الجمعة 19 / رمضان / 1445 - 29 / مارس 2024
‏[5] من قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} الآية:47 إلى آخر السورة
تاريخ النشر: ٠٧ / جمادى الآخرة / ١٤٣٢
التحميل: 12185
مرات الإستماع: 4177

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.

قال تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ۝ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ۝ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [سورة العنكبوت:47-49].

قال ابن جرير: يقول الله تعالى: كما أنزلنا الكتاب على مَن قبلك يا محمد من الرسل، كذلك أنزلنا إليك هذا الكتاب، وهذا الذي قاله حسن ومناسبته وارتباطه جيد.

كلام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يؤيد ما قاله ابن جرير، والمقصود أن قولهأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ مثل ذلك الإنزال البديع، وبهذا الاعتبار لا يكون ذلك مرتبطا بإنزال الكتب على من قبله، فالفرق بين المعنيين واضح، وابن كثير -رحمه الله- اختار الأول من أجل حسن المناسبة والارتباط؛ لأن الله -تبارك وتعالى- ذكر من خبر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- قبله، وإلحاق هذا بما مضى أولى، وهذه طريقة ابن جرير -رحمه الله- في التفسير اعتبارا بقاعدة أن إلحاق الكلام بما يليه أولى من قطعه عنه أو تفريقه، وكما سبق من أن الحافظ ابن القيم -رحمه الله- ربط أجزاء هذه السورة في أولها، والله تعالى أعلم.

وقوله تعالى: فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [سورة العنكبوت:47] أي: الذين أخذوه فتلوه حق تلاوته من أحبارهم العلماء الأذكياء، كعبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وأشباههما يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني: أن المقصود من هؤلاء هم من أسلم من أهل الكتاب ولابد؛ لأن الكافرين ليسوا كذلك فلا يؤمنون به، والمقصود بالإيمان الإيمان الصحيح الذي هو بمعنى الإقرار والإذعان والتصديق الانقيادي، أما مجرد التصديق فإنه كما قال الله -تبارك وتعالى- فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وأن قوله: وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ، قال: يعني العرب من قريش وغيرهم، وهذا الفرق بين القولين.

ولكن يمكن أن يحمل قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [سورة العنكبوت:47] على أن خبره كان عندهم مثلاً، أو يؤمنون بجنسه مما نزل عليهم من الكتب ومن هؤلاء من يؤمن به لكن كأن الكلام فيه إشكال؛ لأن مثل هذه الضمائر كلها عائدة إلى الكتاب الذي أنزل على النبي ﷺ.

أو أن الضمير يرجع إلى الكتاب المذكور أخيراً وَمِنْ هَؤُلَاء إذا قلنا أيضاً إنه من أهل الكتاب المعاصرين للنبي ﷺ مَن يُؤْمِنُ بِهِ المذكور أخيراً وهو الكتاب المنزل عليه، وهذا لا يخلو من إشكال من جهة المعنى، وحتى من ناحية اللغة فإن الأصل في عود الضمير أنه يعود للمضاف ولا يعود للمضاف إليه؛ لأن المضاف هو المحدث عنه -أهل الكتاب، والذي يظهر -والله أعلم- أن ذلك جميعاً يرجع إلى الكتاب الذي أنزل على النبي ﷺ.

وابن كثير -رحمه الله- يقول في قوله: وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ يعني: العرب من قريش وغيرهم، وهذا يُحمل على من دخل في الإسلام، وهذا قول حسن.

ثم قال تعالى: وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [سورة العنكبوت:48] أي: قد لبثت في قومك يا محمد من قبل أن تأتي بهذا القرآن عمراً لا تقرأ كتاباً ولا تحسن الكتابة بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، وهكذا صفته في الكتب المتقدمة، كما قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ [سورة الأعراف:157] الآية، وهكذا كان رسول الله ﷺ دائماً إلى يوم الدين، لا يحسن الكتابة ولا يخط سطراً ولا حرفاً بيده، بل كان له كتّاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم.

هذه قضية تشبه أن تكون محل إجماع بين العلماء، فالنبي ﷺ لم يكن يحسن الكتابة ولا القراءة، ولهذا وصفه الله -تبارك وتعالى- بالأمي هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ [سورة الجمعة:2] وذلك معجزة من معجزاته ﷺ رجل لا يقرأ ولا يكتب ينزل عليه هذا الكتاب المعجز بألفاظه وما تضمنه من التشريع والهدايات، مما لا يمكن أن يصدر عن رجل أمي وذلك رد بليغ على الذين قالوا: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا [سورة الفرقان:5] أو قالوا: إنما يعلمه بشر، وإن كان قال من شذ بأن النبي ﷺ تحققت معجزته بذلك، ثم عرف القراءة بعدها فهذا خرق للإجماع، وقد قال بذلك أحد المغاربة وشنع عليه أهل العلم في زمانه تشنيعاً عظيماً، بل كفره بعضهم وعدّ ذلك تكذيباً للقرآن، وقالوا في ذمه الشعر والنثر، وهذا معروف في محله، فهذا القول لا يلتفت إليه.

ولعله التبس على قائله، باعتبار ما ورد أو روي في بعض الروايات الضعيفة التي لا تصح بقصة الحديبية، فالنبي ﷺ في قصة الحديبية لم يكن يقرأ، ولذلك لما طلب المشركون أن يمحو ﷺ وصفهم بالرسالة، وقالوا نحن لا نقر لك بهذا، فلما أبى علي أن يمحو ذلك، طلب منه النبي ﷺ أن يريه ذلك الموضع، فمحاه النبي ﷺ بيده، والحاصل أنه جاء في بعض الروايات الضعيفة أن النبي ﷺ عرف ذلك من عند نفسه، وهذا لا يصح فيه شيء، فالنبي ﷺ إلى أن توفاه الله -تبارك وتعالى- لم يكن يحسن القراءة ولا الكتابة، والأدلة على هذا معروفة.

إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [سورة العنكبوت:48] أي: لو كنت تحسنها لارتاب بعض الجهلة من الناس، فيقول إنما تعلم هذا من كتاب قبله مأثور عن الأنبياء، مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم أنه أمي لا يحسن الكتابة وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ۝ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا [سورة الفرقان:5، 6]، وقال هاهنا: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [سورة العنكبوت:49]، أي: هذا القرآن آية بينة واضحة في الدلالة على الحق أمراً ونهياً وخبرًا، يحفظه العلماء، يسّره الله عليهم حفظاً وتلاوة وتفسيراً كما قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [سورة القمر:17]، وقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة[1].

قوله -تبارك وتعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [سورة العنكبوت:49] ولهذا جاء في الكتب المتقدمة في صفة هذه الأمة: أناجيلهم في صدورهم، والضمير في قوله –تبارك وتعالى: بَلْ هُوَ أي: النبي ﷺ بأنه لا يقرأ ولا يكتب، لكن هذا -والله أعلم- كأن ظاهر السياق لا يساعد عليه، وإنما ما ذكره ابن كثير -رحمه الله- أليق بالسياق، وهو أن الضمير يرجع إلى الكتاب الذي أنزل عليه -عليه الصلاة والسلام.

وأما قوله -تبارك وتعالى: وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [سورة العنكبوت:49] أي: ما يكذب بها ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون المعتدون المكابرون الذين يعلمون الحق ويحيدون عنه، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس:96، 97].

والمقصود بالآيات هنا الآيات المطلقة، سواء ما تتعلق بإثبات نبوته –ﷺ، أو كانت الآيات المتلوة، أو دلائل قدرة الله –تبارك وتعالى- على الخلق، والدلائل على إلهيته وربوبيته وعظمته وأسمائه وصفاته، ولما كانت الآيات تتحدث عما أنزل على النبي ﷺ حملها ابن جرير -رحمه الله- على جحد نوع من الآيات، وهو ما يختص بالآيات الدالة على نبوة محمد ﷺ، والله تعالى أعلم.

قال ابن القيم -رحمه الله- "إنه سبحانه مدح أهل العلم وأثنى عليهم وشرفهم بأن جعل كتابه آيات بينات في صدورهم، وهذه خاصة ومنقبة لهم دون غيرهم، فقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ۝ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ۝ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [سورة العنكبوت:47-49] وسواء كان المعنى أن القرآن مستقر في صدور الذين أوتوا العلم ثابت فيها محفوظ وهو في نفسه آيات بينات فيكون أخبر عنه بخبرين أحدهما أنه آيات بينات الثاني أنه محفوظ مستقر ثابت في صدور الذين أوتوا العلم، أو كان المعنى أنه آيات بينات في صدورهم أي كونه آيات بينات معلوم لهم ثابت في صدورهم، والقولان متلازمان ليسا بمختلفين، وعلى التقديرين فهو مدح لهم وثناء عليهم في ضمنه الاستشهاد بهم فتأمله...

وأنكر على من لم يكتف بالوحي عن غيره فقال: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة العنكبوت:51].

ذكر هذا جوابا لطلبهم آية تدل على صدقه، فأخبر أنه يكفيهم من كل آية، فلو كان ما تضمنه من الإخبار عنه وعن صفاته وأفعاله واليوم الآخر يناقض العقل لم يكن دليلا على صدقه فضلا عن أن يكون كافيا، وسيأتي في الوجه الذي بعد هذا بيان أن تقديم العقل على النقل يبطل كون القرآن آية وبرهانا على صحة النبوة.

فابن القيم –رحمه الله– ذكر في قوله –تبارك وتعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [سورة العنكبوت:49] الوجهين وما بينهما من الملازمة:

الوجه الأول: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وصفه بهذا الوصف أنه آيات بينات وأنه محفوظ في صدورهم، بمعنى أنه لم ينزل عليه كتاب يُقرأ كما نزل على الأنبياء قبله، وإنما نزلت هذه الآيات التي أودعها الله في قلب نبيه ﷺ وحفظها أصحابه.

الوجه الثاني: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعني هذا موقعه في صدورهم، وأنه آيات بينات واضحة الدلالة على الحق لا تترك فيه لبسا، فليس المقصود أن ألفاظه محفوظة في صدورهم، ولكن المقصود أن ذلك موقعه في نفوسهم، فأهل العلم يحفظونه في صدورهم، وأثره ووقعه كبير في نفوسهم، وهذا مراد ابن القيم -رحمه الله- من أن بين القولين ملازمة، وقد يكون في العبارة شيء من التوسع؛ إذ إن الملازمة بين القولين قد تكون ظاهرة باعتبار ما يعرف من معنى التلازم عند الأصوليين، كما في قوله -تبارك وتعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء [سورة البقرة:255]. 

فإذا قيل: الضمير يرجع إلى علم الله، والقول الآخر أنه يرجع إلى ما ذكر قبله يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [سورة البقرة:255] فبين القولين ملازمة؛ إذ إن علم ما بين أيديهم وما خلفهم هو بعض علم الله فإذا كانوا لا يعلمون ما عندهم علم ما بين أيديهم وما خلفهم، فيلزم من ذلك أنهم لا يحيطون بشيء من علم الله -تبارك وتعالى- هذه ملازمة ظاهرة، وكما في قوله -تبارك وتعالي: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [سورة غافر:60] يعني: اسألوني أعطكم، أو اعبدوني أستجب لكم، يعني: القبول والثواب والأجر، فالدعاء يمكن أن يفسر بدعاء المسألة، ويمكن أن يفسر بدعاء العبادة، وبين القولين ملازمة؛ إذ إن دعاء المسألة هو من أجلّ أنواع العبادة، وإن السائل بلسانه عابد لله كما إن العابد بجوارحه سائل بفعله؛ إذ إنه يطلب ما عند الله -تبارك وتعالى- بهذه العبادة.

وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ۝ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ۝ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [سورة العنكبوت:50-52].

يقول تعالى مخبراً عن المشركين في تعنتهم وطلبهم آيات، -يعنون- ترشدهم إلى أن محمداً رسول الله كما أتى صالح بناقته، قال الله تعالى: قُلْ يا محمد...

