الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
الحديث عن آيات الباب
مرات الإستماع: 0

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا باب تحريم احتقار المسلمين.

الاحتقار بمعنى: الاستصغار والنظر إلى هؤلاء بشيء من الانتقاص، فيزدريهم، وإنما يكون ممن تعاظمت نفسه، وتكبر، فيرى الناس من حوله صغارًا.

قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ هذا نهي عن السخرية؛ وذلك للتحريم، والقوم يراد بهم جماعة الرجال، هذا في الأصل، فإن القوم إنما يقال ويصدق على الرجال دون النساء، وإنما يدخل النساء فيهم على سبيل التبع، وهذه الآية تدل على هذا؛ لأنه قال: بعده: وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ من ذلك قول الشاعر.

وَما أدْرِي وَسَوْفَ إخالُ أدْرِي أقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِساءُ[1]

ففرق بين القوم والنساء، ولكن في المواضع التي لم يذكر فيها النساء، حينما يخاطب الأنبياء مثلاً قومهم: يا قومي، وحينما يقول الله في قوم نوح، ونحو ذلك، فيدخل فيه النساء على سبيل التبع.

لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ السخرية تأتي بمعنى: الاستهزاء، وإنما يكون ذلك من أهل الجهالة، يعني: العاقل اللبيب لا يسخر من الناس، ويترفع عن ذلك، ويعلم أن الذي ابتلاهم قد يبتليه، وأن البلاء موكل بالمنطق؛ ولهذا لما قالوا لموسى حينما قال: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [البقرة:67] فدل ذلك على أن الذي يستهزئ بالناس من الجاهلين، فالعاقل إذا رأى مبتلى حمد الله على ذلك، وإلا فإنه قد يصيبه هذا.

فالبلاء موكل بالمنطق، ولو ذكرت نماذج وأمثلة من الماضي ومن الحاضر، كيف يسرع البلاء لمن وقع منه أدنى شماتة بالناس؟ إذن لرأيتم من ذلك عجبًا، هذا موجود في كتب التراجم، وفي غيرها، وفي كتب الآداب.

ويكفيكم هذا المثال في الواقع المعاصر:

أحد أئمة المساجد سمع قارئ يقرأ: (والوالدات يرضعن أزواجهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) فضحك منه، وتندر منه، كيف يقرأ؟ وكيف يقع منه هذا الخطأ؟ يقول: فقرأتها في المسجد في الصلاة كذلك، ونجد أمثلة للكبار -كبار القراء- في القرون الماضية، من هذا القبيل، يخطئ في شيء يسير، فيوقع من سخر منه فيما هو أعظم من ذلك.

فالإنسان لا يسخر بالناس لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ يعني: رجال من رجال عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ يعني: أن هؤلاء الذين يسخرون من هؤلاء، قد يكون هؤلاء المسخور منهم، الذين وقعت السخرية عليهم، أفضل من هؤلاء الذين يسخرون، وما أكثر ما يكون ذلك، وهذا الذي يسخر إنما يرى نفسه في حال من الكمال، فأصابه شيء من العجب، والزهو، والتعاظم، وكفى به إثمًا: أن يحقر أخاه المسلم، كما سيأتي من قول النبي ﷺ.

فيسخر بأناس قد يكون هؤلاء أفضل، وأقرب إلى الله منه، وكثير من الناس قد يسخر من أنساب آخرين، ومن قبيلتهم، ومن نسبهم، ويسخر من بلدهم، أو نحو ذلك، وقد يكون هؤلاء أرجح منه عند الله، وعند الناس، ويكون لهم من الكمالات والفضائل ما ليس له.

وهذا أمر قد يعجب الإنسان منه، كيف يجترئ الإنسان على السخرية من عباد الله ؟ سواء كان بسبب البلد الذي ينتسب إليه، أو القبيلة التي ينتسبون إليها، وقد يكون لهم من الشرف والفضائل ما ليس له، ولا لقومه.

فالإنسان يمسك لسانه، ولا يسخر من أحد من المسلمين عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات:11] يعني: هنا لم يقل: لا يسخر أحد من أحد، فيشمل الرجال والنساء مثلاً، وإنما قال: وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ وهذا يدل على أن ذلك ممنوع، قد أكد منعه.

