الجمعة 10 / شوّال / 1445 - 19 / أبريل 2024
نمـاذج من التفسير العلمي
مرات الإستماع: 0

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: 

فكنا نتحدث عن التفسير العلمي ولا زلنا نتحدث عنه، وكان آخر ما ذكرنا هو اتجاهات الناس فيه وأحوالهم من حيث الانضباط بالنظر إلى الشروط التي ذكرناها أو التوسع في ذلك جدًا فيما لا يوافق لغة القرآن ولا يوافق الأصول التي يبنى عليها التفسير أو غير ذلك مما يوقع قائله في الخلل، وهناك من يتوسط ويطبق شروطًا واضحةً فما وافقها فإنه يقبل.

والآن سأذكر لكم جملةً من النماذج للون غير المنضبط من هذا التفسير العلمي، ثم بعد ذلك سأذكر لكم نماذج أخرى يمكن قبولها.

النماذج غير المنضبطة كثيرة جدًا، سأذكر طائفةً منها، فمن ذلك مثلًا: النظرة التي تقول أن المجموعة الشمسية، مجموعتنا الشمسية، تتكون من سبع كواكب، وفسروا بذلك السماوات السبع، كيف يكون هذا؟ ثم جاء علماء الفلك بعد ذلك، واكتشفوا عددًا آخر من الكواكب، فأصبحت عشرًا، فهل السماوات عشر سماوات؟

وهناك من يقول بأن الأراضين السبع كما سيأتي أيضًا هي سبعة أفلاك، بعض علماء الطبيعة والفلك يقولون بأن السماء والأرض والكواكب كلها نتجت بسبب ذلك الانفجار، فنشأت من السديم الملتهب، حيث كانت على هيئة سحابةٍ تدور ببطء ثم أخذت تبرد وتنكمش على نفسها بسرعةٍ متزايدة، ومع تقادم الزمن انفصلت حلقات من هذه المادة عن طرف السحابة، فتكونت منها الكواكب السيارة، أما القسم المركزي فتقلص وتكوّنت منه الشمس.

فجاء من يقول هذا هو الذي ذكره الله في القرآن وذلك في قوله: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا [الأنبياء:30]، وكذا في قوله: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت:11]، وهذه فرضية وليست بحقيقة أصلًا، ثم أيضًا هناك من ينكرها من علماء الفلك.

وإليك أمثلةً أخرى تعرف فيها أيضًا مدى التفاوت الكبير بين هذه الدعاوى، وأنها ليست على درجةٍ واحدةٍ في وضوح البطلان، فهذا يقول: بأن القرآن قد أخبر بشق قناة السويس، من أين؟ من قوله -تبارك وتعالى- في سورة الرحمن: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۝ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ [الرحمن:19-20]، ثم قال: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22]، يقول المرجان موجود في البحر الأحمر واللؤلؤ في البحر المتوسط، فيقول: يلتقيان يعني أنها ستحفر قناة السويس، فيلتقي ماء البحر المتوسط بماء البحر الأحمر، هل هذا تفسير يحتاج إلى رد أو مناقشة؟ أبدًا، بل هو جرأة على الله .

وجاء من يقول إذا كان نيوتن جاء بقاعدة التثاقل، وأرخميدس جاء بقاعدة الطفو فإن القرآن جاء بقاعدة التعادل في آية: أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ۝ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:8-9]، إلى هذا الحد؟

كذلك من جاء ليقول: بأن فرعون هو ذلك الموجود في بعض الأهرام، وأنه فرعون موسى، وهذا الكلام لا يثبت إطلاقًا، ولا دليل عليه، بل كل العلماء الذين تكلموا على الأهرام لم يذكروا الفراعنة إطلاقًا فيها على كثرة أقوالهم فيها، وعامتهم يقولون: إنها كانت قبل الطوفان، قبل نوح ولم أجد من ذكر الفراعنة وأنهم هم الذين بنوا الأهرام إطلاقًا، ولم يعرف هذا في حدود ما أعلم إلا حينما جاءت الحملة الفرنسية حملة نابليون ومعها نحو 146عالم من علماء الآثار، فبدؤوا ينبشون هذه الأشياء، ويقولون للمصرين أصلكم من الفراعنة ولستم من العرب ليربطوهم بالوثنية.

كذلك جاء من يقول: بأن الطير الأبابيل يمكن أن تكون من جنس الذباب، أو البعوض أو الميكروبات، والحجارة المذكورة بقوله: تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ [الفيل:4]، هي الجراثيم التي تنقل الأمراض الفتّاكة.

محمد عبده الذي يبدي بعض التحفظ ويقول: ينبغي التريّث في التفسير العلمي، يقول: فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض، أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذه الحيوانات فإذا اتصل بجسد دخل في مسامه، فأثار فيه تلك القروح التي تنتهي بفساد الجسم وتساقط لحمه: تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ.

كل هذا من أجل أن الأوروبيين أو الغربيين لا يؤمنون إلا بالمادة ولا يتصورن المعجزات، وبالتالي نحن لا بد أن نقرّب لهم معاني القرآن بطريقةٍ يفهمونها فنؤول هذا التأويل، وهذا قاله أيضًا بعض من يتحفّظ إزاء التفسير العلمي مثل المراغي، وقاله آخرون مثل محمد فريد وجدي، والفراهي، وهذا مصطفى محمود له كتاب اسمه:  "القرآن محاولة لفهمٍ عصري"، يتكلم عن قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ [الأعراف:11]، يتكلم عن خلق الإنسان وأطوار خلق الإنسان، ويقول: بأن عملية الخلق والتصوير لآدم استمرت ملايين السنين، ملايين السنين، نحن نعرف أن الله خلقه في يوم الجمعة، في آخر ساعةٍ منها، يقول: ملايين السنين، وأن هذا الخلق لآدم المقصود بقوله: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [نوح:14]، يقول: بأن الإنسان مرّ بمراحل في التطور في الخلق، نظرية التطور يقول: دل عليه القرآن بقوله -تبارك وتعالى: وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا حتى تعرفوا الأطوار عنده التي مررتم بها، يقول: الانبثاق من الطين درجةً درجةً، وخطوةً خطوةً من الأميبيا إلى الإسفنج إلى الحيوانات الرخوة، إلى الحيوانات القشرية، إلى الفقاريات، إلى الأسماك، إلى الزواحف، إلى الطيور، يعني: تطور هذا الإنسان هذا التطور عبر ملايين السنين، إلى الثديات إلى أعلى مرتبة الآدمية بفضل الله وهديه وإرشاده.

وكذلك في قوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189]، معروف بداهةً، وهو الذي عليه إجماع المفسرين أن النفس هو آدم، وأن زوجها هي حواء رحمها الله.

هذا واحد من أشهر الكاتبين في الإعجاز العددي، ويكتب في الإعجاز العلمي، يقول: بأن النفس الواحدة والزوج هي الالكترونات والبروتونات، فقال: اعتبر اكتشاف الإلكترون أكبر نصر علمي أمكن العقل البشري .. إلخ، وبدأ يطبّق هذا على الآية، وأن الآية تدل على أن خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها هو الإلكترون والبروتونات هذه النفس الواحدة، أليس هذا يشبه تفسير الباطنية الذي ذكرت لكم من قبل؟ أليس كذلك؟ أما يشبهه في الرموز؟ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً [البقرة:67].

قالوا: هي النفس، تذبح بسكين الطاعة، وصفراء: قالوا صفرة وجوه أصحاب الرياضة، والصفا: النبي، والمروة: الولي، وسيأتيكم أشياء، وانظر هذا مثلًا هو نفسه، يقول: وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3]، طبعًا الغاسق معروف قال بعض السلف: القمر، وقال بعضهم: الليل، وليس بينهم خلاف؛ لأن القمر إنما يطلع ليلًا والمعاني المتلازمة يمكن أن يفسر بها النص جميعًا، ولا يحتاج أن نرجّح كما هو معروف، إذا احتمل اللفظ معنيان وأكثر وبينهما ملازمة حمل عليهما ما لم يوجد مانع، هذه قاعدة: وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ يقول: الغاسق: هو حبل المطاط الذي في أحشاءه السلك الكهربائي الذي يحمل موجات من النار كالبحر المرتطم بالصخور نيرانًا حمراء تشبه نيران الغسق المدلج الذي خلفته الشمس وراءها .. إلخ ما ذكر: وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ، يعني: الكهرباء، أسلاك الكهرباء المغلّفة بالبلاستك، هذه الأسلاك التي ترونها، فأنت عندما تتعوذ وتقول: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ۝ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ۝ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:1-3].

يعني من شر سلك الكهرباء، هذا معنى بالله عليكم؟ هل هذا هو السياق القرآني وهذه لغة العرب؟ طيب اسمع ما هو أعظم من هذا! يقول في قوله: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا [العاديات:1]، معروف وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا هي الخيل تضبح ضبحًا، هي تسرع في العدو وكذا ويصدر منها صوت معين يعرفه أهل الفروسية أو أهل الخيل، والعاديات ضبحًا، يقول: هذا قسم غيبي يدعو الناس لينظروا تلك العاديات في الطرق الشاسعة ما هي؟ وهم على ظهورها المريحة الهادية مطمئني النفوس رغم سرعة سيرها في طريقها النقعي يعني السيارات التي تأتون عليها، يبدو أنها تمشي على جلد، يقول في طريقها النقعي، يعني تثير الغبار، ما تمشي على طرق مسفلته؟

يقول: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ۝ فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا ۝ فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا ۝ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا يعني: الغبار يقول: الطرق الشاسعة وهم على ظهورها المريحة الهادئة مطمئنوا النفس رغم سرعة سيرها في طريقها النقعي وقد ملأت الجو ضجيجًا ضابحًا بأصوات محرّكاتها الصاخبة المصممة للأذان المرجفة للأفئدة يبدو هذه سيارات من النوع الذي له أصوات. العاديات: هي السيارات المنطلقة بعامل الوقود المشتعل في أحشاءها التي توري به قدحًا (البساتم و ..) توري به قدحًا مضيئًا في طريقها، فالموريات قدحًا يقول: أما قوله فالمغيرات صبحًا: قال: ذلك القدح المضيء إشراقًا يبدو أنه يفهم المغيرات صبحًا، يعني المغيرّات الصبح، يقول هي: جعلت الصبح مغيَّرًا فطلعت كئيبًا كثيبًا، يقول: لأن أنوارها أغنت عن الصباح لا حاجة إليه؛ لأنها تضيء ويستطيع الناس أن يسافروا عليها ويذهبوا ويجيئوا بأضوائها وأنوارها فغيرت الصباح فظهر كئيبًا مستغنيًا عنه وهذا آخر يتكلم عن قول الله : اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد:2].

