بسم الله الرحمن الرحيم
اقتضاء الصراط المستقيم (82)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:
(فصل:
وأما المسجد الأقصى فهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وكان المسلمون لما فتحوا بيت المقدس على عهد عمر بن الخطاب -حين جاء عمر إليهم فسلم النصارى إليه البلد- دخل إليه فوجد على الصخرة زبالة عظيمة جداً، كانت النصارى قد ألقتها عليها معاندة لليهود الذين يعظمون الصخرة ويصلون إليها، فأخذ عمر في ثوبه منها واتبعه المسلمون في ذلك، ويقال: إنه سخر لها الأنباط حتى نظفها، ثم قال لكعب الأحبار: أين ترى أن أبني مصلى المسلمين؟ فقال: ابنه خلف الصخرة، قال: يا ابن اليهودية خالطتك يهودية -أو كما قال- بل أبنيه في صدر المسجد فإن لنا صدور المساجد، فبنى مصلى المسلمين في قبلي المسجد، وهو الذي يسميه كثير من العامة اليوم الأقصى، والأقصى اسم للمسجد كله ولا يسمى هو ولا غيره حرما، وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه الصخرة مضى في أول الكتاب أن اليهود كانوا يحملون معهم التابوت وقيل هذا التابوت كما قال الله --: {أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ}[سورة البقرة:248]، فقيل: إنه كان فيه الصحف التي أنزلت على موسى فألقاها، يقال: فتحطمت، جاء هذا في بعض الروايات، وعلى كل حال فهذا التابوت قيل: إنهم كانوا يحملونه معهم فإذا أرادوا الصلاة وضعوه واستقبلوه، فإذا كانوا في بيت المقدس كانوا يضعونه على الصخرة فكانوا يستقبلونها، ثم بعد ذلك صارت قبلة لهم، صاروا يستقبلون الصخرة، وأصل ذلك أنهم كانوا يضعون عليها التابوت، هكذا قيل والله تعالى أعلم، فكان اليهود يعظمونها، والنصارى كانت لهم الدولة والظهور والسلطة حينما دخل ملك الرومان في النصرانية أو كما يقال: حينما أدخل النصرانية في وثنيته، فكان اليهود يضطهدون في ممالك النصارى غاية الاضطهاد، ولربما ينادى عليهم في بعض البلاد فيذبحون ويقتلون عن آخرهم، لما كان يصدر منهم من الشر والدسائس والفساد والإفساد في تلك المجتمعات، فإذا تغيظوا عليهم نادوا عليهم بالقتل فقتلوا، فالشاهد أنهم كانوا يزدرونهم ويضطهدونهم، ومن ذلك أن النصارى كانوا يلقون القمامة على هذه الصخرة التي يقدسها اليهود، واليهود ضعفاء مستذلون مستضعفون لا يستطيعون أن يدفعوا عن دينهم وقبلتهم، فلما جاء عمر أماط ذلك عنها، سواء بدأ بنفسه وبالمسلمين، أو أنه سخر لها الأنباط وهم أناس من أهل تلك النواحي من الشام، قيل: إنهم يستنبطون الماء، وهنا يقول: إنها قبائل بدوية، وعلى كل حال فلا تعارض، فالشاهد أن هذه الصخرة المسلمون لا يعظمونها، وليس لها معنى عند المسلمين، وما ينسج حولها من خرافات وأنها مرتفعة عن الأرض أو نحو ذلك فهذا كله كذب، وليس لهذه الصخرة عند المسلمين قداسة أو تعظيم أو نحو ذلك، وهي التي بنيت عليها القبة التي تعرف بقبة الصخرة، حتى إنه تنوسي المسجد الأقصى وإن كانت تلك البراح والأماكن كلها تابعة للمسجد، لكن تنوسي المسجد وصار الناس يظنون أن المسجد الأقصى هو مسجد قبة الصخرة، وهذا أمر لا ينقضي منه العجب حتى أولئك الذين يتحدثون عن الأقصى ويدافعون عنه ويلقون المحاضرات والخطب الرنانة والمؤتمرات يضعون خلفهم صورة في هذا المؤتمر أو ذلك هي صورة قبة الصخرة، وهذا من أعجب الأشياء، يعني قد تقول: هذا ينطلي على إنسان لا يعرفه ولا رآه، لكن أحيانا نفس أهل البلد يظهرون صورة قبة الصخرة على أن هذا هو المسجد الأقصى وهذا من العجب العجاب، حتى لو أن اليهود هدموا المسجد وأبقوا هذا الذي يعظمونه ما عرف الناس المسجد أصلاً، يقول فكعب الأحبار يقول لعمر: صلِّ خلف الصخرة؛ لأنهم يعظمونها، فعمر كان فطناً ولم يفعل، يقول: يسميه الناس اليوم الأقصى، والأقصى اسم للمسجد كله، ولا يسمى هو ولا غيره حرما، ما يقال ثالث الحرمين؛ لأنه ليس بحرم بالإجماع، يقول: وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة، مكة معروف هذا، والمدينة فيها حرم كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ما بين عير إلى ثور حرم))([1])، فالشاهد أن المدينة فيها حرم، ولكن هل يقال للمسجد النبوي حرم؟ الجواب: لا، وإنما يقال له المسجد النبوي، مسجد النبي ﷺ ونحو ذلك، لكن هل يقال: الحرمان؟ لا إشكال في هذا باعتبار مكة حرم والمدينة حرم، وإطلاق ذلك على المسجد يكون من باب قول القائل: القمران والعمران ونحو هذا.
(وفي وادي "وج" الذي بالطائف نزاع بين العلماء).
