الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول النووي -رحمه الله- في باب الإخلاص وإحضار النية، يقول:
سعد بن أبي وقاص هو أحد العشرة كما ذكر المصنف -رحمه الله، وهؤلاء العشرة معروفون، أي: الذين شهد لهم النبي ﷺ بالجنة في مقام واحد، وإلا فإن الذين شهد لهم النبي ﷺ بالجنة أكثر من عشرة، لكن هؤلاء شهد لهم في مجلس واحد، في مناسبة واحدة، وقد جمعهم بعض أهل العلم ببيت، وهو قوله:
سعيد، زبير، سعد، عثمان، عامر | علي، ابن عوف، طلحة، العمران |
سعيد يعني ابن زيد، والزبير يعني الزبير بن العوام، وسعد يعني ابن أبي وقاص، وعثمان بن عفان، وعامر يعني أبا عبيدة عامر بن الجراح ، وعلي هو ابن أبي طالب، وابن عوف: عبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والعمران يعني أبا بكر وعمر، يقال لهما العمران، من باب التغليب، كما يقال القمران ويقصد به الشمس والقمر.
وسعد بن أبي وقاص كما هو معروف- هو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وهو أول من أراق دمًا في سبيل الله، وقد اعتز به النبي ﷺ، وقال هذا خالي، وجمع له النبي ﷺ بين أبيه وأمه، فقال: ارمِ فداك أبي وأمي[1]، وما قال النبي ﷺ لأحد ذلك غير سعد ، وقيل: إنه آخر من مات من أصحاب النبي ﷺ بالمدينة سنة ثمان وخمسين، وقيل غير ذلك، واختلفوا في عمره حينما مات، والمقصود أنه عمّر، فقيل: كان له بضع وستون، وقيل: بضع وسبعون، وقيل: ثمانون، وقيل: تسعون، الحاصل أن وفاته تأخرت، ويجتمع نسبه مع النبي ﷺ كما ترون، وهنا في هذا النسب الذي ذكره: زهرة بن كلاب، وكلاب هو الذي يجتمع به النسب بين النبي ﷺ وبين أمه آمنة، يجتمع معها في كلاب في النسب، وكلاب اسمه حكيم.
وأما كعب بن لؤي فقيل: إنه أول من جمع قريشاً في يوم الجمعة، وكان يقال له فيما يذكره بعض المؤرخين، يقال له في الجاهلية: العَرُوبة، وكان يحدثهم، قيل: إنه كان يحدثهم عن مبعث النبي ﷺ وأنه من نسله وولده، ويأمرهم إذا بعث أن يؤمنوا به، ويتبعوه.
جاءني يعودني، العيادة هنا المقصود بها عيادة المريض وزيارته، وفي هذا دليل على تواضع النبي ﷺ وعلى فضل عيادة المريض، وأنها من سنن المرسلين، وفيه أيضاً فضل النبي ﷺ حيث كان يعود أصحابه، فالكبير يعود الصغير ولا يأنف من ذلك، فعاده النبي ﷺ لما مرض في عام حجة الوداع، وكان مرضه بمكة إبان الحجة -في وقتها، ويقال لها حجة الوداع؛ لأن النبي ﷺ ودع أصحابه بعدها، ويقال لها حجة الإسلام؛ لأن المسلمين انفردوا بالحج في ذلك العام، كان الناس يطوفون جميعا المسلمون والكفار، ويطوف الرجال والنساء عراة، يتدينون ويتقربون إلى الله بذلك حتى إن المرأة تطوف عارية وتقول:
اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّهُ | وما بدا منه فلا أُحِلُّه |
فكان هذا شأنهم، فلما كان عام تسع بعد أن فتح النبي ﷺ مكة عام ثمانٍ، أرسل أبا بكر عام تسع أميراً على الحج، وأرسل في أثره علي بن أبي طالب، ومعه رجال كأبي هريرة ينادون في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان[2].
فلما حج النبي ﷺ في السنة العاشرة حج الناس معه، ولم يحج أحد من المشركين، فانفرد المسلمون بالبيت الحرام، وهذا معنى قول الله : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:3].