طبعًا معروف أن السلف اختلفوا فيها على قولين: بغير عمدٍ ترونها: أي ليس لها عمد ترونها، والقول الآخر: بغير عمدٍ ترونها، بغير عمدٍ مرئية، يعني الهاء تحتمل أمرين يمكن أن ترجع إلى السماء أن الله خلق السماء بغير عمدٍ ترونها أي السماء، ترون السماء ليس لها أعمدة، خلقها من غير أعمدة وهذا من قدرته أن رفع هذه السماء العظيمة من غير عمود، والقول الآخر والآية تحتمله تمامًا وهو: بغير عمدٍ ترونها أي ليس لها عمد مرئية، تكون الهاء عائدة إلى العمد، لها أعمدة لكن غير مرئية؟

هذا ماذا يقول: يقول نعم هذا هو القول في الآية، طيب بماذا تفسره؟ قال: هذا هو قانون الجاذبية العمد هي الجاذبية، بغير عمدٍ مرئية، وذكرت لكم من قبل أنه في الشروط والأمور التي تلاحظ في التفسير العلمي أن لا تكون الآية تحتمل أكثر من معنى ثم نحملها على معنى من هذه المعاني بناءً على التفسير العلمي فهذه الآية تحتمل معنيين احتمالًا متساويًا أو متقاربًا فالقول بأنها لها أعمدة بناءً على ذلك فيه شيء من المجازفة، ثم ما هذه الأعمدة؟ هي الجاذبية، والجاذبية إلى أي حد؟ إلى أين الجاذبية؟ أليس الإنسان إذا فارق الغلاف الجوي يقولون أنه تنتهي الجاذبية؟ ما يقولون هذا هم؟

وانظر أيضًا كلام الآخر في قوله: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [النمل:88]، يقول: معنى ذلك أن الأرض تدور حول الشمس فدوران الأرض معناه يدور ما عليها، فالجبال تمر مر السحاب، طيب ليست الجبال فقط فلماذا خصها الله كل ما على الأرض يمر مرّ السحاب إذا كان المقصود دوران الأرض حول الشمس فلماذا خصص الجبال؟

يقول: هذا دليل على دوران الأرض، مع أن سياق الآيات كله إنما هو في اليوم الآخر، وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل:87]، ثم عطف عليه قوله: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ عطفه على قوله: فَفَزِعَ الكلام متى؟ كما قال الله : {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا ۝ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} [الطور:9-10].

وقوله: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً [الكهف:47]، وقال: وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ [التكوير:3]، فهذا كله في اليوم الآخر، كذلك في قوله تعالى: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [الذاريات:47]، يعني: بقوة: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات:47]، المعنى كما قال ابن كثير: "إنا لموسعون خبر عن خلق الله في الزمن الماضي، يخبر عن سعة خلقها".

هم يقولون: لا، اكتشف العلم الحديث الآن بأن السماء والكون كله في اتساع هائل، يتوسّع وتولد مجرّات جديدة وما إلى ذلك فهذا معنى قوله: وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وعد في المستقبل نقول ليس هذا معنى الآية، الكون لو قبلنا ذلك بأن الكون يتوسع لكن ليس هذا معنى الآية، فلا تربط بينه وبين النص القرآني، وكل قولٍ يعود على أقوال السلف في الإبطال فإنه مرفوض، يعني إذا كان القول يعني أن كل السلف، كل الأمة من قبل من الصحابة والتابعين أخطأوا في فهمها فلا بد أن يكون هذا القول باطلًا، لا يمكن أن تجمع الأمة على الغلط في فهم نصٍّ في كتاب الله -تبارك وتعالى، حاشاهم من ذلك.

كذلك أيضًا في قوله: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ [الرحمن:33].

وفي قوله: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ [الانشقاق:19]، هذه الآيات ظاهرها والسياق كله في اليوم الآخر، هؤلاء يقولون: بأن هذا يدل على المحاولات الحديثة لاكتشاف القمر والصعود إليه، والوصول إلى النجوم وما أشبه ذلك، ويتكلمون عن المراكب الفضائية التي تحمل الإنسان .. إلخ، وأن السلطان المقصود بالآية: لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ، يعني: هو العلم، وأن العلم عند الناس حاضر الآن، الشيخ محمد أمين الشنقيطي صاحب كتاب: "أضواء البيان" رد على هؤلاء في هذه القضية وقال: " كذلك ما يزعم ما لا علم عنده بمعنى كتاب الله -جل وعلا - من أنه تعالى أشار إلى أن أهل الأرض سيصعدون إلى السماوات واحدةً بعد أخرى بقوله: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ زاعمًا أن معنى الآية الكريمة: لتركبن أيها الناس طبقًا أي سماءً عن طبقٍ أي بعد سماء حتى تصعدوا فوق السماوات فهو أيضًا جهل بكتاب الله وحمل له على غير ما يراد به"[1].

هذا عالم كبير إمام في اللغة وفي التفسير وفي الأصول وما إلى ذلك. وهذه نماذج من كتاب اسمه: "الجواهر في تفسير القرآن" هذا كتاب كبير أكثر من خمسة وعشرين مجلد لطنطاوي جوهري ألفه ومُنع دخوله في هذه البلاد، والكتاب يشتمل على أشياء كثيرة جدًا حتى قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير، انظر بعض الأمثلة منه: يقول في قوله تبارك وتعالى عن موسى ﷺ: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [البقرة:67].

تكلم كلام طويل خلاصته يقول: أن هذه الآية تكلمت عن علمٍ جديد اكتشف في أمريكا وهو علم تحضير الأرواح، إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قال علم تحضير الأرواح، طبعًا علم تحضير الأرواح هذا علم ليس بصحيح، وهذا مبني على أشياء من الشعوذة والشياطين وما إلى ذلك، وله علاقات مشبوهة بالماسونية وما إلى ذلك، يقول: نحن أحق بهذا منهم، والمفترض أننا ندرس هذا العلم، وأن نسبقهم إليه؛ لأن القرآن أرشدنا إلى ذلك.

ومن المضحكات المبكيات هذا كتاب عنوان اسمه: "الهيروغليفية تفسر القرآن الكريم" الهيروغليفية يقولون: هذه هي لغة المصريين القدماء، اللغة المصرية القديمة، ما شأن هذه اللغة المصرية القديمة، قال هذه أصل كثير من اللغات ومنها اللغة العربية، نحن لغتنا كانت هيروغليفية، طبعًا ما هذه اللغة الهيروغليفية إذا كانت صحيحة طبعًا كما يقولون هكذا: انظر الكتابة إذا كان تستطيعون أن تميزونها بالرسم طيور وأشكال، هذه الهيروغليفية، طبعًا الآن السطر الطويل الرسم هذا عبارة عن تفسير حرف واحد من حروف اللغة العربية يفسر بهذه الطريقة، ماذا يريد أن يقول هذا في القرآن؟ كيف يريد أن يفسر القرآن؟ يتكلم عن الحروف المقطعة في أوائل السور: ((كهيعص)) ماذا يقول؟ السابقون قالوا: الله أعلم بمراده، و فيها نحو أربعين قول، الحروف المقطعة ما أحد جادت قريحته بهذا القول، فماذا يقول هذا؟ يقول: لا، هذه الرموز لها معانٍ باللغة الهيروغليفية ((كهيعص)) الكاف تكتب هكذا ورسمها بسطر أو نصف سطر ويقول: تعني معناها بالهيروغليفية: يكشف النقاب عن سر أو يفض سر، يجلى سر، يظهر حقيقة يقينية، هاء: تكتب هكذا ثم قال: يعني انتبه ينزل من السماء، ياء: تكتب هكذا ثم قال: وتعني لهذا إليك، العين: يقول: تعني عبد صالح أو جميل أو صادق أو حسن، صاد يقول: تكتب هكذا ويقول: معناها: يقول، يحكي، يتكلم، حكاية، قصة، ما المعنى العام إذًا على هذا التفسير؟ ((كهيعص)) معناها سنكشف لك النقاب عن سر من أسرارنا منزل إليك من السماء أي من عند الله فانتبه إليك القصة الحقيقية نحن نقص عليك القصص الحق، ثم بدأ يتكلم ويفسر بهذه الطريقة، نماذج الحروف المقطعة، ألم نقل بأن القرآن نزل بلغة العرب والله قال: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء:195]، وأنه لا يجوز أن يفسّر بغير لغة العرب، وأن القرآن عربي ولا يحمل على الكلام غير العربي، القواعد التي ذكرناها، هذا الكلام أين هو من تلك؟

صار القرآن يحمل على لغة هيروغليفية ويقال هذا خاطب الله   أصحاب النبي ﷺ وهذه الأمة وما اكتشف إلا الآن على يد هذا الكاتب، وبدأ يذكر نماذج من هذا مثل: (ن) يقول:  معناها: هبطوا وانحطوا وغفلوا وتبلّدوا ثم بدأ يتكلم على ذلك ويربطه بمعنى سورة (ن) هذا كتاب آخر أيضًا فيه عجائب وغرائب اسمه: "سليمان بين حقائق التلفزة وعلم التقنية" يتكلم على سورة النمل والإعجاز العلمي في سورة النمل، ما هو هذا الإعجاز العلمي في سورة النمل؟ يقول الله عن الجن: يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ [سبأ:13]، يقول: التماثيل عبدت بسببها الأصنام، فهل يعقل أن سليمان يعملون له تماثيل؟ إذًا لا بد أن يكون لها معنى آخر، ما هو المعنى الآخر؟

قال: لاحظ أنه عبر بالجمع قال: ((تماثيل)) ما قال: تمثال، ويقول: دعونا نسأل كيف يعمل التلفزيون؟ وبدأ ينقل من كتاب كيف يعمل التلفزيون؟ يقول: بأن الصور تتكرر بلحظات سريعة جدًا الصور تتكرر ثم تتحرك تبدو لك تتحرك يمشي ويتحرك في التلفزيون، الصورة السينمائية أو التلفزيونية، فيقول: فسليمان الجن كانوا يعرضون له عرضًا تلفزيونيًا، يعملون له ما يشاء من تماثيل يعني العرض التلفزيوني يقول: هذا أشار له القرآن، قال: لهذا عبر بلفظة الجمع، ويذكر شرح كثير لهذا لا حاجة إليه، فيقول: المقصود به هو التصوير التلفزي.

