الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
بعض ما جاء عن السلف في كتاب عيادة المريض (6-6)
تاريخ النشر: ٠٩ / شوّال / ١٤٣١
التحميل: 699
مرات الإستماع: 2109

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فكنا نقرأ في الأبواب المتعلقة بالمرض، بعدها ما جاء في فصل الموعظة عند القبر، ما جاء عن محمد بن المنكدر قال: كنا مع صفوان بن سليم في جنازة، وفيها أبي، وأبو حازم، وأبوه هو محمد بن المنكدر، وهؤلاء من أئمة التابعين، وعبادهم، وزهادهم، وذكر نفرا من العباد يعني غير هؤلاء، فلما صلي عليها قال صفوان يعني ابن سليم: أما هذا فقد انقطعت عنه أعماله، واحتاج إلى دعاء من خلفه بعده، قال: فأبكى والله القوم جميعا[1].

طبعا في رياض الصالحين مضى حديث النبي ﷺ لما وعظ عند القبر، وجاء في حديث البراء أيضا لما ذكر حال الميت إذا مات، وما يحصل له بعد موته إن كان من أهل الصلاح، وإن كان من غيرهم.

فالشاهد أن مثل هذا سبق الكلام على أن ذلك لم يقع من النبي ﷺ على سبيل الدوام، فإذا فعل أحيانا لا سيما لحاجة، كأن يرى أمرًا يحتاج إلى تذكير، أو تنبيه، أو يرى جزعًا زائدًا، أو نحو هذا، أو يرى اشتغالاً بدنيا، أو يرى منكرًا عند القبر، عند الجنازة، لربما يحضر بعض الناس يدخن، لاسيما أن بعضهم إذا توتر أخرج السيجارة -أعزكم الله- ويده ترتعش من أجل أن يتماسك، ولربما سمعت بعضهم يتحدث عن الدنيا، ويضحك عند القبر، فهنا قد يتحدث إنسان بكلام مناسب؛ لأن الإنكار في حالتين قد يكون فيه شيء من الحرج والصعوبة.

الحالة الأولى: وهي حال الحزن، حال المصيبة؛ لأن الناس في جنازة، ويأتي إنسان، وتكون مشكلة، وتكون أمور يكفيهم ما هم فيه، فيحتاج الإنسان إلى أن يتلطف، وتكون له طريقة بالتعليم، والتنبيه على التقصير.

الحالة الثانية: حالة الفرح، فإذا جاء من ينكر بطريقة لربما ينقلب هذا الفرح إلى مشكلة، فيحتاج الإنسان إلى شيء من الذكاء، والفطنة في التغيير، فالحاصل أن مثل هذه الحالات عند الجنازة، أو إذا دفن الميت، أو وضع في قبره، هل يقال: من السنة الوعظ دائما، كلما جينا جنازة نقول: فرصة، أو في حال التعزية كما يسأل بعض الناس، يقول: نستغل نقول: لا، لكن لو فعل أحيانا فلا بأس، فعله النبي ﷺ، فعله بعض السلف، وهذا مثال، لكن لا يتخذ ذلك على سبيل المداومة.

وهناك أشياء، آثار ذكرها ما لها علاقة بهذا الباب، لكن لا بأس أن أذكرها للفائدة، فمثلاً كيف كانوا يتأثرون إذا حضروا الجنازة، نحن يدخل الواحد، ويخرج لربما كما دخل، لا يتأثر، ولا يرق قلبه.

هذا يحيى بن أبي كثير كان أيضا من أهل العلم، والعبادة، والزهادة، كان إذا حضر جنازة لم يتعش تلك الليلة، ولا يكلمه أحد[2]، يتأثر جدا.

فالإنسان يرجع إلى نفسه ما مقدار التأثر الذي يحصل له إذا جاء إلى جنازة 5%، 10%، 20% هذا ما يتعشى، هل يبلغ بنا الحال إذا خرجنا من جنازة خلاص تلك الليلة لا نستطيع أن نأكل، ولا نزور أحدا، ولا يزورنا أحد، ولا نرد على الهاتف؛ لأن الإنسان في حال من التأثر، وتذكر الآخرة، فهذا نموذج يحتاج الإنسان يعرض عليه نفسه.

ذكر أثرًا آخر لا علاقة له بهذا، لكن يستفاد منه أيضًا، فهذا مجاهد بن جبر من علماء التابعين، يقول: كنت في جنازة رجل، فسمعت رجلاً يقول لامرأة الميت، الجنازة لا يلزم أنه يكون عند القبر، لا تسبقيني بنفسك، قالت: قد سبقت، أو سبقت[3] يعني المرأة إذا مات زوجها تكون في العودة أربعة أشهر، وعشرة أيام، لا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبتها صراحة، كما قال الله : إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا يعني المقصود به التعريض وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ يعني العدة، فيعرض، كأن يقول: لا تسبقيني بنفسك، كأن يقول: أنا هذه الأيام أبحث، كأن يقول مثلا: مثلك يرغب فيها الرجال، يعرض لها، تفهم أنه يريد أن يخطبها.