وادي "وج" معروف إلى الآن في الطائف، والمحقق هنا يقول: وادي "وج" حيث ذكر في معجم البلدان أنه الطائف"، ما ذكر في معجم البلدان أنه الطائف، لكنه ما فهم كلامه، هو ذكر أثراً أن آخر وطأة لله يعني غزوة أغزاها المسلمين هناك كانت في وادي "وج" وهي الطائف يعني غزوة الطائف، هي ترجع إلى الطائف، وليس إلى الوادي، ولا أعلم أحداً يقول: إن "وج" هي الطائف، وإلى اليوم أهل الطائف يعرفونه، وقد اختلف أهل العلم هل "وج" حرم أو ليس بحرم؟ والمشهور الراجح أنه ليس بحرم.
(فبنى عمر المصلى الذي في القبلة، ويقال: إن تحته درجاً كان يصعد منها إلى ما أمام الأقصى فبناه على الدرج حيث لم يصلِّ أهل الكتاب، ولم يصلِّ عمر ولا المسلمون عند الصخرة ولا تمسحوا بها ولا قبلوها، بل يقال: إن عمر صلى عند محراب داود رضي الله عنهالخارج، وقد ثبت أن عبد الله بن عمر -ا- كان إذا أتى بيت المقدس دخل إليه وصلى فيه ولا يقرب الصخرة ولا يأتيها، ولا يقرب شيئاً من تلك البقاع، وكذلك نقل عن غير واحد من السلف المعتبرين كعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي، وسفيان الثوري، وغيرهم، وذلك أن سائر بقاع المسجد لا مزية لبعضها على بعض، إلا ما بناه عمر لمصلى المسلمين.
وإذا كان المسجد الحرام، ومسجد المدينة اللذان هما أفضل من المسجد الأقصى بالإجماع، فأحدهما قد ثبت في الصحيح عنه ﷺ أنه قال: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام))([2])، والآخر هو المسجد الذي أوجب الله حجه والطواف فيه، وجعله قبلة لعباده المؤمنين ومع هذا فليس فيهما ما يقبل بالفم ولا يستلم باليد إلا ما جعله الله في الأرض بمنزلة اليمين وهو الحجر الأسود، فكيف يكون في المسجد الأقصى ما يستلم أو يقبل؟).
قوله هنا: ما جعله الله في الأرض بمنزلة اليمين، يعني الحجر الأسود إشارة إلى الحديث المروي في هذا وهو: ((أن الحجر الأسود يمين الله في أرضه))([3])، لكن ذلك لا يصح عن النبي ﷺ بحال، فلا يقال هذا، فهو ليس بهذه المنزلة، وإن كان بعض أهل العلم حاول أن يحمل هذا على بعض المعاني لكن لا حاجة إليه أصلاً، إذا كان الحديث لا يصح فيكفي هذا.
(وكانت الصخرة مكشوفة ولم يكن أحد من الصحابة لا ولاتهم ولا علماؤهم يخصها بعبادة، وكانت مكشوفة في خلافة عمر وعثمان -ا- مع حكمهما على الشام، وكذلك في خلافة علي ، وإن كان لم يحكم عليها).
لم يحكم عليها: يعني لم يحكم على الشام، كانت الشام عند معاوية -.
(ثم كذلك في إمارة معاوية وابنه وابن ابنه، فلما كان في زمن عبد الملك وجرى بينه وبين ابن الزبير من الفتنة ما جرى، كان هو الذي بنى القبة على الصخرة، وقد قيل: إن الناس كانوا يقصدون الحج فيجتمعون بابن الزبير، أو يقصدونه بحجة الحج، فعظّم عبد الملك شأن الصخرة بما بناه عليها من القبة، وجعل عليها من الكسوة في الشتاء والصيف، ليكثر قصد الناس للبيت المقدس، فيشتغلوا بذلك عن قصد ابن الزبير، والناس على دين الملك).
وهذا من أعجب الأشياء، عبد الملك بن مروان رجل كان صاحب عبادة في المدينة، حتى إن بعض الصحابة كان يحيل إليه ويذكره بالعلم والفقه، وكان شديد العناية بالفقه، حتى إنه عد من جملة الفقهاء ويُذكر قوله في جملتهم، وكان كثير الاعتناء بالقران، ثم بعد ذلك لما وقع ما وقع بينه وبين ابن الزبير صار يسير الجيوش إلى مكة عن طريق أبو عمرو الأشدق، ولما قيل له: إن الناس يقصدون ابن الزبير، ويأتون إلى مكة للحج والعمرة فيلتقون به اخترع لهم هذه البدعة، وبنى هذه القبة على الصخرة وزينها واعتنى بها غاية العناية؛ لجذب الناس إلى زيارتها وقصدها بدلاً من أن يقصدوا مكة، ثم بعد ذلك لما قتل ابن الزبير وصارت الحجاز تابعة لعبد الملك أهمل هذه الصخرة وما عاد يلتفت لها ولا يعتني بها ولكنه لم يهدمها، فانظر كيف يكون ضياع الدين، وفي ذلك الزمان كان الصحابة لا زال يوجد منهم بقية، ويفعل كل هذا لأجل ما كان بينه وبين ابن الزبير، والله المستعان.
(وظهر في ذلك الوقت من تعظيم الصخرة وبيت المقدس ما لم يكن المسلمون يعرفونه بمثل هذا، وجاء بعض الناس ينقل الإسرائيليات في تعظيمها حتى روى بعضهم عن كعب الأحبار عند عبد الملك بن مروان وعروة بن الزبير حاضر: إن الله قال للصخرة: أنت عرشي الأدنى، فقال عروة: يقول الله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}[سورة البقرة:255]،وأنت تقول: إن الصخرة عرشه؟ وأمثال هذا).
ما في أحاديث في الصخرة ولا آيات، فالسوق تروج بالإسرائيليات من أجل بيان فضل الصخرة وعظمتها من أجل أن يقصدها الناس، أنت عرشي الأدنى!.
