الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(110) دعاء الركوع " سبحان ربي العظيم " " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي "
تاريخ النشر: ١٧ / ربيع الآخر / ١٤٣٥
التحميل: 2095
مرات الإستماع: 2545

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.

أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

أيّها الأحبّة، في هذه الليلة نشرع -إن شاء الله- في الكلام على الأذكار والأدعية التي تُقال في الركوع، فأول ذلك مما أورده المؤلفُ ما جاء في حديث حُذيفة بن اليمان : أنَّه سمع رسولَ الله ﷺ يقول إذا ركع: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات[1].

وسيكون حديثنا -إن شاء الله- عن الشقِّ الأول، وهو ما يتَّصل بالركوع، وسيأتي الكلامُ -إن شاء الله- على ما يتعلق بالسُّجود في موضعه.

فهذا الحديث أخرجه ابن ماجه، وهذه الزِّيادة التي فيه -وهي تقييد ذلك بثلاث مرات- لا تخلو من ضعفٍ، سواء كان ذلك في هذا الحديث -حديث حُذيفة-، أو في غيره مما جاءت به هذه الزِّيادة.

لكن بعض أهل العلم صحَّحها للشَّواهد التي تتقوَّى بها، وإن كانت هذه الشَّواهد لا تخلو من ضعفٍ في أسانيدها، كما جاء ذلك في حديث عبدالله بن مسعود[2]، وحديث جبير بن مطعم[3]، وحديث أبي مالك الأشعري[4]، وحديث أقرم بن زيد الخزاعي[5]، وحديث أبي بكرة -رضي الله عنهم أجمعين-[6]، هذه كلّها جاء فيها التَّقييد، أو أنَّه كان يقول ذلك ثلاث مرات، لكن في أسانيدها ضعف، ومن أهل العلم مَن رأى أنها تتقوى بمجموعها: كالشَّيخ ناصر الدين الألباني -رحمه الله-[7]، والشيخ شُعيب الأرنؤوط[8]، فصحَّحوها لأجل ذلك.

وليس الحديثُ الآن عمَّا يتعلق بالمشروع في السّجود والركوع في عدد التَّسبيحات، وإلا فقد جاء ما يدلّ أيضًا على غير ذلك مما هو أكثر في العدد، يعني: بنحو عشر تسبيحات، ولكن ليس هذا موضع الحديث عن هذه المسألة، وإنما نحن هنا نشرح الأذكار.

يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، عرفنا أنَّ التَّسبيح معناه التَّنزيه، وأنَّ "سبحان" منصوبٌ على المصدر، فكأنَّه يقول هذا المسبِّح: أُنَزِّهُ الله من كلِّ عيبٍ ونقصٍ.

وكذلك أيضًا في معنى العظيم: سبحان ربي العظيم، فإنَّ العظيم هذا اسمٌ من أسمائه -تبارك وتعالى-، يتضمّن صفةَ العظمة، وهذه الصِّفة من الصِّفات الجامعة التي تكون بمجموع أوصافٍ مُتحققةٍ، تكون منها العظمة، وأصل ذلك في كلام العرب "العظيم" يقولونه لما يُقابل الحقير، كما يقولون: "الصَّغير" لما يُقابل الكبير، فالعظيم فوق الكبير؛ لأنَّ الكبير قد لا يكون عظيمًا، قد يكون الكبيرُ حقيرًا، فالعظيم فوق الكبير، هكذا ذكر بعضُ أهل العلم، كصاحب "الكليات" الكفوي[9].

والعظمة صفةٌ ثابتةٌ لله ، نُثبتها على ما يليق بجلال الله وعظمته، ولا نتعرَّض لذلك بتأويلٍ وتحريفٍ، لكن نُثبتها كما جاءت، وسيأتي الكلامُ على هذا -إن شاء الله- قريبًا في الكلام على الأسماء الحسنى.