ويتكلم أيضًا عن تسخير الرياح لسليمان بمثل هذا.

وخذ هذا آخر جاء بالأسماء الحسنى ومنشور بالإنترنت يتكلم عن خواصها العلاجية والشفائية، وبعضها ليست من الأسماء الحسنى، هذا ماذا يقول؟ هذا دكتور يقول أنه اكتشف علم مبتكر اسمه: البايوجيومتري، هذا اسم العلم، يقول: الألم اسم المرض، المرض، مرض الأذن كيف نعالجه؟ نردد: السميع السميع السميع حتى نبرأ، العمود الفقري: الجبار، الشعر: البديع، العضلات: القوي، عضلة القلب: الرزاق، الشريان: الجبار، لاحظ الجبار مكرر في العمود الفقري والشريان، السرطان: جل جلاله، ردد جل جلاله، الجيوب الأنفية: اللطيف والغني والرحيم، الفخذ: الرافع شرايين العين ليست بالقلب، شرايين العين: المتعالي، القولون: الرؤوف، الكبد: النافع، البروستات: الرشيد، والرشيد ليس من أسماء الله، الأكياس الدهنية وما حدد هنا ممكن تكون الأكياس في العين بشرط أن لا يكون بشرايين العين، الأكياس الدهنية: النافع، المثانة: الهادي، الغدة الصنوبرية: الهادي أيضًا، الغدة فوق الكلوية: البارئ، الرئة: الرزاق وجاء ببقية. ضغط الدم: الخافض، عصب العين: الظاهر، وذكر طريقة العلاج، يعني يريد أن نردد مثل الصوفية الاسم.

وهذا أيضًا يتكلم يقول: ساد الاعتقاد بأن الذرة هي الجزء الذي لا يقبل التجزئة وهذا يدل عليه القرآن فالله يقول: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة:7].

وقال: وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [يونس:61]، طبعًا في أصغر من الذرة كما هو معروف الآن كما يقولون فهو حملها على هذا طيب الآن لما اكتشفوا أصغر من الذرة ماذا تقول؟ هل القرآن غلط؟

عرفنا أن القرآن لا يجوز حمله على مصطلحٍ حادث، فالذرة ما نفسرها بالذرة التي يذكرون، انظر إلى هذا يتكلم عن قوله تعالى: كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41]، يقول لاحظ أنه قال: أوهن البيوت ما قال: أوهن الخيوط، يقول: لأن خيوط العنكبوت أقوى من الفولاذ التي تنسج الخيوط أقوى من الفولاذ، لكنه قال: أوهن البيوت، فيقول: بأن هذه الخيوط تعدل الصلب، أقوى من الصلب أربع مرات، فالوهن، طبعًا لا أدري هذا الصلب يعني نظيرها لا بد أن يكون دقيق مثلها فالوهن إذًا في البيت لا في الخيط ثم يقول: أن العلم اكتشف أيضًا الآن أشياء أن بيت العنكبوت أسوأ ملجأ لمن أراد أن يلجأ إليه من الحشرات أو غيرها، لماذا؟ يقول:  لأنه مصيدة لمن يقع فيه من الزوار الغرباء، وهو مقتل حي لأهله، فالعنكبوت الأنثى تفترس زوجها بعد التلقيح كما أنها تأكل أولادها عند الفقس، كما أن الأولاد يأكل بعضهم بعضا، فتأمل هذه الرابطة الأسرية الواهنة لتجد أن العلاقة العائلية معدومة وأنها إن وجدت فهي تتصف بالوحشية والافتراس والعدوان ومن هنا قال: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ هذه ما يبغى لها هذا كله، بيت العنكبوت معروف، ضعيف جدًا، والعرب تفهم المراد.

وهذا آخر اكتشف اكتشاف بأن العرق علاج للمياه البيضاء في العين فهذا يعقوب ﷺ ابيضّت عيناه من الحزن، فلما أعطى يوسف أبناءه لما أرادوا الخروج من مصر قميصه قال: فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا [يوسف:93]، يقول: هذا القميص فيه عرق، فإذا ألقوه على وجهه فإنه تذهب عنه المياه البيضاء.

طبعًا شخص الحالة الآن التي عند يعقوب وهي المياه البيضاء، هذه واحدة، ثم أيضًا: لو كانت القضية قضية عرق طبعًا بعض الروايات وهي مأخوذة من الإسرائيلية أنهم لما فارقوا عريش مصر قال يعقوب : قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ [يوسف:94]، لاحظ المسافة من بداية الشام أو فلسطين إلى مصر ويقول: أجد ريح يوسف، ماذا يجد؟ قضية معجزة فما فعله يوسف إنما هو معجزة، وكذلك ما وقع ليعقوب من شم رائحة يوسف فالمسألة معجزة، ولو كانت القضية تتعلق بالعرق كان قال: أعطوه عرقًا من عرقي أو من عرقكم! ما قال: ألقوا القميص على وجهه، قميص يوسف فهذا أبعد ما يكون، ما علاقة العرق بالمياه البيضاء، الآن لو جئنا بإنسان فيه مياه بيضاء، وقطرنا به عرق أمثال البحار ترجع عيونه صحيحة أو تعمى؟

يأتيها ما لا قبل لها به، انظر هذه أمثلة أخرى أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ [يــس:80]، معروف كلام العلماء فيها، ومن الأمثال العربية المشهورة: (في كل شجرٍ نار واستنجد المرخ والعفار) المرخ والعفار: نوعان من الشجر يوقد العرب منهما يكون زنادًا يوقد منه، مثل الكبريت الآن فيقولون: في كل شجرةٍ نار ولهذا يقولون: إن شجر العناب هو أقل الأشجار من هذه الحيثية، فهو لا يكاد يوري، أما بقية الشجر ففيها نار، يعني أنه يمكن، لكنها ضعيفة وأعظم ذلك هو المرخ والعفار، هذا الكاتب ماذا يقول؟ يقول: أنا جربت بنفسي المرخ وضربت به ولم يوقد، طبعًا هذه قضية كبيرة جدًا؛ لأن هذا كانوا يستعملونه كما نستعمل الكبريت، معروف جدًا لديهم فكيف تقول أنك جربته وما صلح؟ يمكن جربت شجر آخر! لكن هذا ما يمكن لأحد أن يقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا.

المفسرون يقولون: في كل شجرٍ نار وأعظمها المرخ والعفار، معنى ذلك أنكم تورون منه وبعضهم يقول: بأن هذا الشجر هو الذي يكون حطبًا ووقودًا للنار بعد أن كان أخضر فييبس ثم يكون محلًا للاشتعال، توقدون منه فهذه آية من آيات الله يمتن به على عباده، وهذا يقول: لا، ليس هذا المراد، ما المراد؟ قال: الشجر الأخضر يمتص هذا الغاز الضار الذي هو ثاني أكسيد الكربون وينتج لنا الأكسجين، والنار لا يمكن أن تشتعل، لا يمكن أن تبقى الكائنات الحية من غير الأكسجين فأخرج لكم من الشجر الأخضر نارًا: يعني الأكسجين، الأكسجين الذي لا تشتعل النار إلا به، الله قال:  نارًا ما قال أكسجين!

ثم إذا قلنا: أنه الأكسجين أن تضرب بجميع أقوال السلف، كلهم أخطئوا في فهمها حتى جاء هذا وكتب في هذه المجلة هذا المقال الطويل، ويشرح فيه كيف تتم عملية الأكسجين؟

طبعًا من الملاحظات التي لاحظتها عند القراءة لهؤلاء أنهم يتفاوتون، أحد الإخوة جاءني بالأمس بمجموعة من الكتب تصدر عن هيئة الأعجاز العلمي في القرآن والسنة التابعة للرافضة، وأشكره على هذه الكتب وطالعتها جميعًا إلا كتابًا واحدًا على كل حال، فرأيت فرقًا كبيرًا مع أن بعض هؤلاء الذين كتبوا هذه الكتب هم ممن كتب في مجلات أو ألقى محاضرات فرأيت فرقًا كبيرًا بين كتاباتهم في المجلة وبين محاضراتهم، وبين ما يخرجونه في كتاب، نعم هناك بعض الأمثلة، هناك تحفظ عليها، لكن الكتابة فيها انضباط كبير جدًا، وواضح أنها مراجعة مرةً بعد مرةٍ من مختصين في العلوم الشرعية، وممن يعرفون لغة العرب، فهذا كتاب خاص بهذا الموضوع: الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا [يــس:80]، لاحظ الفرق في الكتابة واستخراج المعنى، ما هي المعاني التي دل عليها مما ذكره هؤلاء؟

خلاصة الكلام الذي ذكره هو يقول: أخرج لكم من الشجر الأخضر نارا، المرخ والعفار، لاحظ: المرخ والعفار، وأيضًا: الحطب الذي يوقد منه وأيضًا: العملية التي تجرى على هذا الحطب حتى يكون فحمًا، لأن الفحم إنما يؤخذ من هذا الحطب، فيقول: كل هذا داخل في قوله تعالى: جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا [يــس:80].

ويقول أيضًا: مما يخرج من هذا الشجر الأكسجين الذي يكون سببًا لاشتعال النار، هذا القول على الأقل فيه انضباط، وذكر المعاني الأولية الداخلة في الآية، ثم ألحق هذا بها، بينما حينما يكتب الكاتب في المجلة أو يلقي محاضرة واضح جدًا عامل الإثارة في هذه الأشياء فيلقيها بطريقة عجيبة جدًا بلا خطامٍ ولا زمام في العبارات، في تركيب المعنى، في كلام السلف والنظر إليه، سيأتيكم أمثلة كيف ينظرون إلى كلام السلف أو ينظر بعضهم إليه.

هذا مثال آخر في الحديث الذي ورد عن النبي ﷺ: لن تقوم الساعة حتى تعود جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا[2].