الآيات التي طلبوها هنا ليست الآيات المتلوة، وإنما قصدوا بذلك الآيات المعاينة المشهودة وهي المعجزات، فما يدل على صدق الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام– يقال له آيات في لغة الكتاب والسنة، سواء كان ذلك من خوارق العادات التي سميت أخيراً عند المتأخرين بالمعجزات، أو كان من غير خوارق العادات، مما يدل على صدقه كما في سؤالات هرقل لأبي سفيان، فإنه ما سأله عن شيء من خوارق العادات، وإنما سأله عن قضايا تتصل بما يدعو إليه، وعن صدقه ﷺ، وما يتصل بآبائه هل كان فيهم من ملك؟ كل هذا ليس من المعجزات، وهكذا يعرف ما جاء به الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأمور كثيرة لا تكون معجزة ولا تكون خارقة، ولكن المتأخرين قالوا عن هذه الخوارق: إنها معجزات، وما كان على يد أتباع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- من هذه الخوارق قالوا عنها: كرامات الأولياء، ولا مشاحة في الاصطلاح، وكل ذلك في لغة القرآن.

فالكفار كانوا يطالبون النبي ﷺ بألوان من الآيات على سبيل التعنت، فتارة يطلبون تنزيل الملائكة، وتارة يطلبون تحول الصفا إلى ذهب، مع أن النبي ﷺ كان له آيات وخوراق، كانشقاق القمر اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ [سورة القمر:1]، وغيرها من الآيات.

ومع ذلك كابروا وأعرضوا وقالوا بأن ذلك سحر، والله يقول: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ [سورة الإسراء:59]، المقصود هذا النوع من الآيات التي يقترحها الكفار، وليس معنى ذلك أنه لم يكن للنبي ﷺ معجزات.

قال الله تعالى: قُلْ يا محمد إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ أي: إنما أمر ذلك إلى الله، فإنه لو علم أنكم تهتدون لأجابكم إلى سؤالكم، لأن هذا سهل عليه يسير لديه، ولكنه يعلم منكم أنكم إنما قصدتم التعنت والامتحان، فلا يجيبكم إلى ذلك، كما قال تعالى: وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا [سورة الإسراء:59].

وقوله: وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أي: إنما بعثت نذيراً لكم بيّن النذارة، فعليّ أن أبلغكم رسالة الله تعالى مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا [سورة الكهف:17]، وقال تعالى: لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [سورة البقرة:272]، ثم قال تعالى مبيناً كثرة جهلهم وسخافة عقلهم حيث طلبوا آيات تدلهم على صدق محمد ﷺ فيما جاءهم، وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، الذي هو أعظم من كل معجزة، إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته بل عن معارضة عشر سور من مثله، بل عن معارضة سورة منه، فقال تعالى: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ [سورة العنكبوت:51] أي: أو لم يكفهم آية أنا أنزلنا عليك الكتاب العظيم الذي فيه خبر ما قبلهم، ونبأ ما بعدهم، وحكم ما بينهم، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب، ولم تخالط أحداً من أهل الكتاب، فجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى ببيان الصواب مما اختلفوا فيه وبالحق الواضح البين الجلي، كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الشعراء:197]، وقال تعالى: وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى [سورة طـه:133].

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة[2].

وقد قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة العنكبوت:51]، أي: إن في هذا القرآن لرحمة أي بياناً للحق وإزاحة للباطل، وذكرى بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين لقوم يؤمنون.

قوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً [سورة العنكبوت:51] أي: بياناً للحق وإزاحة للباطل، ومن أوجه كونه رحمة أن الله تعالى بعث هذا النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنزل عليه هذا الكتاب على حين فترة من الرسل، وانقطاع من السبل، بعد اندراس آثار النبوة، واضمحلال كثير من أعلامها، ومعالمها، واختلف الذين أنزل عليهم الكتاب في كتبهم، وفي ربهم -تبارك وتعالى- وفي أنبيائهم اختلافاً كثيراً، وكان آخر ما وقع في ذلك بعد عيسى -عليه الصلاة والسلام، وما حصل من التحريف والتبديل والتغيير في الكتاب الذي أنزل عليه، وللدين الذي جاء به في أصوله، وفروعه، بل إنهم أعرضوا عن ذلك كليّا، فبدلوا الاعتقاد بما أسموه بالأمانة العظمى، وبدلوا التشريعات التي كانوا متعبدين بها، بدلوا ما جاء به عيسى ﷺ من نسخ ما فرض على بني إسرائيل من الآصار والأغلال، فما عادوا على اعتقاد صحيح، ولا على تشريع منزل، فهم أهل ضلال، من شدة بغضهم لليهود لم يعملوا بالتوراة، وتركوها، فلم يكن عندهم قانون يضبط حياتهم ويحكم بينهم ويرجعون إليه.

وفي الاعتقاد اختلفوا كثيراً -كما هو معلوم- حتى دخل قسطنطين بعد عيسى ﷺ بنحو ثلاثمائة سنة حينما كان ملكا للرومان، وبعد ملكه بنحو سبع سنين، وبعد بداية ملكه كانت أمه قد تنصرت، فدعته، فتأثر بها، وأظهر ذلك –أي أنه دخل في النصرانية، وبعضهم يقول: إنه لم يعتقد ذلك فعلاً، وإنما جرّ النصرانية وأدخلها في وثنيته، وحصل ما حصل، وأُقرت عقيدة الشرك رسمياً -عقيدة التثليث- واشتغلت أمه في نشر ذلك الباطل، وعقيدة الصليب، وبذلت في ذلك جهوداً لا يقادر قدرها حتى إنه قيل: ما من كنيسة في بلاد مصر والشام وما والاها إلا كان ذلك من بنائها وبناء ابنها، حتى قيل: إنه بنى اثنتي عشرة ألف كنيسة.

فبنت أمه الكنائس في مصر، وعذبت اليهود، واضطهدوا في عهده، بعدما كانوا يتسلطون على النصارى، وامتحنتهم تبحث عن الصليب الذي صلب عليه عيسى ﷺ، والمكان الذي صلب فيه -تعتقد أنه صلب- فدلها بعضهم -بعد امتحان وعذاب- أنه كان ذلك في مكان كناسة ومحل للقمامة -أعزكم الله- فأمرت بإزاحة ذلك، وأخرجت صليباً، وأزاحت ما فيه من أذى، وألبسته الذهب واعتنت به غاية العناية، وبنت في مكان القمامة كنيسة يقال لها كنيسة القمامة، وأقامت كنيسة في بلاد الشام أيضاً على أربعة أصول يقال إنها من عجائب الدنيا في بنائها إلى غير ذلك مما نشروا من الضلال والباطل والكفر بالله -تبارك وتعالى، وفعلوا أموراً كثيرة عظيمة، وصار أهل التوحيد يستضعفون ويستذلون لأنهم قلة قليلة، وأخفيت الأناجيل التي تذكر التوحيد وتدل عليه صراحة.