(ولا ريب أن الخلفاء الراشدين لم يبنوا هذه القبة ولا كان الصحابة يعظمون الصخرة ويتحرون الصلاة عندها، حتى ابن عمر -ا- مع كونه كان يأتي من الحجاز إلى المسجد الأقصى كان لا يأتي الصخرة، وذلك أنها كانت قبلة ثم نسخت وهي قبلة اليهود، فلم يبق في شريعتنا ما يوجب تخصيصها بحكم، كما ليس في شريعتنا ما يوجب تخصيص يوم السبت، وفي تخصيصها بالتعظيم مشابهة لليهود، وقد تقدم كلام العلماء في يوم السبت وعاشوراء ونحو ذلك.
وقد ذكر طائفة من متأخري الفقهاء من أصحابنا وغيرهم: أن اليمين تغلظ ببيت المقدس، بالتحليف عند الصخرة كما تغلظ في المسجد الحرام بالتحليف بين الركن والمقام، وكما تغلظ في مسجده ﷺ بالتحليف عند قبره، ولكن ليس لهذا أصل في كلام أحمد ونحوه من الأئمة، بل السنة أن تغلظ اليمين فيها كما تغلظ في سائر المساجد عند المنبر، ولا تغلظ اليمين بالتحليف عند ما لم يشرع للمسلمين تعظيمه، كما لا تغلظ بالتحليف عند المشاهد ومقامات الأنبياء ونحو ذلك، ومن فعل ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للشريعة.
وقد صنف طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس وغيره من البقاع التي بالشام، وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم.
وأمثل من ينقل عنه تلك الإسرائيليات كعب الأحبار، وكان الشاميون قد أخذوا عنه كثيرا من الإسرائيليات، وقد قال معاوية : ما رأينا في هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب أمثل من كعب، وإن كنا لنبلو عليه الكذب أحيانا).
على كل حال قوله: (وإن كنا لنبلو عليه الكذب أحيانا)، لربما كان يقصد بذلك الخطأ، ومعلوم أنهم كانوا يعبرون عن الخطأ بالكذب، وهذا معروف وكثير في كلامهم، ومن ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صدق الله، وكذب بطن أخيك، لما قال: اسقه عسلاً))([4])، وهذا تجده في كلام الصحابة: كذب فلان، كذب فلان بمعنى أخطأ، والسبب في هذا أنه قد يقصد الخطأ ولا يقصد تعمد الكذب، كعب الأحبار روى عنه البخاري ومسلم ولم يعرف عنه أنه كان يتعمد الكذب لكنه يخطئ كما يخطئ غيره، والإسرائيليات التي ينقلها أحكامها معروفة، وهي ثلاثة أنواع، فتعمد الكذب هذا لا يثبت عنه، وإن زعم بعض المعاصرين أنه كان يكذب هو ووهب بن المنبه وغيرهما، وأكثروا من الوقيعة فيه لكن هذا ليس بصحيح، فالرجل موثق ويكفي أنه قد روى عنه الشيخان.
(وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ قال: ((إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه، وإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه))([5])، ومن العجب أن هذه الشريعة المحفوظة المحروسة مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة إذا حدّث بعض أعيان التابعين عن النبي ﷺ بحديث -كعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وأبي العالية ونحوهم، وهم من خيار علماء المسلمين وأكابر أئمة الدين- توقف أهل العلم في مراسيلهم، فمنهم من يرد المراسيل مطلقاً، ومنهم من يقبلها بشروط، ومنهم من يميز بين من عادته لا يرسل إلا عن ثقة، كسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن سيرين، وبين من عرف عنه أنه قد يرسل عن غير ثقة كأبي العالية والحسن، وهؤلاء ليس بين أحدهم وبين النبي ﷺ إلا رجل أو رجلان أو ثلاثة مثلاً).
هذا كلام جيد فيما يتعلق بالمرويات الإسرائيلية والاعتماد عليها، تجد في كتب التفسير الكثير من هذه المرويات ويتعلق بها كثير من الناس ولربما صدقها بعضهم، وتجد في المرويات عن النبي ﷺ يسقط الواسطة بين الراوي وبين النبي ﷺ ويحكم على الحديث بأنه ضعيف ولا يقبل، وهؤلاء كم بينهم وبين الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ومع ذلك يتشبث بها كثير من الناس وينقلونها.
(وأما ما يوجد في كتب المسلمين في هذه الأوقات من الأحاديث التي يذكرها صاحب الكتاب مرسلة فلا يجوز الحكم بصحتها باتفاق أهل العلم إلا أن يعرف أن ذلك من نقل أهل العلم بالحديث، الذين لا يحدثون إلا بما صح كالبخاري في المعلقات التي يجزم فيها بأنها صحيحة عنده، وما وقفه كقوله: "وقد ذكر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده" ونحو ذلك فإنه حسن عنده، هذا وليس تحت أديم السماء بعد القرآن كتاب أصح من البخاري فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء! وبين كعب وبين النبي الذي ينقل عنه ألف سنة وأكثر وأقل، وهو لم يسند ذلك عن ثقة بعد ثقة، بل غايته أن ينقل عن بعض الكتب التي كتبها شيوخ اليهود، وقد أخبر الله بتبديلهم وتحريفهم فكيف يحل للمسلم أن يصدق شيئاً من ذلك بمجرد هذا النقل؟! بل الواجب أن لا يصدق ذلك ولا يكذبه أيضاً إلا بدليل يدل على كذبه، وهكذا أمرنا النبي -ﷺ).
يعني بقوله: ((فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم)) أن نختبر هذه الروايات فما كان موافقاً لما عندنا صدقناه، وما كان مخالفاً لما عندنا كذبناه، وما لم يكن عندنا ما يوافقه أو يخالفه فلا نصدق ذلك ولا نكذبه؛ لئلا نكذب شيئا من الحق إن كان ذلك مما لم يدخله التحريف، وهذا الذي قال عنه النبي ﷺ: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)) ويدخل في ذلك أيضاً ما كان موافقاً لما عندنا.