ذكر أنه قديمًا كانت جزيرة العرب عبارة عن مروج وأنهار، وإنها ليست صحراء قاحلة، وذكر بعض البعثات ورجل أمريكي عمل رسالة دكتوراه على الربع الخالي وذكر بعض من جاؤوا وأجروا بعض الدراسات.

يقول: وجدوا بقايا حيوانات من رتبة البهيميات وهي خرطوميات ثديية تعتبر من الأقارب البعيدة للفيلة المعاصرة وأفراس النهر وآكلات اللحوم الصغيرة والجياد ووحيد القرن والسلاحف والتماسيح والأسماك والطيور، وقرود تشبه الماكاك، وأوضح أن كل هذه الحيوانات من أصول حبشية، هذا الكلام عندهم قبل ملايين السنين، أصولها حبشية، كيف عرف أن أصولها حبشية؟ ففي حقبة الميوسين كان البحر الأحمر مفتوحًا على البحر المتوسط، ولكنه كان مغلقًا من جنوبه بجسرٍ بري قائم بين الحبشة واليمن، وفي الشرق كانت شبكة نهري دجلة والفرات تمتد إلى الجنوب أكثر مما هي عليه اليوم ثم بدأ يذكر أشياء، وأن هذا كان قبل -وذكر أرقام هنا غريبة- ملايين السنين على كل حال لا أذكر الرقم بالضبط.

فيقولون: نعم هذا يدل عليه قول النبي ﷺ: حتى تعود جزيرة العرب...  يقولون: لأن تعود معناها كانت كذلك من قبل.

نقول لهم: يا قوم نحن لا ندري هل كانت جزيرة العرب كذلك من قبل أو لا؟ الله أعلم، لا نعارض هذا ولا نثبته، الله أعلم به، لكن الحديث هل هذا معناه؟ الجواب: ليس ذلك بقاطع، لماذا؟ لأن كلمة عاد في لغة العرب كما قال الثعالبي في كتاب فقه اللغة: "ومن خصائص لغة العرب وجود بعض الألفاظ فيها التي لا توجد في لغةٍ أخرى مثل لفظة: (عاد) تأتي بمعنى رجع، وتأتي بمعنى صار، حينما تقول: عاد الفتى كهلًا، هل كان كهلًا ثم عاد؟ عاد الطين خزفًا، هل كان الطين خزف ثم رجع مرة ثانية؟ عاد الماء ثلجًا؟ بمعنى صار، هل كان الماء ثلج؟ لا، وحينما تقول: عاد الخمر خلًا، هل كان الخمر خلًا؟ الجواب: لا.

فقوله: حتى تعود جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا بمعنى حتى تصير، ولا يلزم أن تكون قبل ذلك كذلك، ويحتمل معنى آخر أنها كانت كذلك ثم تعود، فلماذا تتحكم بالمعنى وتقول: حتى تعود معناها أنها كانت قبل ذلك، والحديث يصدقه. الحديث يحتمل المعنيين احتمالًا متساويًا، فكيف حملته على هذا المعنى وأتيت لهم وقلت لهم هذا الحديث يدل على ذلك قبل أربعة عشر قرنًا؟ ثم هذه الحيوانات الذي ذكرها قبل ملايين السنين أنا أجريت إحصائية بسيطة وممكن كل واحد منكم يخرج آلة حاسبة ويحسب معي من آدم إلى يومنا هذا كم كان عمر الدنيا من آدم إلى اليوم من خلال كتب التاريخ؟

يقول المؤرخين بأن عمر آدم في بعض المرويات ألف سنة ونحن ما نقطع بهذا، لكن لا مانع العالم يتكلمون بمليارات السنين وملايين السنين فأنا أقول: أنت إن شئت زد على كل شيء ألف سنة، لتشك فيه زد عليه ألف سنة ألفين سنة من عندك لا إشكال، الكلام في الملايين والمليارات الآن ما هو في ألف وألفين، وفي التوراة، التوراة طبعًا محرفة، يقولون: بأنه عاش 930 سنة.

ذكر أن إدريس وليس هذا محل اتفاق أدرك من حياة آدم ثلاثمائة وثمان سنوات، وكان بين آدم وبين نوح على التوحيد كما صح عن النبي ﷺ في من حديث ابن عباس عشرة قرون كلهم على الإسلام[3].

فإذا حسبنا نوح يقولون: أنه ولد بعد وفاة آدم بـ 126 سنة، عشرة قرون على التوحيد.

جاء في حديث أبي أمامة أن رجلًا قال: يا رسول الله: أنبي كان آدم؟ قال: نعم مكلم قال: فكم بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون[4].

لاحظ الآن ما هو فقط على التوحيد بينه وبين آدم عشرة قرون، هذا الحديث قال ابن كثير على شرط مسلم. يقول ابن كثير: إذا كان المراد بالقرن مائة سنة كما هو المتبادل عند كثيرٍ من الناس فبين آدم ونوح كم؟ ألف سنة لا محالة، لكن لا ينفي أن يكون أكثر باعتبار ما قيّد به ابن عباس في الإسلام، باعتبار أن التي على التوحيد ألف سنة، وكم بينهم من المدة بعد ما وقع من الشرك، الله أعلم؟

يقول: وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس فكان الجيل قبل نوح يعمرون المدة الطويلة، فعلى هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين حطها عشرة آلاف سنة بدلًا من ألف سنة، افترض أنها عشرة آلاف بين آدم ونوح اختلفوا في مقدار سن نوح لما بعث، قيل: كان ابن خمسين سنة، وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة[5].

طبعًا هو دعا قومه بنص القرآن ألف سنة إلا خمسين عامًا، بعد الطوفان كم عاش؟

يقولون: عاش ثلاثمائة وخمسين سنة، ونحن لا نقطع بشيءٍ من هذا، على هذا كم يكون عاش آدم؟ عاش ألف وسبعمائة وثمانين سنة.

ثم جاء هود وهو ابن شالخ، وشالخ عمره يقولون: أربعمائة وثلاثة وثلاثين سنة ابن أرفخش وعمره أربعمائة وثمانية وثلاثين سنة ابن سام وعمره ستمائة سنة ابن نوح.

يعني كم سنة؟ لو فرضنا أن كل واحد يموت في السنة التي يولد فيها الآخر فكم يكون بين هود وبين نوح 1471سنة، ثم جاء صالح وهو صالح بن عبيد بن ماسح ابن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عاثر بن أرم بن نوح، بين هود وبين نوح ثلاثة أجداد وبين صالح وبين نوح سبعة أجداد على قول المؤخرين، وإبراهيم ابن تارخ عمره 250 سنة يقولون: ابن ناحور 148 ابن فاروغ 230 ابن راغو 239 ابن فالغ 439 ابن العابر 464 ابن شالح 433 .. إلخ.

المهم بين إبراهيم وبين نوح تسعة أجداد، لو فرضنا أن كل واحد يموت بسنة ولادة الآخر يكون بينهم ثلاث آلاف ومائتين وواحد وأربعين سنة. بين من؟ بين إبراهيم وبين نوح يقولون: أن عمر إبراهيم كان 175 سنة وقيل: 190 سنة وقيل: 200 سنة.

وموسى في نسبه بينه وبين إبراهيم ستة آباء، وداود بينه وبين إبراهيم 12 أب، وعيسى بينه وبين داود 17 أبًا، وبعضهم يذكر أكثر من هذا، يوصلها إلى 26 أبًا، بين من؟ بين عيسى وبين داود، وعليه مجموع الآباء على أكثر التقديرات من عيسى إلى نوح كم؟ 47 أب، بين عيسى وبين نوح، كم بين النبي ﷺ وبين عيسى؟ 600 وكسر.

وبيننا وبين النبي ﷺ 1426 سنة احسب هذا كله كم يصل؟ 5000 آلاف سنة، ستة آلاف سنة، سبعة آلاف سنة؟ خليها عشرة آلاف سنة، عشرين ألف سنة! ثلاثين، خمسين ألف سنة، أين الملايين؟ أين المليارات؟ أين هي؟

اليوم طلعين يخرجوا لهم قطعة أو عظم ولا كذا يقولون: هذا قبل خمسمائة مليون وأربعمائة وتسعة وعشرين سنة، يذكرون أرقام من أين جبتم لي هذه الأرقام؟ هذا الآن على أكثر التقديرات؟ ما بين آدم -عليه السلام- إلى يومنا هذا، نزيد بالآلاف من السنين.

لكن المشكلة يا إخوة هؤلاء الذين يدرسون هذه الدراسات من الغربيين لا يؤمنون بالله، ولا يعرفون الأنبياء، فالمفروض أننا ما ننطلق من فراغ مثلهم ونتخبط هذا التخبط، المفروض أنه يكون عندنا أرضية أفضل للبحث والمعرفة، خذ مثال هذا في قوله تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ۝ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى [القيامة:37-38]، بدأ يتكلم عن تخليق الجنين وقضية الذكر والأنثى كله من أين؟ من ماء الرجل، من نطفة الرجل، فقط أذكر لكم بعض الأحاديث حتى ترون أين هؤلاء؟ الحديث الذي أخرجه البخاري، حديث أنس: إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد -يعني الأب- وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد[6].

يعني الشبه، ومن حديث عائشة عند مسلم: إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه[7].

هذا في الشبه، وذاك بعض أهل العلم حمله على التذكير والتأنيث، وبعضهم قال في الشبه وحاول يجمع بين الحديثين، وعند البزار عن ابن مسعود وفيه: إن ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما علا غلب الشبه[8]، وهو حديث صحيح.

وفي مسلم من حديث ثوبان: ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله[9].

المفروض أن يشتغلوا بهذا الإعجاز الذي لم يعرفه الغرب إلى هذه الساعة، هذا الإعجاز: إذا علا وإذا سبق، وماء المرأة أصفر، طبعًا أصحاب هذه الدراسات كل من رأيته سألت استشاريين كثير متخصصين في النساء والولادة وسألت أطباء في مختلف التخصصات فبين لي أنهم لا يعرفون أن للمرأة ماءً أبدًا، ولا يقرون به، وأن التخليق مع البويضة فقط، وهذا الذي يدرس في مراحل التعليم المختلفة في شرق الأرض وفي غربها، والأحاديث صريحة أن التخليق يكون من ماء الرجل ومن ماء المرأة، وأن ذلك له علاقة بالشبه والتذكير والتأنيث وهم يقولون: أبدًا هذا ما له علاقة، المرأة ليس لها ماء أصلًا وإنما هي البويضة.