فالشاهد أنه حدثت كل هذه الأمور، فالله -تبارك وتعالى- أنزل هذا القرآن يبين لهم ما اختلفوا فيه من الحق، ويرشدهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ويقص على بني إسرائيل أكثر الذي كانوا فيه مختلفين، وأنزله على قوم أميين لا يقرءون ولا يكتبون، كانوا على حال من الجهالة والعماية أبعد ما يكونون عن شمس النبوة، ولا عهد لهم بذلك، فكل ذلك كان رحمة لهم منه -تبارك وتعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [سورة العنكبوت:51] فلولا أن الله -تبارك وتعالى- لطف وجاء بهذا القرآن، وبعث هذا النبي ﷺ وإلا فكيف يُعرف الحق إذا كان آخر ما بعث من الرسل -عليهم الصلاة والسلام- هذا ما ُفعل بدينه وهذا ما وقع فيه من التحريف، فكيف بمن قبله؟

وكيف يتوصل الناس إلى الحق ويعرفون عبادة الله على الوجه الصحيح ووحدانيته؟ فكان القرآن من أعظم الرحمة التي تفضل الله بها على عباده.

ثم قال تعالى: قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا [سورة العنكبوت:52]، أي هو أعلم بما تفيضون فيه من التكذيب، ويعلم ما أقول لكم من إخباري عنه بأنه أرسلني، فلو كنت كاذباً عليه لانتقم مني، كما قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ۝ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ۝ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ۝ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [سورة الحاقة:44-47] وإنما أنا صادق عليه فيما أخبرتكم به، ولهذا أيدني بالمعجزات الواضحات والدلائل القاطعات يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أي: لا تخفى عليه خافية وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [سورة العنكبوت:52]، أي: يوم القيامة سيجزيهم على ما فعلوا ويقابلهم على ما صنعوا في تكذيبهم بالحق واتباعهم الباطل، كذبوا برسل الله مع قيام الأدلة على صدقهم، وآمنوا بالطواغيت والأوثان بلا دليل، فسيجزيهم على ذلك، إنه حكيم عليم.

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ۝ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ۝ يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة العنكبوت:53-55].

يقول تعالى مخبراً عن جهل المشركين في استعجالهم عذاب الله أن يقع بهم وبأس الله أن يحل عليهم، كما قال تعالى: وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الأنفال:32] وقال ههنا: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ [سورة العنكبوت:53] أي: لولا ما حتم الله من تأخير العذاب إلى يوم القيامة لجاءهم العذاب قريباً سريعاً كما استعجلوه.

ظاهر كلام ابن كثير -رحمه الله- أن العذاب الذي استعجلوه هو عذاب القيامة، هم طلبوا ذلك، لكن ذلك يحتمل أن يكون عذاب يوم القيامة، أو أن يكون المقصود العذاب الذي وُعدوا به في الدنيا، أنزل علينا عذاباً في الدنيا.

وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ إذا قلنا إن المقصود عذاب يوم القيامة فمن أهل العلم من يقول: الأجل المسمى هو الموت، فإن الإنسان إذا مات صار إلى ما وعد، وعاين الحقائق وأبصر ما كان عليه، فيعذب أو ينعم في البرزخ، ثم يصير إلى عذاب النار أو إلى الجنة بعد ذلك، ويكون الأجل هنا هو مدة أعمارهم فإذا جاء أجلهم وماتوا انتقلوا إلى ما وعدوا. ويحتمل أن يكون الأجل هو القيامة، وأن الله حدد لها وقتاً فلا تتقدم عليه.

ومن أهل العلم من يقول -باعتبار أن العذاب المقصود به الذي طلبوه: إن ذلك في الدنيا، أي: وقت محدد يقع به كما في يوم بدر، فكل شيء عند الله -تبارك وتعالى- بأجل ووقت لا يتقدم عليه ولا يتأخر.

وقد قال –تبارك وتعالى: وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [سورة الأنفال:32] يقصدون في الدنيا فهذا من استعجالهم بالعذاب.

وقوله سبحانه: وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [سورة العنكبوت:53] مع قوله: يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [سورة العنكبوت:54] يشعر أن العذاب الذي استعجلوا به هو عذاب الآخرة، فالساعة تأتي بغتة، أما ما وقع يوم بدر فلم يكن بغتة، وقوله –تبارك وتعالى: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [سورة العنكبوت:55] قرينة تدل على أن المقصود بالعذاب الذي استعجلوه هو عذاب الآخرة.

ثم قال: وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً [سورة العنكبوت:53] أي: فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ۝ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [سورة العنكبوت:53، 54] أي: يستعجلون العذاب وهو واقع بهم لا محالة.

ثم قال : يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [سورة العنكبوت:55]، كقوله تعالى: لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [سورة الأعراف:41]، وقال تعالى: لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [سورة الزمر:16]، وقال تعالى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ [سورة الأنبياء:39] الآية، فالنار تغشاهم من سائر جهاتهم، وهذا أبلغ في العذاب الحسي.

وقوله تعالى: وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة العنكبوت:55] تهديد، وتقريع، وتوبيخ، وهذا عذاب معنوي على النفوس، كقوله تعالى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ۝ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [سورة القمر:48، 49]، وقال تعالى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ۝ هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ۝ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ۝ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة الطور:13-16].

