الخميس 18 / رمضان / 1445 - 28 / مارس 2024
[3] من قوله تعالى: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} الآية 2 إلى قوله تعالى: {إِنّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} الآية3
تاريخ النشر: ١٠ / محرّم / ١٤٢٩
التحميل: 2618
مرات الإستماع: 2450

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المصنف -رحمه الله تعالى:

وقد روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: حين أسري بي لقيت موسى ، فنعته فإذا رجل -حسبته قال: مضطرب، رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة، قال: ولقيت عيسى فنعته النبي ﷺ قال: ربعة، أحمر كأنما خرج من ديماس -يعني حمام، قال: ولقيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به قال: وأُتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، قيل لي: خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربت، فقيل لي: هديت الفطرة -أو أصبت الفطرة- أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك[1]. وأخرجاه من وجه آخر.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كرباً ما كربت مثله قط، فرفعه الله إلي أنظر إليه ما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، وإذا موسى قائم يصلي، وإذا هو رجل جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي، أقرب الناس شبهاً به عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي، أقرب الناس شبهاً به صاحبكم -يعني نفسه- فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت قال قائل: يا محمد هذا مالك خازن جهنم فسلم عليه، فالتفتُّ إليه فبدأني بالسلام[2].

روى البيهقي عن عائشة -ا- قالت: ”لما أسري برسول الله ﷺ إلى المسجد الأقصى، أصبح يحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر، فقالوا: هل لك في صاحبك؟ يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس، فقال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء في غدوة أو روحة؛ فلذلك سمي أبو بكر: الصدِّيق“[3].

قال موسى بن عقبة الزهري: كان الإسراء قبل الهجرة بسنة، وكذا قال عروة، وقال السدي: بستة عشر شهراً، والحق أنه أسري به يقظة لا مناماً من مكة إلى بيت المقدس راكباً البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله، فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم أتي بالمعراج -وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها، فصعد فيه إلى السماء الدنيا، ثم إلى بقية السموات السبع، فتلقاه من كل سماءٍ مقرَّبوها، وسلّم على الأنبياء الذين في السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم، حتى مر بموسى الكليم في السادسة، وإبراهيم الخليل في السابعة، ثم جاوز منزلتهما ﷺ وعليهما وعلى سائر الأنبياء، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، أي أقلام القدر بما هو كائن، ورأى سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب، وألوان متعددة، وغشيتها الملائكة، ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح، ورأى رفرفاً أخضر قد سد الأفق، ورأى البيت المعمور، وإبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسنداً ظهره إليه؛ لأنه الكعبة السماوية يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، ورأى الجنة والنار، وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين، ثم خففها إلى خمس رحمة منه ولطفاً بعباده، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها.

ثم هبط إلى بيت المقدس وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لمّا حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح من يومئذٍ، ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس، ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه، والظاهر أنه بعد رجوعه إليه؛ لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحداً واحداً، وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق؛ لأنه كان أولاً مطلوباً إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله -تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به، اجتمع به هو وإخوانه من النبيين، ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة، وذلك عن إشارة جبريل له في ذلك.

ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس، والله أعلم.

وأما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل، أو اللبن والخمر، أو اللبن والماء أو الجميع فقد ورد أنه في بيت المقدس، وجاء أنه في السماء، ويحتمل أن يكون ههنا وههنا؛ لأنه كالضيافة للقادم، والله أعلم.

ثم إنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناماً، والدليل على هذا قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [سورة الإسراء:1]، فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام، فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء، ولم يكن مستعظماً، ولما بادرت كفار قريش إلى تكذبيه، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم، وأيضاً فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وقال تعالى: أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً، وقال تعالى: وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [سورة الإسراء:60]، قال ابن عباس: هي رؤيا عين أريها رسول الله ﷺ ليلة أسري به، والشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم، رواه البخاري، وقال تعالى: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [سورة النجم:17] والبصر من آلات الذات لا الروح، وأيضاً فإنه حمل على البراق وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان، وإنما يكون هذا للبدن لا للروح؛ لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه، والله أعلم.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فلو أن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- اختار أوفى الروايات في هذا الباب واقتصر عليها لكان ذلك أحسن في التفسير -والله أعلم؛ لأن المقصود هو إيضاح كلام الله  وبيان المعاني دون الخروج عن ذلك إلى الحديث عن الوقائع التي يذكرها القرآن بشيء من التفصيل وإيراد الأدلة، فهذا قد يكون خروجاً عن المقصود بالنسبة للتفسير، وإن كان لا يخلو من فائدة، لكن به يطول الكتاب، ولذلك أعرضَ عن هذا التفصيل كثير من المفسرين قصداً، ونبهوا على هذا، وأن هذا من طلبه وجده في الكتب المصنفة في السنة، وفي السيرة.