(وفي هذه الإسرائيليات مما هو كذب على الأنبياء، أو ما هو منسوخ في شريعتنا ما لا يعلمه إلا الله.
ومعلوم أن أصحاب رسول الله ﷺ من السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان قد فتحوا البلاد بعد موت النبي ﷺ وسكنوا بالشام والعراق ومصر، وغير هذه الأمصار وهم كانوا أعلم بالدين وأتبع له ممن بعدهم فليس لأحد أن يخالفهم فيما كانوا عليه، فما كان من هذه البقاع لم يعظموه، أو لم يقصدوا تخصيصه بصلاة أو دعاء أو نحو ذلك لم يكن لنا أن نخالفهم في ذلك، وإن كان بعض من جاء بعدهم من أهل الفضل والدين فعل ذلك؛ لأن اتباع سبيلهم أولى من اتباع سبيل من خالف سبيلهم، وما من أحد نقل عنه ما يخالف سبيلهم إلا وقد نقل عن غيره ممن هو أعلم وأفضل منه أنه خالف سبيل هذا المخالف، وهذه جملة جامعة لا يتسع هذا الموضع لتفصيلها.
وقد ثبت في الصحيح: "أن النبي ﷺ لما أتى بيت المقدس ليلة الإسراء صلى فيه ركعتين ولم يصل بمكان غيره ولا زاره"([6])، وحديث المعراج فيه ما هو في الصحيح، وفيه ما هو في السنن والمسانيد، وفيه ما هو ضعيف، وفيه ما هو من الموضوعات المختلقات، مثل ما يرويه بعضهم فيه: أن النبي ﷺ قال له جبريل: ((هذا قبر أبيك إبراهيم انزل فصلِّ فيه، وهذا بيت لحم مولد أخيك عيسى انزل فصلِّ فيه))، وأعجب من ذلك أنه روي فيه: ((قيل له في المدينة: انزل فصل هنا قبل أن يبني مسجده))([7])).
يعني قبل الهجرة في ليلة الإسراء والمعراج، مر به على المدينة على الموضع الذي فيه المسجد وقال له: ((انزل فصل فيه)) مع أنه كان موضعاً فيه قبور للمشركين.
(وإنما كان المكان مقبرة للمشركين، والنبي ﷺ بعد الهجرة إنما نزل هناك لما بركت ناقته هناك، فهذا ونحوه من الكذب المختلق باتفاق أهل المعرفة، وبيت لحم كنيسة من كنائس النصارى ليس في إتيانها فضيلة عند المسلمين سواء كان مولد عيسى أو لم يكن، بل قبر إبراهيم الخليل لم يكن في الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان من يأتيه للصلاة عنده، ولا الدعاء، ولا كانوا يقصدونه للزيارة أصلاً.
وقد قدم المسلمون إلى الشام غير مرة مع عمر بن الخطاب واستوطن الشام خلائق من الصحابة، وليس فيهم من فعل شيئاً من هذا، ولم يبن المسلمون عليه مسجداً أصلاً، لكن لما استولى النصارى على هذه الأمكنة في أواخر المائة الرابعة، لما أخذوا البيت المقدس بسبب استيلاء الرافضة على الشام لما كانوا ملوك مصر، والرافضة أمة مخذولة ليس لها عقل صريح، ولا نقل صحيح، ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة، قويت النصارى، وأخذت السواحل وغيرها من الرافضة، وحينئذ نقبت النصارى حجرة الخليل -صلوات الله عليه- وجعلت لها باباً وأثر النقب ظاهر في الباب، فكان اتخاذ ذلك معبداً مما أحدثته النصارى ليس من عمل سلف الأمة وخيارها.
فصل:
وأصل دين المسلمين أنه لا تختص بقعة بقصد العبادة فيها إلا المساجد خاصة، وما عليه المشركون وأهل الكتاب من تعظيم بقاع للعبادة غير المساجد كما كانوا في الجاهلية يعظمون حراء ونحوه من البقاع فهو مما جاء الإسلام بمحوه وإزالته ونسخه، ثم المساجد جميعها تشترك في العبادات، فكل ما يفعل في مسجد يفعل في سائر المساجد إلا ما خص به المسجد الحرام من الطواف ونحوه، فإن خصائص المسجد الحرام لا يشاركه فيها شيء من المساجد، كما أنه لا يُصلَّى إلى غيره.
وأما مسجد النبي ﷺ والمسجد الأقصى فكل ما يشرع فيهما من العبادات يشرع في سائر المساجد كالصلاة والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف، ولا يشرع فيهما جنس لا يشرع في غيرهما لا تقبيل شيء ولا استلامه، ولا الطواف به، ونحو ذلك، لكنهما أفضل من غيرهما، فالصلاة فيهما تضاعف على الصلاة في غيرهما.
أما مسجد النبي ﷺ فقد ثبت في الصحيح: أن الصلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وروى هذا عن النبي ﷺ من غير وجه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام، فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد))([8])، وفي صحيح مسلم عن ابن عمر -ا- عن النبي ﷺ قال: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام))([9])).
قول النبي ﷺ آخر المساجد، يعني: مساجد الأنبياء، المساجد التي لها مزية، الصلاة فيها تعدل كذا صلاة، ولا يزال إلى يومنا هذا يوجد لأهل البدع مساجد يزعمون أن الصلاة فيها خير من مائة صلاة ونحو هذا، والعجيب أنه قد يقع بينهم شحناء وخلاف وتنافس لربما في المحل الواحد هؤلاء يزعمون هذا المسجد له كذا صلاة، وهؤلاء يزعمون هذا المسجد.