يقول: سبحان ربي العظيم والنبي ﷺ يقول: فأمَّا الركوع فعظِّموا فيه الربّ [10]، فيجتمع بذلك الهيئة (الفعل)، فحينما ينحني الإنسانُ فإنَّ هذا الانحناء يدل على التَّعظيم، وكذلك أيضًا القول مع الفعل، فيُردد لسانه: سبحان ربي العظيم، كان الناس يُعظِّمون كُبراءهم من الملوك، ومن كبار أهل ديانتهم، كما يفعل النَّصارى، فيسجدون لهم أو يركعون، فنُهِينا عن ذلك، وأُمِرْنَا بألا نسجد إلا لله ، وكان ذلك جائزًا في بعض الشَّرائع، والله -تبارك وتعالى- أمر الملائكةَ أن يسجدوا لآدم ﷺ سجود تكريمٍ، وليس سجود عبادةٍ.

وقال الله -تبارك وتعالى- في حقِّ يوسف -عليه السلام- في الرُّؤيا التي رآها: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف:4]، إشارة إلى أبيه وأمه وإخوته، رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا [يوسف:4] هؤلاء الإخوة، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ الأم والأب، رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ، وجاء تأويلُ ذلك في آخر السُّورة، كما أخبر الله -تبارك وتعالى-: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا [يوسف:100]، فهذا كلّه كان جائزًا، ولكنَّه حرم في هذه الشَّريعة.

والله قال لبني إسرائيل: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [البقرة:58]، المقصود على هيئة الركوع، فإنَّ السجود يُقال للانحناء الذي هو الركوع، كما في هذه الآية التي في سورة البقرة: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا، ليس معنى ذلك أنَّهم يضعون جباههم على الأرض ويزحفون، فهذا لا يتأتَّى، كيف يدخلون البابَ ووجوههم في الأرض؟! وإنما يدخلون في حالٍ من الانحناء؛ خضوعًا لله ، وشكرًا على نعمة الفتح.

فالمقصود أنَّ العبدَ حينما يحني ظهره، فإنَّ هذا مظهرٌ من مظاهر التَّعظيم، فإذا قارنه هذا القول: سبحان ربي العظيم فلا شكَّ أنَّه حينما يجتمع هذا وهذا يكون ذلك من المقامات التي تخضع معها القلوب لباريها وفاطرها -جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه-، ولكنَّه الإلف -أيّها الأحبّة-، فقد ألفنا هذه المشاهد والمزاولات، فصارت لا تُحرِّك فينا ساكنًا، لو رأيت الناس خُضعانًا لأحدٍ من البشر، قد انحنوا أمامه بسكونٍ، ويُرددون كلامًا كهذا، يُعظِّمونه به مثلاً؛ لكان ذلك مما يقف له شعرُ الرأس، ويقشعر البدن، فكيف يكون هذا أمام المعبود في حال مُناجاته في الصَّلاة، ومع ذلك لا يُؤثر فينا؟!

الصلاة هذه من أوَّلها إلى آخرها مليئة بالأقوال والأفعال التي تُوجب حضورَ القلب والخشوع، وتُهذِّب النَّفس وتُورثها التَّواضع والذّل لله ، فلا يحصل من العبد أدنى مُعارضة، أو شموخ، أو ترفّع على طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ، ولكن ألفنا هذه الأشياء؛ ولذلك انظر إلى حال أولئك الذين يدخلون في الإسلام حديثًا، سله عن أول دخوله حينما نطق بالشَّهادتين؛ تجد أنَّ عامَّة هؤلاء ينطقون الشَّهادةَ وهم يبكون، لا أعني الذين يأتون أمامكم في المساجد، فهؤلاء يُعيدون النُّطق بالشَّهادة، لكنَّهم في الواقع نطقوا بها في مكانٍ آخر، فجيء بهم أمام الناس من باب التَّحفيز والتَّشجيع والدَّعم المعنوي لهم؛ ليُهنِّئهم إخوانُهم بالدُّخول في الإسلام، وإلا هم قد قالوا ذلك من قبل؛ ولهذا الذين يأتون هنا نقول: لا حاجةَ لقيامه بالنُّطق بالشَّهادتين، يكفي أن يُقال: هذا أخوكم قد دخل في الإسلام، فهنِّئوه، مثلاً، ولا حاجةَ للإعادة ثانيةً وقد نطق بذلك في مكانٍ آخر.

