الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب تعظيم حرمات المسلمين أوردُ بعض ما كان عليه السلف الصالح من شدة التحرز في هذا الباب.
لمّا كان من أمر الناس ما كان من أمر الفتنة أتوا عبد الله بن عمر -ا- فقالوا: أنت سيد الناس، وابن سيدهم، والناس بك راضون، اخرج نبايعك، فقال: "لا والله، لا يهراق فيَّ مِحْجَمة من دم ولا في سببي ما كان فيَّ الروح"[1].
جاء مصعب إلى ابن عمر فقال: "أي عم، أسألك عن قوم خلعوا الطاعة وقاتلوا حتى إذا غُلبوا تحصنوا وسألوا الأمان، فأُعطوا، ثم قُتلوا بعدُ، قال: وكم العدد؟ قال: خمسة آلاف، قال: "فسبح ابن عمر، ثم قال: عمرك الله يا مصعب، لو أن امرأ أتى ماشية للزبير، فذبح منها خمسة آلاف شاة في غداة، أكنت تعده مسرفا؟ قال: نعم، قال: فتراه إسرافًا في البهائم وقتلت مَن وحد الله؟!، أما كان فيهم مستكره أو جاهل ترجى توبته؟! أصب يا ابن أخي من الماء البارد ما استطعت في دنياك"[2].
وهذا العلاء بن زياد -رحمه الله- يقول: "ما يضرك شهدت على مسلم بكفر أو قتلته"[3].
ولما جيء بسعيد بن جبير وطلق بن حبيب، وأصحابهما ليقتلهم الحجاج دخل عليهم الأعمش السجن، فقال: جاء بكم شرطي أو جُلَيْويز من مكة إلى القتل، أفلا كتفتموه وألقيتموه في البرية؟، فقال سعيد: فمن كان يسقيه الماء إذا عطش[4]، لاحظ شدة التحرز عندهم من الدماء.
وسعيد بن جبير كان من العباد العلماء، وُجد هو وناسٌ في الكعبة فيهم طلق بن حبيب، فجيء بهم إلى العراق، فقتلهم الحجاج من غير شيء تعلق به عليهم، إلا بالعبادة، فلما قتل سعيدًا خرج منه دم كثير، حتى راع الحجاج، فدعا طبيبًا، فقال: ما بال دم هذا كثير؟ قال: قتلته ونفسه معه[5]، يعني: ظلماً، وعلى كل حال أخبارهم في هذا كثيرة.
فهذا الحجاج دفع إلى سالم بن عبد الله رجلا ليقتله، فقال للرجل: أمسلم أنت؟ قال: نعم، قال: فصليت اليوم الصبح؟ قال: نعم، فرده إلى الحجاج ورمى بالسيف وقال: ذكر أنه مسلم، وأنه صلى الصبح، وإن رسول الله ﷺ قال: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله[6]، فقال: لسنا نقتله على صلاة، ولكنه ممن أعان على قتل عثمان، فقال: هاهنا من هو أولى بعثمان مني، قال: فبلغ ذلك ابن عمر فقال: مُكَيَّسٌ مُكَيَّسٌ [7]، يعني أنه وفق وأصاب.
- معجم الصحابة للبغوي (3/ 477).
- تاريخ الإسلام تحقيق تدمري (5/ 60).
- المصدر نفسه (6/ 447).
- سير أعلام النبلاء (4/ 340).
- تاريخ الإسلام (6/ 202).
- أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، (1/ 454)، برقم: (657).
- سير أعلام النبلاء (4/ 466)، وتاريخ الإسلام (7/ 91).