يعني: أن العذاب الحسي يغشاهم من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، ويأتيهم من كل ناحية، ومع العذاب المعنوي وما يكون من التبكيت لهم كما في هذه الآيات، وهكذا أيضاً ما ذكره الله من كونهم يسحبون في النار على وجوههم، أو يدفعون فيها دفعاً وما إلى ذلك مما يكون فيه إهانة لهم إضافة إلى العذاب الحسي فيجتمع لهم العذاب الحسي، والعذاب المعنوي؛ ولهذا وصف الله -تبارك وتعالى- عذاب الكافرين في النار تارة بأنه عذاب أليم، وتارة أنه عذاب مهين، فيحصل فيه إهانة وإذلال، والإهانة والإذلال تقع على النفوس، أما ما يحصل للأبدان فكالسحب على الوجوه، أو بما تسمعه الآذان مما يقال لهم من التبكيت ونحو ذلك مما قصه الله -تبارك وتعالى- قال لهم: هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ۝ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ ۝ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة الطور:14-16]، فالذي يقع في ورطة يكون في حال من الأسى والألم، ثم يأتي من يبكته عندها، فيجمع عليه عذاباً آخر، هذا في الدنيا.

يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ ۝ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ۝ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ۝ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [سورة العنكبوت:56-60].

هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين إلى أرض الله الواسعة حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم، ولهذا قال تعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ.

ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم بها، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة ليأمنوا على دينهم هناك، فوجدوا خير المنزلين هناك: أصحمة النجاشي ملك الحبشة -رحمه الله تعالى، فآواهم وأيدهم بنصره، وجعلهم سُيوماً ببلاده، ثم بعد ذلك هاجر رسول الله ﷺ والصحابة الباقون إلى المدينة النبوية يثرب المطهرة.

فسر الحافظ ابن كثير –رحمه الله– قوله –تبارك وتعالى: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [سورة العنكبوت:56]، بالهجرة، أنه إذا ضاق موضع على الإنسان فلم يستطع أن يعبد ربه فيه فإنه ينتقل إلى غيره، فأرض الله واسعة، وهذا هو الظاهر، والله تعالى أعلم.

ومن أهل العلم من قال: إن ذلك في ابتغاء الرزق والسعي في طلبه والضرب في الأرض من أجل تحصيله بألوان التجارات والاكتساب، ولكن الأول أولى، والله تعالى أعلم.

وسياق هذه الآيات يدل -والله تعالى أعلم- على أن المقصود بذلك الهجرة، وابن جرير -رحمه الله- يحمل المعنى على هذا، بل أكثر من هذا حيث إنه يربط الآيات التي بعده به كما سبق من طريقة ابن جرير -رحمه الله- بإلحاق الكلام بما يليه فهو حتى في قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [سورة العنكبوت:57] يربط هذا بموضوع الهجرة والجهاد: بأن مفارقة الأوطان ومجاهدة الأعداء ومراغمة الكافرين كل ذلك لا ينقص من عمر الإنسان، فإذا جاء الأجل مات سواء كان في أرضه أو كان خارجاً عنها، سواء كان مخلداً إلى الأرض أو مجاهداً لأعداء الله -تبارك وتعالى- فإن ما ينزل بالإنسان من الغربة أو الكربة من الأوجاع والآلام أو الجراح أو نحو ذلك لا يغير من الأجل قليلاً أو كثيراً، فإذا جاء الأجل مات الإنسان، فالمرض لا علاقة له بالأجل، والجراح لا علاقة لها بالأجل وكما قيل:

لو أن عبداً مدرِكُ الفلاحِ لناله ملاعبُ الرماح

قوله: وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [سورة العنكبوت:60]، ابن جرير يربط هذا بموضوع الهجرة والجهاد، ويقول إن رزق الله آت لا يرده أحد، فإذا ضاق عليكم مكان انتقلوا إلى مكان آخر، والآجال محسومة مكتوبة ومؤجلة ومؤقتة بوقت لا تتقدم عليه ولا تتأخر، فانطلقوا واعبدوا الله -تبارك وتعالى- وتقربوا إليه بألوان القربات، وراغموا أعداءه، فإن ذلك لن يغير من آجالكم، ولن يكون نقصا في أرزاقكم.

ثم قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [سورة العنكبوت:57] أي: أينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة الله وحيث أمركم الله، فهو خير لكم، فإن الموت لابد منه ولا محيد عنه، ثم إلى الله المرجع والمآب، فمن كان مطيعاً له جازاه أفضل الجزاء، ووافاه أتم الثواب؛ ولهذا قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [سورة العنكبوت:58]، أي: لنسكننهم منازل عالية في الجنة تجري من تحتها الأنهار على اختلاف أصنافها من ماء وخمر وعسل ولبن، يصرفونها ويجرونها حيث شاءوا.

لَنُبَوِّئَنَّهُم أي لنسكننهم، ومنه قوله سبحانه: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ [سورة الحشر:9] يعني: سكنوا المدينة.

وقد قرأ حمزة والكسائي لنثوِّينَّهم من الجنة غرفا يعني: لنعطينهم غرفاً عالية في الجنة يثوون فيها، والغرف هنا جاءت منصوبة على تضمين نبوئنهم معنى ننزلنهم، فهو يتعدى إلى مفعولين، لكن لنبوئنّهم لا يتعدى إلى مفعولين، فالمفعول الأول الضمير الهاء، كما تقول مثلاً لأنزلن زيداً، هذا المفعول الأول، لأنزلن المؤمن غرفاً، فيكون هذا المفعول الثاني، وقد يكون "غرفا" منصوباً على نزع الخافض، أو الظرفية، والله أعلم.

خَالِدِينَ فِيهَا، أي: ماكثين فيها أبداً لا يبغون عنها حولا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ نعمت هذه الغرف أجراً على أعمال المؤمنين الَّذِينَ صَبَرُوا أي: على دينهم، وهاجروا إلى الله ونابذوا الأعداء، وفارقوا الأهل والأقرباء ابتغاء وجه الله ورجاء ما عنده وتصديق موعده.

لاحِظ ابن كثير هنا يربطها بموضوع الهجرة والجهاد الَّذِينَ صَبَرُوا ما قال إنهم صبروا على طاعة الله وعلى معصيته وعلى أقداره المؤلمة، وإنما ربط ذلك بما قبله.

وروى ابن أبي حاتم عن أبي معاوية الأشعري أن أبا مالك الأشعري حدثه أن رسول الله ﷺ، حدثه أن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وأطاب الكلام، وتابع الصلاة والصيام، وقام بالليل والناس نيام وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ في أحوالهم كلها في دينهم ودنياهم، ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع.