على كل حالٍ، سلوا هؤلاء عن أول صلاةٍ صلّوها، وعن أول ركوعٍ ركعوه، ستجدون أنَّهم لا يستطيعون التَّعبير عن ذلك، بل سلوا الذين قد أقعدتهم العِلل والأوصاب والأمراض، فصاروا ما يستطيعون الركوع والسُّجود، سلوهم، مع أنَّ هذا السؤال سيُثير شجونهم، وقد يُجيبك بالبكاء، قل له: ماذا تشتهي في الدنيا؟ يقول: أن أركع وأسجد. لكن لا يعرف قدرَ هذه العبوديات إلا مَن فقدها، يحتاج العبدُ أن يُجدد هذه المعاني مع نفسه.

ثم ذكر حديثَ عائشة -رضي الله عنها-، أنها قالت: كان النبيُّ ﷺ يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأوَّل القرآن[11]، وهذا مُخرَّجٌ في "الصحيحين".

يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك يحتمل أنَّه يقول ذلك مع غيره، كأن يقول: سبحان ربي العظيم، ويُضيف: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، ويحتمل أنَّه يقول ذلك في ركوعه أو سجوده على سبيل الاستقلال.

ثم إنها لم تخصّ الفرضَ بذلك أو النَّفل، فدلَّ على الإطلاق، وهو أنَّ ذلك يُقال في الركوع والسُّجود، وفي الفريضة والنَّافلة، وفي صلاة الليل، وفي غيرها، فيُكثر المؤمنُ من ترداد ذلك، لا سيّما إذا كان في آخر العمر، وضعف وشاخ، وظهرت أمارات الرَّحيل.

في قوله -تبارك وتعالى-: وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر:37]، فسَّره كثيرٌ من السَّلف -وهو أحد الأقوال المشهورة- بالشَّيب، فإذا ظهر الوهنُ على الإنسان والضَّعف فإنَّه حينما يقترب رحيلُه من الدنيا يُكثر من هذا، كذلك مَن نزل به مرضٌ مَخوفٌ خطيرٌ، وقد يموت من هذا المرض، أو أنَّ الإنسان يموت غالبًا، أو نحو ذلك، فإنَّه يُكثر من هذا؛ لأنَّ الله قال لنبيِّه ﷺ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ۝ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر]، فجعل ذلك أمارةً -كما فهم ذلك ابنُ عباسٍ وعمر رضي الله عنهم أجمعين- على قُرب أجله ﷺ، نُعِيت إليه نفسُه، فأُمر أن يختم هذه المسيرة الطَّويلة الحافلة بالمجاهدات بأنواعها، والصَّبر، وتحمّل أعباء الدَّعوة والبلاغ في سبيل الله -تبارك وتعالى- والجهاد الطَّويل للأعداء: أن يختم ذلك بالتَّسبيح بحمد الله والاستغفار.

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ فكيف يكون التَّسبيح بحمده؟ ليس هناك ما يشرح هذه الجملة، كما ذكرنا في تفسير هذه السُّورة الكريمة في رمضان أو بعد رمضان من هذا الحديث، النبي ﷺ كان يقول ذلك كما قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: يتأوَّل القرآن. يعني: أنَّه يمتثل، فإنَّ التَّأويلَ يأتي بمعنى فعل المأمور، هذا أحد معاني التَّأويل، فهنا "يتأوَّل القرآن" يعني: يمتثل ما أمره اللهُ به حينما قال: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ، فكان يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، يجمع بين التَّسبيح والحمد، والتَّسبيح عرفنا أنَّ (سُبحان) منصوبٌ على المصدر، تقول: سبَّحتُ اللهَ تسبيحًا، وسبحان، وهو بمعنى: التَّنزيه، والحمد عرفناه، وقلنا: إضافة صفات الكمال والجلال لله -تبارك وتعالى-، وإعادته ثانيًا هو الثَّناء، والإكثار من ذلك هو التَّمجيد.