(وفي مسلم أيضاً عن ابن عباس -ا- أنه قال: "إن امرأة اشتكت شكوى، فقالت: إنْ شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج فجاءت ميمونة زوج النبي ﷺ فأخبرتها ذلك فقالت: اجلسي، فكلي ما صنعت وصلي في مسجد الرسول ﷺ فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ((صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة))([10])).
قولها: (كلي ما صنعت)، يعني: ما تجهزت به للسفر، وهذا من حيث الانتقال إذا كان الإنسان نذر أن يصلي في مكان فإنه إن صلى في محل أفضل منه فإن ذلك يجزيه ويكفيه، وهكذا فيما يتعلق بالنذر في الأشياء التي لا معنى لها مما يفعله العامة، يعني بعضهم مثلاً يكون نذره أن يتصدق بمائة صاع، أو بعشرين صاعاً من البر محمولة على ناقتين مخطومتين تقادان إلى وسط المدينة، ويوزع هناك على من حضر من الفقراء، وتبقى هذه عشرات السنين في نفسه، ولربما في عقبه يريدون إنفاذ هذا، يقول: هذا الكلام كله لا حاجة إليه، وإنما يتصدق بهذا المقدار على الفقراء، على سيارة أو يذهب به إلى حيث يوجد هؤلاء الفقراء.
(وفي المسند عن ابن الزبير -ا- قال: قال رسول الله ﷺ: ((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة))([11])، قال أبو عبد الله المقدسي: إسناده على رسم الصحيح.
ولهذا جاءت الشريعة بالاعتكاف الشرعي في المساجد بدل ما كان يفعل قبل الإسلام من المجاورة بغار حراء، فكان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله.
والاعتكاف من العبادات المشروعة بالمساجد باتفاق الأئمة، كما قال تعالى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد}[سورة البقرة:187]أي: في حال عكوفكم في المساجد لا تباشروهن، وإن كانت المباشرة خارج المسجد، ولهذا قال الفقهاء: إن ركن الاعتكاف لزوم المسجد لعبادة الله، ومحظوره الذي يبطله: مباشرة النساء.
فأما العكوف والمجاورة عند شجرة أو حجر تمثال أو غير تمثال، أو العكوف والمجاورة عند قبر نبي أو غير نبي، أو مقام نبي أو غير نبي فليس هذا من دين المسلمين، بل هو من جنس دين المشركين الذين أخبر الله عنهم بما ذكره في كتابه، حيث قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}[سورة الأنبياء:51-58]، وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * والَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[سورة الشعراء:69-82]، إلى آخر القصة، وقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}[سورة الأعراف:138-140]، فهذا عكوف المشركين، وذاك عكوف المسلمين، فعكوف المؤمنين في المساجد لعبادة الله وحده لا شريك له، وعكوف المشركين على ما يرجونه ويخافونه من دون الله وما يتخذونهم شركاء وشفعاء، فإن المشركين لم يكن أحد منهم يقول: إن العالَم له خالقان ولا أن الله له شريك يساويه في صفاته، هذا لم يقله أحد من المشركين بل كانوا يقرون بأن خالق السماوات والأرض واحد كما أخبر الله عنهم بقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[سورة لقمان:25]، وقوله تعالى: {قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}[سورة المؤمنون:84-89]).
المقصود بالمشركين هنا: الذين بعث فيهم النبي ﷺ، وإن كانوا يشركون في توحيد الربوبية كما هو معلوم لكنهم ما كانوا يقولون: إن الخالق متعدد، ولكن وجد طوائف من المشركين غير هؤلاء من يقول بوجود إلهين اثنين، الأول يقوله طوائف المشركين، لكن وجد من يقول بخالقين اثنين كما هو معلوم عند المجوس، والمانوية، الثانوية، كل هؤلاء يقولون بخالقين مثلاً النور والظلمة، لكنهم لا يقولون بأنهما متكافئان في الصفات والأفعال، يقولون: النور أفضل من الظلمة، لكن يقولون: إن النور هو الذي خلق الخير، والظلمة هي التي خلقت الشر، هذا وجد، لكن الذين بعث فيهم النبي ﷺ ما كانوا يقولون هذا كما يدل عليه القرآن، وإنما يقولون بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله -تبارك وتعالى.
(وكانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، فقال تعالى لهم: {ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ}[سورة الروم:28]، وكانوا يتخذون آلهتهم وسائط تقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[سورة الزمر:3]، وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[سورة الزمر:43-44]، وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ}[سورة يونس:18]، وقال تعالى عن صاحب يس: {وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ}[سورة يس:22-25]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}[سورة الأنعام:94]، وقال تعالى: {مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ}[سورة السجدة:4]، وقال تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
[سورة الأنعام:51]، وهذا الموضع افترق الناس فيه ثلاث فرق: طرفان، ووسط:
فالمشركون ومن وافقهم من مبتدعة أهل الكتاب كالنصارى، ومبتدعة هذه الأمة أثبتوا الشفاعة التي نفاها القرآن، والخوارج والمعتزلة أنكروا شفاعة نبينا ﷺ في أهل الكبائر من أمته، بل أنكر طائفة من أهل البدع انتفاع الإنسان بشفاعة غيره ودعائه، كما أنكروا انتفاعه بصدقة غيره وصيامه عنه، وأنكروا الشفاعة بقوله تعالى: {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ}[سورة البقرة:254]، وبقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[سورة غافر:18]ونحو ذلك، وأما سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة فأثبتوا ما جاءت به السنة عن النبي ﷺ من شفاعته لأهل الكبائر من أمته، وغير ذلك من أنواع شفاعاته، وشفاعة غيره من النبيين والملائكة.
