الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
(317) فضل التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير "من قال لا إله إلى الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير..."
تاريخ النشر: ١٨ / جمادى الأولى / ١٤٣٦
التحميل: 1896
مرات الإستماع: 1418

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد: نواصل الحديث فيما أورده المؤلفُ من الأذكار وفضائلها في هذا الباب: "فضل التَّسبيح، والتَّحميد، والتَّهليل، والتَّكبير".

الحديث الثاني: هو حديث أبي أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: مَن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، عشر مرار؛ كان كمَن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل. أخرجه الشَّيخان: البخاري، ومسلم[1].

فقوله ﷺ: مَن قال: لا إله إلا الله عرفنا معنى هذه الكلمة -كلمة التوحيد-، وما تضمنته من النَّفي والإثبات، وأنَّ المعنى: لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فشطرها الأول النَّفي؛ نفي لكلِّ ما يُعبد من دون الله -تبارك وتعالى-، وما يتَّصل بذلك، وما يرتبط به من العابدين، وما يُخالف شرع الله -تبارك وتعالى- من مساخطه، والمعاصي، والآثام، كلّ ذلك مُتفرعٌ عن شجرة الشِّرك.

ثم أكَّد ذلك بقوله: وحده، فقوله: "لا إله إلا الله" هذا هو الإثبات، أكَّده بقوله:  وحده، ثم أيضًا أكَّده بتأكيدٍ آخر، بقوله: لا شريكَ لهفي ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله: لا في إلهيته، ولا في ربوبيته -تبارك وتعالى-.

له الملك الملك الحقيقي، واللَّام هذه للملك، فالملك كلّه لله -تبارك وتعالى-، فله التَّصرف المطلق: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[آل عمران:26].

وله الحمد تُضاف إليه أوصاف الكمال والمحامد؛ لكماله في ذاته، وصفاته، وأفعاله، فإنَّ الحمدَ المطلقَ لا يكون إلا للكامل المطلق، الكمال المطلق من كل وجهٍ: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[المائدة:120]، فهو بالغُ القُدرة، لا يمتنع عليه شيء، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

هنا قال في هذا الحديث: أنَّ مَن قال ذلك عشر مرار يعني: عشر مرات،كان كمَن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل،فمثل هذا فضلٌ عظيمٌ.

وقد جاء بهذه الرِّواية المشهورة: أنه كمَن أعتق أربعة أنفسٍ، وجاء في روايات أخرى غير ذلك من العدد، لكن أكثر الرِّوايات، وأشهر الرِّوايات في ذكر الأربعة.

وقد جاء أيضًا في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- في قولها مئة مرة:كانت له عدل عشر رقابٍ[2]، فيكون مقابل كل عشر مرات رقبة من قبل المضاعفة، كما يقول بعضُ أهل العلم: كالحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى[3]-، فيكون لكل مرةٍ بالمضاعفة رقبة، يقول: وهي مع ذلك لمطلق الرِّقاب، ومع وصف كون الرَّقبة من بني إسماعيل يكون مقابل العشرة من غيرهم أربعة منهم؛ لأنهم أشرف من غيرهم من العرب، فضلًا عن العجم.

وعلى كل حالٍ، المشهور أربع رقابٍ في مثل هذا الحديث، مَن قالها عشر مرار.

وجمع غيره -كالقرطبي في "المفهم"- بين اختلاف الرِّوايات: أنَّ ذلك يكون بحسب اختلاف الذَّاكرين؛ أحوال الذَّاكرين من جهة حضور القلب، وعقل المعنى، والخشوع، وما يحصل في القلب من إخبات، ونحوه، فيتفاوت بسبب ذلك الثَّواب والجزاء عند الله -تبارك وتعالى-، بخلاف مَن أجرى ذلك على لسانه، دون أن يعقله قلبُه، أو أن يفهم معاني هذه الأذكار، فيتفاوت الثوابُ بهذا الاعتبار، كما يقول صاحب "المفهم"[4]، وهذا يحتمل.

ولكن قد يُقال: بأنَّ ذلك لا يخلو من إشكالٍ، وإن كان هذا ورد في جملةٍ من الأعمال الصَّالحة في ذكر التَّفاوت بينها في روايات وأحاديث مختلفة.

وعلى كل حالٍ، بعضهم يقول: إنَّ النبي ﷺ خصَّكون هذه الرِّقاب من ولد إسماعيل باعتبار أنها الأنفس، والأكمل، والأشرف، والأرفع قدرًا ودرجةً، وهم الأكثر سماحةً، وحسبًا، وشجاعةً، وفهمًا، وفصاحةً، وعفَّةً، ونزاهةً، هذا كلّه في أوصاف هؤلاء: من ولد إسماعيل، هذه الأوصاف موجودة في العرب أكثر من غيرهم، وهي موجودة في ولد إسماعيل أكثر من غيرهم من العرب، فإنَّ العرب يتفاضلون.

