السبت 11 / شوّال / 1445 - 20 / أبريل 2024
توجيهات في العمل الخيري
تاريخ النشر: ٠٧ / رجب / ١٤٣٥
التحميل: 7224
مرات الإستماع: 4641

المستفيد ماذا يطلب؟

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، صلى الله، وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أما بعد:   

فمرحباً بكم جميعاً معاشر الإخوة، والأخوات، وأسأل الله - تبارك، وتعالى - أن يجعل هذا المجلس خالصاً لوجهه الكريم، ومقرباً إلى مرضاته، وأن يعيننا، وإياكم على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.

في البداية أسوق لكم هذه البشرى النبوية من قول من لا ينطق عن الهوى ﷺ كما في حديث رافع بن خديج أن النبي ﷺ قال: العامل في الصدقة بالحق لوجه الله كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى أهله[1].

فهذا الحديث، وإن كان في العاملين على الصدقات ممن يذهبون إلى أهل الأموال، ويأخذون الزكوات، إلا أن ذلك قيل في قوم يسعون في مثل ما تسعون فيه، فالحال متشابهة، ومتقاربة.

وفضل الله  واسع، وهذا من أجلى صور النفع المتعدي، وقوله ﷺ في هذا الحديث، في هذا القيد العامل في الصدقة في الحق لوجه الله  فذكر هذين القيدين "في الحق" الصدق، الصواب، لم يحصل منه خيانة في هذه الصدقة، ولم يحصل منه ظلم لأرباب الأموال، ولم يحصل له محاباة لأحد منهم، فهو يقوم عليها كما أمر الله - تبارك، وتعالى - دون ظلم لأحد، ودون محاباة لأحد، فهذا إن فعله لوجه الله فهو كالغازي في سبيل الله.

بعد ذلك ندخل في هذا الموضوع الذي اجتمعنا من أجله، وهو ما يتصل برضا المستفيد، المستفيد عندنا هو الذي يأخذ، وهو الذي يتعامل معك، قد يعطيك فهذا مستفيد أيضاً.

المستفيد ماذا يطلب؟ ماذا يريد؟ يمكن أن نلخص مطلوبه بأنه يريد الحصول على العين، أو المنفعة، العين: كأن يريد أن يحصل على هذا المال، أو أن يحصل على مساعدات عينية أيًّا كانت، والمنافع: كأن يحصل على تدريب، يحصل على علاج، يحصل على تعليم، يحصل على حج، يحصل على مطلوب من المطالب التي هي من جملة المنافع.

فمطلوبه هذا لابد فيه من أجل تحقيق هذه الغاية - وهي رضا المستفيد - أن يراعى فيه ستة أمور، هذه الأمور الستة إنما مبناها على الاستقراء كما هو معلوم:

أولاً: يريد الجودة في المبذول:

فهذا المبذول كما قال الله - تبارك، وتعالى - : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267].

فهذه الآية أمرت بالإنفاق من طيبات ما كسب الناس، فمفهومها أنه لا يُخرج ما كان بخلاف ذلك من الرديء، ثم صرّحت بهذا المفهوم بالنهي وَلَا تَيَمَّمُوا يعني: لا تقصدوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ يعني: الرديء من الطعام، والثياب، والمتاع، وغير ذلك تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ يعني: لو أُعطي لكم إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ إلا على سبيل الإغماض، والمجاملة، ثم بعد ذلك لعله يخرجه من الناحية الأخرى.

ومن أسماء الله - تبارك، وتعالى - : المحسن، وهو ينتظم معنيين على سبيل الإجمال، المعنى الأول: وهو بالمعنى المتعدي، يعني: المحسن إلى خلقه، ففيوض إحسانه - تبارك، وتعالى - متواترة، متتابعة كما هو معلوم، وفي الحديث: إن الله محسنٌ يحب الإحسان[2].

والله يقول: وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: 77] فهذا الذي يُعدّى بإلى.

والمعنى الثاني: أنه أحسن في خلقه - تبارك، وتعالى - حينما خلقهم، وهذا  المعنى صحيح أيضاً، كما قال - تبارك، وتعالى - : الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة: 7] هذا بمعنى الإتقان، فهذا الإحسان بمعنى البذل، وكذلك أيضاً الإتقان في الصنعة، الإتقان في هذا العمل، ونحو ذلك وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر: 64].