طيب، ما معنى: سبحانك اللهم؟

عرفنا أنَّ "اللهم" يعني: يا الله، وأنَّه حُذفت ياء النِّداء، وأنَّ الميمَ جاءت عِوضًا عن ذلك، وأنَّه لا يُجمع بين ياء النِّداء والميم: سبحانك يا الله، فحُذفت ياء النِّداء.

وبحمدك بعضهم -كالإمام النَّووي رحمه الله- يقول: معناه: سبحانك اللهم وبحمدك يعني: "بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك عليَّ سبَّحْتُك، لا بحولي وقوَّتي"[12]، فيكون خاضعًا بهذا التَّسبيح لنعمةٍ أخرى؛ وهي التَّوفيق والإعانة، يعني: سبَّحْتُك بحمدك، أنت الذي أعنتني على ذلك وقوّيتني، وهديتني إليه، فبفضلك عليَّ سبَّحْتُك، لا بحولي، ولا بقوَّتي. فهذا اعترافٌ من العبد للربِّ -تبارك وتعالى- بالإنعام والإفضال والإعانة والتَّوفيق، هكذا فسَّره النَّووي -رحمه الله-.

وبعضهم يقول: إنَّ معنى: سبحانك اللهم وبحمدك أُنَزِّهك وأتلبَّس بحمدك. وهذا كأنَّه أوضح، وأوضح منه مَن قال: إنَّ ذلك يكون بمعنى: أُسَبِّحك وأنا مُتَلَبِّسٌ بحمدك، أي: حال كوني مُتلبِّسًا بحمدك، فيكون ذلك للحال، إضافة الكمال وأوصاف الجلال لك سبحانك، كما ينبغي لجلال وجهك، وعظمة سُلطانك.

اللهم اغفر لي يا الله، اغفر لي، ذكر ذلك بعد التَّسبيح والتَّحميد؛ فإنَّ الدُّعاء والسُّؤال بعد الثَّناء على الله والتَّنزيه يكون أحرى للإجابة؛ ولهذا ينبغي للإنسان إذا أراد أن يدعو الله ألا يبدأ بمسألته مُباشرةً، وإنما يُقدِّم بين يديها من الثَّناء على الله، والتَّمجيد له، وذكره بأسمائه وصفاته وكمالاته ، فليذكر فقرَه وضعفَه وحاجته إلى ربِّه وخالقه .

كذلك أيضًا يذكر سوالفَ النِّعَم أنَّه لم يكن شقيًّا بدُعائه لربِّه فيما سلف، فالله يُعطيه ويُوليه ويُجيبه، فما كان بدعاء ربِّه شقيًّا، بل الله يُعطيه ويُكرمه ويُجيبه، فيذكر مثل هذه بين يدي الدُّعاء.

وانظروا هنا: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، وعرفنا أنَّ الغفر ينتظم معنيين: السَّتر، فلا يفضح في الدنيا، ولا في الآخرة، وكذلك أن يُوقَى تبعةَ هذه الذُّنوب وما ينتج عنها من المؤاخذة والعقوبة، وما إلى ذلك، وقلنا: منه المغفر، فهو يُغطِّي ويستر رأسَ لابسه، ويقيه الضَّرب.

"يتأوَّل القرآن"، وهذا كان يأتي به النبيُّ ﷺ في الركوع والسُّجود، كما تقول عائشةُ -رضي الله تعالى عنها-، اختار هذا التَّأول للقرآن، وامتثل أمر الله حينما قال له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ، جعله في هذه الأحوال التي يكون العبدُ فيها مُعَظِّمًا لله غاية التَّعظيم، يعني: وهو راكعٌ، أو وهو ساجدٌ.

ويقول الحافظُ ابن رجب -رحمه الله-: في هذا الحديث دليلٌ على الجمع بين التَّسبيح والتَّحميد والاستغفار في الركوع والسُّجود[13]؛ لأنَّ هذا الحديثَ تضمَّن هذه الأشياء جميعًا، مع أنَّ النبي ﷺ قال: وأمَّا الركوع فعظِّموا فيه الربّ[14]، فهنا جاء تسبيحٌ وتحميدٌ واستغفارٌ!