كذلك أيضًا الناس يتفاضلون، إذا استووا في التقوى، فإنَّ مَن كان من ولد إسماعيل تكون له مزية بهذا الاعتبار؛ فإنَّ النبي ﷺ قال لأمِّ المؤمنين: أعتقيها؛ فإنها من ولد إسماعيل[5]، وكان ذلك من سبي تميمٍ، وقد قال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: "أُحبّ تميمًا لثلاثٍ"، وذكر منها: أنَّه لما جاءت صدقاتهم -يعني: زكاتهم- قال النبي هذه صدقات قومنا[6]، مع أنَّ تميمًا ليسوا من قريشٍ كما هو معلومٌ، وقال أيضًا: أعتقيها؛ فإنها من ولد إسماعيل، والثالثة: أنَّ النبي قال في تميمٍ: هم أشدّ أُمتي على الدَّجال[7]، وهم تميم، فدلَّ هذا على التَّفاضل والتَّفاوت بين الناس.

وهذا لا يُعارض قول الله تعالى:إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[الحجرات:13]، وكذلك أيضًا ما جاء عن النبي لا فضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ إلا بالتَّقوى[8]، الكلام فيما إذا استووا في التَّقوى، هل هناك مزيّة؟

فيُقال: مَن كان له نسبٌ شريفٌ يتّصل بالنبي ، فهذه لا شكَّ أنها مزية، ومَن كان من قريشٍ فهذه مزيّة، ومَن كان من العرب فهذه مزيّة على الأعاجم إذا استووا في التَّقوى.

لكن إذا وُجد أعجميٌّ، وهو تقيٌّ لله -تبارك وتعالى-، مؤمن، ووُجد من آل هاشم، وهو فاجرٌ، أو ربما يكون كافرًا؛ فلا شكَّ أنَّ الأعجمي أكرم، وأفضل، وأرفع؛ ولذلك انظروا فيما قال الله -تبارك وتعالى- في حقِّ أبي لهب، وهو عمّ النبي ، وهو من نسبٍ لاشكَّ أنَّه في غاية الشَّرف: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ[المسد:1].

أما زيد بن حارثة مولى النبي فقال عنه:فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا[الأحزاب:37]، ذكره في القرآن، وهو الصَّحابي الوحيد الذي ذُكر اسمُه في القرآن، وهو مولى!

ولو نظرتم في ترجمته لوجدتم أنَّ النبي زوَّجه من أشراف العرب؛ زوَّجه أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي مُعيط، وهي من أشراف قريش، وزوَّجه ابنة عمّته البيضاء؛ زوَّجه زينب بنت جحش، وتزوّجها بعده النبيُّ ، تزوج عددًا من النِّساء.

على كل حالٍ، التَّقوى هي المعتبر، والمعول، وإنما الكلام إذا استوى الناسُ في التقوى، هل لقريشٍ مزيّة؟ هل لبني تميم مثلًا مزية على غيرهم؟ هل للعرب مزية على الأعاجم، أو لا؟

في هذا القدر فقط، وأمَّا اتّخاذ ذلك للعصبيات والنّعرات الجاهلية، فهذا لا يجوز، والله يقول: لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ [الحجرات:11]، ففرقٌ بين الكلام في التَّفاضل إذا استوى الناسُب التقوى، وبين اتِّخاذ ذلك على سبيل الفخر والعصبيات الجاهلية، فهذا لا يجوز بحالٍ من الأحوال.

وهذا الحديث يُؤخذ منه -كما قال شيخُ الإسلام رحمه الله-: أنَّ بني إسماعيل يُعتقون إذا كانوا كذلك، فهذا يدلّ على ثبوت الرّق في حقِّهم، فإنَّ النبي أمر بعتقها، وأخبر أنها من ولد إسماعيل.

هذا الحديث هل يُقال: أنَّ مَن كان عليه عتقُ رقبةٍ في الكفَّارات مثلًا، ثم قال هذا الذكر: لا إله إلا الله... إلى آخره عشر مرات؛كان كأنما أعتق أربعًا من ولد إسماعيل، أشرف الرِّقاب؟ هل يُقال: هذا يُجزئه عن الرقبة التي عليه؟

الجواب: لا، وقد مضى الكلامُ على هذا المعنى في مناسبات سابقةٍ؛ مثلما جاء عن النبي في مَن صلَّى في مسجد قباء، صلَّى ركعتين من غير الفريضة، فهذا يكون بعمرةٍ[9]، لكن مَن كان عليه نذرٌ، وعلى القول الرَّاجح أنَّ العمرة واجبة في العُمر مرةً، فهل يُجزئه ذهابه إلى قباء، يُصلي فيه ركعتين عن نذره، أو عن عُمرته الواجبة، الفرض؟

الجواب: لا، ذلك لا يُجزئه.

