الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
هذا الحديث سبق ذكره في قراءةٍ من الترغيب والترهيب في رمضان بعد العصر، وعلى كل حال ذكره الإمام النووي -رحمه الله- هنا للتدليل على هذا الأصل الكبير، وهو كثرة طرق الخير، فالنبي ﷺ يخبر أن على كل سُلامى، أي: على كل عظم ومفصل من الإنسان صدقة شكراً لله -تبارك وتعالى، فالإنسان حينما يصبح سليم الأعضاء، سليم المفاصل والعظام فإنه يحتاج إلى شكر لله -تبارك وتعالى- على هذه العافية.
وكما ثبت في الحديث الآخر أن النبي ﷺ ذكر أن في بدن الإنسان ثلاثمائة وستين مفصلاً، وهذه المفاصل بهذا العدد الكثير يشق على الإنسان أن يتصدق عن كل واحد منها في كل يوم صدقة، ثلاثمائة وستين صدقة، وهذا التعبير من النبي ﷺ "على كل سلامى"، يدل على أن ذلك حق ثابت، بل إن هذه العبارة تستعمل في الوجوب، للدلالة على الوجوب عادة، على الإنسان أن يفعل كذا، عليك كذا، يدل على أن ذلك يلزمه، فهنا لمّا ذكر لهم النبي ﷺ هذا بين لهم كثرة طرق الخير، ولم يذكر النبي ﷺ الصدقة بالمال؛ لأن الصدقة بالمال معروفة، لا تخفى على أحد، وإنما ذكر لهم وجوهاً أخرى من الصدقة قد يتهاون فيها الإنسان، وقد لا يتصور بعضهم أن هذا يجري في باب الصدقات التي يؤدي بها شكر النعم.
فقال لهم النبي ﷺ: فكل تسبيحة صدقة، يعني: لو أن الإنسان قال ثلاثمائة وستين مرة سبحان الله فإنه يكون قد تصدق عن كل عضو، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة -لا إله إلا الله- صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وليس ذلك يختص باللسان، بل في أفعال الجوارح أيضاً.
وقال: وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، الأمر بالمعروف قد يكون باللسان، وقد يكون باليد، طبعاً هذه الأشياء ليست للحصر؛ لأنه هناك أبواب أخرى من الأعمال الطيبة الصالحة، الكلمة الطيبة صدقة، كما سيأتي في بعض الأحاديث، دلالة الإنسان على الطريق، أو حمل متاعه، أو نحو ذلك أو إعانته كما سبق في الحديث أيضاً أن تعين صانعاً كل ذلك من الصدقات، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق، وكف الأذى أيضاً يعد من الصدقة.
قال: ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى، وهذا يبين عظم فضل هذه الصلاة التي يصليها الإنسان، ووقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى ما قبل زوال الشمس، قبل دخول وقت الظهر، وأفضل ذلك إذا رمضت الفصال، بمعنى: أنه إذا اشتد حر الشمس وارتفع الضحى فهذا أفضل وقتها، ويمكن للإنسان أن يصلي ركعتين، ويمكن أن يصلي أربعاً كما ذكرنا في رمضان، قال ﷺ: ابن آدم صلِّ لي ركعتين أول النهار أكفك آخره[2]، كما في الحديث القدسي.
فالحاصل أن الإنسان يمكن أن يزيد على هذا فيصلي ست ركعات أو ثمانِيَ، كما صلى النبي ﷺ عام فتح مكة.
وفي الحديث الآخر حديث أبي ذر أيضاً يبين بعض وجوه الخير:
لاحظ مع أن هذا من أقل شعب الإيمان، النبي ﷺ لما ذكر حديث: الإيمان بضع وستون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة، قال: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق[2].
قال: فوجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن رواه مسلم.
فكأن النبي ﷺ -والله أعلم- ذكر عملين يكثر وقوعهما، ولا يعبأ الناس بهما، فكثير من الأحيان يمر الإنسان بالأذى في الطريق، ولا يميطه مع أن ذلك من الصدقات، وكذلك أيضاً قد يقع منه الإساءة والذنب والإثم بهذا الفعل المستهجن في المسجد، وكانت المساجد من التراب، أرضها من تراب أو طين أو نحو ذلك، أو من الحصباء، فقد لا يبالي الإنسان بأن يفعل ذلك فيها، فدفْنُ ذلك أو إزالته أو حكه من الجدار صدقة.
هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها، (1/ 388)، رقم: (553).
- أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب شعب الإيمان، (1/ 63)، رقم: (35).