روى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب دلائل النبوة من طريق محمد بن عمر الواقدي: حدثني مالك بن أبي الرجال عن عمرو بن عبد الله عن محمد بن كعب القرظي قال: بعث رسول الله ﷺ دحية بن خليفة إلى قيصر، فذكر وروده عليه وقدومه إليه، -وفي السياق دلالة عظيمة على وفور عقل هرقل، ثم استدعى من بالشام من التجار فجيء بأبي سفيان صخر بن حرب وأصحابه، فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها البخاري ومسلم كما سيأتي بيانه، وجعل أبو سفيان يجهد أن يحقر أمره ويصغره عنده. قال في هذا السياق عن أبي سفيان: والله ما منعني من أن أقول عليه قولاً أسقطه من عينه إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها علي ولا يصدقني في شيء، قال: حتى ذكرت قوله ليلة أسري به، قال: فقلت أيها الملك ألا أخبرك خبراً تعرف أنه قد كذب؟ قال: وما هو؟ قال: قلت إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا -أرض الحرم- في ليلة فجاء مسجدكم هذا -مسجد إيلياء، ورجع إلينا تلك الليلة قبل الصباح، قال: وبطريق إيلياء عند رأس قيصر، فقال بطريق إيلياء: قد علمت تلك الليلة، قال: فنظر إليه قيصر وقال: وما علمك بهذا؟ قال: إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كان تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني، فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني كلهم فعالجتُه، فغلبنا فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول به جبلاً، فدعوت إليه النجاجرة، فنظروا إليه فقالوا: إن هذا الباب سقط عليه النجاف والبنيان، ولا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى، قال: فرجعت وتركت البابين مفتوحين، فلما أصبحت غدوت عليهما، فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب، وإذا فيه أثر مربط الدابة، قال: فقلت لأصحابي ما حُبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلى الليلة في مسجدنا، وذكر تمام الحديث.

قال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه [التنوير في مولد السراج المنير] وقد ذكر حديث الإسراء من طريق أنس وتكلم عليه فأجاد وأفاد، ثم قال: وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس، وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين، وعبد الله بن عمرو، وجابر وحذيفة وبريدة، وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب، وأبي الحمراء، وصهيب الرومي، وأم هانئ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق - أجمعين، منهم من ساقه بطوله، ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد، وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة، فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون، وأعرض عنه الزنادقة والملحدون، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [سورة الصف:8].

وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاّ تَتّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً ۝ ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً [سورة الإسراء:2-3].

لما ذكر تعالى أنه أسرى بعبده محمد ﷺ عطف بذكر موسى عبده ورسوله وكليمه أيضاً، فإنه تعالى كثيراً ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد -عليهما من الله الصلاة والسلام، وبين ذكر التوراة والقرآن؛ ولهذا قال بعد ذكر الإسراء: وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ يعني التوراة، وَجَعَلْنَاهُ أي: الكتاب هُدًى أي: هادياً لبني إسرائيل ألاّ تتخذوا أي: لئلا تتخذوا، مِن دُونِي وَكِيلاً أي: ولياً ولا نصيراً ولا معبوداً دوني؛ لأن الله تعالى أنزل على كل نبي أرسله أن يعبده وحده لا شريك له.

في قوله -تبارك وتعالى: وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ قال: يعني التوراة، وَجَعَلْنَاهُ أي: الكتاب هُدًى لّبَنِي إِسْرَائِيلَ، وبعضهم يقول: وَجَعَلْنَاهُ أي: موسى ﷺ وهذا خلاف الظاهر المتبادر، والأقرب -والله أعلم- ما ذكره الحافظ ابن كثير، جَعَلْنَاهُ أي: الكتاب؛ لأنه أقرب مذكور، والأصل أن الضمير يرجع إلى أقرب مذكور.