وأما الثاني من مطالبه: فهو أن يحصل على ذلك بيسر، وسهولة من غير عنت؛ لأن هذا العنت قد يزهده في هذا البذل، والإحسان، وقد تفوت الحاجات، والمصالح معه، والله - تبارك، وتعالى - حينما أثنى على المنفقين، قال: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 274].

فذكر الأحوال الأربع، الأوليْن في الزمان - في الوقت - : بالليل، والنهار، وذلك بحسب ما يعرض من الحاجات، ما ينتظر إذا كانت الحاجة في الليل، يقول: نحن في ليل الآن في الصباح يكون خيرًا، وإذا كانت الحاجة قد عرضت في النهار فإنه لا ينتظر إلى الليل، وإنما يخرج ذلك في حينه من غير تأخير، هذا المعنى الذي يؤخذ من قوله: بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

موضوع السر، والعلانية كذلك أيضاً، فإذا كانت المصلحة تقتضي أن يكون هذا الإخراج علانية أخرجه علانية إما للاقتداء، وإما لأن الحال تقتضيه، يعني: عرضت هذه الحاجة أمام الناس فلابد من البذل، وإذا كان المقام يقتضي الإسرار فهذا هو المطلوب، فتارة يكون ذلك مراعاة لمشاعر هؤلاء المعطَيْن، وتارة يكون لمصلحة تتعلق بالمعطِي لحفظ نيته، وقصده، وإخلاصه.

إذاً اليسر، والسهولة مطلب بما لا يفضي إلى التضييع، لعلي أمثل على ما أذكره في كل هذه القضايا بأمثلة مما قد يُحتاج إليه، على سبيل المثال في البذل، ومساعدة المحتاجين في الزواج، هذا الإنسان ليس عنده شيء، ويريد أن يتزوج، أن يعف نفسه، ونحن نرى الكثيرين يذهبون هنا، وهناك لأئمة المساجد، وغيرهم يطلبون المساعدة، طيب، لماذا لا تذهب إلى الجمعيات المعنية بهذا الموضوع؟ الجواب الذي قد يتكرر هو أنه لابد من إحضار العقد، وإحضار العقد يتطلب لدى البعض أن يدفع المهر، يقول: لا أستطيع أن أعقد إلا إذا دفعت المهر، وهؤلاء يقولون: لابد أن تحضر لنا العقد.

فتبقى حاجته معلقة، هذه لابد من تلافيها، نعم قد يدخل بعض من يستغل ذلك، وهو غير جاد في مطلوبه، لكن يمكن أن يُتلافى هذا باشتراطات معينة، باحتياطات معينة، باحترازات، وما إلى ذلك، لكن يُيسَّر لمثل هذا.

وكذلك أيضاً المطالبة أحياناً بأمور لا حاجة إليها في موضوع، في مشروع، في عمل لا يُحتاج معه إلى مثل هذه الطلبات، على سبيل المثال عندي فقراء في قرية، أريد أن أقوم على هؤلاء الفقراء، قرية بعيدة، أو أرامل، أو أيتام، أو كلمات في هذه الناحية البعيدة التي يكثر فيها الجهل، والمخالفات، لا حاجة هنا أن أطالَب بخطة إستراتيجية، ورؤية، ورسالة، وأهداف، ولربما أبذل عليها أكثر من مائة ألف ريال لدى المختصين من أجل أن أذهب، وأساعد، أو أقدم، أو أجمع الناس الذين جاوزوا الأربعين مثلاً، وما تزوجوا، غير قادرين، فما أحتاج إلى مثل هذا، أحتاج فقط إلى أرقام، كم سنحجِّج كل سنة؟ أو كم يتيمًا عندنا؟ أو كم أرملة عندنا؟ أو كم كلمة في الأسبوع، أو درساً عندنا، أو نحو ذلك في هذه الناحية؟ أو كم سيذهب إليهم من طلاب العلم؟ وكم سيقيمون عندهم من الدروس؟ ما يحتاج الموضوع أكثر من هذا.

والثالث: هو ما يتعلّق بحفظ الكرامة، وماء الوجه، وهذا في غاية الأهمية، فالله - تبارك، وتعالى - يقول: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة: 263].

ولاحظ ذكر الغِنى، والحِلم هنا، فهذا مشعر بأن الله غنيٌّ عن هذا، وعن صدقته، كما أنه حليمٌ لم يعاجله بالعقوبة، الأمر ليس بالسهل.

