السبت 11 / شوّال / 1445 - 20 / أبريل 2024
الحديث على آيات الباب
تاريخ النشر: ٢٥ / رجب / ١٤٢٦
التحميل: 1427
مرات الإستماع: 1921

مقدمة باب المبادرة إلى الخيرات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فيقول الإمام النووي -رحمه الله- في هذا الباب العاشر: "باب في المبادرة إلى الخيرات وحث من توجه لخيرٍ على الإقبال عليه بالجد من غير تردد".

المبادرة قبل الموت، وقبل الصوارف والشواغل، وقبل الضعف والعجز والوهن الذي قد يصيب الإنسان، فالإنسان قد يؤخر في أيام قوته وشبابه ونشاطه، ثم بعد ذلك يعجز، ويكسل، وكثير من الناس لا يفكر بطريقة صحيحة، في أيام قوته ونشاطه يُسوّف في الطاعة، ويجعل ذلك في أيام الضعف والوهن والعجز، ثم إذا صار إلى ذلك الحال -إن قُدر له عيش- يعجز عن كثير مما كان يؤمله، هذا إذا هداه الله وفتح على قلبه، والإنسان عندما يتقدم به السن يكبر معه الأمل وحب الدنيا، يتعلق بها بيديه ورجليه، هل رأيتم الإنسان كلما تقدم به السن يزهد في الدنيا، وتقصر آماله؟ أبدًا، يبني الدور والقصور ويكتسب، ويحرص على الدنيا حرصًا شديدًا، فلا الصغير زهد فيها، ولا الكبير زهد فيها وعرف قدرها، بل لا تزيده الأيام إلا تشبثًا بها بل لربما مرض من غير مرض، الكبير تكثر أوهامه ووساوسه وخواطره فيتوهم المرض، يتوهم أنواع العلل خوفًا من الموت، ليس بين عينيه إلا الموت يخافه، طيب يكفي ما بقيتَ، ما عشتَ من الأيام.

فالمقصود: أن الإنسان يعرض له ما يعرض هذا إذا وُفق وإذا هداه الله  للخير وفتح على قلبه، وإذا أراد أن يصوم جاءه أولاده وزوجته وقراباته: أنت ضعيف والصوم يتعبك، وإذا أراد أن يحج أو يعتمر قالوا: أنت عاجز وضعيف ومعذور، هذا إذا وصل إلى سن الوهن، وأيام الشباب وأيام القوة يؤمل أنه سيفعل فيما بعد، متى؟ في الوقت الضائع كما يقال -إن صح التعبير، وإلا فالحياة ليس فيها هذا، في آخر العمر حينما يكون قد تلاشت قواه وضعف وعجز عن كل شيء.

يقول: "وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد"؛ لأنه ما يقتل الإنسان مثل التسويف، وتضيع عليه الأيام كلمح البصر، من توجه لشيء من علم أو عمل فينبغي أن يبادر إلى الجد فيه، فالعمر تنصرف وتنصرم أيامه ولياليه وساعاته انصرامًا شديدًا سريعًا، فالجد الجد من أجل أن يبلغ الإنسان، فإذا كان الإنسان له همة بلون من العمل في صيام، في صلاة ليل، في قراءة قرآن بحفظ كتاب الله أو نحو ذلك يبادر، وتكون له عزيمة جازمة قوية ثابتة لا تنكسر حتى يبلغ مراده ويعتاد ويرتاض على هذا العمل، وكذلك إذا كان له همة في لون من العلوم فيبدأ بالاشتغال به بالطريقة الصحيحة ولا يسوّف، ويقول: بعد ذلك، بعد سنة، بعد سنتين، في الأجازة القادمة، في الأجازة التي بعدها، فإن من يقول ذلك لن يفلح -إلا ما شاء الله ، ولن يحصل مطلوبًا، وقد رأيناهم وقد شابت مفارقهم ولحاهم وهم لا زالوا يسألون كيف نبدأ بطلب العلم، والسبب هو التسويف، بداية الأجازة، بداية الفصل الدراسي، بداية الفصل الدراسي الثاني، بعد العيد، بعد رمضان، الآن من هذه الليلة، ولكنه التسويف، فلا تسوف، بادر إلى ما أنت بصدده، وما عزمت عليه من أجل أن تبلغ.

قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}

والله يقول: فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [سورة البقرة:148]، تسابقوا وبادروا وسارعوا إليها.

قوله تعالى: قوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ}

كما قال: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [سورة آل عمران:133] يعني: بتحصيل أسباب المغفرة بالعمل الصالح، بالمبادرة إلى التوبة، فلا يؤجل الإنسان التوبة فقد يموت وهو ما تاب، فليس لك حاجة بالذنوب والمعاصي ومحادة الله وغيبة الناس والوقيعة في أعراضهم إلى غير ذلك مما يكثر وقوعه من الناس، تب إلى الله توبة نصوحًا من كل الذنوب الصغار والكبار وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ولربما نُكرت هنا للتعظيم، وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، هذه الجنة نُكرت أيضًا للتعظيم، جنة عظيمة عرضها السموات والأرض، على طريقة العرب في التعبير.

والعادة أن الطول أكبر بكثير من العرض، فذكَرَ العرض فإذا كان عرضها السموات والأرض إذًا فما طولها؟! تصور الآن الأرض لوحدها هذه التي يقولون: إنها جزء صغير بالنسبة للسماء، أو بالنسبة للشمس، ولا شك أنها بالنسبة للسماء شيء لا يذكر، فكيف بالتي فوقها والتي فوقها من السموات، فكل سماء أوسع من التي دونها، فهذه عرضها السموات جميعًا والأرض، فلو أن الإنسان أراد أن يقطع مثلاً آلاف الأميال يذهب من هنا إلى آخر المغرب تعتبر مسافة شاسعة هائلة، فهذا شيء يسير بالنسبة لعرض الجنة، فكيف بالسموات؟! هذا العرض إذًا ما هو الطول؟، شيء لا يمكن أن نتخيله، عرض شاسع وطول هائل.

أُعِدَّتْ بمعنى هُيئت، وهذا يدل على أنها موجودة الآن، والإعداد يدل على عناية بالشيء المعد، ولمن؟ لِلْمُتَّقِينَ ما أُعدت للفسقة والفجرة والظلمة والكفار والمفرطين والمضيعين، إنما أُعدت لأهل التقوى، لِلْمُتَّقِينَ وهذا اللفظ يشعر أن هذا من الأوصاف الثابتة لهم، فمن أراد هذه الجنة العريضة الواسعة ذات النعيم المقيم فعليه أن يتحقق بالتقوى، وأن يبادر إلى تحصيلها، وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ لا تسوف، والمسألة تجارة مع الله ، المسألة جد واجتهاد وعمل، فإذا كان الإنسان في أيام نشاطه وقوته يستطيع أن يعمل أعمالا كثيرة جدًّا، وفي أيام شيبته وضعفه يعجز عن كثير من الأعمال فكيف يشتري نعيم الجنة بوقت الشيبة والضعف والعجز؟!، فهو حتى لو أراد أن يعمل أعمالاً فإن قواه تقعده عن تحصيل المطلوب، فكيف نفكر بهذه الطريقة؟!، المسألة تجارة رابحة الثمن ينبغي للإنسان أن يحصّل فيها أعلى المكاسب، ولكنه النظر القصير إلى الدنيا، وطول الأمل فيها، والتهافت على حطامها الزائل الذي لا يبقى منه شيء.

هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

مواد ذات صلة