الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
استوصوا بالنساء خيراً، السين والتاء للطلب، فيحتمل أن يكون المراد: اقبلوا وصيتي في النساء، أو أن المراد استوصوا بالنساء أي: أن ذلك فيه طلب العناية والرعاية للنساء، وتكون السين والتاء دخلت في هذا الموضع للتأكيد والمبالغة والعناية بهذا الأمر المذكور.
ومعنى استوصوا بالنساء خيراً: أي أن الإنسان يقوم عليها خير قيام، فيحسن عشرتها ومخالطتها، وينفق عليها بالمعروف، ويغفر لها الزلة والخطأ، ويتجاوز ويعفو ويصفح، ولا يقف عند كل صغيرة ولا كبيرة، ولا يستوفي حقه منها، وإنما يترك بعض الشيء ويفوت بعض التقصير، ولا يقف عند كل جليل وحقير ودقيق، ويريد أن يستنطف حقه جميعاً من هذه المرأة؛ وذلك أنها ضعيفة، فأوصى بهن النبي ﷺ خيراً ثم علل ذلك، قال: فإن المرأة، فالفاء للتعليل، لماذا نستوصي بهن خيراً؟ قال: فإن المرأة خلقت من ضِلَع ويقال أيضاً في اللغة: ضِلْع، بإسكان اللام، ضِلَع وضِلْع، والضِّلْع معروف، خلقت من ضِلَع، وقد جاء في بعض الآثار عن ابن عباس وغيره: أنها خلقت من ضلْع آدم الأيسر.
والمقصود أن النبي ﷺ هنا قال: خلقت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضِّلَع أعلاه كما هو معلوم، الضِّلَع هكذا، أعوج ما في الضلع رأسه أعلاه، فقال بعض أهل العلم: المراد به اللسان، أعوج ما فيه رأسه وهو لسانها، أعلى المرأة.
والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن المراد: أن أعوج ما فيها هو عقلها ورأيها، وذلك في قلبها، ودماغها أيضاً لاتصاله بالقلب، وإنما اللسان يبين عما في القلب، وينبئ عنه، فإذا كان الإنسان مكتمل العقل عُرف ذلك من قيله وكلامه، ولذلك قيل: المرء بأصغريه قلبه ولسانه، والإنسان لربما يكون في هيئة وحال من زينة المظهر ونحو ذلك، وإذا تكلم عرف عقله، فاللسان مبين ومنبئ عما اكتن من عقل الإنسان وخفي على الناس.
فهنا أعوج ما في الضلع أعلاه وهو عقلها، -والله تعالى أعلم؛ وذلك أن عقل المرأة قاصر، ولهذا ذكر النبي ﷺ: أنه قد كمل في الرجال كثير ولم يكتمل في النساء إلا أربع فقط[2].
أربع نساء هن اللاتي اكتملن، مِن كم؟ من آلاف الملايين عبر القرون، وهذا شيء ظاهر، والطب الحديث وعلم التشريح يثبت هذا، الطب الحديث يثبت أن التلافيف التي في دماغ المرأة أقل من التلافيف الموجودة في دماغ الرجل، وأن وفور عقل الإنسان إنما هو بكثرة هذه التلافيف، فعقل المرأة من الناحية الطبية التشريحية أقل من عقل الرجل، أضف إلى ذلك العوارض التي تحصل للمرأة فيكون ذلك سبباً للضمور عندها في الدماغ، وذلك إذا حصل للمرأة الحملُ حصل لها ضمور في الدماغ، وإذا حصل لها الحيض حصل لها من الحالات التي تجعلها تخرج عن طورها في بعض الأحيان، لأن هذا يؤثر عليها في كلامها، يؤثر عليها في نفسيتها، في تعبها، في تغير مزاجها، فيصدر منها ما لم يُعهد في فترة الحيض وفي فترة الحمل، ولذلك هي أقل عقلاً من الرجل، هذه خلقة، وإذا أردت أن تعرف هذا في مجاري العادات -وإن غضبت النساء، أو بعض النساء من ذلك- انظر إلى العالم، كم رئيس دولة من النساء منذ آدم ﷺ إلى يومنا هذا؟.
بل كم يوجد من الوزراء في العالم من آدم ﷺ إلى يومنا هذا؟ ندرة، وكم يوجد من القادة من النساء؟، وكم يوجد من المقاتلين؟، بل كم يوجد في العالم من الأطباء البارعين من النساء؟.