  1.  أخرجه أحمد (25/147)، رقم: (15826)، وقال محققو المسند: إسناده صحيح.
  2.  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (7/275)، رقم: (7121)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، وزيادته (1/374)، رقم: (1824).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى

ثم قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 264].

هذا المن، والأذى يبطلان الصدقة، إذا كان ذلك يحتف بها، أو يعقبها، وأما الرياء فهو يبطلها إذا داخلها من أولها، يعني: فسدت النية، والقصد في أول العمل، أو كان ذلك عارضاً في أثنائه، ثم استرسل معه، على الراجح.

لكن العمل قد يكون صحيحاً، والنية فيه صحيحة، ثم بعد ذلك يحصل المن، والأذى، فيكون ذلك مبطلاً لهذا العمل الصحيح الذي قد استوفى شروطه.

من صور هذا المن: التحدث بذلك على سبيل الامتنان، كأن يقول له: أنا أعطيتك، أو يقول للآخرين: أعطيناه، وأوليناه.

فهذا يبطل هذه الصدقة، ومن هذا المن الذي يدخل في هذا المذكور في الآية - والله تعالى أعلم - : أن تقدم لي معروفاً، ثم تقول لي: إذا حضرت المحفل الفلاني اشكرني.

أنا ممكن أن أذكر ذلك من عند نفسي، لكن أن تطلبه أنت، هذا يدخل في المن، أو أن تقول: اكتب لي كلمة شكر، فهذا فيه إشكال.

تطلب مني تقول: قدّم لي درعاً، هذا كله من صور المن، وكذلك أيضاً: اكتب لي كلمة للمؤسسة، أو لهذه الجهة أننا قدمنا لكم دعماً، أو تثني علينا، أو تمدحنا، أو نحو ذلك، هذا كله داخل فيه.

فإذا أحسن إلى الناس إنما يحسن إليهم ابتغاء وجه ربّه الأعلى، ويعلم أن ربه - تبارك، وتعالى - قد امتن عليه بأن جعله محسناً فيستشعر هذا، فيرى أن عمله لله، وبالله، وهذا هو المذكور في قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: 5] فهذا لله وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] بالله، يعني: أن الله وفقني، وقوّاني على هذا العمل، فله المن، والفضل، وأنا متوجه به إليه.

فهذه عبودية لله ينبغي أن أحتسبها عنده دون أن أطلب من الناس ما يقابل ذلك، فهو بحاجة - هذا المحسن - إلى أن يشكر الله أنْ يسره، واستعمله، وسخره في هذا العمل. 

 
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ

وكذلك أيضاً لا ينتظر من الآخرين جزاء، ولا شكوراً، كما قال الله - تبارك، وتعالى - : إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9].

فهذا الذي يطلب منهم أن يجازوه، أن يعطوه، أن يشكروه، أو ما إلى ذلك لا يكون ممن يصدق عليه هذا، فهذا يكون من جملة المن، وإنما يعطي محتسباً للأجر من الله - تبارك، وتعالى - دون شيء آخر.

ولذلك عائشة - رضي الله تعالى عنها - كانت إذا أرسلت أحداً بصدقة كانت تقول: ما يقولون؟ يقول: بارك الله فيكم، فتقول عائشة: وفيهم بارك الله[1].

لأن هذا الذي يقول ذلك يكون قد كافأك على هذه العطية، والإحسان، فما كانوا يسكتون عن مثل هذا؛ لئلا يكون قد استوفى أجره.

وأنتم معاشر الفضلاء تقومون على هذه الأعمال الجليلة، فلابد من مراعاة هذه المعاني العظيمة، لا تنتظر من الناس شيئاً، اجعل أمرك لله، قل: ما مني شيء، ولا لي شيء.

الله له المن، والفضل أن استعملني بهذا، وسخرني لهذا العمل، أنه اجتباني، وحباني، وأعطاني، فصرت عاملاً بهذه الأعمال الفاضلة الجليلة.

  1.  أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب عمل اليوم، والليلة، ما يقول لمن أهدى له (9/121)، رقم: (10062).
الأذى صنوف وأنواع

أما الأذى فهذا صنوف، وأنواع: من ذلك التعامل بفوقية مع هؤلاء المستفيدين، سواء كان من الفقراء الذين يأتون، ويقولون: أعطونا، أو كان من الجهات المستفيدة التي تتعامل معها.

تعامل معهم بتواضع، وإخبات، لابد من هذا.

