الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
حديث «إذا أتيت مضجعك فتوضأ..» إلى «من قعد مقعدًا لم يذكر الله فيه..»
تاريخ النشر: ٠٥ / جمادى الأولى / ١٤٣١
مرات الإستماع: 4266

إذا أتيت مضجعك فتوضأ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب آداب النوم، والاضطجاع، والقعود، والمجلس، والجليس، والرؤيا، أورد المصنف -رحمه الله:

حديث البراء بن عازب قال: قال لي رسول الله ﷺ: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، وقل:...، -وذكر الحديث الذي قبله: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت[1]، وقد مضى الكلام على ألفاظه.

وقوله ﷺ للبراء هنا: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، هذا التقييد: توضأ وضوءك للصلاة؛ لئلا يفهم أن المراد شيء أدنى من ذلك، بمعنى: أن الإنسان قد يكتفي بالمضمضة مثلًا، وغسل اليدين، ونحو ذلك، لكنه أراد هنا أن يتوضأ الوضوء الشرعي.

قال: إذا أتيت مضجعك يعني: موضع الاضطجاع الذي هو الفراش.

قال: ثم اضطجع على شقك الأيمن، وذكرنا ما فيه من الفوائد عند ذكر أصل الحديث، حديث البراء : كان رسول الله ﷺ إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك...[2]، فكان يقول ذلك، وعلّمه البراءَ  .

وجاء في بعض رواياته: أن البراء حينما كان يردد مع النبي ﷺ قال: "آمنت بكتابك الذي أنزلت ورسولك الذي أرسلت" بدلًا من: ونبيك الذي أرسلت، فالنبي ﷺ ضرب على صدره، وقال: ونبيك الذي أرسلت[3]، مع أن لفظ الرسول أبلغ من لفظ النبي، فالرسول نبي وزيادة، ومع ذلك أنكر عليه النبي ﷺ، وأمره أن يقول: ونبيك الذي أرسلت، فيفهم من هذا: أن الأذكار توقيفية، الأذكار التي تقال عند النوم، وبعد الصلاة، وفي مناسبات، إلى آخره هذه الأذكار توقيفية، بمعنى: أنه يحفظ ذلك بنصه، وحروفه، لا يقال بالمعنى، ولا يجتهد الإنسان.

وللأسف الشديد نرى كثيرًا، ونجد هذا في مصلى النساء في كثير من الأحيان، ونحن نتعاهده، فنُخرِج من هذه الكتيبات إلى صندوق الورق الذي تُتلف فيه هذه الكتيبات، يؤتى بكتيبات لروح فلانة، ثوابه لفلانة، هذا صدقة عن فلانة، مطبوع فيه أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ليست أذكار شريعة، أو كثير منها ليست أذكار شريعة، بل مؤلفة وملفقة، يلفقها أناس من جيوبهم، من عند أنفسهم، ويروجونها على العامة، وإذا مات الميت تحركت مشاعرهم نحوه، فقالوا لهم: اطبعوا لنا ألف نسخة من هذا، واطبعوا لنا ألف نسخة من هذا، ثم يذهبون يوزعونها بالمساجد، ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا، وهم ليسوا كذلك؛ ولهذا هذه الأذكار لا يُشتَغل بها، وإنما يُشتَغل بالوارد فقط، بالأذكار الثابتة الصحيحة، أما ما يؤلفه بعض الناس، ويركِّبونه من جمل وعبارات، وأحيانًا فيها ضعف وركاكة، فمثل هذا لا يُشتغل به، ولا يوزع، ولا يطبع، ورأيت عند بعض الناس في أيام العزاء يضعونها للعزاء، يضعون كراتين من هذه الكتب والكتيبات، وهم مجتهدون، وبذلوا فيها الأموال، وحقها أن تحرق، ورأيت قبل يومين في درج أحد الفنادق: الحزب الأعظم لفلان بن فلان، الفندق وضعه في الغرف مع المصحف، وهو أوراد وأذكار، عامتها مركبة، قد كتبها صاحبها من عند نفسه، فالإعراض عن الأذكار الشرعية، والاشتغال بمثل هذه الأمور، هذا خلاف السنة، وخلاف المشروع.

فهنا النبي ﷺ أنكر على البراء لما قال: "ورسولك الذي أرسلت" فضرب على يده، وقال: ونبيك الذي أرسلت، فلا تُغيِّر حرفًا واحدًا من هذه الأذكار، فهذا ينبغي التنبه له، ونصح الناس في هذا، وتعليمهم، ولا يشتط الواحد منهم فيطبع كتابًا أو يؤلف، وهو لا يحسن، أو يوزع ذلك في المصليات، ونحو هذا، بين حين وآخر نجد في مصلى النساء من هذه الكتيبات، وليتهم أراحونا منها.