طبعا هذا نحن نستغرب منه، الآن هذه في الجنازة، ويقول لها: لا تسبقيني بنفسك، يريد أن يحجز، وهي تقول: لا، خلاص في من سبقك، الحالة التي كانوا عليها من قبل أنهم كانوا يتسارعون، ويتسابقون لخطبة المرأة، ولو كانت ثيبا، ولو مات زوجها، فينظرون إلى أوصاف المرأة، ما هي الأوصاف التي فيها، فلا يبالون إذا كانت المرأة ذات زوج في السابق، أو كانت بكرًا؛ لذلك جاء النهي في الآية عن التصريح بخطبتها.

أما اليوم فالمرأة يتوفى زوجها، وتبقى سائر العمر ربما ما تتزوج، ولا يخطبها أحد، والبنت تطلق لربما بعد يوم، أو شهر من الزواج لا لعيب، فيها لربما هي التي طلبت الطلاق؛ لأنها اكتشفت أن هذا الرجل غير صالح مثلاً، وتبقى لا تكاد يتقدم لها أحد، وفيها من الأوصاف من الدين، والخلق، ولربما الجمال، ومع ذلك يعزف الناس عنها، فتغيرت مقاييس الناس في هذا، وفي غيره، تغيرت كثيرًا، فأصبح النساء للأسف، والبنات يملؤون البيوت، وأما الثيبات فحدث ولا حرج -والله المستعان-.

أما ما يتعلق بالدعاء للميت بعد دفنه، والقعود عند قبره، وهذه قضية مهمة، يغفل الناس عنها، فإن النبي ﷺ كما سبق أمر بالدعاء له بالاستغفار يدعى له بالتثبيت، ويستغفر له، يقول: اللهم ثبته، اللهم اغفر له، ويبقى قدر ما تنحر جزور، ويفرق لحمها، يعني ما يقرب من عشرين دقيقة تقريبًا، ولكن الناس يغفلون عن هذا إما جهلاً، وإما ذهولاً، وإما لإلحاح الناس، الناس يلحون على أهل الميت، فيجذبونهم من أجل أن يعزونهم، ثم ينصرفون، فيبقى الميت هو الذي يفوته هذا المطلب العظيم.

يقول: أبو إسحاق رأيت أبا جحيفة في جنازة أبي ميسرة، آخذا بقائمة السرير، يعني النعش، وهو يقول غفر الله لك يا أبا ميسرة؛ لأن النبي ﷺ أمر بالاستغفار، والدعاء بالتثبيت[4].

ويقول الإمام مالك -رحمه الله- كان عامر بن عبد الله بن الزبير يقف عند موضع الجنائز يدعو، وعليه قطيفة، فتسقط، وما يشعر[5].

وهذا أبو القاسم، إسماعيل بن محمد التيمي، وهو من أهل العلم والتعبد، يقول بعض من يحكي عنه: في اليوم الذي قدم بولده ميتا، وجلس للتعزية، على كل حال في كلام طويل، لكن أكتفي بجزء لا يتعلق بالباب الذي عقد من أجله، على كل حال لربما يكون فيه فائدة هنا أنه جدد الوضوء في ذلك اليوم مرات، نحو ثلاثين مرة، كل ذلك يصلي ركعتين[6].

"كان النبي ﷺ إذا حزبه أمر صلى"[7]  فزع إلى الصلاة يفزع إلى الله، والله يقول: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ يستعان بها على أمور الآخرة، والقيام بالتكاليف الشرعية، ويستعان بها أيضًا على مصائب الدنيا، وهمومها، وأوصابها، كل ذلك يستعان بالصبر والصلاة عليه، فهذا يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتين، يتوضأ ويصلي ركعتين، نحو ثلاثين مرة لما مات ولده.

فالإنسان إذا أصيب بمصيبة، حصل أمر مكروه ما يجلس يتذمر، ويتسخط، ويتشكى، هذا ما ينفع، ولا يفتح أمامك الآفاق، والطرق، ويرد الغائب، وتنتهي المصيبة، وترتفع المشكلة إنما أنت فقط تحرق نفسك تتآكل من غير فائدة، لكن صل ركعتين، حصلت مشكلة، حصل شيء، حصل أمر، حصل ضيق، بدلاً من أن يجلس الإنسان يتآكل، ويتحطم صل ركعتين.

كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، الإنسان إذا جاءه نبأ -نسأل الله أن يعافي الجميع- مصيبة لقريب، حادث شيء، وفاة، يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتين.

وابن عباس -رضي الله عنهما- لما جاءه نبأ وفاة أخيه قثم، نزل عن راحلته، وهو في طريقة بين مكة والمدينة، فصلى ركعتين، وقرأ الآية وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ[8] وجاء هذا عن بعض أمهات المؤمنين، وعن غيرهم نسأل الله -تبارك وتعالى- أن ينفعنا، وإياكم بما علمنا، ويرزقنا، وإياكم الإخلاص، والتقوى.   

  1. انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي (13/188).
  2. انظر الثقات، لابن حبان (7/592).
  3. انظر: سير أعلام النبلاء (4/455).
  4. أخرجه ابن أبي شيبه في مصنفه، برقم (11186) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عيسى بن سنان وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه يحيى بن معين وغيره. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. (2/315).
  5. أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء (3/166).
  6. انظر: تاريخ الإسلام للذهبي (11/623).
  7. أخرجه أبو داود في سننه، برقم (1319) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم (4697).
  8. أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة، برقم (201).

مواد ذات صلة