الذين يعملون بهذه الأعمال ينبغي أن يكونوا هم أكثر الناس انكساراً في قلوبهم؛ لأنهم يلمسون الحاجات، ويعرفونها، ويدركونها، هم أكثر الناس معرفة، وملامسة للجراح.

وكنت أرى هذا في بعض الإخوان الذين يقومون على الفقراء، وكنت أظن أن من أعظم الأسباب التي تبعث على الإخبات، والانكسار هو القيام على الأرملة، واليتيم، وأصحاب الحاجات، وما أشبه ذلك، وهذا قاله النبي ﷺ: إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم[1].

فهكذا ينبغي أن يكون من يقوم على هذه الأعمال الفاضلة، فيتجافى ذلك، يكون صاحب إخبات، صاحب انكسار.

ومن صور الأذى:الجفاء، والشدة في التعامل مع الناس، لربما من كثرة المعافسة، والملابسة، لربما يتحول الأمر كما يحصل عند بعض من يعملون في الإسعاف، أو نحو ذلك، تجدهم يضعون أحياناً امرأة، يقولون: هي أرقُّ.

لكن هذه المرأة مع الوقت، مع كثرة رؤية الدماء، ونحو ذلك تكون لربما أغلظ من كثير من الرجال، فهي تتعامل مع الجرحى، والجثث، وما إلى ذلك بغاية الغلظة؛ لأنها قد اعتادت على هذا.

فينبغي أن تلين عريكة الإنسان في التعامل مع الآخرين، وهؤلاء الذين يقدم لهم العطاء قلوبهم لا تحتمل الغلظة، ولذلك يقول الله - تبارك، وتعالى - كما في الآية السابقة: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة: 263].

القول المعروف أن تتكلم معه بكلام جيد، تقول له: يكون خيرًا، أبشر، إذا صار عندنا شيء أعطيناك، ما يكون خاطرك إلا طيبًا، هذا القول المعروف.

وَمَغْفِرَةٌ لأن هذا الذي يطلب قد يلحف في المسألة، قد يتصرف بتصرفات تستفز، قد يأتي من وجوه مختلفة، كما قال الله في مدح فقراء المهاجرين: لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة: 273].

و"المُلحِف" مأخوذ أصل ذلك من اللحاف، فهو يشتمل على لابسه من كل النواحي، فهو يسأل بهذه الطريقة، وبهذه الطريقة، ومن هنا، ومن هنا، ويتعرض لك من هذا الطريق، ومن هذه الناحية، فهذا يلحف، فيخرج الإنسان أحياناً عن طوره.

فهؤلاء الذين تتعامل معهم قد تصدر منهم تصرفات، قد تصدر منهم عبارات، قد تصدر منهم مزاولات، إلى آخره.

وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى تعطيه، وتؤذيه، تقول له: أنا أعطيك، لكن لا أراك بعد اليوم، أو كلمات قاسية، أو كلمات جارحة، أو نحو ذلك، فهذا لا يصح بحال من الأحوال.

من الأذى أن تتدخل في عمله بصورة غير مقبولة، أو تمارس، وصاية عليه، أو نحو ذلك، فهذا أمر غير مقبول، وكذلك أيضاً لربما توجه إليه بعض التهم الظالمة الجارحة بغير حق، فهذا لا يمكن أن يقبله من يحترم نفسه إطلاقاً.

فلابد أن يحسب الإنسان الكلمات، قد يكون من عادة الإنسان أنه إذا كان في عجلة - في سرعة - يلقي الكلام على عواهنه - كما يقال - ولا يحسب له حساباً، ولكن هذه الأشياء قد تحمل أحياناً في طيّاتها تهماً لا يمكن السكوت عليها، فهذا لا يجوز، وهو من صور الأذى الذي يذهب بهذه الصدقة، ويذهب بعمل عاملها، فلا يجد عند الله - تبارك، وتعالى - ما كان يؤمله من الأجر، والثواب.

  1.  أخرجه أحمد (13/22)، رقم: (7576)، وقال محققو المسند: إسناده ضعيف.
الانضباط في مزاولة العمل

وهو في غاية الأهمية،وهذا يرجع إلى موضوع البصيرة، أن يكون عند الإنسان من البصيرة ما يميز به بين الحق، والباطل، وبين الهدى، وخلافه.