خذ هذا مثال: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ۝ قَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ [الحجر:14-15]، معجزات، ما هذه المعجزات؟

طبعًا الآية فيها قراءتان متواترتان، القراءة الأولى:سُكِّرَتْ والقراءة الأخرى المتواترة: لقالوا إنما سكِرت أبصارنا يعني معنيان، بعضهم قالوا: هما معنى واحد، معنى القراءتين، وبعضهم قال: لكل قراءةٍ معنى، معنى إحدى القراءتين: سدّت، والمعنى الثاني: سحرت، والسياق كله في مكابرة الكفار، وأنهم يقولون ذلك على سبيل المكابرة، يطلبون آيات فإذا جاءت الآيات كابروا وقالوا: سحرنا، كما قالوا حينما انشق القمر: سحرنا محمد فالله   يقول في هذه الآية: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ قولان لا ثالث لهما للسلف، فظلوا فيه يعرجون أي هؤلاء الكفار يصعدون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا القول الثاني:  فظلوا فيه يعرجون يعني الملائكة ، والناس يرونهم، لقالوا إنما سكرت أبصارنا.

ماذا يقول هؤلاء؟ يقولون: لا، هذه الآية ليس هذا معناها، ما معناها؟ قالوا معناها: أنه لو صعدناهم فوق إلى أعلى ففارقوا الغلاف الجوي فإنهم سيصيرون إلى ظلمة، وإذا صاروا إلى ظلمة فإنهم سيقولون ذهبت أبصارنا؛ لأنهم لا يرون شيء بعد الغلاف الجوي ظلمة تامة، فيقولون: هذه الآية دلت على هذا، من علم محمد ﷺ أن ما فوق الغلاف الجوي أنه ظلمة تامة؟ دامسة، ليس هذا معنى الآية؟ نحن لا نعارضكم بأن ما فوق الغلاف الجوي ظلمة، لكن ليس هذا معنى الآية، وما أحد قال هذا من السلف، وهذا القول يعود على أقوال السلف في الإبطال وقالوا هناك إعجاز آخر أنه قال: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ۝ قَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ لقالوا: الام تدل على التعقيب المباشر، اللام ما تدل على التعقيب المباشر في لغة العرب، اللام لها أربعة عشر معنى في اللغة ليس منها التعقيب المباشر، هذا معنى جديد جاؤوا به في كلام العرب التعقيب المباشر، طيب ماذا تريدون تقولون؟ خليها للتعقيب المباشر، قالوا: إن مساحة الغلاف الجوي هذا مساحة بسيطة، ووضعوا أرقام حسابية تبيّن أن الغلاف هذا غلاف على اسمه، غلاف رقيق ليس بالنسبة لما فوقه، فهو شيء يسير ولهذا يقولون في قول الله : اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ، يقولون: هذا الغلاف الجوي مثل الجلد ولهذا عبر بالسلخ، نسلخ منه النهار، فيقولون: لقالوا، يدل على أنهم مجرد ما يرفعهم يفارقون الغلاف الجوي فترة بسيطة جدًا فمباشرة يقولون: أصلًا اللام لا تدل على التعقيب المباشر، ممكن الإنسان يقول هذا بعد قرن، تقول أنا مثلًا لو أحسنت إليك لقلت كذا وكذا، لا يلزم أن تقولها مباشرةً، لكن يمكن أن تقولها فيما بعد، لو أخبرتك عن هذا الشيء لقلت كذا وكذا، ممكن تقولها بعد ما تنادي إنسان، بعد ما يملي عليك أحد، بعد ما تفكر فيها.

وهذه أمثلة أيضًا في قوله: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ۝ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا [النازعات:30-31]، يتكلم على أن العلم أثبت أن الفورانات البركانية الهائلة في باطن الأرض هي التي أخرجت بخار الماء والذي تكثف بدوره في الغلاف الغازي للأرض ثم هبط إلى الأرض ماءً كيف؟ والله خلق الأرض في يومين، ودحاها في يومين، ومعنى دحاها، قال: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا فأي فوهات بركانية وبخار ماء وتكثف ثم نزل مطر. ما هذا؟

وفي قوله: وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ ۝وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ [الطارق:11-12]، يتكلم عن صور انعكاس ورد الموجات الإذاعية والتلفازية عبر طبقات الحماية المحيطة بالأرض في قوله تعالى: وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ كلام السلف فيها واضح وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ يعني المطر، وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ تنشق بالنبات.

وكذلك في قوله: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [الطور:6]، يقول غاصوا تحت في المحيطات وفي أعماقها فوجدوا درجات حرارة تتعدى الألف درجة مئوية تلتقي النيران مع المياه في هذه القيعان بتوازن عجيب، لا الماء يستطيع أن يطفئ هذه النيران ولا النيران تستطيع أن تبخر الماء، هذا يتكلم عن قوله تعالى: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ وهل هذا معنى الآية؟

وهذا يتكلم عن: قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا [مريم:4]، يتكلم عن قضية العظام لماذا قال: وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي؟ طبعًا معروف، يقال: فلان وهن العظم ووهنت عظامه رقت عظامه، فلان ضعف وشاخ، يعبَّر عن الضعف والشيخوخة بوهن العظم، هذه لغة العرب! هو يقول: لا، العظام لها وظائف مهمة تتوقف عليها حياة الإنسان، فهي تحتوي كل ما يحتاج إليه الجسم من الفسفور والكالسيوم وتنظم عملية التوزيع تنظيمًا يحفظ ضربات القلب وحركات العضلات، وكذلك فإن العظام تنتج كريات الدم الحمراء والبيضاء طول حياة الإنسان بلا انقطاع، كما قرر العلم حديثًا أن العظام تؤثر مباشرة على الجهاز العصبي يقول: لذلك تؤثر في عملية الإنجاب والقدرة عليه، وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي معناها: العظام لما وهنت ما صار عندها قابلية للإنجاب.

وهذا آخر يتكلم على الأرض والحديد الذي فيها، ومعنى قوله: وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25]، أنزلنا الحديد كلام أهل العلم فيها واضح، بعضهم يقول: أنزله من السماء، وبعضهم يقول: أنزلنا الحديد أي من أعلى، لأن أجود الحديد في أعالي الجبال، كما قال الله في الإنزال: وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ [الزمر:6]، ممكن تكون أصولها أنزلت من السماء، ويمكن لأن الذكور تنزل على الإناث فيستقر ذلك في أرحامها فهذا نزول وإنزال، ويمكن أن يكون الولد لما يولد يسقط إلى الأسفل، إلى الأرض فيكون نزول، وأنزل لكم من الأنعام، المعاني التي ذكرها العلماء في وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ كذلك في الحديد وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ إما من السماء، والقول الآخر أن أجود الحديد في أعالي الجبال يقول: لا، وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ الأرض كانت ملتصقة بالشمس وكان الكون كله واحدًا فهذا الحديث الموجود، هذا أنزل الله من أين جاء؟ هذا من الشمس.

وأمثلة كثيرة هنا في قوله تبارك وتعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:29].

وكذلك في قوله: أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ۝ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا [النازعات:27-28]، يتكلمون عن الغازات الموجودة في الأعلى، وكلامهم يدل على أنها هي السماء عندهم.

ذلك في قوله: اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [الحـج:5]، الأرض إذا أنزل الله عليها المطر، اهتزت ماذا؟ وربت بالنبات هذا كلام أهل العلم، هنا يتكلمون بكلام طويل أن عالم بريطاني اسمه براون يقول: إن ماء المطر إذا نزل إلى التربة أحدث لها اهتزازات تهتز حبيبات التربة، وهي حبيبات صغيرة يقول: تحصل تفاعلات في التربة، هذه الحبيبات عبارة عن صفائح بعضها فوق بعض من المعادن المختلفة، المهم يقول: يحصل معها شحنات كهربائية مختلفة.. إلخ، تتحول إلى أيونات وكلام طويل اهتزت وربت اهتزت بالنبات وانتفخت بالنبات، والأرض معروف إذا نزل عليها المطر وتهيأت لإخراج النبات، كذلك كلامهم أيضًا في قوله: خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12].

وأشرت إلى هذا المثال من قبل، في أشياء كثيرة جدًا، نتكلم على بعض الأمثلة التي ذكرناها في السماء والسماوات ورفعها، يقول: السماء هو كل شيء فوقها يسمى سماء ولذلك يقال: (صاحب السمو) أي صاحب العلو، فهذه السماء تشمل ما فوقنا من خلق هذه الكواكب والنجوم والمجرات والمجموعات الشمسية وغيرها، ما الذي يمسكها؟ السقف.

كذلك أيضًا: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا [يــس:38]، وفي قوله: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يــس:40]، يتكلم عن أن الشمس تجري وتدور وأنها لمستقر لها الشمس مندفعة مع كل الكواكب التي حولها باتجاه برج الجوزاء، ونحن جميعًا نعرف الحديث بأن الشمس تسجد تحت العرش وأنها تستأذن ربها في الطلوع وهكذا إلى أن يأتي اليوم الذي فيه تحبس، ثم يقال لها: ارجعي من حيث كنت فتطلع.

وأحد هؤلاء الذين يتكلمون عن هذه القضية سيأتي كلامه وتفسيره لخروج الشمس من مغربها، وهكذا يذكر هذا أرقام خيالية باتساع الكون وأن سرعته ترليون ألف بليون سنة ضوئية كل دقيقة.

وفي قوله: عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [المؤمنون:92]، يقول ما السر؟ طبعًا الشهادة بالاتفاق عالم الشهادة هي الشيء المشاهد، الحضور والغيب ما غاب عن الحس، يقول: لا، لا ليس هذا هو المراد، طيب ما المراد؟ عالم الغيب والشهادة، قال: الشهادة شيء آخر هذه النجوم التي تشاهدونها بعض هذه النجوم هو إنما بقي فقط، بقي نوره وإضاءته وإلا فقد ذهب قبل مئة سنة، ماذا تريد أن تقول؟

قال: عالم الغيب والشهادة هذا الذي ترونه وتظنون أنه موجود، لا وجود له، هذا النجم، الله عالم الغيب والشهادة هل هذا هو المعنى للآية؟

كذلك أيضًا تكلم عن الانفجار الكوني ونهاية العالم وتكلم عن: فَلَا أُقْسِمُ بِالخنَّسِ ۝ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ [التكوير:15-16]، تكلم عنها بكلامٍ غريب، يقول: هي المذنبات، وهذه المذنبات يقول: اكتشف العلم الحديث أنها تكنس السماء.