هُدًى أي: هادياً، لّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاّ تَتّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً، قال: ”أي لئلا تتخذوا“، واللام هنا للتعليل، أَلاّ تَتّخِذُواْ، يعني أن الله أنزل الكتاب الذي أنزله على موسى -عليه الصلاة والسلام- وجعله هادياً لهم لئلا يتخذوا من دون الله وكيلاً، ويحتمل أن تكون ”أن“ هذه مفسرة، و”أن“ المفسرة كما هو معلوم هي التي تأتي بعد معنى القول، لكن لا بحروفه، فـ أَلاّ تَتّخِذُواْ، وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِي إِسْرَائِيلَ، ثم فسر هذا الهدى وهو ألا يتخذوا، بمعنى أن الكتاب جاء بالتوحيد، بالأمر بالتوكل على الله ، وتفويض الأمور إليه، والاستعانة به وحده، والثقة بما عنده وأن يكون هو الوكيل.

يقول: ”أي لئلا تتخذوا مِن دُونِي وَكِيلاً أي: ولياً، ولا نصيراً، ولا معبوداً من دوني“، فالوكيل فعيل من التوكل، أي متوَكَّلًا عليه، تفوضون إليه أموركم فيوصل إليكم النفع ويدفع عنكم الضر، فإن هذا لا يكون إلا لله ، وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ [سورة المائدة:23]، وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [سورة الفرقان:58]، والأقوال التي ذكرها السلف في هذا المعنى متقاربة وترجع إلى شيء واحد، فالحافظ ابن كثير -رحمه الله- هنا جمع جملة من هذه المعاني التي ذكروها بهذا السياق، فبعضهم يقول: وَكِيلًا أي: كفيلًا بأموركم، وبعضهم يقول: شريكًا، وبعضهم يقول: كافيًا، والله  يقول: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا تفوض أمورك إليه وتركن إلى جنابه، وتعتمد عليه، ولا تلتفت إلى أحد سواه، وهذا هو التوحيد، إفراد الله  بالتوكل، والثقة به، دون الالتفات إلى أحد سواه؛ لينفعك أو ليضرك.

ثم قال: ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ تقديره يا ذرية من حملنا مع نوح، فيه تهييج وتنبيه على المِنَّة، أي يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة تشبهوا بأبيكم إِنّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا، فاذكروا أنتم نعمتي عليكم بإرسالي إليكم محمدًا ﷺ.

قوله: ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنَا منادى ويحتمل أن يكون منصوبًا على الاختصاص، ومن أهل العلم من خص بذلك بني إسرائيل مع أن ذرية من حُملوا مع نوح -عليه الصلاة والسلام- تشمل جميع الناس، فكلنا من ذرية أولئك، من ذرية نوح -عليه الصلاة والسلام، والله كما أخبر: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ [سورة الصافات:77]، فمن أهل العلم من يقول: لما كان السياق في خطاب بني إسرائيل وجه ذلك إليهم خاصة، ومن أهل العلم كابن جرير -رحمه الله- من حمله على العموم، ذُرّيّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ، أي: يا ذرية من حملنا مع نوح كيف يقع منكم الالتفات والإشراك والتكذيب، والله  قد حملكم في السفينة وأنجاكم وأغرق العالمين، ثم بعد ذلك يقع منكم ما وقع من أولئك الذين أغرقهم الله؟ هذا أمر لا يليق ولا يحسن!.

وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها[4]، وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي.

وقال مالك عن زيد بن أسلم: كان يحمد الله على كل حال، وقد ذكر البخاري هنا حديث أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة بطوله وفيه: فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدًا شكورًا، فاشفع لنا إلى ربك[5]، وذكر الحديث بكامله.

وذكر الشكر إِنّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا، والشكر كما هو معلوم لا يكون إطلاقًا ممن يضيف الإنعام أو يقابل الإنعام إلى غير المنعِم، يقابله بعمل يوجهه إلى غير المنعِم المتفضل، فيعبد غيره، ويستعين بغيره، ويتقرب إلى غيره، فهذا هو أظلم الظلم، وتوجيهُ أو جعلُ العبادة في غير مَن خلق خلافُ الشكر.

  1. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [سورة طه:9]، برقم (3214)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله ﷺ إلى السماوات وفرض الصلوات، برقم (168).
  2. رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، برقم (172).
  3. رواه البيهقي في دلائل النبوة (2/361)، والحاكم في المستدرك، (3/65)، برقم (4407)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (306).
  4. رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، برقم (2734)، وأحمد في المسند (19/36)، برقم (11973)، وقال محققوه: إسناده على شرط الشيخين.
  5. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [سورة نوح:1]، برقم (3162)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب أدني أهل الجنة منزلة فيها، برقم (194).

مواد ذات صلة