الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
هذا الحديث أورده النووي -رحمه الله- في باب الصبر، ووجه إيراده ظاهر، وذلك أن النبي ﷺ أمرها أن تصبر وتحتسب، وذلك أن الإنسان إذا نزلت به مصيبة من موت من يحب، أو غير ذلك فإن عليه أن يصبر، فلا يفضي ذلك به إلى الضجر، وأن يحتسب بمعنى أنه يرجو الثواب من الله على هذا الصبر، وعلى هذه المصيبة.
والاحتساب: أصله من الحَسْب وهو العد، تقول: فلان يحتسب أجره عند الله أي: أنه يرجو الثواب من الله -تبارك وتعالى- على هذا البلاء الذي نزل به؛ لأن الإنسان يؤجر إذا أصابته المصيبة، وتُكفَّر عنه هذه الخطايا، ويؤجر على الصبر؛ لأنه من أفضل العمل الصالح.
قال: عن أبي زيد أسامة بن زيد، أبو زيد هذه كنية أسامة، ويقال: إن كنيته أبو يزيد، وبعضهم يقول: أبو محمد، وبعضهم يقول: أبو خارجة.
فالمقصود أن أسامة بن زيد هو ابن زيد بن حارثة الذي يرجع نسبه إلى قبيلة كلب، وهو عربي قُح، وإنما سُبي لمّا أغارت خيل لمّا كان مع أمه، لما كان في زيارة لأخواله من بني طيء في شمال الجزيرة العربية، فأغارت خيل من بني القين، فأخذوا شيئاً من النعم الإبل والغنم، وأخذوا زيداً واسترقّوه، وذهبوا به وباعوه في سوق حُباشة، في مكة أو قريباً من مكة، فاشتراه حكيم بن حزام ثم وهبه لخديجة -رضي الله تعالى عنها، ثم بعد ذلك وهبته للنبي ﷺ ثم أعتقه رسول الله ﷺ.
هذا زيد بن حارثة والد أسامة بن زيد، وأسامة بن زيد سرى إليه العتق لما أعتق النبي ﷺ أباه.
وأمه يقال لها بركة، وهي امرأة حبشية، وهي المعروفة بأم أيمن، مولاة النبي ﷺ، فأسامة بن زيد يكون أخاً لأيمن ابن أم أيمن لأمه.
وكان زيد بن حارثة شديد البياض، ولكنه لما تزوج أم أيمن -وهي امرأة حبشية سوداء- جاء أسامة شديد السواد، فكان سواده كالليل، ولهذا كان يطعن في نسبه المنافقون، ويقولون: هذا ليس من هذا.
وتعرفون خبر ذلك الرجل الذي يعرف في القيافة، لما رأى أسامة وأباه في المسجد قد ناما والتحفا ببرد، ولم تظهر إلا أرجلهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، ففرح بذلك النبي ﷺ وسر به[2]، والقصة في ذلك مشهورة معروفة.
وكان النبي ﷺ يحب أسامة كثيراً، حتى إنه لما أصابته الحصباء وكان لعابه وأنفه يسيل، فأمر النبي ﷺ عائشة أن تطرح الأذى عنه، فكأنها كرهت ذلك، وعافت نفسها، فأخذ النبي ﷺ يزيل ذلك عنه بنفسه ﷺ، وهذا لتواضع النبي ﷺ الشديد، فإن الإنسان قد لا يفعل ذلك لولده، ويتقذر، فكيف بهذا الغلام الأسود الذي هو ابن لمملوك عند رسول الله ﷺ؟!، وهذا يدل على شدة حب رسول الله، وقد أخبر ﷺ عائشة بهذا.
وقد أمَّره النبي ﷺ على الجيش الذي كان يرابط خارج المدينة، وأوصى النبي ﷺ عند موته بإنفاذ جيش أسامة، وكان من الجنود الذين في هذا الجيش عمر بن الخطاب ، وكان عمر أسامة آنذاك سبع عشرة سنة.
فلما ولي أبو بكر الصديق كان من أول أعماله إنفاذ جيش أسامة، وقد تردد بعض الصحابة في هذا، واقترحوا على أبي بكر أن يبقي الجيش للحاجة؛ لأن المدينة صارت مستهدفة، فأصر أبو بكر على إمضائه، واقترح عليه بعضهم أن يغير قائده، وأن يضع رجلاً قد جرب الحرب وعركها.
فقال: "لقد كرهتم إمارته، كما كرهتم إمارة أبيه"، فأصر فأنفذه ، واستأذنه في أن يستبقي عمر معه ليكون وزيراً له لحاجته إليه.
وقد روى أسامة عن النبي ﷺ نحواً من مائة وثمانية وعشرين حديثاً، أخرج الشيخان منها ثمانية عشر حديثاً، اتفق الشيخان على خمسة عشر حديثاً، وانفرد البخاري بثلاثة أحاديث، فكان مجموع ما له من الأحاديث في الصحيحين ثمانية عشر حديثاً .
يقولون: إنه توفي بعد قتل عثمان ، توفي في الجرف، وهي ناحية قريبة، الآن هي داخل المدينة من الناحية الشمالية.
ويقول بعضهم: إنه توفي سنة أربع وخمسين للهجرة، وبعضهم يقول: ثمان وخمسين، وبعضهم يقول: تسع وخمسين، أي: أن وفاته قد تأخرت.
هذا ما يتعلق بترجمته ، والحديث له بقية.
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وأن يلحقنا في زمرتهم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي ﷺ: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته (1/ 431)، رقم: (1224)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت (2/ 635)، رقم: (923).
- أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي ﷺ (3/ 1365)، رقم: (3525)، ومسلم، كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد (2/ 1081)، رقم: (1459).