والإنسان المسلم يريد من هذه الأعمال ما عند الله  ويريد أن يقدم نفعاً، وبرًّا، ومعروفاً، وخيراً لهؤلاء الناس، ولكنه قد يقع في إشكالات، السبب أنه غالباً تكون رؤيته الشرعية، وخلفيته الشرعية ناقصة، فيعتمد على ما عنده من معلومات، ثم يبني عليها تلك الأعمال، والتصرفات، والمزاولات، وهذه مشكلة كبيرة.

لو نظرنا إلى الموارد المالية مثلاً، التي هي شغل شاغل لهذه المؤسسات، والأعمال الخيرية الدعوية، وهنا يأتي دور المؤسسات المانحة أن يكفوهم عن مثل هذا الانشغال الذهني، والبدني، كيف يوفّرون الحاجات، فهذا التفكير، هذا الانشغال، هذا القلق الدائم، كيف نوفر حاجات هذه المؤسسة؟

مكتب تعاوني، أو مؤسسة، مستودع خيري، أو رعاية أيتام، أو نحو هذا، كيف نوفر الموارد المالية؟

تجد أحياناً تصرفات قد لا تكون شرعية، دعوني أمثل أمثلة أفترضها، أمثلة افتراضية، مثلاً، نفكر أن نعقد، ورشة عمل - كما يقال - للبحث عن موارد مالية، ما رأيكم فيها؟

أضع صناديق ملابس عند المساجد، صناديق الملابس هذه أضع عقداً مع مؤسسة من المؤسسات الخاصة مع أحد الأشخاص يكون بمقتضاه مالكاً لما يوضع فيها، فأقول مثلاً: في الشهر بسبعين ألفًا مثلاً.

أو أقول: في السنة بثلاثمائة ألف، هذا عقد، توصيف هذا العقد شرعاً يسمونه عقد إجارة، ولا يسمى عقد بيع، نحن لم نبع هذه الصناديق، هذا عقد إجارة، نؤجر لك هذه الصناديق، لكن بمقتضى هذا العقد ما الذي حصل؟ الذي يحصل أن هذا الطرف - يعني الطرف الآخر - صار يملك ما سيوضع في هذه الصناديق.

فهذا فيه ثلاثة إشكالات:

أولاً: عقد الإجارة لا يمكن أن يكون في تملك العين، وإنما يتملك المنفعة فقط، فكيف تملّك هذه الملابس؟

الثاني: أنه عقد على مجهول، كم عدد هذه الملابس؟ ما يدرى، ما نوعها؟ جديدة؟ قديمة؟ صالحة للاستعمال؟ غير صالحة؟ ما يدرى، عقد على مجهول.

الثالث: أن هؤلاء المتبرعين لو كانوا يعلمون أنها ستباع هكذا، وجزافاً أجود اللباس مع غيره، هل سيضع الناس الألبسة الجيدة في هذه الصناديق؟ هم لربما تنازلوا عن كثير من الألبسة الجيدة، أو الجديدة، يقولون: للفقراء، لا بأس، ما يعلمون أنها ستباع، وبطريقة لا يفرق فيها بينها، وبين الرديء من الثياب، فهم سيمسكونها، ويعطونها بأنفسهم لفقراء يعرفونهم، أو يبحثون عنهم، فهذا فيه إشكال.

إفطار الصائم مثلا قد يرد عليه إشكالات كثيرة، قد أقول: إفطار صائم خمسة ريالات، لكن في الحقيقة ما يوضع في هذا الإفطار، وأجور العمال، وأجور المخيم، لو حسبناها تكون تكلفة الإفطار للشخص الواحد خمسة عشر ريالاً، الحد الأدنى.

طيب، لماذا تكتب خمسة ريالات؟ هؤلاء ناس عليهم نذور أن يفطّر كذا من الصائمين، وصار الثلث، أن يفطر ثلاثين صائماً، وتبين أن الذين فطرهم عشرة، هذه مسألة شرعية.

بعض هؤلاء عندهم وصايا أن يُفطَّر عنه في كل يوم في رمضان كذا من العدد، فيأتي، ويقول: ما شاء الله، هؤلاء بخمسة، رخيص، والواقع أنه لم يفطر إلا ثلث هذا العدد، لو علم الناس بهذا ما يرضون، يرون أنه قد غرر بهم، هذا لا يجوز شرعاً.

إذاً نبحث عن طريقة أخرى، إفطار الصائم أحياناً هذا الإفطار يفيض، وقد أكتب بخط صغير، أو كبير: "ودعوة" طيب هذه الدعوة ما هي؟ لا يفهم لدى المستفيدين.