وكذلك في قوله: فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ [المعارج:40]، رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [الرحمن:17]، لماذا قال ذلك؟

إنما ذلك باعتبار كثرة شروق الشمس وغروبها، أو باعتبار اختلاف ذلك بحسب الشتاء والصيف، وما إلى ذلك كما ذكروا أو مشارق النجوم ومغاربها ماذا يقول هذا؟ يقول: نحن نفسرها بطريقةٍ ثانية، يقول: هناك كواكب تدور حول شمسين، فيكون لها حيّز مشرقين ومغربين، وهناك كواكب تدور حول ثلاثة شموس فيكون لها ثلاث مشارق وثلاث مغارب، يقول: ولم يكتشف إلى الآن أكثر من ستة مشارق ومغارب، كونك تقرر هذا، قد يكون صحيحًا أو غير صحيح، لكن معنى الآية ما هو؟

وفي قوله: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا [المرسلات:25]، بدأ يتكلم عليها أيضًا بكلامٍ غريب، وكذلك في قوله تبارك وتعالى: وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ [سبأ:3]، مثقال ذرة، يقول أصغر من ذلك، في أصغر في الذرة هو هذا الذي اكتشفه العلم الحديث من قريب سنة 1932، ما هو أصغر من الذرة، الذرة ليست كما قلت هي هذه الذرة التي يقصدونها، فيجب حمل ألفاظ القرآن على معهود الأميين في الخطاب، يقول: اكتشف هناك ما هو أصغر من الإلكترون وهو الكورك، وبدأ يذكر أشياء حول هذا.

في قوله تعالى: وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا [الشمس:3]، يتكلم عليها بطريقة غريبة ويقول: الكون كله ظلام والغلاف هذا فقط، الذي نعيش فيه هو الذي فيه النور وبالتالي هو مثل قشرة البرتقالة والليل إذا يغشاها فهو يغشى هذه الأرض، والنهار إذا جلاها يجليها .. كلام ما هو متجه.

على كل حال، معنى الآية واضح: وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا يعني: أرخى سدوله فغطاها بظلامه، والنهار إذا جلاها أي كشف.

أيضًا في قوله: أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ [هود:20]، يقول: لاحظ الأمم السابقة الله قال: لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ ولما خاطب هذه الأمة قال: وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي الْسَمَاءِ [العنكبوت:22]، ليشير إلى أن هذه الأمة سيوجد منها من يصعد إلى السماء، هل هذا هو المراد؟ هل هذا ما يشعر به النص القرآني؟ أبدًا، وهذه أمثلة كثيرة جدًا ألقاها أحد هؤلاء في محاضرة ثم نقلها آخر في مجلة، يتكلم عن بعض القضايا التي ذكرناها سابقًا.

ثم تكلم عن قوله: أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد:41]، كلام السلف فيها واضح بعضهم يقول: الأرض هي مكة تؤخذ هذه القبيلة، وهذه القبيلة حول أهل مكة بسرايا محمد، فهذه عبرة وعظة لهم، وبعضهم يقول: بموت العلماء، وهذا يقول: لا، ليس هذا هو معنى الآية، يقول: أراح المفسرون أنفسهم بأن أجمعوا على أن إنقاص الأرض يكون بقبض العلماء، طبعًا هو ما هو إجماع! لكن يقول: أراحوا أنفسهم فأجمعوا عليه، طيب إذا أجمعوا هل يجوز لك أن تخالف الإجماع؟ هل يمكن أن تجمع الأمة على ضلالة؟

يقول: وهو تفسير يشكرون عليه، قدر ما أوصلهم إليه اجتهادهم، هذا تخصصه جيولوجيا يتكلم على إجماع الأمة يقول: جزاهم الله خير أوصلهم هذا اجتهادهم، يشكرون عليه، ولكن لعلماء الأرض آراء أخرى؛ إذ يقول البعض أن قطر الأرض القطبي ينقص عن القطر الاستوائي بحوالي 45 كيلو متر، وأن هذا التناقص مستمر، بينما يرى آخرون أن الإنقاص، يعني انبعاجها قليلًا عند خط الاستواء وتحدبها قليلًا عند كلٍّ من القطبين، هم مختلفون، طيب على أي شيء تريد أن تحمل الآية بعد ما رددت إجماع الأمة الذي أنت نقلته، مع أنه لا يصح فيها إجماع؟ لكن نعم لم يقل أحد منهم بهذا القول، وهذا القول يعود إلى جميع أقوالهم بالإبطال، كذلك في أمثلة أخرى تكلم بكلامٍ يشبه هذا، ومن أعجب ما ذكر في خروج الشمس من مغربها.

يقول: إن العلماء يقولون أن سرعة دوران الأرض حول محورها تتغير يومًا بعد يوم، وهذه السرعة التي كانت يومًا ما أربع ساعات تجدها الآن أربعًا وعشرين ساعة هي ساعات اليوم، وستكون أكثر في الأزمان اللاحقة حتى تأتي لحظة تتغلب فيها جاذبية الشمس على جاذبية الأرض، فتدور بالعكس فتخرج الشمس من الغرب بدلًا من الشروق، من الذي عرف الرسول ﷺ بذلك؟

يقول:  كذا، طبعًا المحاضرة الذي أصلًا ألقاها، قام له شخص وقال له: هل معنى ذلك أنك تستطيع بهذه الحسابات -النقص التدريجي الذي أشرت إليه- أنك تستطيع أن تعرف متى ستخرج الشمس من مغربها؟ قال: لا، لا نستطيع لأنه قد تحصل أشياء في الكون تسرع من هذا أو يحصل شيء آخر، لكن لو مشت الأمور على هذا الوضع الرهيب معناها أنه يستطيع أن يعرف متى ستخرج الشمس من مغربها، والله  يقول: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۝ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ۝ إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ۝ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا  [النازعات:42 -45].

ويقول: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [الأعراف:187].

والحديث واضح وصريح أن الشمس ستجري بطريقتها المعهودة وأنها في ذلك اليوم تحبس إذا سجدت تحت العرش وتمنع من الرجوع مرة ثانية، حتى يمضي عليها قدر من الزمان من اليوم ثم لا تستطيع أن ترجع، فتستأذن ربها ثم بعد ذلك يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها[10].

وهذا الحديث صريح وواضح في هذا، فكيف يصادم الحديث مع صراحته بمثل هذا الكلام؟!

من الأمثلة مثلًا: هذا يفسر القرآن بطريقة عجيبة، ألف كتابًا في ذلك، مثلًا: سورة الكوثر، يريد أن يقول أن لكل سورة لها طابع معين، سورة الكوثر والأنهار الأربعة، ذكر التفسير المعروف للسورة، ثم قال: ولكن أليس فيها فكرة واحدة تربط بين أجزائها وتجعل لها معنى متكاملًا متلاحمًا، ما هذا الرابط بين نهر الكوثر وبين الصلاة ونحر الأضاحي وذكر المشرك الأبتر وذكر النبي ﷺ الذي لم ينقطع؟ لقد وجدت أن الفكرة تتجلى في جميع أجزاء هذه السورة الكريمة هي فكرة النهر فالنهر سائل متدفق يستعمله الناس للغسل والتطهير، وفي ري المزروعات وتغذيتها، وفي نقل الأشياء كالأخشاب والسفن وغيرها.

نبحث الآن عن فكرة أجزاء هذه السورة الكوثر نهر، الصلاة نهر، أما فكرة النهر في الصلاة فقد كفانا مئونة البحث عنها الحديث المتفق على صحته: أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم ...[11].

فالصلاة نهر، ولم نعلم أن الصلاة كالنهر العادي تتمتع بخاصة التطهير والغسل من الناحية المادية لا بد من القول بأن الصلاة تطهر المصلي، والوضوء يطهر أعضاءه، طيب النهر في النحر، قال النهر في النحر، واضح، هو الدم يخرج مثل النهر، فهذا الارتباط، ثم أيضًا يقول: الدم ينقل التغذية في الجسم، وهو مثل النهر في الجسم عبر الشرايين والأوردة فهي أنهار متدفّقة في داخل الجسم، العضو الذي لا يمده هذا النهر يموت، ثم أيضًا هو يقوم الدم بعملية تطهيرية، يجمع السموم التي فيه الجسم.

ثم يقول: في شيء آخر في التطهير في النحر يقول: دمه نجس، أولسنا حين نذبح الأضحية نطهرها من دمها النجس قبل أن نأكلها، هكذا يقول: أليس هذا حرصًا من الشارع على أن يظهر أجسامها من الأقذار والسموم؟ وهناك طهارة أخرى نفسية في نحر الأضحية، الذي ينحر الأضحية لا بد أن يدفع الثمن، وهذا نوع من الزكاة وتطهير للنفس من الشح.

ثم يتكلم عن نهر الزمان: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر:3]، وبدأ يتكلم عن نهر الزمان، وأشياء غريبة جدًا في هذا ويتكلم عن سورة العصر، أن الزمان يسري فيها في كل شيء فيقول مثلًا من كلامه يقول: الزمان في الإنسان، الإنسان لا يمكن أن ينفك عن الزمان فهو ابن سنة أو ابن عشرين سنة، أو مائة سنة، والزمان الإطار الذي يحدد عمر الإنسان من البداية أو النهاية، يقول: ما الزمان في الخسارة والربح؟

يقول السورة تقسم البشر إلى خاسرين ورابحين، وهؤلاء الرابحون هم الذي ورد تفصيلهم بعد أداة الاستثناء لله، وهل ينفك الربح والخسارة عن الزمان؟ وهل يكون للربح والخسارة معنى إلا إذا قيد في إطار زمني محدد؟ طيب إلا الذين آمنوا أين الزمان فيها؟ قال: هذا يحفزنا على البحث عن الزمان في الإيمان وأن قد شبهه تعالى بالشجرة في قوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء [إبراهيم:24].