بل المرأة إذا أرادت أن تلد في كثير من الأحيان إذا قل حياؤها فإنها تطلب أن يولدها الرجل، لا تثق بالمرأة، ومعلوم أن النساء إذا أرادت أن تطبِّب أدنى الأشياء التي يعرفها أهل الطب، أهل الطب عندهم بعض التخصصات يرون أنها دون، هذه يعرفها الأطباء فيما بينهم، مثل الأسنان والجلدية وما أشبه ذلك من التخصصات التي يسمونها "أدبي" فيما بينهم على سبيل الدعابة، فهم يرون أن هذه التخصصات سهلة سطحية ضعيفة، لا تحتاج إلى عمق ولا تحتاج إلى كدٍّ ولا إلى جهد كبير، بينما الباطنية، الغدد، الأعصاب، الجراحة هذه من التخصصات الدقيقة التي تحتاج إلى عناية.
فعلى كل حال الأسنان من التخصصات السهلة، وهذا معلوم، ومع ذلك المرأة إذا أرادت أن تذهب إلى الأسنان تطلب الرجل، لا تثق بامرأة تطبب أسنانها، مع أن هذا ليس بشيء خطير، بل المرأة إذا طُلبت للأسنان ثم بدأت بشيء يتعلق بالجراحة تركت المريضة، وقالت: أنا أتوقف هنا، لابد من مجيء الرجل، هذا الحد الذي استطيع أن أشتغل فيه، بدأ الدم ينزف، لابد من مجيء رجل، المرأة ضعيفة، فالله خلقها هكذا، وهذا كمال فيها في الواقع لو أنها عرفت الطريق الذي تسير فيه، والاختصاص الذي خلقت له، فهذه القدرات التي جعلها الله عند المرأة فيما يتعلق بالحضانة والصبر على الصغار، والرأفة والرحمة والحنو والعاطفة.
العاطفة قوية غلابة عند المرأة، لو كانت مثل الرجل كانت ذبحت الأولاد، وإذا أردت أن تعرف هذا اجعل الصغير الطفل الرضيع عند رجل ثلاث ساعات فقط، وانظر كيف يفرغ صبره، وينقطع ويمل ولربما كما حصل وقرأنا في الصحف عن بعض الغربيين، الرجل والمرأة يعملون، فحسبوا القضية إذا جاءت مربية وجاء خادم أو سائق أو كذا، فوجدوا أنه يجب أن يجلس واحد من الزوجين في البيت لرعاية الصغار، ولا داعي لمربية، ولا لخادمة، ولا لسائق، ولا لشيء من هذا القبيل، واحد منهما يعمل، فنظروا في الأقل دخلاً وإذا هو الزوج، فجلس عند الأطفال وصارت هي التي تذهب وتعمل؛ لأن راتبها أعلى، ما الذي حصل؟ لم يحتمل في اليوم الأول، واليوم الثاني جاء وصار يضع الوسادة على وجوه الأطفال ويخنقهم، لما ضج من بكائهم وضجر، حتى ماتوا وسكنوا، فلما جاءت من العمل، وإذا هي تسأل كيف الصغار؟ قال: كلهم -ما شاء الله- في غاية الهدوء، من أجل أن تأتي وتستريحي، فالحاصل أن الرجل لا يحتمل، لا يصبر، المرأة تصبر، وتسهر الليالي مع الطفل إذا مرض، أو تعب أو بكى، وتتحمله بشكل عجيب جدًّا، الله هكذا خلقها، وخلق جسمها مركباً بهذا، سعة الحوض وما إلى ذلك من الأمور المعروفة من أجل أن ترضع الصغير، أن تحمل، وأن تلد، وجعل لها هذه الخصائص، والإفرازات في الغدد، وكل شيء يختلف تماماً عن الرجل، لو كان عقل المرأة مثل عقل الرجل لما اجتمعت معه أبداً، صارت ندًّا له، لكن الله جعلها عاطفية، وجعل العاطفة عندها تغلب العقل، ولذلك يمكن للرجل بكل سهولة أن يسيطر على زمام الأمور، وأن تكون القيادة والريادة له، وإذا غضبت المرأة يمكن بكلمات قليلة جدًّا أن يذهب ذلك جميعاً، وينتهي الغضب، وتطيب نفسها، لكن إذا تخاصم الرجل مع الرجل هذه مشكلة، فلو كانت المرأة مثل الرجل لما وجدت الأسرة.
فالنبي ﷺ يقول: إنها خلقت من ضِلَع، هذا كمال من جهة ما خلقت له، وهو القيام على الصغار، ورعاية هؤلاء.