وقالوا: إنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد، وأقروا بما جاءت به السنة من انتفاع الإنسان بدعاء غيره وشفاعته، والصدقة عنه، بل والصوم عنه في أصح قولي العلماء، كما ثبتت به السنة الصحيحة الصريحة وما كان في معنى الصوم، وقالوا: إن الشفيع يطلب من الله ويسأل ولا تنفع الشفاعة إلا بإذنه قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}[سورة البقرة:255]، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[سورة الأنبياء:28]، {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى}[سورة النجم:26]، وقد ثبت في الصحيح أن سيد الشفعاء ﷺ إذا طُلبت الشفاعة منه بعد أن تطلب من آدم وأولي العزم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى فيردونها إلى محمد ﷺ العبد الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال: ((فأذهب إلى ربي فإذا رأيته خررت له ساجدا، فأحمد ربي بمحامد يفتحها عليّ، لا أحسنها الآن فيقول لي: أي محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع وسل تعطه، واشفع تشفع، قال: فأقول: رب أمتي أمتي، فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة))([12]).
وقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[سورة الإسراء:56-57].
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون العزير والمسيح والملائكة فأنزل الله هذه الآية، وقد أخبر فيها أن هؤلاء المسؤلين يتقربون إلى الله ويرجون رحمته، ويخافون عذابه، وقد ثبت في الصحيح "أن أبا هريرة قال: يا رسول الله أي الناس أسعد بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: ((يا أبا هريرة لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك، لما رأيته من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله، يبتغي بها وجه الله))([13]).
فكلما كان الرجل أتم إخلاصا لله كان أحق بالشفاعة، وأما من علق قلبه بأحد من المخلوقين، يرجوه ويخافه، فهذا من أبعد الناس عن الشفاعة. فشفاعة المخلوق عند المخلوق تكون بإعانة الشافع للمشفوع له بغير إذن المشفوع عنده، بل يشفع إما لحاجة المشفوع عنده إليه، وإما لخوفه منه، فيحتاج إلى أن يقبل شفاعته. والله تعالى غني عن العالمين وهو وحده سبحانه يدبر العالمين كلهم، فما من شفيع إلا من بعد إذنه، فهو الذي يأذن للشفيع في الشفاعة، وهو يقبل شفاعته، كما يلهم الداعي الدعاء، ثم يجيب دعاءه، فالأمر كله له).
بمعنى أن الله -تبارك وتعالى- يقول: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}، يعني لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، وذلك لكمال غنى الله وعظمته، وسلطانه، وملكه، فملوك الدنيا يُشفع عندهم من غير إذنهم، وقد يقبلون الشفاعة إما خوفاً من هذا الشافع ومن غوائله إذا لم يقبلوا شفاعته، وإما رغبة بما عنده، وكثيرٌ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في غير هذا الموضع، كثير من هؤلاء يقبلون شفاعة الشافعين؛ لأن ملكهم لا يقوم إلا بهم، فهؤلاء الأعوان والكبراء والأنصار ونحو ذلك هم الذين يقوم بهم ملك هذا المشفوع عنده فيضطر إلى قبول الشفاعة وإن كان لا يرغب بهذا، فهذا نقص في الملك وهو نقص في الغنى؛ لأنه افتقار إلى هؤلاء المخلوقين، أما الله فإن ملكه لا يقوم بأحد من خلقه.
(فإذا كان العبد يرجو شفيعا من المخلوقين فقد لا يختار ذلك الشفيع أن يشفع له، وإن اختار فقد لا يأذن الله له في الشفاعة ولا يقبل شفاعته، وأفضل الخلق محمد ﷺ، ثم إبراهيم -صلى الله عليهما وسلم-، وقد امتنع النبي ﷺ أن يستغفر لعمه أبي طالب بعد أن قال: ((لأستغفرن لك ما لم أُنهَ عنك))([14])، وقد صلى على المنافقين ودعا لهم فقيل له: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ}[سورة التوبة:84]، وقيل له أولاً: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ}[سورة التوبة:80]، فقال: لو أعلم أني لو زدت على السبعين يغفر لهم لزدت" فأنزل الله: {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}[سورة المنافقون:6]، وإبراهيم: قال الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ}[سورة هود:74-76]، ولما استغفر إبراهيم لأبيه بعد وعده بقوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}[سورة إبراهيم:41]، قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ}[سورة الممتحنة:4]، وقال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ * وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}[سورة التوبة:113-114].
والله سبحانه له حقوق لا يشركه فيها غيره، وللرسل حقوق لا يشركهم فيها غيرهم، وللمؤمنين بعضهم على بعض حقوق مشتركة، ففي الصحيحين عن معاذ بن جبل قال: "كنت ردف النبي ﷺ فقال لي: ((يا معاذ، أتدري ما حق الله على عباده؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: حقه عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا، يا معاذ، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقهم عليه أن لا يعذبهم))"([15])، فالله تعالى مستحق أن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وهذا أصل التوحيد الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب، قال الله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}[سورة الزخرف:45]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[سورة الأنبياء:25]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[سورة النحل:36]، ويدخل في ذلك: أن لا نخاف إلا إياه، ولا نتقي إلا إياه، كما قال تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[سورة النور:52]، فجعل الطاعة لله وللرسول، وجعل الخشية والتقوى لله وحده، وكذلك قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ}[سورة التوبة:59]، فجعل الإيتاء لله وللرسول كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}[سورة الحشر:7]، فالحلال ما حلله الرسول، والحرام ما حرمه الرسول، والدين ما شرعه الرسول، وجعل التحسب بالله وحده فقال تعالى: {وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ}، ولم يقل: ورسوله، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[سورة آل عمران:173]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[سورة الأنفال:64]، أي: حسبك وحسب من اتبعك الله، فهو وحده كافيكم، ومن ظن أن معناها: حسبك الله والمؤمنون فقد غلط غلطاً عظيماً من وجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع، ثم قال: {وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ}[سورة التوبة:59]فجعل الفضل لله وذكر الرسول في الإيتاء؛ لأنه لا يباح إلا ما أباحه الرسول، فليس لأحد أن يأخذ ما تيسر له إن لم يكن مباحاً في الشريعة، ثم قال: {إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ}فجعل الرغبة إلى الله وحده دون ما سواه، كما قال: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[سورة الشرح:7-8]فأمر بالرغبة إليه ولم يأمر الله قط مخلوقاً أن يسأل مخلوقاً، وإن كان قد أباح في موضع من المواضع ذلك لكنه لم يأمر به بل الأفضل للعبد أن لا يسأل قط إلا الله، كما ثبت في الصحيح في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب: ((هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون))([16])، فجعل من صفاتهم أنهم لا يسترقون أي لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم، ولم يقل: لا يرقون، وإن كان ذلك قد روي في بعض طرق مسلم فهو غلط، فإن النبي ﷺ رقى نفسه وغيره، لكنه لم يسترق، فالمسترقي طالب للدعاء من غيره بخلاف الراقي غيره، فإنه داع له، وقد قال ﷺ لابن عباس -ا-: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله))([17])، فهو الذي يُتوكل عليه، ويستعان به، ويستغاث به، ويخاف ويرجى ويعبد، وتنيب القلوب إليه، لا حول ولا قوة إلا به، ولا ملجأ منه إلا إليه، والقرآن كله يحقق هذا الأصل).
