الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فكنا بالأمس نتحدث عن قول النبي ﷺ في حجة الوداع: ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوانٍ عندكم، يعني: أسيرات، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك يعني: الاستمتاع، وحفظ الرجل في ماله وعرضه.
قال: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قلنا: فسر بعقوق الزوج، قال: فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرِّح.
وبيّنا أن الآية ذكرت في الابتداء الوعظ، ثم الهجر، ثم الضرب، وضابط هذا الضرب ومتى يكون، ومعنى الهجر في المضاجع.
قال: فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً يعني: لا تطلب بعد ذلك تعنيفها، ومضايقتها، وأذيتها إذا أذعنت وأطاعت.
قال: ألا إن لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا ثم بيّن النبي ﷺ هذه الحقوق، قال: فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون، وهذا عام، والمقصود بالفرش الكناية عن الدار والمنزل، بحيث إنها لا تأذن لأحد في بيته وهو كاره دخوله في هذا البيت؛ لأن الرجل هو السيد في بيته، وهو الذي يملك أن يمنع أحداً أن يدخل فيه، فلا يدخل فيه داخل إلا بإذنه.
فمن حق الرجل على المرأة ألا تأذن لأحد، لا من النساء، ولا من الرجال، لا من محارمها، ولا من غير محارمها، حتى الأبوين، فإذا منعها من استقبال أختها، أو أمها في بيتها فليس لها أن تدخلهم من غير علمه، لا يجوز لها ذلك؛ لأنه صاحب الدار، وقد منع من هذا.
هذا من حيث الحكم، أما من حيث طيب المعشر، والإحسان فإنه ينبغي للإنسان أن لا يمنع المرأة من أن تستضيف قراباتها، ولكن قد يصل إليه الأذى من هؤلاء القرابات، كأن يرى الرجل مثلاً أن أمها تفسدها عليه، وتأمرها بأن تطالبه بأمور فوق طاقته مثلاً، أو أن هذه الأم تتدخل في شئونهم الخاصة، أو نحو هذا مما قد يقع أحياناً من بعض الأمهات، فلو أن هذا الرجل قال: لا آذن لأمك أن تدخل في داري مثلاً فإنه لا يجوز لهذه المرأة أن تأذن لأمها.
لكنها تصل أمها بزيارتها، وبالاتصال بها، وبالإحسان إليها، وما أشبه ذلك، وأما هذا فإنه بيته، وهو سيد هذه المرأة، وليس لها أن تفعل ذلك من وراء ظهره، فضلاً عن أن تُكاشره بهذا، وأن تفعله بحضرته، وأن تتحداه، ولا تبالي بما يقول.
قال: ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن، ولم يحدد حدًّا معيناً، وإنما الإحسان يختلف كما قال النبي ﷺ في العشرة بأنها بالمعروف، فهذا يختلف من مكان لآخر، ومن زمان لآخر، ومن رجل لآخر، بحسب الغنى والفقر لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7].
فالرجل يحسن إليها، يواسيها بماله في كسوة وطعام، وهذه الكسوة بالمعروف أيضاً، بما يصلح لمثلها، مما لا يلحق به الضرر، ويكون ذلك إجحافاً -مثلاً- بماله أو نحو هذا، وإنما يلبسها مما يتلاءم مع حاله وماله، وما أعطاه الله إياه، دون تقتير ولا تضييق، وكذلك أيضاً الطعام.
وهذه الأشياء المذكورة في هذا الحديث ليست للحصر يعني في الحقوق، وإنما هي من جملة هذه الحقوق، وإلا فمن حق المرأة -مثلاً- السكنى، وهذه السكنى أيضاً بالمعروف، ومن حقها أيضاً أن يعاشرها بالمعروف، بالمؤانسة، وطيب الكلام، وحسن المخالطة، وكذلك أيضاً من جهة الوطء فإنه لم يحد الشارع ذاك بحد معين، وإنما كل ذلك بالمعروف، بحيث إنه لا يترك هذه المرأة كأنها غير متزوجة، مما قد يوقعها في الحرام، وإنما يعفها بمعاشرتها.
وكذلك أيضاً ما يتعلق بتعامله معها، وأن تحيا معه حياة كريمة من غير أذية ولا ضرر، هذا كله من العشرة بالمعروف، فإن كان معه غيرها من النساء فإنه يعدل بين هؤلاء النساء، بمعنى: أنه يعدل بينهن في المبيت والنفقة والسكنى، وما أشبه ذلك، بحسب حاله، وما أعطاه الله ، والعدل لا يعني المساواة، بمعنى أنه إذا تزوج أكثر من امرأة، هذه جديدة، وهذه عندها عشرة أولاد، فهذا لا يعني أنه يُسكن هذه بنفس المساحة التي تسكن فيها المرأة الجديدة التي ليس عندها أولاد، إذا كانت نفقة هذا البيت في الشهر خمسة آلاف مثلاً لهذه المرأة وأولادها، فهذه المرأة الجديدة لا تحتاج مثل هذه النفقة، ولا يحق لها أن تطالبه بالتعويض -فرق النفقة، هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى أشياء للمدارس، ويحتاجون أشياء يتلهون بها من الألعاب، ويحتاجون لربما إلى أدوية، ويحتاجون علاجًا، ولربما كانت هذه المطلوبات بأسعار باهظة، وهذه ليس عندها ولد، أو ليس عندها ولد مريض، أو نحو هذا، فلا تطالب هذا الرجل بهذه الأموال التي دفعها لهؤلاء الأولاد، ولكن ينفق عليها بما يحصل به العدل.
ولو أن الرجل خصص لنسائه خاصة من غير الأولاد، أي أن يجعل لكل واحدة من النفقة الخاصة كذا من المال، فيسوي بينهن، وأما ما يتعلق باللباس والطعام ونحو ذلك فإنه يوفر لكل واحدة ما تحتاج إليه بالمعروف، فإذا اشترى لهذه ثياباً للعيد -مثلاً- ولأخرى ثياباً للعيد، قد تكون هذه تحب هذا النوع من اللباس، وهذه تحب هذا النوع من اللباس، والفارق بينهما كبير من حيث السعر، فليس مطالباً أن يأتي لمن اختارت الأقل بالعوض من المال، ليس مطالباً بهذا، وإنما هو يوفر لها الكسوة التي تحتاج إليها، فهذا كله من العشرة بالمعروف.
قضية العدل في النهار، فإن الرجل ينطلق في حاجاته، ويمكن أن يمر على زوجاته، لكن من غير محاباة، أما أن يجلس الرجل النهار عند واحدة دائماً، ويقول للأخرى: النهار لا تملكينه فهذا غير صحيح، وهذا من الظلم وهو خلاف العدل الذي أمر الله به بين النساء، وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129].
وقد سبق الإشارة إلى هذا المعنى.
وعلى كل حال الكلام في الحقوق بين الرجل والمرأة كثير جدًّا، لكن على المرأة أن تطيع زوجها بالمعروف، وأن تعاشره بالمعروف، ومن عشرتها له بالمعروف القيام بشئونه، من تهيئة الدار، وما يحتاج إليه من طعام ولباس، ونحو ذلك، فيجد كل ذلك مهيأً له، فهذا من العشرة بالمعروف، وأيضاً أن تحسن إلى أهل هذا الزوج، فلا تقاطعهم أو توصل الأذى إليهم، فليس ذلك من العشرة بالمعروف، تحسن إلى أمه، إلى أبيه، أن تكون الصلة بينهم طيبة حسنة، وما شابه ذلك.
وهذا يكفي إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.