يقول: وإن أعوج شيء في الضِّلَع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء، بمعنى أن الضلع ما يمكن أن يتقوم، هو هكذا أعوج، فإذا أردت أن تقيمه وأن تغير حاله فإنه سينكسر، هكذا المرأة، هذا الحديث قاعدة عظمى فيما يتعلق بالتعامل مع النساء، هذا من أكبر القواعد ومن أجلّ القواعد، ومن أنفع ما يكون للرجال، وهو من الأمور الحاملة للرجل على الصبر والتحمل لأخطاء المرأة، وعيوبها، وضعفها، يخطئ كثير من الرجال فيفكر بمثالية، يظن أن النساء مثل أصدقائه، مثل زملائه، فهو يريد امرأة بالكمالات وبالاهتمامات، وبالتفكير مثل فلان من زملائه، ولربما تزوج أخت زميله مثلاً، فإذا نظر وإذا بالمرأة ضعيفة عاطفية، تحمل وتتعب وتمرض وتحيض، ويتغير مزاجها، وكلمة تذهب بها، وكلمة تجيء بها، فهو لا يريد مثل هذا، ولربما ملها وضجر منها، وفارقها وطلقها وخاصمها، لكن إذا عرف الإنسان هذا الأصل أنها خلقت من ضلع، هي هكذا، لن تجد امرأة تتزوجها كاملة، الكُمّل أربع، والباقي كلهن بهذه الطريقة، من ضلع وأعوج شيء في الضلع أعلاه، إذاً ماذا عليك؟ أن تدرك هذه القضية، كل النساء هكذا، وإن كنّ يتفاوتن، فأنت لابد أن تتعامل معها بهذا الاعتبار، أنها مسكينة، ضعيفة، ناقصة، ضلع أعوج، فسترى منها من التقصير والعيوب والأخطاء الشيء الكثير، وكل النساء هكذا، لكن هذا يتفاوت، من النساء من تكون مُسفَّة لا تطاق، وإنما العبرة بما غلب على الإنسان، إذا غلبت حسناتها ودينها وصلاحها وخيرها تُحتمل أخطاؤها، وتقصيرها وعيوبها وما أشبه ذلك، لربما ترى منها أشياء طفولية، لربما ترى فيها أشياء تدل على ضعف في النشاط والقيام بالأمور، وحتى الأمور الخاصة بها من المنزل أو القيام بشئونك الخاصة، أو غير ذلك، ترى منها تقصيرًا وترى منها ضعفًا وذهولا ونسيانًا، وغفلة وما أشبه هذا، هذا شيء طبيعي.
يعني الآن النساء يطبخن ويغسلن وما أشبه هذا، الطباخون في العالم من هم؟ رجال أو نساء؟ هم رجال، الذين يخرجون في القنوات ويعلمون الناس الطبخ رجال، مع أن هذا من أخص أعمال المرأة، فالمرأة ضعيفة، هي تحسن أن تربي الصغار إذا اهتمت بهذا الجانب، فالمقصود: أن الإنسان يراعي، ليس معنى ذلك أن يكون مضيعاً، يحتمل منها تجاوز حدود الله ، لا، لابد أن يحملها على طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ، لكن فيما يتعلق بحقوقه يحصل لها من التقصير والذهول، تبدر منها بعض الكلمات، فيحتمل هذا، ويعرف أنها مسكينة ضعيفة كذا، فإذا تذكر الرجل دائماً هذا الحديث كلما رأى منها تقصيراً هون ذلك عليه، فقال: الحمد لله، نحن لابد أن نتعامل مع الواقع، لابد أن نعرف طبيعة هذا المخلوق، ونتعامل معه بحسب قدراته وإمكاناته، هذه إمكاناته أصلاً، ماذا تصنع بها؟.
قال: إن ذهبتَ تقيمه كسرتَه: يعني: كسرها طلاقها، وإن تركته لم يزل أعوج، إذاً ما الحل؟ فاستوصوا بالنساء، ارحم ضعفها، واعطف عليها، وتجاوز عن خطئها وتقصيرها، قال: وفي رواية في الصحيحين: المرأة كالضِّلَع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج[3]، وفي رواية لمسلم: إن المرأة خلقت من ضِلَع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرُها طلاقها[4].
هذا، وأسأل الله أن يفقهنا وإياكم في الدين، وأن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين، وأن يصلح أحوالنا وذرارينا وأزواجنا، وعموم المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم وذريته، (4/ 133)، برقم: (3331)، ومسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، (2/ 1091)، برقم: (1468).
- أخرجه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ [التحريم:11] إلى قوله: وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12]، (4/ 158)، برقم: (3411)، بلفظ: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، رواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل خديجة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها، (4/ 1886)، برقم: (2431).
- أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب المداراة مع النساء، وقول النبي ﷺ: إنما المرأة كالضلع، (7/ 26)، برقم: (5184).
- أخرجه مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء، (2/ 1091)، برقم: (1468).