وجاء ذلك بالتخصيص بالرجال، والتخصيص بالنساء، لا سيما أن النساء يحتجن لمثل هذا التخصيص؛ لكثرة ما يقع أيضًا منهن مما يكون من قبيل السخرية، فتسخر منها: بسبب لباسها، أو تسريحتها، أو نسبها، أو تسخر منها لفقرها، أو تسخر منها لجهلها، أو غير ذلك من الأمور.

عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ فنص على الرجال استقلالاً، ونص على النساء استقلالاً؛ وذلك لشدة الحاجة لمثل هذا التنصيص، قال: وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بعضهم يقول: اللمز هو الطعن باللسان، والهمز: يكون بحركة باليد، أو باللسان، أو بالعين، أو نحو ذلك.

يعني: يؤشر إشارة معينة: أن هذا مغفل مثلاً، أو أن هذا الإنسان مثلاً جاهل، أو ليس عنده خبر، فيخرج لسانه بطريقة معينة، يفهم الآخرون أنه كذلك، ونحو ذلك.

وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ فبعضهم يقول: هو الطعن باللسان، والهمز يكون بالحركة المعبرة بالوجه، أو باليد، ونحو ذلك.

وبعضهم يقول: الهمز يكون فيما يقال: بقفاء الإنسان من الغيبة، ونحو ذلك، واللمز عكسه وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة:58] يعني: يعيبه أنه لم يعدل في قسم هذه الصدقات، الزكاة ونحوها، فيلمزه، والله يقول: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] كما سيأتي.

فهنا: وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات:11] يعني: لا يلمز بعضكم بعضًا، فنزلهم منزلة النفس الواحدة، كما قال الله : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النساء:29] وقال: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188] فالأخوة  في الإيمان، والناس الذين اجتمعوا على دين وملة واحدة، هم بمنزلة النفس الواحدة.

وهذا الذي يلمز الآخرين ويلمز إخوانه هذا كأنه يلمز نفسه؛ ولهذا بعض أهل العلم يقول: إن عيبة الأخ المسلم يرجع عليه، فهم كالنفس الواحدة، فهؤلاء إخوانه، فإذا عاب إخوانه، ويعيب أحدًا من المسلمين، فإن ذلك يرجع إليه.

وعلى كل حال هذا كقوله تعالى كما سبق: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أي: لا يقتل بعضكم بعضًا، وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ لا يأكل بعضكم مال أخيه.

وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ [الحجرات:11] النبز بالألقاب يعني: يدعوه باللقب الذي يكرهه، وهذا يتفشى وينتشر في بعض البيئات، ولا سيما القرى، حتى أنه لا يكاد يعرف أحد إلا بلقب ينبز به.

فإذ ذكر اسمه لم يُعرف، فهذا لا يجوز أن يتنابز الناس بالألقاب، سواء كان ذلك بهيئات، كأن يقال: الأعور، والأعشى، والأعمى، والأعرج، أو كان ذلك بأمور علقوها به، في فعل وقع له، أو نحو ذلك.

فيحصل له موقف مثلاً فيلمز بهذا، فهذا لا يجوز، لكن أهل العلم استثنوا من هذا: حالة واحدة، وهي ما لا يمكن أن يُعرف إلا بهذا اللقب، فذُكر على سبيل التعريف، لا على سبيل التنقيص، ويكون الإثم على من لمزه، أو نبزه بهذا اللقب أولاً.

فالشاهد: أن هذا التنابز قد يكون بأمور واعتبارات أخرى، فهذا الإنسان قد يتكلم على الناس، ولا يسلم أحد من لسانه، فلان كذا، وفلان كذا، وفلان كذا، ويرميهم بألقاب، وينسبهم إلى أشياء، وهم يتنزهون عنها، ولا يقرون بها، ويتبرؤون منها، ومع ذلك بالرغم عنهم يلمزهم بهذه الألقاب، ولا يسلم منه أحد، هذا لا يجوز.