بانفرادهم بالبيت الحرام كما قال كبير المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله- لا يشاركهم فيه أحد، فالحاصل أن سعد بن أبي وقاص مرض في عام حجة الوداع التي يقال لها حجة الإسلام؛ لأن المسلمين انفردوا بالحج فيها، ويقال لها أيضاً حجة البلاغ؛ لأن النبي ﷺ قال لأصحابه: ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فيقال لها حجة البلاغ، وحجة الإسلام، وحجة الوداع، لهذه المعاني.
فزاره النبي ﷺ من وجع اشتد به، يقول:
سعد بن أبي وقاص يقول للنبي ﷺ: إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، فذكر للنبيﷺ حاله ووجعه، وهذا لا يعد من الجزع المذموم.
وذِكْر العلة والبلاء وما نزل بالإنسان من المرض أو الفقر أو غير ذلك إذا ذكره العبد للمخلوقين على سبيل الشكاية لمن لا يرجو عنده الدفع والنفع، أو يذكره على سبيل التذمر فهو يشكو الخالق للمخلوق، والله أرحم الراحمين، وهو أرحم بعبده من الأم بولدها، فكيف يُشكى الخالق إلى مخلوق لا يملك نفعاً ولا ضراً، والله أرحم بك منه؟!، فهذا لا يجوز وهو حرام، وهو تسخط يذهب الأجر، ويعود فيه الإنسان بالوجع، وبالخيبة والمرض، فمرضه لا يرتفع بالشكاية، وكذلك لا يحصل له الأجر، فالحاصل أن هذا لا يجوز.
وأما ذِكرُ ذلك على سبيل الخبر المجرد -على سبيل الحكاية- فهو يجوز، ولكن الأولى أن يترك، أن يشكو الإنسان بثه وحزنه إلى الله ، كما قال يعقوب ، فلا يخبر.
وأما إذا ذكر ذلك لحاجة معتبرة كذكر العلة للطبيب، يقول: أنا أشتكي بطني، أو نحو ذلك، أو أن يذكر ذلك لعالم أو لقاضٍ أو لمفتٍ أو نحو ذلك ليسأله عن مسألة، كأن يقول: أنا أعاني من كذا فهل يجوز أن أصلي كذا؟، يقول: أنا أعاني من المرض الفلاني فهل يسقط عني الصوم إلى البدل، وهو الصدقة الإطعام؟، أنا أعاني من كذا وكذا، فهل يجوز لي أن أوصي للورثة أو أن أوزع المال على الورثة؟، أو غير ذلك، فيسأل بهذه الطريقة فهذا يجوز، كما فعل سعد وهكذا إذا ذكره لمعنى معتبر مفيد.
النبي ﷺ لما قالت عائشة -رضي الله عنها: وارأساه، فقال: بل أنا وارأساه[3]، ولما سئل النبي ﷺ عن شدة المرض الذي يقع عليه وأخبرهم أنه يُوكَع كما يوكع الرجلان من أصحابه[4]، فهذا من ذكر خصائص الأنبياء، ليس من باب التشكي والتسخط على رب العالمين، بل النبي ﷺ أكمل الأمة يقيناً وإيماناً وتوكلاً وتفويضاً فلا يرِد هذا المعنى في حقه، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري وبنو زُهرة أخوال النبي ﷺ وهو سعد بن مالك (3/ 1363)، رقم: (3519)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب في فضل سعد بن أبي وقاص (4/ 1876)، رقم: (2411).
- أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك (2/ 586)، رقم: (1543)، ومسلم، كتاب الحج، باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان وبيان يوم الحج الأكبر(2/ 982)، رقم: (1347).
- أخرجه البخاري، كتاب المرضى، باب ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع أو وارأساه أو اشتد بي الوجع (5/ 2145)، رقم: (5342).
- أخرجه البخاري، كتاب المرضى، باب وضع اليد على المريض (5/ 2143)، رقم: (5336)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها (4/ 1991)، رقم: (2571).