ما ذكره هنا من أن الرغبة تكون إلى الله، وطلب الحاجات منه وحده، حتى فيما يقدر عليه المخلوق هذا من كمال الإيمان، والتفويض والتوكل على الله -تبارك وتعالى-، ولكن ذلك لا يجب في كل الأحوال، بمعنى أن الأشياء التي يقدر عليها المخلوق للإنسان أن يطلبها منه، يطلب من المخلوق أن يعينه على حمل متاعه أو نحو ذلك، فهذا لا إشكال فيه، لكن الأكمل ترك هذا، فإن من كمال التوكل والإيمان والرغبة إلى الله ألا يسأل أحداً شيئاً، كما بايع النبي ﷺ بعض أصحابه ألا يسألوا أحداً من الناس شيئاً، فكان السوط يسقط من أحدهم ولا يقول لصاحبه ناولنيه، فالناس مع شدة التقصير الذي هم واقعون فيه، وإذا كان الرجل ينتهك المحرمات، ويترك الواجبات ثم بعد ذلك يقول: أنا أريد أن أكمل هذه العبودية، وأن تكون هذه الرغبة لله وحده فقط، ويتورع من أن يقول: يا فلان أعطني هذا المصحف أو يا فلان..، فمثل هذا يعتبر من التكلف في حقه.
(والرسول ﷺ يُطاع، ويحب، ويُرضى، ويسلم إليه حكمه، ويعزر، ويوقر، ويتبع، ويؤمن به وبما جاء به، قال الله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}[سورة النساء:80]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}[سورة النساء:64]، وقال تعالى: {وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ}[سورة التوبة:62]، وقال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ}[سورة التوبة:24]، إلى قوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ}[سورة التوبة:24]، وفي الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار))([18])، وقال: ((والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))([19])، وقال له عمر: "يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، قال: ((لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال: فلأنت أحب إلي من نفسي، قال: الآن يا عمر))([20])، وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[سورة آل عمران:31]، وقال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}[سورة الفتح:8-9]، أي الرسول خاصة، {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، أي تسبحوا الله تعالى، فالإيمان بالله والرسول، والتعزير والتوقير للرسول، والتسبيح لله وحده، وهذا الأصل مبسوط في غير هذا الموضع.
وقد بعث الله محمداً ﷺ بتحقيق التوحيد وتجريده ونفي الشرك بكل وجه حتى في الألفاظ، كقوله ﷺ: ((لا يقولن أحدكم ما شاء الله وشاء محمد، بل ما شاء الله ثم شاء محمد))، وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال:((أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله وحده))([21]).
والعبادات التي شرعها الله كلها تتضمن إخلاص الدين كله لله تحقيقاً لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[سورة البينة:5]، فالصلاة لله وحده، والصدقة لله وحده، والصيام لله وحده، والحج لله وحده، وإلى بيت الله وحده، فالمقصود من الحج عبادة الله وحده في البقاع التي أمر بعبادته فيها، ولهذا كان الحج شعار الحنيفية، حتى قال طائفة من السلف: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ}[سورة الحج:31]، أي: حجاجاً، فإن اليهود والنصارى لا يحجون البيت.
قال طائفة من السلف: لما أنزل الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ}[سورة آل عمران:85]قالت اليهود والنصارى نحن مسلمون، فأنزل الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}[سورة آل عمران:97]، فقالوا: لا نحج؟ فقال تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}).
كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: قال طائفة من السلف: هذا جاء بروايات مرسلة، عدد من الروايات ورد فيها سبب النزول بما ترون لكنها لا تصح.
(وقوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا}عام في الأولين والآخرين، فإن دين الإسلام هو دين الله الذي عليه أنبياؤه، وعباده المؤمنون، كما ذكر الله ذلك في كتابه عن أول رسول بعثه إلى أهل الأرض: نوح، وإبراهيم، وإسرائيل، وموسى، وسليمان، وغيرهم من الأنبياء -عليهم أفضل الصلاة والتسليم- والمؤمنين، قال الله تعالى في حق نوح: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ * فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[سورة يونس:71-72]، وقال تعالى في إبراهيم وإسرائيل: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[سورة البقرة:130-131]، وقال تعالى في يوسف: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[سورة يوسف:101]، وقال تعالى في موسى وقومه: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ}[سورة يونس:84]، وقال في أنبياء بني إسرائيل: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ}[سورة المائدة:44]، وقال تعالى عن بلقيس: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[سورة النمل:44]، وقال تعالى عن أمة عيسى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}[سورة المائدة:111]، وقال تعالى: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}[سورة آل عمران:53]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}[سورة النساء:125]، وقال تعالى: {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[سورة البقرة:111-112].