إن هذه ضِجعة يبغضها الله

ثم ذكر أيضًا المصنف -رحمه الله- حديث يعيش بن طِخفة الغفاري قال: قال أبي -يعني: طخفة، وهذا الحديث الوحيد له.

عن يعيش بن طخفة الغفاري عن أبيه -رضى الله عنهما- قال: بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني، إذا رجل يحركني برجله، فقال، وفي بعض روايات الحديث: مضطجع في المسجد على بطني من آخر الليل، وفي بعض الروايات: من السحر، أو في السحر، كل هذا بمعنى واحد، فإن آخر الليل هو السحر، قال: فإذا رجل يحركني برجله، فقال: إن هذه ضِجعة يبغضها الله[1].

قوله: ضِجعة أي: اضطجاعة، يبغضها الله، وفي بعض الروايات: لا يحبها الله[2]، قال: فنظرت فإذا رسول الله ﷺ، رواه أبو دواد بإسناد صحيح، يعني: أن الذي حركه، وقال له هذا هو النبي ﷺ.

وفيه: إنكار مثل هذا، وكون ذلك من الأمور التي يبغضها الله يدل على التحريم، فلا يفعل الإنسان مثل هذا من غير حاجة، وعامة ما يحصل للرجل من الجاثوم إذا نام هذه النومة القبيحة، وعامة ما يحصل للنساء من الجاثوم إذا استلقت على ظهرها.

والحديث الأخير هو: حديث أبي هريرة : عن رسول الله ﷺ قال: من قعد مقعدًا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله تِرَة[3]، التِّرَة يعني: النقص، وقيل: التبعة، يعني: أنه لا يسلم من المؤاخذة.

ومن اضطجع مضجعًا لا يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله تِرَة رواه أبو داود بإسناد حسن.

قوله: من قعد مقعدًا، سواء كان مع الناس، أو بمفرده، سواء كان في صالة انتظار في مستشفى، أو كان في مجلس، أو كان في بيته، أو غير ذلك.

لم يذكر الله فيه، وهذا الذكر يتحقق بمرة واحدة؛ لأنه قال: لا يذكر الله تعالى فيه، بمعنى: أنه لا يذكره مطلقًا، فلو أنه ذكره مرة واحدة فقال: لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، أو نحو هذا، أو سبحان الله، فإنه يتحقق فيه أنه ذكر الله -تبارك وتعالى، لكن ينبغي أن يكثر من ذكر الله ، والنبي ﷺ يقول: أني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة[4]، أو كما قال ﷺ، وكانوا يحسبون له: مائة مرة في المجلس الواحد، أو أكثر[5]، فكثرة الذكر هذا هديه ﷺ، وهو الذي أوصى به أمته: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله[6]، وسبق المفردون[7]، والأحاديث التي في الأذكار كثيرة جدًّا.

فالمقصود: أن الإنسان لا يخرج سالمًا حينما يجلس في مجلس لا يذكر الله فيه، فهو مجلس غفلة، فينبغي للإنسان أن يتذكر هذا، وأن يكثر من ذكر الله -تبارك وتعالى، فلا يجلس في مكان إلا ويذكر ربه فيه، والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه أبو داود، أبواب النوم، باب في الرجل ينبطح على بطنه، رقم: (5040)، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب النهي عن الاضطجاع على الوجه، رقم: (3723)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: (1/ 451)، رقم: (2271).
  2. أخرجه الترمذي، أبواب الأدب عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في كراهية الاضطجاع على البطن، رقم: (2768)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: (1/ 451)، رقم: (2270).
  3. أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله، رقم: (4856).
  4. أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، رقم: (2702).
  5. أخرجهأبو داود، باب تفريع أبواب الوتر، باب في الاستغفار، رقم: (1516)، والترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله ﷺ، باب ما يقول إذا قام من مجلسه، رقم: (3434)، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب الاستغفار، رقم: (3814)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها: (2/ 96)، رقم: (556).
  6. أخرجه الترمذي، أبواب الدعوات عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل الذكر، رقم: (3375)، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب فضل الذكر، رقم: (3793)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: (2/ 1273)، رقم: (7700).
  7. أخرجه مسلم،  كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى، رقم: (2676).

مواد ذات صلة