الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
حديث «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا..» ، «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه..»
تاريخ النشر: ٠٨ / جمادى الآخرة / ١٤٣٠
التحميل: 2062
مرات الإستماع: 41360

أكمل المؤمنين إيماناً

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب "حسن الخلق" أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم[1]، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً نحن نعلم أن الإيمان قول وعمل، وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأن الناس يتفاوتون فيه بحسب ما وقر في قلوبهم، وبحسب ما يصدِّق ذلك أيضاً من أعمالهم بالجوارح واللسان، والنبي ﷺ يخبر في هذا الحديث أن أكملهم في هذا الإيمان هم أحسنهم أخلاقاً، فدل ذلك على أن الإيمان يعظم ويكمل بكمال الأخلاق، وأن الأخلاق تثقل الموازين، وأنها تزيد في إيمان العبد حتى يصل إلى مراتب الكمال، أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً.

وقوله: وخياركم خياركم لنسائهم، وهذا داخل فيما قبله، فإن خيارهم لنسائهم هم أحسنهم خلقاً، وذلك أن الإنسان إنما يصدر منه ما يقبح من القول والفعل لنقص خلقه، والنبي ﷺ خص النساء بالذكر هنا خياركم خياركم لنسائهم؛ لأن الكثيرين لربما حملتهم أخلاقهم الضعيفة وتربيتهم الناقصة إلى ظلم المرأة، وازدرائها، والحيف في حقها، بل لربما يأنف الواحد منهم أن يذكر اسمها أو يناديها باسمها، فيناديها بعبارات وألفاظ، ولربما أعقب ذكره لها بعبارات تنبئ عن احتقار وازدراء، كأن يقول مثلاً: فلانة -أكرمكم الله، أو الأهل -أكرمكم الله، أو نحو ذلك، وهذا كله جهل وسوء خلق ممن صدر عنه، والمرأة هي مخلوقة من الرجل، وقد كرمها الله ، وأمر الشارع بالإحسان إليها، ورعايتها، وجعل تربية البنات أو تربية الأخوات كما جاء في بعض الروايات أن ذلك يكون حاجزاً وحائلاً بين العبد وبين دخول النار إذا أحسن العبد هذه التربية.

وكثيرون لربما يستطيع الواحد منهم أن يتصنع أمام الآخرين مع زملائه وأصحابه ونحو ذلك، ولكنه إذا دخل بيته لربما لطول معافسته لأهله وإلفه لهم، ولربما لضعفهم فإنه يبدو بصورة غير تلك الصورة التي يخالط بها الناس، فيحصل عند الإنسان نوع تناقض وازدواجية في تصرفاته وأخلاقه وتعامله، يتعامل مع أهله بمعاملة في غاية السوء، منهم من يكون ذلك بسبب رجوعه إلى أصل خُلقه، بمعنى أنه يحمل نفسه أمام الآخرين على لون من التبسط والتعامل الحسن، فإذا دخل بيته فرغ ما في نفسه، وظهر على أخلاقه من غير تكلف.

ومنهم من يفعل ذلك بسبب سوء تربيته أو فساد تصوره، ربما يتصور أن المرأة هذه لا قيمة لها، أو كما يقول بعضهم: إن المرأة لا يُلتفت إليها، ولا يُرعى لها بال، وإن ذلك يفسدها بزعمهم، بمعنى أنه يكون في غاية القسوة والتعامل الصلف مع أهله، والسبب هو فساد في التصور، لربما قال له أبوه حينما أراد أن يتزوج، ولربما قال له أصدقاؤه ولقنوه، وهذا كثير، ونسمع من آلام النساء ومشكلاتهن من ذويهن أشياء كثيرة، للأسف تجد هذا الإنسان الذي كان يُظن فيه الخير والصلاح وأنه عجينة طيبة ونحو ذلك يتحول إلى شيء آخر في تعامله مع أهله، السبب عنده تصورات، كما يعبر بعضهم وقد سمعت هذا من أحدهم: المرأة لا تُعطَى وجهًا، إذًا ما العمل؟ العمل هو التعامل القاسي بكل صلافة وبكل -نسأل الله العافية- قسوة يتعامل مع أهله، وهذه نصوص الشارع: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي[2]، خياركم خياركم لنسائهم.

وفي رواية أخرى: إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وألطفهم بأهله[3]، فالتلطف والإحسان، والله أوصى بمن هو قريب منا بأن نحسن إليه وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ [النساء:36]، هو الذي يجمعك معه دراسة، أو سفر، أو عمل أو نحو ذلك، زميل في العمل أو نحو ذلك، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ، والمرأة تستحق ذلك وأكثر منه، والله -تبارك وتعالى- جعل بين الزوجين مودة ورحمة، كيف يتحول ذلك إلى هذا الصلف والتعامل بقسوة وفظاظة وسوء خلق؟، هذا لا يليق بحال من الأحوال، والإنسان يحتاج إلى شيء من مجاهدة النفس، وحملها على ما يجمل ويليق، وأيضاً أن يصحح ما عنده من تصورات فاسدة، وأن يتلقى مثل هذه المفاهيم عن أهل العلم وعمن يوثق به، ولا يتلقى ممن هب ودب ودرج.

في بعض البيئات لربما الواحد في ليلة الزواج -وقد حدثني بعضهم عما فعل هو- يأتي بهرة ويفصل رأسها عن جسدها بيده حينما يدخل على امرأته، لماذا؟ ليوصل رسالة لهذه المرأة المسكينة أنه قاسٍ، في منتهى القسوة، وأنه ليس في قلبه رحمة.

أحدهم يقول في ليلة الدخول: قالت: أريد ماما، فأعطيتها قلمًا، يعني ضربها على وجهها بيده، فهذا ما يجوز.

لربما يلقنونه مثل هذا الكلام، ويقال للمعلم كذلك: انتبه، الطلاب، الرمح على أول ركزة، انتبه، ادخل على الطلاب وأنت في غاية الشدة والقسوة، أبداً، أبداً.

ومهما تكن عند امرئ من خليقةٍ وإن خالها تخفى على الناس تُعلمِ

هو سيظهر على حقيقته فيما بعد، إن كان ضعيف الشخصية سيظهر، وإن كان قوي الشخصية سيظهر، يبقى الإنسان على سجيته، ولا ينبغي للإنسان أن يندفع في البداية فيقول لامرأته كل ما عنده من مشاعر في ليلة واحدة، ثم بعد ذلك يبدأ يقسط لها الأخلاق السيئة، هذا غلط، يبدأ بداية جميلة وطيبة ثم بعد ذلك يقسط عليها أخلاقه الجميلة، فكل يوم ترى منه كمالاً جديداً، كل يوم ترى منه خلقاً جديداً، فكل يوم في ارتقاء، هذا هو الصحيح، وبعض الناس يكون عنده نوع اندفاع فيأتي بما عنده وبما جمعه، ثم بعد ذلك يبدأ بالعد التنازلي، وهذا خطأ.

إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه

والحديث الذي بعده:

حديث عائشة -رضى الله عنها- عند أبي داود قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم[1]، رواه أبو داود.

والصيام والقيام يذكران للتصوير والتمثيل للاجتهاد في الطاعة، يعني يقال: فلان صوام قوام، بمعنى أنه عابد مجد مجتهد في عبادته، فقد لا يكون الإنسان صاحب كثير صيام ولا كثير قيام بالليل، ولكنه يبلغ بأخلاقه مراتب أهل العبادات والمجاهدات الكبيرة، والله المستعان.

وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في حسن الخلق، برقم (4798)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم (1453).

مواد ذات صلة