فهو داخل في هذا، وهذه معصية، وهذا أمر محرم، كيف يقول عن نفسه وأحيانًا يقدم بين يده سؤال: أنا إنسان ملتزم، ثم إذا نظرت إلى حاله وجدت يقع في مثل هذه الأشياء؟! فلسانه غير نظيف على إخوانه، ينبز هذا، ويلمز هذا، ويهمز هذا، فالدين للأسف أصبح عند كثير من الناس ينحصر في بعض المظاهر، يعني: لربما يتزوج الرجل، ويقولون: وجدناه متدين، وجدنا إنسان أقبلنا عليه، ماذا عرفتم عنه؟ رأوه ملتحيًا، فظنوا أن هذا كل شيء، لكن الدين أيضًا أخلاق، والدين تعامل، والدين أمانة، والدين صدق، والدين خوف من الله ، ومراقبة له، والدين حسن خلق، فبعض الناس أبعد ما يكون عن هذه القضايا، تسمع أحيانًا أشياء تشيب لها المفارق، تجد المرأة أحيانًا هذا الرجل ما ترك لها شيء أبدًا، كل السنين التي عملتها، وتخرج من الصبح لا ترجع إلا مرهقة سنين،

ثم يتزوجها، ويأخذ كل هذه الأموال، ولا يكفي هذا، ثم يبيع ذهبها، وتنفق مهرها، وتعطيه، وهو لا يزال يطلب منها.

ثم بعد ذلك يعاملها في غاية السوء، وفي غاية الظلم، ولربما طلقها، وطالبها بالعوض، يعني: بالخلع، مع هذا كله تقول: ما بقي عندي شيء، وتذهب وتقترض من أجل أن تفتديه، من هذا الرجل الظالم.

وقد يكون هذا الإنسان ظاهره الصلاح، لكن الصلاح ليس فقط بهذه الأمور، هذه الأمور من الدين، ولكنها لا تعني أن هذا الإنسان يحمل أخلاقًا كريمة فاضلة، وأنه يخاف من الله، ويراقب الله ، فكثير من الناس يخطئون بمثل هذه الأشياء، ويزنون الأمور بموازين غير دقيقة.

اسأل عن عقل هذا الإنسان، واسأل عن خوفه من الله، وعن أمانته، وأخلاقه، وتعامله مع الناس، أما اللحية فليست كل شيء، نعم هي من الدين، لكنها لا تعني أن هذا الإنسان قد عمّر قلبه بالتقوى.

فهنا قال: وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ [الحجرات:11] يعني: من فعل ذلك، فهو متلبس بالفسق، وهذا أمر مذموم، وأن يتصف الإنسان بالفسق بعد دخوله في الإيمان بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ فيكون فاسق بهذه الأفعال، يلمز الناس، ويغمز، ويهمز.

 قال: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11] حكم عليه بالظلم، وهذا وعيد شديد وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ أشار بإشارة البعيد، ثم جاء بضمير الفصل بين طرفي الكلام (هم).

ولم يقل: "فأولئك ظالمون" ثم جاء بـ(أل) أدخلها على هذا الوصف: (الظالمون) ولم يقل: "فأولئك ظالمون" وإنما قال: فَأُولَئِكَ هُمُ تقول: زيد هو الكريم، فإذا أتيت بـ(هو) هذه تقوية طرفي الكلام: المبتدأ والخبر.

نسبة بينهما: زيد كريم، زيد هو، ودخلت (أل) على الخبر (الكريم) يعني: كأنه قد استحق من هذا الوصف أكمله، استحق الوصف الكامل، يعني: كأنه هو الكريم دون سواه.

وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يعني: هؤلاء هم الظالمون حقًا، فالمسألة ليست سهله، ونحن نتساهل بذلك كثيرًا للأسف، تجد من كان ظاهره الصلاح، ومن لم يكن كذلك، قلّ من يتنزه عن هذه الأمور.

فإذا استرسل الإنسان مع النفس، فإن اللسان ينطلق بمثل هذه العبارات، إما في حال الغضب، فتخرج مخبآت النفوس، فيبدأ يتكلم: هؤلاء كذا، وهذا من المكان الفلاني، وهذا من القبيل الفلاني، وهذا أصله من البدل الفلاني الذي كذا، فتظهر مثل هذه الأشياء التي تنبئ عن ضعف التربية.

فهذه القضية تصدر من الإنسان في حالة من الغضب، وقد تصدر في حال من الاسترسال مع النفس، ودواعي الهوى، ولربما عمرت مجالس بمثل هذه المقالات السيئة، ويكفي فيه هذا الردع والزجر عن مواقعة هذه الأخلاق السيئة.

وقال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1] (ويل) هذه كلمة وعيد، بعضهم يقول: وادٍ في جهنم، وبعضهم يقول: كلمة تهديد، ولا شك أنها تدل على التخويف والتهويل والوعيد.