ما الزمان في الأعمال الصالحات؟ قال: لنبحث عنه، لنأخذ الأعمال الصالحة الأساسية: (الصلاة، الزكاة، الحج، الصيام) أليست مقيدة بزمان؟ وبدأ يتكلم، أليس هذا يا إخوة يشبه تفسير الباطنية؟ أن هذه رموز، أليس كذلك؟ هل هذا هو التفسير على الظاهر؟ أبدًا، وبدأ يتكلم عن موسم الحج، وسورة التين، علو ثم هبوط ثم سفول وانحدار، وبدأ يتكلم عن معناها ومعنى أحسن تقويم وأسفل سافلين وما علاقة التين، أنا كنت أقرأ وكنت أحيانًا أذكر أشياء من عندي أقول لعله يقولها على سبيل التندر وتبين لي أنه يقولها فعلًا، وسأريك شيئًا من ذلك يقول: يبدو لي أن كل المعاني السابقة والله أعلم مضمنة في هذه الرموز التي تصدرت السور وهي التي: التين والزيتون وطور سينين والبلد الأمين فكيف ذلك؟ أين القمة؟ أحسن تقويم، وأين الحضيض؟

يقول: التين والزيتون، التين شجرة معروفة لها شجرة حلوة لذيذة بينما ثمرة الزيتون مرّة شديدة المرارة فمن حيث الطعم نجد التين وحلاوته قمة في الطعم الطيب، بينما الزيتون حضيض، الزيتون صار حضيض؟

ماذا يقول: بأنه مرٌّ ممزوج، أوليس انتقال من التين بالطعم الأحسن إلى الزيتون بالطعم الأسوأ انحدارًا من القمة إلى الحضيض، فالتين رمز إلى حالة الإنسان، آدم في الجنة الأولى ونعيمها، بينما الزيتون رمز إلى حالته في الأرض وما عليه من الشقاء، يقول: ولكن ألا نجد أملًا في الخلاص من مرارة الزيتون؟ أنا قلت على سبيل التندر، ينقّح في الماء، فتبين أنه يكتب هذا! فقال: بلى إننا بالعمل الدؤوب المتواصل يمكننا أن نزيل مرارته وذلك بنقعه في الماء مرارًا أو بعصره واستخراج زيته اللذيذ، وهكذا يتم التطابق، فكما نستطيع النهوض من خطايانا بالإيمان والعمل الصالح يمكن تخليص الزيتون من مرارته، طيب طور سينين وهذا البلد الأمين؟

يقول: طور سينين جبل في صحراء سيناء، والبلد الأمين أي مكة يقع في وادٍ غير ذي زرع فمن الناحية الجغرافية المحضة الانتقال من طور سينين إلى وادي مكة انحدار رمزي من القمة إلى الحضيض، ثم بدأ يتكلم عن أشياء مضحكة من هذا القبيل، وكيف انحط المشركون من ملة إبراهيم ﷺ إلى الحضيض ثم رسم بالصورة رسم بياني، هذا تفسير السورة عنده.

ركوب الطبقات: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ [الانشقاق:19]، ما معناه؟ اسمع التفسير يقول: ما هذه الطبقات يبدو أنه سمع أن القرآن يعبّر به بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة وقاعدة أن اللفظ إذا احتمل أكثر من معنى ولم يوجد معارض فإنه يحمل عليها جميعًا، يقول: تحتمل عدة معاني كلها صحيحة، ما هذه المعاني؟ ركوب المباني ذات الطوابق المتعددة، فقد استطاع إنشاء أبنية ضخمة ذات طبقات عديدة منها ناطحات السحاب وأصبحوا يركبونها طبقًا عن طبق، صعودًا ونزولًا بواسطة المصاعد الكهربائية الحديثة بكلِّ يسرٍ وسهولة: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ.

وأيضًا: المعنى الثاني: ركوب رواد الفضاء طبقات الجو صعودًا ونزولًا إلى الفضاء، وبدأ يتكلم عن الغلاف الجوي وأنه يتكون من طبقات، ثالثًا: ركوب الناس طبقات مياه المحيطات نزولًا وصعودًا حتى القيعان بواسطة الغواصات، رابعًا: ركوب الناس طبقات الأرض نزولًا وصعودًا في حفر آبار النفط والمناجم. هذا لتركبن طبقًا عن طبق، فهذه أمثلة أيها الإخوة غير صحيحة ولا منضبطة، وتخالف الأصول والقواعد ولغة العرب ولا يصح التعويل عليها بحالٍ من الأحوال.

أنتقل بعد ذلك إلى أمثلة يمكن أن تكون مقبولة، منضبطة، يمكن أن نقبلها، وهذه الأشياء المقبولة عند التأمل والاستقراء ليست نوعًا واحدًا، بل هي ثلاثة أنواع، النوع الأول منها: وهو ما يقوم به بعض الدارسين لهذه الأمور من شرح للآيات وربطها بحقائق علمية ثابتة، لا يشوبها ظن مع التحفظ والتحرز فنحن نقول: القرآن يحتمل ذلك، ويجب أن تكون هذه حقائق نهائية قاطعة وليست مجرد فرضيات ونظريات، من الأمثلة التي يمكن أن تقبل، الله يقول: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ [النــور:43]، علماء الأرصاد يتكلمون عن تفاصيل توافق هذا تمامًا، لا أننا نأخذ هذه الآية ونجعلها مطبقة على كلامهم، لا نحن إذا قرأنا كلامهم نرى أنه موافق لما ذكره الله بلا أي تكلف.

فنقول: سبحان الله إن النبي ﷺ لم يدرس هذه العلوم ومع ذلك كلام هؤلاء العلماء الذين صعدوا ورأوها وأجروا عليها الاختبارات وما إلى ذلك رأوا كما ذكر الله في طريقة تركيب السحب، وكيف ينزل المطر والبدر من أين ينزل؟ وما هيأة السحب التي ينزل منها البرد، هذا مثال يمكن أن يقبل، لا يعارض أقوال السلف ولا يعارض الآية، إنما هو شرح لها، فهو كما قال بعض السلف: "إلا فهمًا يؤتيه الله رجلًا" فهو من باب زيادة الشرح فقط، ولهذا نقول في التفسير العلمي ليس هو الذي يحكم الاصطلاحات العلمية، نحن لا نحكم الاصطلاحات العلمية في نصوص القرآن، لكن نقول: هو من باب زيادة الأمثلة الصحيحة هي زيادة شرح وتوضيح لحقائق ذكرها الله ولا تخالف أقوال السلف وإنما هي من باب زيادة المعنى.

في قوله تبارك وتعالى: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة:4]، دقة البنان، أطراف الأصابع، طيب والبصمات، كل هذا داخل فيه، فحينما اكتشفت البصمات هي داخلة في هذا، قدرة الله ودقته فهذا لا يعارض ما ذكره الله ولا يعارض أقوال السلف، ولا يعود عليها بالإبطال وهي حقيقة البصمات، ليست شيئًا فرضيًا، فهذا ممكن أن نقبله.

من الأمثلة التي يمكن أن تقبل وهي من باب زيادة الإيضاح بلا تكلف مسألة تلقيح النباتات، تلقيح إما ذاتي وإما خلطي، فالله أخبر أنه يرسل الرياح لواقح، تلقح ماذا؟ تلقح النباتات فاكتشف العلم أنها تلقح النباتات، اكتشفوا أنها تلقح السحاب، لا مانع، ابن القيم ذكر هذا زمان: قال بأنها تلقح السحب. فإذا ذكروا هذا التفاصيل وكيف يتم تلقيح النبات، وكيف يتم تلقيح السحب عن طريق الرياح، نقول هذا من باب زيادة الشرح، لكن هل يتوقف فهم الآية عليه، الجواب: لا، وفي قوله تبارك وتعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ [النحل:66]، في هذه الرسائل أخرجوا رسالة خاصة كيف يخرج اللبن من بين فرثٍ ودم؟ وكتب كاتبون كتابة جيدة لا إشكال فيها، هي شرح كيف يخرج اللبن من بين فرث ودم؟

فمثل هذا هل فيه إشكال فهو من باب زيادة الإيضاح والشرح، ولا يعارض ظاهر الآية ولا يعارض أقوال السلف، وإنما هو من باب زيادة الإيضاح، وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ [فاطر:11]، صحيح، أبونا آدم، يقولون: اكتشفنا أن مكونات الإنسان التي خلق منها هي عناصر التربة، نقول: هذا ممكن أن يكون له تعلق بإخبار الله أنه خلقنا من تراب فنحن من الأرض ابتدئنا الله   ثم نعود إليها، وتفاصيل خلق الإنسان في قوله: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخالِقِينَ [المؤمنون:14].

ما يذكرونه في علم التشريح والأجنة مما يطابق هذه الآية تمامًا، بل رأيت في بعض الصور كنت أريد أعرضها عليكم صورة الجنين في أسابيعه الأولى ثم حينما يكون مضغة تمامًا كأنه شيء مضغته بأسنانك ثم أخرجته مضغة بقدر ما يمضغ وعليه أثر المضغ، فهذا لا يعارض أقوال السلف، ولا يعود عليها بالإبطال، ولا يخالف ظاهر الآيات، فحينما يفصلون لها أطوار الجنين نقول: لا إشكال، وإن كان تصديقنا للقرآن لا يتوقف على هذا، لكن هذا ينفع الله به ضعفة الإيمان، وينفع الله به أقوامًا فيسلمون، فالإشكال في هذا، كيف ذكره القرآن وهو يحتاج إلى تشريح ويحتاج إلى آلات تتابع الجنين وهو في بطن أمه.

الله يقول في الجلد: بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56]، ما قال بدلناهم لحومًا غيرها، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا يقولون: اكتشفنا أن مركز الإحساس في الجلد، ولمَّ ذكر الله ما يُصب في بطونهم، قال: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ [الحـج:20] صهر، فالإحساس في الجلد، نقول: لا مانع من هذا، كل ما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها، فهذا لا يخالف ظاهر الآية، ولا يخالف أيضًا أقوال السلف .

أيضًا في قضايا تتعلق بنطفة الإنسان والخصائص الموجودة فيها، بعض الكلام الذي يذكرونه يوافق القرآن ولا يخالفه، وكذلك فجعلناه نطفةً في قرارٍ مكين يتكلمون عن أشياء وتفاصيل في هذا القرار المكين، كيف صار قرار مكين، الرحم والأشياء التي تحميه من الحوض، وأشياء أخرى، تفاصيل يذكرونها، لا أريد أن أطيل عليكم، لعلكم قرأتموها جميمًا، فهذا الكلام فعلًا هو شرح للقرار المكين، فما المانع من قبوله؟ قرار مكين، ما المراد به؟ كل هذه التفاصيل صحيحة، لا إشكال فيها، خروج الجنين أنه لا يعيش إذا خرج قبل ستة أشهر، لأن نحن عندنا آيتين، إذا جمعناهما كما استنبط علي الآية التي فيها: حمله وفصاله في عامين.