لاحظوا المستفيد عندنا هو الذي يأخذ، وهو الذي يتعامل معك قد يعطيك، هذا مستفيد أيضاً.

حتى يتحقق رضا المستفيد الآن نحتاج إلى ضبط شرعي، بصيرة عند هؤلاء الذين يتعاملون، ينضبطون مع الضوابط الشرعية.

فحينما تقول: "لإفطار، ودعوة" لتخرج من حرج أن هذا الذي يبقى يستغل في الأعمال الدعوية، هو لا يفهم من هذا العنوان إلا أن هذا المال الذي للدعوة هو ما سيكون في نفس المخيم، يؤتي بدعاة للجاليات بلغات مختلفة يعلمونهم، ويدعونهم.

هذا الذي يفهم، أنا شخصيًّا لا أفهم غير هذا، لكن لا يصح بحال من الأحوال أن نأخذ هذا المال، ونشغل به المكتب طول السنة، الإيجار، أجرة الموظفين، أجرة المخيمات الدعوية في أوقات مختلفة في السنة.

من أين؟ من إفطار صائم، كيف هذا؟ قال: كتبنا "إفطار، ودعوة" هذا حرام، وما يجوز، هذه للإفطار فقط، لا يجوز أن تصرف في أجور موظفين، ولا في إيجار المبنى، ولا غير ذلك من وجوه الصرف كأنْ تُطبع بها كتب، أو نحو ذلك.

خذ أمثلة أخرى: كفالة حاج بألفي ريال، ممتاز، أنا عندي وصايا، عندي ثلث، عندي كذا، أن يُحجَّج عنه كل سنة، أو أن يُحجَّج ناس غير مستطيعين، ألفان، وبحملة، ممتاز، هذا لابد فيه من الضبط، أن يكون المبلغ فعلاً يغطي تكاليف الحج، لا يجوز أن يكون في الباطن مؤسسة مانحة تقدم نصف المبلغ، التكلفة أربعة آلاف، فأكتشف أني قدمت النصف فقط، ومكتوب لي: كفالة حاج بألفي ريال، هذا حرام ما يجوز.

طيب الناس ما يدفعون إذا قلنا: أربعة آلاف، خمسة آلاف؟ ليس بلازم أن يدفعوا، والحج على المستطيعين، أنا أحمل الأوزار على ظهري حتى أحججهم؟ حتى أحصّل هذه الأموال آتي، وأقول لهم: إفطار بهذه الطريقة، إلى آخره؛ لأني لو قلت لهم: بخمسة عشر ريالا ما أحد يدفع؟.

ما في داعٍ أن يدفع أحد، ولا في داعٍ لمخيّم، ولا في داعٍ لهذا العمل كله، وأقفل المؤسسة، والحمد لله، وأجلس، وأمسك مصحفي، وأقرأ فيه.

أمّا أن أكون جسرًا يصعد منه هؤلاء الناس، ثم أنا الذي أشقى به، وأضيّع آخرتي لآخرة غيري فهذا لا يمكن أن يكون، لا يمكن أن أضحي بآخرتي من أجل أن الناس يتصدقون، أو يتبرعون، أو يحسنون، أو غير ذلك، لابد من الضبط الشرعي.

باب التأويل باب واسع في الموارد المالية، قضية أموال الزكوات، وصرفها في غير مصارفها بحجة أنه ما عندنا، ما في صدقات، ماذا نصنع؟ لا تصنع شيئاً، تصرف بقدر ما تستطيع، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

هذه الزكوات الله - تبارك، وتعالى - هو الذي تولى قسمتها بنفسه، وتذهب تبحث عن فتوى توافق ما تريد؟ ليس هذا هو المخرج.

استثمار أموال الزكوات في مشاريع، في أعمال، في عقارات، فهذا كله لا يصح.

أحياناً تكون الإشكالات في البرامج التي تقدم، قد أستضيف في برامجي أناسًا لا تبرأ بهم الذمة، إما لأنهم يمارسون أعمالاً محرمة كالشعوذة - السيرك - فيخيل للمشاهد أنه يأكل النار، ولا يستطيع أحد أن يأكل النار.

فهذه ألوان من الشعوذة، وقد جلست مع عدد من هؤلاء الناس، وقلت: أروني، أتحداكم، هؤلاء الذين يحملون الإنسان بإصبعين، ويفعلون أشياء، قلت لهم: ما تستطيعون، وجلست، وقلت: أنا الآن أمامكم، افعلوا، وجلست أقرأ، ما استطاعوا، قلت: اجتمعوا كلكم، ما تستطيعون.