وهمزة لمزة الذي يهمز ويلمز {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] الآن هذا الهمزة -كثير الهمز-، يعني: الغيبة، وهذا قول كثير من أهل العلم، لكن قوله -تبارك وتعالى-: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ۝ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ ۝ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ [الهمزة:1-3].. إلى آخره.

هذه بعض أوصاف، وهكذا في قوله -تبارك وتعالى-: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ۝ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11] فبعضهم قال: إن الهمزة هو الذي يمشي بالنميمة بين الناس؛ لأن الله قال بعده: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ فهو يمشي بالنميمة، معناها: أن ذلك يكون تفسيرًا للهمزة، ولكن ذلك ليس بالضرورة: أن يكون تفسيرًا له، وإنما هي صفة أخرى، مع حذف حرف العطف، فهي أوصاف متتابعة.

هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ۝ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ۝ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ [القلم:11-13] فهذا الهمزة الذي يلمز الناس، ويغتابهم، ويعيبهم، بعضهم يقول: يعيبهم بلسانه، والمزة هو الذي يعيبهم بفعله، وحركاته، وبعضهم يقول: الهمزة هو الذي يعيبهم من وراء ظهورهم، والذي يعيبهم في الوجه لمزة الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ [التوبة:79] فهم جالسون يتفرجون -وهم المنافقون- فإذا جاء واحد بصدقة قليلة قالوا: الله غني عن هذا وعن صدقته، وإذا جاء بصدقة كبيرة، قالوا: هذا مراءٍ.

وهكذا يدخل فيه: أولئك الذين يلمزون المؤمنين في الصحف، ومواقع الإنترنت، أو غير ذلك، بوسائل اتصال أخرى، كالفيس بوك، وغير ذلك، فتجد هذا الإنسان يلمز فلان، ويعيب فلان، ويقع في فلان.

بعض الناس ليس له قوت إلا هذا، وبئس الزاد إلى النار، وبئس القوت الذي يحمله، وهو همز الناس، ولمزهم، والوقيعة في أعراضهم، والقدح فيهم.

وبعض الناس - للأسف الشديد- يرى أنه على صواب، وأنه على جادة صحيحة، يقول لك: أنا ما عندي مجاملات، فيواجه الناس بما يكرهون، ولا يسلم منه أحد في المجلس.

يتكلم بجراءة، فيقع بهذا الضيف الذي جاء عنده أحيانًا، لا يعرفه، وأحيانًا أول مرة يراه في المجلس، فيتكلم عليه بكلام يجرح، وبكلام ما يليق، وبأسلوب فيه فظاظة، وفيه جفاف، ويقول: نعم، ما عندي مجاملات، أنا صريح، فهذا فظ غليظ، جاف جلف، كيف يفتخر بأنه صريح؟ هل مواجهة الناس بأسلوب فظ غليظ مدح؟ يمتدح الإنسان به نفسه؟ فبعض الناس يبدي هذا ويصرح به، ويعلنه دائمًا في المجالس.

ويرمي الناس بشرر كالقصر، فيفاجئهم بكلام لا يليق أن يواجه الناس به، ويحرجهم في المجالس، ويقول: إنا معروف، أنا ما عندي مجاملات، أنا صريح، يعني: كأنه يقول: بأنه قد فقد الرفق، ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله[2]، إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه[3].

فالإنسان يأتي بلباقة، وبأسلوب حسن، وينبه على العيوب بطريقة لبقة، وليس أمام الآخرين، فيحرج هذا ويحرج هذا، فمثل هذا الذي يتصرف بهذه التصرفات يكسب العداوة، ويخسر الناس، وليس له أي مصلحة بهذا.

ولن يتقبل الناس منه نصيحة، ولن يتقبلوا منه هذا الأسلوب، ولن تتغير أحوالهم، بل سيخرجون، وهم يحملون عليه شيء من الضغينة، ولو تفكر وعقل لرأى أن ذلك ليس في مصلحته هو، ولا في مصلحة المنصوح، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. ديوان زهير بن أبي سلمى (ص:14).
  2. أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في الرفق برقم (4809) وصححه الألباني. وهو في مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق برقم (2592) بدون لفظة (كله).
  3. أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق برقم (2594).

مواد ذات صلة