وكذلك في قوله تبارك وتعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف:15]، فاحذف، سنتين أربعة وعشرين شهر نقّص ثلاثين ناقص أربعة وعشرين كم يبق للحمل إذا كان الفطام في عامين؟ يبقى للحمل ستة أشهر، اكتشفوا أن الجنين مثلًا ما يمكن يعيش قبل ستة أشهر، نقول: هذه علي استنبطها وهي المعروفة عند الأصوليين بدلالة الإشارة، إشارة اللفظ لما لم يكن القصد له قد علم، يعني النص ما سيق من أجل هذا، فهذه أمثلة صحيحة، في أمثلة محتملة نتوقف فيها، نقول: يحتمل، الله أعلم، لا نجزم، فقد تكون صحيحة.

الله يقول: وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49]، يقولون: اكتشفنا أن هذا في كل شيء وبدأوا يتكلمون عن قانون الزوجية، ويتكلمون عن أشياء دقيقة وأنها من زوجين، على كل حال أشياء لا تعارض ظاهر الآية، ولا تعارض أقوال السلف فيمكن أن تكون صحيحة إذا ثبت وإلا فتحمل الآية على ما يصح أن يكون منه الزوجان، وإلا فإن الآية ظاهرها العموم: وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49]، من كلِّ شيء، فالشيء هنا نكرة.

وقوله: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزمر:6]، العلماء يقولون: الظلمات الثلاث هما في البطن والرحم والمشيمة، هذا يقول:  كشف علم الأجنة ثلاثة أغشية صماء تحيط بالجنين في بطن أمه، لا ينفد منها الماء أو الضوء أو الحرارة، فهي ظلمات ثلاث ويطلق عليها العلم الغشاء المنباري والحوربون والغشاء اللفائفي، هذه الأغشية كلها لا تظهر إلا بالتشريح الدقيق ولا ترى بالعين المجردة، نقول: هذه من الظلمات والبطن من الظلمات والرحم من الظلمات التي أخرج الله عنها، في قوله: غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ  [الروم:2 -3].

يقولون: اكتشف العلم الحديث أن منطقة الغور التي وقعت فيها المعركة بين الفرس والروم هي أهبط مكان على وجه الأرض، نقول: احتمال، في أدنى الأرض يحتمل: في أقرب الأرض إلى جزيرة العرب من الشام، والاحتمال الثاني: أدنى الأرض معنى الهبوط، احتمال، لا نجزم به فالله تعالى أعلم.

يقولون أن مكة هي وسط العالم، مركز العالم، ولهذا قال الله : وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الأنعام:92]، فهي في المركز ومن حولها، نقول الله أعلم هي في وسط العالم أو لا، وذكر قضية الجاذبية والمغناطيس .. إلخ، وأن القلوب تنجذب إليها لأن إبراهيم دعا: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ [إبراهيم:37].

صار كما قال ابن القيم في زاد المعاد: بأنه لا يفارقها الإنسان إلا ويحن إليها مرة ثانية، فعلى كل حال قد تكون هي في وسط العالم وقد لا تكون فالله أعلم.

اليخضور: فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا [الأنعام:99]، يقولون: الحضر هذا الذي يسمى اليخضور، هو الذي يخرج منه الحب إذا تأملت الآية وتأملت أقوال السلف تجد أن كلام علماء النبات عليها لا يعارض أقوال السلف أبدًا، فيمكن أن يكون من باب زيادة الشرح والإيضاح إذا كان كلامهم صحيحًا، فهذا مما تحتمله الآية لكن لا نجزم به.

هناك من يقول: نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ [العلق:16]، العرب تعبر بالبعض عن الكل، وهذا الذي قاله العلماء في التفسير، ناصية: يعني هو كاذب، خاطئ، يقولون الآن: اكتشف أن الناصية هي مركز الكذب في الإنسان.

نقول: على كل حال هذا يحتمل أن يدخل في الآية ويراد بها كل الإنسان ويراد بها ناصيته أيضًا فيكون من باب زيادة المعنى، وقد لا يكون ذلك له علاقة بالآية، فالعلم عند الله ففي بعض هذه الأمور نتوقف، وفي بعضها ننكره، ونعلم أنه خطأ، مثل ما قلنا في مرج البحرين يلتقيان، المعاني التي ذكروها أو بعض المعاني التي ذكروها لا تنافي ما يقوله السلف، ولا تعود عليه بالإبطال والآية تحتمها احتمالًا كبيرًا، وكذلك في قوله: وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا [النمل:61].

وكذلك أيضًا في قوله: مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ [النــور:40]، يتكلمون بكلام طويل يتكلمون على أن الأضواء تنتهي إذا نزل الإنسان إلى قعر البحار، ألوان، يقولون: معروف ألوان الطيف سبعة، منها: الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والبرتقالي، يقول: إذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدًا بعد الآخر واختفاء كل لون يعطي ظلمة، الأحمر يختفي أولًا ثم البرتقالي، ثم الأصفر، وآخر الألوان اختفاءً هو اللون الأزرق ثم عمق مائي على عمق مأتي متر، كل لون يختفي يعطي جزءًا من الظلمة حتى تصل إلى الظلمة الكاملة، فقوله: مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ يقول هذه الظلمة: ظلمات بعضها فوق بعض، موج من فوقه موج، يقول: ثبت عليمًا أن هناك فاصلًا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي وأن هذا الفاصل مليء بالأمواج، فكأن هناك أمواجًا على حافة الجزء العميق المظلم من البحر وهذه لا نراها، وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها فكأنها موج من فوقه موج، فيقول هذه حقيقة علمية معروفة عند علماء البحار.

فنقول: هذه تحتملها الآية ولا تخالف ظاهرها، كذلك على كل حال الحديث مثلًا: الذباب في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، حينما يفصلون هذا الدواء، وماذا يفعل أحد الجناحين؟ فهذا مثال ونموذج عادي هذا التفسير منه ما هو صحيح ومنه ما هو متحمل. وهناك أشياء في الواقع ليس من قبيل التفسير وإنما هي من قبيل ذكر الحكم للتشريع، يعني مثلًا: الله يحرم علينا الخمر، لماذا؟ فيكتشفون في العلوم الحديثة أن الخمر فيه كذا وكذا وكذا، لا إشكال، حينما: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، فيذكرون أنواع الأمراض فيه بلوى ما يصيب الرجل.. إلخ. والقلوية والأشياء التي في فرج المرأة، في القبل تفاصيل هي شرح للحكم مما في التشريع، فهذا لا إشكال فيه، كذلك حينما يشرحون مثلًا حكمة صوم الأيام البيض مثلًا، نقول: هذا يحتمل، هذا شرح للحكم -حكم التشريع.

حينما يتكلمون عن غض البصر وفوائده وكيف أن العلماء يكتشفون علاقة الاكتئاب بإطلاق البصر وأشياء معينة نقول: لا إشكال، وتحريم الزنا والفواحش ويذكرون أنواعًا من الأمراض نقول: لا إشكال في هذا، هذا شرح لحكم الشريعة.

حينما يقول تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء [النساء:3]، ويتكلمون عن الأعداد في العالم، أصلًا هذا ما له علاقة بموضوعي، هذا من الأعجاز التشريعي، وقوله: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ، يبدو أنهم يتكلمون عن حاجة الولد إلى الرضاعة في الحولين وآثاره النفسية والعضوية وكذا حكم التشريع.

كذلك يؤلف كتاب كبير أكثر من 200 صفحة عن فوائد العسل: يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ [النحل:69]، فصل ما تشاء من فوائد العسل، وكيف يستشفى فيه من الأمراض فهذا شرح لقوله: فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ.

النوع الثالث: من هذه الأشياء التي يذكرونها على أنها إعجاز: هي أمور كان الناس يدركونها في الجملة لكن التفسير العلمي الحديث زاد بعض التفاصيل، مثل من يصعد إلى الأعلى؛ الناس معروف لديهم أن المناطق الجبلية المرتفعة يضيق فيها النفس، لكن لماذا؟ لأن الأكسجين يقل هذه تفاصيل عرفها العلم الحديث، لكن في السابق: الناس يدركون هذا، لو سألت أهل المناطق الجبلية أو نحوها الآن عوام عندنا ما سمعوا بالأكسجين، تقول له: نذهب بك إلى أبها يقول: لا أنا إذا ذهبت إلى هناك أتعب، لماذا تتعب؟ قال: لأنها مرتفعة يضيق عندي النفس، لكن ما هو التفصيل العلمي لها، هذا ليس بإعجاز فيقولون: قوله: كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء [الأنعام:125]، يضيق النفس، هذا صحيح، لكن هذه أمور مدركة عند السابقين.

كذلك في الرحم في قوله: فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ[المؤمنون:13]، يدركون في السابق أنها في موضع عند الحوض يحيط بها عظام الحوض، لكن يذكرون الآن تفاصيل دقيقة جدًا في هذا الموضوع.

نقول: لا إشكال في هذا، كذلك أيضًا في بعض الأمثلة التي هي عبارة عن تفصيل. أكتفي بهذا، وأسأل الله أن يوفقنا لما ينفعنا، وأن يعيينا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبـه.                        

  1. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 262-263).
  2. أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها، رقم: (157).
  3. أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (2/ 480)، رقم: (3654).
  4. أخرجه ابن حبان (14/ 69)، رقم: (6190).
  5. البداية والنهاية (1/ 113).
  6. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {من كان عدوا لجبريل} [البقرة:97]، رقم: (4480).
  7. أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها، رقم: (314).
  8. أخرجه البزار (1/ 351 – 1550).
  9. أخرجه مسلم، كتاب الحيض، باب بيان صفة مني الرجل، والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما، رقم: (315).
  10. أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة الشمس والقمر بحسبان، رقم: (3199).
  11. أخرجه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب: الصلوات الخمس كفارة، رقم: (528)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات، رقم: (667).

مواد ذات صلة