كذلك الحديث في مَن صلَّى الفجر في جماعةٍ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلَّى ركعتين؛ كانت له كأجر حجّةٍ وعمرةٍ، قال رسولُ الله ﷺ: تامَّة، تامَّة، تامَّةعند مَن حسَّن هذا الحديث[10].

كذلك قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص]تعدل ثلثَ القرآن[11]، لو أنه نذر أن يقرأ ثلثَ القرآن، أو أن يقرأ القرآنَ في ليلةٍ، فقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌثلاث مرات، هل يُجزئه؟

الجواب: لا، هل يكون هذا كمَن قرأ ختمةً؟ ذاك الذي قرأها ثلاث مرات، أو هذا الذي صلَّى في قباء ركعتين، كمَن مشى، وذهب، وسافر، وأنفق، وخطا، ثم جاء بعمرةٍ، وصلَّى في المسجد الحرام؟

الجواب: لا، غاية ما هنالك أنه يكون له كأجر عمرةٍ، لكن تبقى أعمال هذا، وتعب هذا، ومشي هذا، وسفره، ونفقاته، وما إلى ذلكيختلف ذلك فيها.

كذلك هذا الذي يقرأ القرآن، قرأ القرآن كاملًا، والقرآن بالإجماع ستة آلاف آيةٍ وكسور، فمثل هذا الذي قرأ أكثر من ستة آلاف آية، مثل هذا هل يكون كالذي قرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌثلاث مرات، في الوقت الذي قضاه، والجهد الذي بذله، والحروف التي نطق بها؟

الجواب: ليس كذلك، وإنما المقصود -والله أعلم- أنه يكون بقدر ثلث القرآن.

بعض أهل العلم حمله على أنَّ ذلك باعتبار ما تضمنه القرآن من الموضوعات، أو يكون له من الأجر بقدر ثلث القرآن، لكن هذا قضى وقتًا طويلًا، ونطق بحروفٍ كثيرةٍ، وهكذا.

على كل حالٍ، مثل هذا لا يُجزئه في عتق الرقاب مثلًا فيما نحن فيه عن نذره، أو عن كفَّارته الواجبة، والله تعالى أعلم.

هذا ما يتعلق بهذا الحديث، والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله، وصحبه.

 

 

  1. متفق عليه:أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب كلام الربّ-عزَّ وجلَّ- يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، برقم (7511)، ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التهليل والتسبيح والدُّعاء، برقم (2693).
  2. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاببدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، برقم (3293)، ومسلم: كتابالذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل التَّهليل والتَّسبيح والدعاء، برقم (2691).
  3. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (11/205).
  4. انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" للقرطبي (22/82).
  5. متفق عليه:أخرجه البخاري: كتاب العتق، باب مَن ملك من العرب رقيقًا، فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذّرية، برقم (2543)، ومسلم: كتاب فضائل الصَّحابة -رضي الله تعالى عنهم-، باب من فضائل غفار، وأسلم، وجُهينة، وأشجع، ومزينة، وتميم، ودوس، وطيئ، برقم (2525).
  6. متفق عليه:أخرجه البخاري: كتابالعتق، باب مَن ملك من العرب رقيقًا، فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذّرية، برقم (2543)، ومسلم: كتابفضائل الصَّحابة -رضي الله تعالى عنهم-، باب من فضائل غفار، وأسلم، وجُهينة، وأشجع، ومزينة، وتميم، ودوس، وطيئ، برقم (2525).
  7. متفق عليه: أخرجه البخاري: كتابالعتق، باب مَن ملك من العرب رقيقًا، فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذّرية، برقم (2543)، ومسلم: كتابفضائل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، باب من فضائل غفار، وأسلم، وجُهينة، وأشجع، ومزينة، وتميم، ودوس، وطيئ، برقم (2525).
  8. أخرجه أحمد في "مسنده"، برقم (23489)، وحسَّنه الألباني في "غاية المرام"، برقم (308).
  9. أخرجه الترمذي: أبواب الصلاة، باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء، برقم (324)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع"، برقم (3869).
  10. أخرجه الترمذي: أبواب السفر، باب ذكر ما يُستحبّ من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، برقم (586)، وحسَّنه الألباني في "مشكاة المصابيح"، برقم (971).
  11. أخرجه مسلم: كتابصلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص]، برقم (811).

مواد ذات صلة