لا يزال ابن كثير –رحمه الله- يربط هذا المعنى بما قبله وهو موضوع الهجرة، وهذا يتصل بموضوع المناسبة بين الآية والآية الأخرى، فوجه الارتباط أن الآيات مترابطة بينها معنى متحد، ويقول لهم إن أرضي واسعة، ويعدهم بالأجر ويثني عليهم بالصبر، ويخبرهم بأن الرزق من عنده فلا داعي للقلق؛ لأن الناس يقلقون على شيئين اثنين فقط هما رأس المخاوف -أقصد من أمور الدنيا:

الأول: ما يتصل بالأجل، ويرتبط بذلك ألوان من المخاطر المتعلقة بالنفس، الخوف من الناس، الخوف من السلطان، الخوف من المرض، الخوف من السبع، الخوف من الهوام، كل هذه الأشياء تتصل بالأجل، يخشى أن يقتله هذا، أو أن ينهشه هذا، أو يحصل له مكروه.

الثاني: ما يتصل بالرزق، هذا القلق الدائم المرتبط بالتفكير في المستقبل، كيف ستكون الأوضاع؟ هل سيعمل؟ هل سيجد عملا؟

فهاتان قضيتان حسمهما الله -تبارك وتعالى- فالملَك يرسل إليه وهو في بطن أمه، ويؤمر بأربع كلمات، منها الرزق والأجل، وقدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فلو أن الناس استيقنوا ذلك ووقر في قلوبهم وثبت لارتفعت عنهم كثير من الهموم والعلل والأنصاب التي يعاني منها أكثر الخلق.

قوله: وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [سورة العنكبوت:60] الدواب لا تحمل رزقها، أي: لا تدخر رزق يومها الآخر، ولا تدخر شيئاً من الرزق، إنما تأكل ما لقيته، وما حصل في ساعته، ورزق الغد يأتي به الله الذي قدر رزق اليوم.

ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع، وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار، ولهذا قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا أي: لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تدخر شيئاً لغد.

وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ بعضهم يقول: إن الكاف هذه كاف التشبيه، وإن أصل كأين "أي" دخلت عليها كاف التشبيه وصار فيها معنى "كم" التي تكون للتكثير، هذا الذي يذهب إليه الخليل بن أحمد، وسيبويه، وبعضهم يسهل ذلك ويختصر ويقول في معنى قوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ أي: وكم من دابة، والمقصود بذلك التكثير، أي: لا تطيق جمعه وتحصيله، لاحِظْ: لا تحمل رزقها: لا تطيق جمعه وتحصيله لضعفها.

وقد قال أهل التفسير في قوله –تبارك وتعالى: لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا أي: لا تدخر لغدها كما يقول ابن جرير، ولا يوجد بين هذه المعاني منافاة، وقد جمع ابن كثير -رحمه الله- بين هذين المعنيين بعبارة واحدة، فقال: أي لا تطيق جمعه وتحصيله، ولا تدخر شيئاً لغد.

اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ أي: الله يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء والحيتان في الماء. قال تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [سورة هود: 6].

مضى الكلام على هذا طويلاً، وليس المقصود من هذا الدرس في التفسير ذكر الهدايات والمعاني الزائدة ونحو ذلك، وإنما هو توجيه أقوال المفسرين؛ وبيان مأخذ القول، والجمع بين الأقوال أو الترجيح.

لكن هذا المعنى الكبير الذي ذكره الله -تبارك وتعالى: اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ مضى الكلام عليه مطولاً في الأعمال القلبية في الكلام على التوكل، كما مضى الكلام على ذلك في الأسماء الحسنى في مناسبات، والكلام عليه مع شيء من البسط في الكلام على اسمه -تبارك وتعالى- الرزاق، والله المستعان.

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ۝ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۝ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [سورة العنكبوت:61-63]، يقول تعالى مقررا أنه لا إله إلا هو، لأن المشركين الذين يعبدون معه غيره معترفون بأنه المستقل بخلق السموات والأرض والشمس والقمر وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق الرازق لعباده ومقدر آجالهم، واختلافها واختلاف أرزاقهم، ففاوت بينهم، فمنهم الغني والفقير وهو العليم بما يصلح كلا منهم، ومن يستحق الغنى ممن يستحق الفقر، فذكر أنه المستقل بخلق الأشياء المتفرد بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك، فلمَ يُعبد غيره؟ ولمَ يُتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية، وقد كان المشركون يعترفون بذلك، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.

إذا كان الله -تبارك وتعالى- هو الذي خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر، وهو الذي يخلق ويرزق ويعطي ويمنع، فكيف تُوجَّه العبادة إلى غيره؟ كيف تكون الرغبة إلى غيره؟ فإن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية، فإذا كنتم تقرون بتوحيد الربوبية فاعبدوه وحده لا شريك له.

كما أن توحيد الإلهية متضمن توحيد الربوبية، فإنه حينما تُوجَّه العبادة إلى الله -تبارك وتعالى- حينما يقال: هو الله: هو المعبود: هو الإله فإن هذا يتضمن أنه الكامل من كل وجه، فهو الرب المدبر، المتصرف، السيد، الخالق، الرازق، المحيي، المميت، الذي اتصف بجميع صفات الكمال، ولهذا كان أجمع الأوصاف على الإطلاق صفة الإلهية؛ لأنها تدل على جميع صفات الكمال، فهي مضمنة فيها، فإنه المألوه المعبود الذي اتصف بكل كمال، ولهذا قال الله تعالى: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[سورة الفاتحة:2] فـ "ال" للاستغراق، فجميع المحامد مستحقة لله -تبارك وتعالى- ولا يكون ذلك -أي كل المحامد مستحقة- إلا لمن كان كاملا من كل وجه، وليس فيه نقص بوجه من الوجوه فاستحق الحمد الكامل المطلق، والله تعالى أعلم.

وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ۝ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ۝ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [سورة العنكبوت:64-66]، يقول تعالى مخبرا عن حقارة الدنيا وزوالها وانقضائها، وأنها لا دوام لها، وغاية ما فيها لهو ولعب، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان: أي الحياة الدائمة: الحق الذي لا زوال له ولا انقضاء، بل هي مستمرة أبد الآباد.

وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [سورة العنكبوت:64] الحيوان يقال للحياة، لكن ما كان على هذه الزنة فإنه أبلغ في الوصف؛ لأنه عدل به عن نظائره، والمقصود بذلك الحياة التي لا يعتورها نقص بوجه من الوجوه، فهي حياة كاملة، وهي الحياة الحقيقية؛ لأن الحياة الدنيا منغصة بألوان المكدرات، ثم بعد ذلك يعقبها الموت، وأما الآخرة فهي حياة كاملة، لا نقص فيها ولا موت فهم خالدون، هذه الحياة التي يصح أن يقال عنها: إنها حياة حقيقة لكمالها.

قال ابن القيم –رحمه الله: "وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ والمراد الجنة عند أهل التفسير قالوا: وإن الآخرة يعني الجنة لهي الحيوان لهي دار الحياة التي لا موت فيها، فقال الكلبي هي حياة لا موت فيها قال: وقال الزجاج: هي دار الحياة الدائمة، وأهل اللغة على أن الحيوان بمعنى الحياة، وقال أبو عبيدة وابن قتيبة الحياة الحيوان قال أبو عبيدة الحياة والحيوان والحِيّ بكسر الحاء واحد"[3].

من العلماء من يقول: الحياة والحيوان هما بمعنى واحد، يقال حِيّ وحيوان بمعنى واحد، وبعضهم يقول ذلك لما كان فيه حياة واضحة، يعني ما يقابل ما لا حياة فيه من الحياة والجماد، والمقصود بالحياة عند الفقهاء وعند أهل العلم ليس ما اصطلح عليه الناس اليوم من أن النبات والنطفة فيها حيوانات منوية، فهم يعتبرون هذا كله من قبيل مالا حياة فيه.

وإنما ما كان فيه روح سارية فإنه يقال له حيوان، ولهذا فإن أهل المنطق يقولون: إن الإنسان حيوان ناطق بهذا الاعتبار.

يقول ابن القيم: "قال أبو علي: يعني أنها مصادر فالحياة فَعَلة كالحَلَبة، والحيوان كالنزَوان والغلَيان، والحِي كالعِي، قال العجاج:

كنا بها إذا الحياة حِي.  

أي: إذا الحياة حياة، وأما أبو زيد فخالفهم وقال: الحيوان ما فيه روح والموتان والموات ما لا روح فيه. والصواب أن الحيوان يقع على ضربين أحدهما مصدر كما حكاه أبو عبيدة، والثاني وصف كما حكاه أبو زيد وعلى قول أبي زيد الحيوان مثل الحي خلاف الميت، ورجح القول الأول بأن الفَعَلان بابه المصادر كالنزوان والغليان بخلاف الصفات فإن بابها فَعْلان كسكران وغضبان، وأجاب من رجح القول الثاني بأن فَعَلان قد جاء في الصفات أيضا قالوا رجل ضَمَيان للسريع الخفيف، وزَفَيان قال في الصحاح ناقة زفيان سريعة وقوس زفيان سريعة الإرسال للسهم، فيحتمل قوله تعالى: وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ معنيين:

أحدهما: أن الحياة الآخرة هي الحياة لأنها لا تنغيص فيها ولا نفاد لها أي لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار فيكون الحيوان مصدرا على هذا.

والثاني: أن يكون المعنى أنها الدار التي لا تفنى ولا تنقطع ولا تبيد كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت"[4].

فالمعنى الأول: الدار الآخرة هي الحيوان يعني الحياة الحقيقية، وهي التي تستحق أن يقال عنها حياة لا فيها منغصات ولا مكدرات، والمعنى الثاني: أنها أحق بهذا الوصف يعني: الحياة التي يقابلها الموت، الحياة الآخرة هي التي تستحق أن يقال لها ذلك فهي أكمل، والنعيم فيها يقع على الروح والجسد على حد سواء، وما يحصل فيها من اللذات والمتع وما إلى ذلك أكمل بكثير مما يقع في الدنيا، أما الحياة في الدنيا فهي قصيرة يعقبها الموت.

وقوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [سورة القصص:8].

العلماء -رحمهم الله- يقولون في مثل هذا: إنها لام عاقبة يعني: أنهم ما قصدوا الوصول إلى هذا، وما فعلوا هذا من أجل هذا، يعني ليست لام التعليل، وإنما لام العاقبة.

مثال ذلك قوله : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [سورة القصص:8] فهل التقطوه من أجل أن يكون لهم عدوا؟ الجواب: لا، فاللام هنا للعاقبة.

ابن كثير يفصل هذا التفصيل -كما ذكره في ذلك الموضع أيضاً- فيقول هي بالنسبة لله -تبارك وتعالى- لام التعليل، وليست لام العاقبة، وبالنسبة لفعلهم هم هي لام العاقبة؛ لأنهم لم يقصدوا الوصول إلى ذلك.

وفي قوله تعالى: لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا [سورة العنكبوت:66] يقول ابن كثير: بالنسبة إليهم هي لام العاقبة، وبالنسبة لله -عز وجل- وتدبيره هي لام التعليل.

وهذه الآية فيها قراءتان متواترتان، فعلى قراءة أبي عمرو وعاصم وابن عامر وورش بكسر اللام، فاللام للتعليل، وبعضهم يقول: هي بالكسر لام الأمر على سبيل التهديد كما قال: تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [سورة الزمر:8].

وعلى قراءة الجمهور بسكون اللام فهذه لا خلاف أنها لام أمر، ومن ثم يقال في هذه اللام: إنها لام الأمر أو لام التعليل، والله تعالى أعلم.

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ ۝ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ۝ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [سورة العنكبوت:67-69]، يقول تعالى ممتنا على قريش فيما أحلهم من حرمه الذي جعله للناس سواء العاكف فيه والباد، ومن دخله كان آمنا فهم في أمن عظيم، والأعراب حوله ينهب بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، كما قال تعالى: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ۝ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ ۝ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ۝ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [سورة قريش:1-4]. 