فيأتي هذا يقضم النار أمامهم بحجة أنها فرق مسلية، من أجل جذب الناس، هذا حرام لا يجوز، أو آتي بفرق إنشادية هي غناء تماماً.

أنا لا أنكر الآن الأناشيد، أو أقول: إن الأناشيد محرمة، لا، الأناشيد على صور، وأشكال، وأنواع، لكن منها ما لا يشك بأنه غناء، وقد جربت هذا مراراً، أسمع صاحب محل، أو صاحب سيارة، أنكر عليه، اتق الله يا أخي، جالس عند المسجد، وهذه الأغاني، فأفاجأ مراراً يقول: يا أخي هذا نشيد.

إذاً نحن لا نعرف الغناء، إذا كان هذا نشيدًا إذًا لا يوجد غناء، فكونه يسمى نشيدًا لا يقلب الحكم.

أحياناً مزاولات، وتصرفات تجعل من هذه الجهة التي تقوم به محلاً للاحتساب، يعني بدلاً ما ينشرون الخير، والمعروف، والوعي، ويعلمون الناس، تتحول القضية إلى لون من مزاولة المنكرات التي تحتاج إلى احتساب المحتسبين.

 
الأمانة في العمل

الأمانة لابد منها في هذا العمل، وهذا الذي يتعامل معك المستفيد المتبرع الذي يريد أن يبني مسجداً، أو مؤسسة، أو جامعة، أو يأخذ، هو يريد أمانة، حتى صاحب المال هو يريد من العاملين أن يكونوا على مستوى من الأمانة.

من مظاهر الخلل في هذا الجانب - أنا أفترض هذه الصور، لا يعني أنها موجودة لدى المؤسسات - : المماطلة، أو الإهمال في تسليم أجور العاملين في المؤسسة، يمضي عليهم مدة، وهم أحوج ما يكونون، وكذلك المماطلة، أو الإهمال في تسليم أجور المتعاملين مع المؤسسة من الناس الذين نفذوا مشاريع مثلاً.

أحياناً التدليس، بل أحياناً الكذب عند إعطاء معلومات عن مشاريع المؤسسة، وإنجازاتها، وسير أعمالها، وأحياناً يكون من قبيل التشبع بما لم يُعطَ، فهذا خلاف الأصل.

مثلاً: أنا أريد أن أقيم دورات علمية منهجية في مناطق المملكة، وجئت إلى دورات كثيرة، وقلت لهم: سأدعمكم، وعلّقت شعار مؤسستي، سويت مؤسسة عن الدورات العلمية المنهجية، وعلقت لوحتي عليهم، ثم جئت أتكلم: عندنا في المملكة أربعمائة دورة علمية منهجية.

هذه الدورات أصلاً قائمة من سنين، لست أنا الذي أقمتها، لكن فقط علقت اللوحة، ودعمتهم ماليًّا، فإذا تكلمت الصحيح أني أقول: أنا أدعم أربعمائة دورة في المملكة، لا أقول: عندي أربعمائة دورة، وأُفهم الآخرين أني أنا أنشأت أربعمائة دورة.

وهكذا حينما آتي بحلقة مكثفة مثلاً لحفظ القرآن، وأذهب بهم إلى أبها، أو إلى المدينة، أو إلى مكة، أو غير ذلك، اشترك معي مثلاً مائة واحد، الواقع أن ثلاثين من هؤلاء كانوا من الحفاظ، لكن جاءوا للمراجعة، ثم آتي بالإحصائية: عدد الحفاظ في هذه الأجازة بلغ خمسين حافظاً.

الواقع أنه ما حفظ إلا جزء من هؤلاء، والأكثرية كانوا قد حفظوا من قبل، المفروض أقول: إن الذين حفظوا لا يتجاوزون العشرين، هذا الصحيح، حتى لا يكون الإنسان يتشبع بما لم يُعطَ، وهذه أمانة، فهذا لابد من ملاحظته.

كذلك استخدام أموال المؤسسة، وممتلكاتها لأغراض شخصية، هذا لا يجوز، سواء كانت سيارة، أو كانت آلات، أو غير ذلك.

ضعف التحرز عند التعامل مع النساء، التوسع في هذا مع المستفيدات، أو حتى لو كنّ موظفات، أو عاملات.

