لا إله إلا هو إنْ كنتُ لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإنْ كنتُ لأشد الحجر على بطني من الجوع...[1].

والنبي ﷺ كما في غزوة الخندق رآه جابر بن عبدالله قد ربط على بطنه حجرين، كان الصحابة يربطون حجرًا حجرًا، والنبي ﷺ قد ربط حجرين من شدة الجوع، وربْطُ الحجر على البطن بعض أهل العلم يقولون: إنه إذا خلا البطن فإن ذلك يضعف الإنسان عن المشي والحركة؛ وذلك أن ظهره إذا خلا بطنه يصعب معه المشي والحركة والقيام والقعود، فإذا شدّ على بطنه الحجر عندئذ يكون ذلك أدعى لنشاطه وقوته، وبعضهم يقول: إن ذلك من أجل أنه يخفف وطأة حرارة الجوع، إذا ربط على بطنه الحجر.

على كل حال، أبو هريرة يقول: وإنْ كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر بي النبي ﷺ... "قعدت على طريقهم": أي لعلهم يعطونه شيئًا، وفي رواية أنه مر به أبو بكر وعمر قبل النبي ﷺ، يقول: فمر بي النبي ﷺ فتبسم حين رآني وعرف ما في وجهي، وما في نفسي، وهذا من كمال عفافه ألا يسأل، ولا يطلب مع شدة حاجته، يقول: ثم قال: أبا هِر، قلت: لبيك يا رسول الله، "أبا هر" هو كنيته، يكنى بأبي هريرة ، "لبيك" أي: إجابة لك بعد إجابة، قال: الحقْ ومضى، فاتبعته، فدخل فاستأذن، فأذن لي، فدخلتُ فوجدنا لبنًا في قدح، فقال: من أين هذا اللبن؟ يقول لأهله، قالوا: أهداه لك فلان، أو فلانة، قال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: الحق إلى أهل الصُّفة فادعهم لي، وأهل الصُّفة يزيدون وينقصون، والصفة سقيفة كانت في آخر المسجد فيها أضياف الإسلام، أي: أنهم قوم فقراء، ليس لهم مأوى إلا هذه الصفة، للواحد منهم إزار، وليس له رداء، ليس عندهم شيء، تركوا كل شيء، وجاءوا لنصرة الله ورسوله ﷺ، فتارة يزيدون -يكثرون، وتارة ينقصون، قال: فادعهم لي، قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأتون على أهل، ولا مال، ولا على أحد، وكان إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم، وأصاب منها وأشركهم فيها، وذلك أن النبي ﷺ كما هو معلوم- تحرم عليه الصدقة وعلى أهل بيته، فإذا جاءت صدقة بعث بها إليهم، وهذا لا يعارض ما جاء في بعض الروايات في بعض الأحاديث من أنه ﷺ كان يسأل فإذا قيل له: صدقة، أمر من حضره أن يأكلوا، ولا يأكل منه[2]، فهذا يمكن أن يحمل على أنه إذا كان بحضرته أحد فإنه يأمرهم بأكله، وإن لم يكن بحضرته أحد بعث به إلى أهل الصفة.

يقول: وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني ذلك، يقول: وأنا في غاية الجوع، ويقول: ادع أهل الصفة، وأهل الصفة هؤلاء كثير، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟ كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاءوا وأمرني فكنتُ أنا أعطيهم، يقول: هذا القدح من اللبن ماذا عسى أن يفعل وأنا في غاية الجوع؟ ولكن لابدّ من إجابة رسول الله ﷺ، والحديث طويل نتركه في ليلة قادمة، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب: كيف كان عيش النبي ﷺ وأصحابه، وتخليهم من الدنيا، (8/ 96)، برقم: (6452).
  2. أخرجه البخاري، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب قبول الهدية (3/ 155)، رقم: (2576).

مواد ذات صلة