وقوله تعالى: أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [سورة العنكبوت:67]، أي أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به وعبدوا معه غيره من الأصنام والأنداد وبدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار وكفروا بنبي الله وعبده ورسوله؟!، فكان اللائق بهم إخلاص العبادة لله، وأن لا يشركوا به، وتصديق الرسول وتعظيمه وتوقيره، فكذبوه وقاتلوه، وأخرجوه من بين ظهرهم، ولهذا سلبهم الله تعالى ما كان أنعم به عليهم، وقتل من قتل منهم ببدر، ثم صارت الدولة لله ولرسوله وللمؤمنين، ففتح الله على رسوله مكة، وأرغم آنافهم وأذل رقابهم.

ثم قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ [سورة العنكبوت:68]، أي: لا أحد أشد عقوبة ممن كذب على الله، فقال: إن الله أوحى إليه، ولم يوح إليه شيء. ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله، وهكذا لا أحد أشد عقوبة ممن كذب بالحق لما جاءه، فالأول مفترٍ، والثاني مكذب.

وَمَنْ أَظْلَمُ أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ [سورة البقرة:114] لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله، فهذا على أحد وجهين:

الأول: أن يقال ذلك على سبيل الإطلاق بمعنى أن أفعل التفضيل لا تمنع التساوي، وإنما تمنع أن يزيد أحد على هذا المذكور، يعني أنه بلغ الغاية، فلا أحد يزيد على ظلم من منع مساجد الله، ولا أحد يزيد على ظلم من افترى على الله كذبا، أو من ذُكر بآيات ربه ثم أعرض عنها، فكل هؤلاء بلغوا في الظلم غايته، فأفعل التفضيل لا تمنع التساوي ولكنها تمنع الزيادة، فلا يشكل بعد ذلك، وليس هناك تعارض، فكل هؤلاء بلغوا الغاية في الظلم.

والوجه الثاني: أن يكون كل واحد يختص بموضعه، ففي المانعين لا أحد أظلم ممن منع مساجد الله، وفي المعرضين لا أحد أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها، وفي المفترين لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا.

ولهذا قال تعالى: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ [سورة العنكبوت:68]، ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [سورة العنكبوت:69]، يعني: الرسول ﷺ وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين لنهدينهم سبلنا أي لنبصرنهم سبلنا، أي طرقنا في الدنيا والآخرة.

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [سورة العنكبوت:69] هل المقصود به الجهاد بالمعنى الخاص وقتال الأعداء، أو المقصود بالمجاهدة المعنى العام؟ لأن هذه السورة مكية ونزلت قبل فرض الجهاد.

ولهذا يقول بعض المفسرين -كابن عطية: إن هذه الآية في الجهاد العام، كجهاد النفس والهوى والشيطان، والدعوة إلى الله وبيان الحق والرد علي المبطلين؛ لأن الآية نازلة في مكة ولم يفرض الجهاد الذي هو القتال بعد، فالذي يجاهد نفسه ليردها عن الباطل ويجاهد هواه ويبذل وسعه في طلب الحق فإن الله يسدده ويوفقه ويبصره ويهديه.

وحمل بعض أهل العلم -كابن أدهم- هذه الآية على المعنى القريب من هذا، لكنه في العمل يجاهد نفسه بالعمل بما علم، لكن لا حاجة لهذا التقييد.

وبعضهم يحمل الآية -كما هو ظاهر كلام ابن كثير -رحمه الله- على الجهاد عموماً، وبعض أهل العلم قال: إن ذلك في الجهاد الذي هو قتال الكفار، وإن الناس إذا اختلفوا في شيء، فإنه ينظر ما كان عليه أهل الجهاد فإن الله يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، ولكن إذا قيل بأن الآية مكية، وأن المقصود بالجهاد هو المعنى العام، فمن جاهد في طلب الحق، وبذل وسعه في تلمسه، وجاهد نفسه، وهواه فإن الله يسدده، ويوفقه.

روى ابن أبي حاتم عن عباس الهمداني أبي أحمد -من أهل عكا- في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ، قال: الذين يعملون بما يعلمون يهديهم الله لما لا يعلمون. قال أحمد بن أبي الحواري: فحدثت به أبا سليمان الداراني، فأعجبه وقال: ليس ينبغي لمن ألهم شيئًا من الخير أن يعمل به حتى يسمعه في الأثر، فإذا سمعه في الأثر عمل به، وحمد الله حين وافق ما في نفسه.

وقوله: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ قال ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: قال عيسى ابن مريم : إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك، والله أعلم.

نقل عن عيسى ﷺ أن الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك، والإحسان هنا أعم من هذا المعنى، فالإحسان مع الله -تبارك وتعالى- أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فهذه المرتبة العالية من مراتب الدين، ثم بعد ذلك الإحسان مع الخلق بإسداء المعروف وبذل النفع وألوان البر للخلق، فهذا كله من الإحسان.

قال ابن القيم -رحمه الله: "قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [سورة العنكبوت:69]، علق سُبْحَانَهُ الْهِدَايَة بِالْجِهَادِ فأكمل النَّاس هِدَايَة أعظمهم جهادا وأفرض الْجِهَاد جِهَاد النَّفس وَجِهَاد الْهوى وَجِهَاد الشَّيْطَان وَجِهَاد الدُّنْيَا فَمن جَاهد هَذِه الْأَرْبَعَة فِي الله هداه الله سبل رِضَاهُ الموصلة إِلَى جنته وَمن ترك الْجِهَاد فَاتَهُ من الْهدى بِحَسب مَا عطل من الْجِهَاد، قَالَ الْجُنَيْد: وَالَّذين جاهدوا أهواءهم فِينَا بِالتَّوْبَةِ لنهدينهم سبل الْإِخْلَاص وَلَا يتَمَكَّن من جِهَاد عدوه فِي الظَّاهِر إِلَّا من جَاهد هَذِه الْأَعْدَاء بَاطِنا فَمن نُصر عَلَيْهَا نصر على عدوه وَمن نصرت عَلَيْهِ نصر عَلَيْهِ عدوه"[5].

  1. رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل (4/ 1905)، برقم: (4696)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد ﷺ إلى جميع الناس ونسخ الملل بملة (1/ 134)، برقم: (152).
  2. رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزول الوحي وأول ما نزل (4/ 1905)، برقم: (4696).
  3. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 98).
  4. حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص: 98، 99).
  5. الفوائد لابن القيم (ص: 59).

 

مواد ذات صلة