وقد فُسّر إسلام الوجه لله بما يتضمن إخلاص قصده لله وهو محسن بالعمل الصالح المأمور به، وهذان الأصلان جماع الدين: أن لا نعبد إلا الله، وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع، وقال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[سورة الكهف:110]، وكان عمر بن الخطاب يقول في دعائه: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً"([22])، وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[سورة الملك:2]قال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: أن يكون لله، والصواب: أن يكون على السنة([23])).
الكلام كله في الأعياد المكانية، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يريد أن يقول: إن هذه ليس لها تعظيم مكان لم يعظمه الشارع، لا يجوز، ولا يقصد لذلك ولا يتمسح ببقعة ولا تطلب البركة فيها، ما لم يرد ذلك عن الشارع، ولا يقبّل شيء من هذه البقاع والأمكنة ونحو ذلك إلا ما ورد عن الشارع كالحجر الأسود، ثم بين أن ما يفعله كثير من المشركين من الدعاء عندها، وطلب الشفاعة منها ونحو ذلك، أن هذا كله لا يجوز، وأنه من الشرك، أو من ذرائع الشرك في بعض الصور، وهكذا يستطرد -رحمه الله- من قضية إلى قضية، وأن الشفاعة لا تكون إلا لمن أذن الله له، ورضي عنه، وانتقل من هذا إلى الكلام على شروط الأعمال وهي القبول والإخلاص والمتابعة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فحتى لا يخرج الإنسان من الموضوع الأساس: كل ذلك يرجع إلى الأعياد المكانية، فهو يبين لهؤلاء الناس أن ما هم عليه من قصدها أو طلب التبرك أو الدعاء والشفاعة، هذا كله لا أصل له.
[1]- رواه البخاري، أبواب الجزية والموادعة، باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم، برقم (3001)، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي ﷺ فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها، برقم (1370).
[2]- رواه البخاري، أبواب التطوع، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم (1133)، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، برقم (1394).
[3]- رواه الحاكم في المستدرك، برقم (1681)، وقال: وقد روي هذا الحديث شاهد مفسر غير أنه ليس من شرط الشيخين فإنهما لم يحتجا بأبي هارون عمارة بن جوين العبدي، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط، برقم (563)، وعبد الرزاق الصنعاني في المصنف، برقم (8919)، وذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية (2/575)، برقم (944)، وقال: "هذا حديث لا يصح، وإسحاق بن بشر قد كذبه أبو بكر بن أبي شيبة وغيره وقال الدارقطني هو في عداد من يضع الحديث قال وأبو معشر ضعيف"، وقال بنكارته الألباني في السلسلة الضعيفة، برقم (223).
[4]- رواه البخاري، كتاب الطب، باب الدواء بالعسل، برقم (5360)، ومسلم، كتاب السلام، باب التداوي بسقي العسل، برقم (2217)، من حديث أبي سعيد الخدري -.
[5]- رواه ابن ماجه، كتاب العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب، برقم (3644)، وأحمد في المسند برقم (17225)، وقال محققوه: إسناده حسن، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (2800).
[6]- رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، برقم (162).
[7]- ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1/113)، ثم قال بعده: "قال أبو حاتم: هذا حديث لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع، فكيف بالبزار في هذا الشأن، وكان بكر بن زياد دجالاً يضع الحديث على الثقات".
[8]- رواه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب (1)، برقم (1190)، ومسلم واللفظ له، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، برقم (1394).
[9]- رواه البخاري، أبواب التطوع، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم (1133)، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، برقم (1394).
[10]- رواه مسلم، كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، برقم (1396).
[11]- رواه ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي ﷺ، برقم (1406)، وأحمد في المسند، برقم (14694)، وقال محققوه: "إسناده صحيح من جهة حسين بن محمد، وحسن من جهة عبد الجبار بن محمد، وعبد الجبار هذا روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين"، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (3741).
[12]- رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [سورة ص:75]، برقم (6975).
[13]- رواه البخاري، كتاب العلم، باب الحرص على الحديث، برقم (99)، وبرقم (6201)، في كتاب الرقائق، باب صفة الجنة والنار.
[14]- رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله، برقم (1249)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة ونسخ جواز الاستغفار للمشركين والدليل على أن من مات على الشرك فهو في أصحاب الجحيم ولا ينقذه من ذلك شيء من الوسائل، برقم (24).
[15]- رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي ﷺ أمته إلى توحيد الله -تبارك وتعالى-، برقم (6938)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً، برقم (30).
[16]- رواه البخاري كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، برقم (5378)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، برقم (218).
[17]- رواه الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ﷺ، برقم (2516)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد في المسند، برقم (2669)، وقال محققوه: إسناده قوي، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7957).
[18]- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان، برقم (16)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصالٍ من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان، برقم (43).
[19]- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب حب الرسول ﷺ من الإيمان، برقم (14)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله ﷺ أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين وإطلاق عدم الإيمان على من لم يحبه هذه المحبة، برقم (44).
[20]- رواه البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب كيف كانت يمين النبي ﷺ، برقم (6257)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها، برقم (1807).
[21]- رواه أحمد في المسند، وفيه: ((أجعلتني لله عدلا؟))، بدلاً عن: ((أجعلتني لله ندا؟))، برقم (1839)، وقال محققوه: صحيح لغيره، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (139).
[22]- قال محقق الكتاب الدكتور ناصر العقل: لم أجده.
[23]- ذكره أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (8/95)، دار الكتاب العربي، بيروت.