فهذا أجاب عنه بعضُ أهل العلم بإجابات، كقول بعضهم بأنَّ هذا الذكر زيادةٌ على ذلك التَّعظيم الذي كان يقوله ﷺ: يقول: "سبحان ربي العظيم"، ويزيد هذا.

وبعضهم يقول -كابن دقيق العيد- بأنَّ حديثَ الباب هذا: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك يدلّ على الجواز، وأمَّا قوله: وأمَّا الركوع فعظِّموا فيه الربّ يدل على الأولوية[15]، يعني: أنَّ ذلك من باب أولى أن يكون للتَّعظيم.

لكن كيف يُقال: إنَّه من باب أولى، والنبي ﷺ يقول ذلك في ركوعه وسجوده؟

وبعضهم يقول: يحتمل أن يكون أُمِرَ بالسُّجود بتكثير الدُّعاء لإشارةِ قوله: وأمَّا السُّجود فاجتهدوا فيه بالدُّعاء، فقَمِنٌ أن يُستجاب لكم[16].

وأمَّا ما جاء في قوله: اللهم اغفر لي في الركوع، مثل هنا: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك؛ فإنَّ هذا قليلٌ، فلا يُعارض ما أُمِرَ في السُّجود، فالذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنَّ هذا الذكرَ مُسْتَثْنًى، فيقوله في الركوع والسُّجود، لكن لا يتحرى في الركوع الدُّعاء، بمعنى: أنَّه في السُّجود يقول: ربي اغفر لي، وارحمني، وارزقني، واجبرني، وعافني، واهدني، واعفُ عني. ويدعو بما شاء، فيجتهد في الدُّعاء، لكن إذا ركع فإنَّه لا يجتهد في الدُّعاء، ولا يتحرى الدُّعاء في حال الركوع، فيكون هذا استثناءً فقط، يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، فلو أنَّه قال هذا بعد أن يقول: سبحان ربي العظيم فهذا حسنٌ -والله تعالى أعلم-.

هذا ما يتعلق بهذا الحديث، وأسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُعيننا وإيَّاكم على ذكره وشُكره وحُسن عبادته.

اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، واجعل آخرتنا خيرًا من دُنيانا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذابَ النار.

اللهم اهدِ قلوبنا، وسدد ألسنتنا، والله أعلم.

وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.

  1. أخرجه ابن ماجه: كتاب إقامة الصَّلاة والسُّنة فيها، باب التَّسبيح في الركوع والسُّجود، برقم (888)، وصححه الألباني، وهو بنحوه في "صحيح مسلمٍ" برقم (772).
  2. أخرجه أبو داود: كتاب الصَّلاة، باب مقدار الركوع والسجود، برقم (752)، وابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُّنة فيها، باب التَّسبيح في الركوع والسُّجود، برقم (880)، والترمذي: كتاب الصَّلاة، باب ما جاء في التَّسبيح في الركوع والسُّجود، برقم (242)، وضعفه الألباني.
  3. أخرجه البزار برقم (3447)، والطبراني برقم (1572)، والدَّارقطني (1/342)، وفي إسناده عبدالعزيز بن عبيدالله الحمصي، وهو ضعيفٌ.
  4. أخرجه الدَّارقطني برقم (1312)، والبزار برقم (3447).
  5. أخرجه الدَّارقطني برقم (1313).
  6. أخرجه البزار برقم (3686).
  7. "صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-" للألباني (ص133).
  8. "سنن ابن ماجه" ت. الأرنؤوط (2/58).
  9. "الكليات" (ص631).
  10. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب النَّهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (479).
  11. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب التَّسبيح والدُّعاء في السجود، برقم (817)، ومسلم: كتاب الصلاة، باب ما يُقال في الركوع والسجود، برقم (484).
  12. "شرح النووي على مسلم" (4/202).
  13. "فتح الباري" لابن رجب (7/174).
  14. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب النَّهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (738).
  15. "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" (1/315).
  16. أخرجه مسلم: كتاب الصَّلاة، باب النَّهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، برقم (738).

مواد ذات صلة