المحاباة، والمجاملة عند التوظيف، وفي التعامل مع الموظفين كذلك، أو اختيار المستفيدين.

الإسراف، بذل أموال طائلة على أمور يمكن أن يصرف فيها أقلّ من هذا.

عدم صرف أموال المتبرعين في المجال الذي اختاروه، أو التأخر في ذلك بدون سبب مقبول.

ضعف الانضباط في أوقات العمل.

الإسراف في الإنفاق على محاولة تغطية الفائض من الميزانية، يعني بقي جزء من الميزانية نبحث عن شيء نشتريه، ولو كنا لا نحتاج إليه حتى لا تقلل الميزانية بعد ذلك، هذا لا يجوز.

الدخول في مغامرات استثمارية، فتضيع الأموال.

 
الإتقان في العمل

لابد من الإتقان، فمن مظاهر عدم الإتقان الضعف الإداري، إما لضعف التصور، أو المعرفة بعلم الإدارة في بناء المؤسسات، وإدارتها، أو استصعاب هذا العمل في تصور البعض، أو توهم الروتين، والتعويق، أو لأنه يخشى أن يظهر ضعفه، أو لأنه يميل إلى الفوضوية، كل هذا مظاهر للضعف، كذلك الفردية باتخاذ القرارات، اعتبار أن المؤسسة كأنه يملكها؛ لأنه أسسها مثلاً.

المركزية في العمل.

ضعف الثقة بالآخرين.

ضعف التعاون مع المؤسسات المشابهة.

كثرة الاختلاف مع الأقران في المؤسسة.

الإصرار على الخطأ.

التسويف في إنجاز الأعمال.

التراخي في إقامة الأوقاف مع توفر الأموال.

كل هذا يجمعه قوله تعالى: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ۝ إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ۝ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ۝ وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ [ص: 45 - 48].

هذه الآية يمكن أن يُتحدث عنها بكلام كثير ألخصه بدقائق قليلة.

الله - تبارك، وتعالى - يقول لنبيه ﷺ: وَاذْكُرْ، أي: في نفسك، واذكر لأمتك، والقرآن يعبر عنه بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فالمعنيان صحيحان.

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [ص: 45] الأيدي: القوّة، القوة في النهوض بالحق، والقيام به، وتبليغه، والعمل بذلك في جميع المجالات.

فنحن بحاجة إلى قوة، فأولي الأيدي هنا يدخل فيها العمل الإداري القوي، يدخل فيها الأمانة، يدخل فيها جمل مما ذكرته آنفاً

وَالْأَبْصَارِ أصحاب البصائر، بصائر القلوب الذين يميزون بين الحق، والباطل، الذين يضبطون العمل بضوابط شرعية، فهؤلاء يكون عملهم على الجادة، يكون عملهم صحيحاً.

الصفة الثالثة: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص: 46] يعني: خصصناهم بصفة، ما هي؟ ذِكْرَى الدَّارِ الآخرة والدار إذا أطلقت فهي الآخرة، لاسيما بالنسبة لهؤلاء.

ذِكْرَى الدَّارِ يعني: أن الآخرة بين أعينهم، وإذا كانت الآخرة بين أعينهم فمعنى ذلك أنهم يعملون لها، أنهم يخلصون في أعمالها، لا يبتغون من الناس جزاء، ولا شكوراً، شعارهم: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9].

أيها الأحبة، الدور الذي تقومون به دور كبير لا يمكن لمجتمع أن يستغني عنه، من المهم أن يتميز الأخيار، والصالحون، والنبلاء من أمثالكم في هذا الأداء.

ينبغي أن نتذكر مغبة السلوكيات الخاطئة، ومردودها.

أوصيك أن تتعاهد نيتك دائماً، فهذا يحصل به البركة، والنماء، والتكثير، والخير، والقبول، والنفع.

تعامل مع هذا المال كما تتعامل مع مال اليتيم، أنت مؤتمن عليه.

ثالثاً، وأخيراً: أنت تريد ما عند الله من الثواب فلا تتحمل الأوزار، لا تورط نفسك بممارسات فيها مخالفات شرعية، وتقول: أنا أريد ما عند الله.

أشكركم أيها الأحبة على حسن إنصاتكم، وأسأل الله  أن يتقبل منا، ومنكم.

وصلى الله، وسلم على نبينا محمد. 

 

مواد ذات صلة