الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمما جاء في باب النفقة على العيال حديث سعد بن أبي وقاص في حديثه الطويل الذي قدمه المصنف -رحمه الله- في أول الكتاب في باب النية، وفيه:
وذلك أن سعد بن أبي وقاص كما تقدم في أول الكتاب مرض في حجة الوداع مرضاً شديداً، أشرف معه على الهلكة، فظن أنه يموت في ذلك المرض ، وقال للنبي : أُخلَّف بعد أصحابي؟، كانوا يكرهون أن يموت الرجل في أرضه التي هاجر منها، فالنبي ﷺ بما أوحاه الله إليه أخبره حينما أراد أن يتصدق بماله ونهاه عن ذلك، وأنه عسى أن يعيش، وينتفع به أقوام ويُضَر به آخرون، وهذا الذي حصل فكان قائداً في القادسية .
الشاهد أنه لما عرض على النبي ﷺ أن يتصدق بكل ماله، نهاه النبي ﷺ عن هذا، وكان مما قال له: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، بمعنى أنه وسع له مفهوم النفقة، وذلك أن ما يبتغي به الإنسان وجه الله فإنه يؤجر عليه، ولو كان ذلك في أهله وعياله، ولا يشترط أن يكون ذلك في الفقراء.
وقال له ﷺ هنا: لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، فهنا صرح بالقصد والإرادة والنية، أن تكون نيته طلب مرضاة الله ، وفي بعض الأحاديث لم يرد فيها هذا، حديث أم سلمة الذي مضى بالأمس لما سألت النبي ﷺ عن نفقتها على بنيها هل لها أجر؟ فقال: نعم، لك أجر ما أنفقتِ عليهم[2]، ما قال: إن كنتِ قد احتسبتِ، وهكذا المرأة البغيّ من بغايا بني إسرائيل حينما سقت الكلب غفر الله لها[3]، لم يذكر أنها احتسبت في هذا، وأنها أرادت به وجه الله .
وهكذا المرأة التي قسمت التمرة بين بناتها كما في حديث عائشة[4]، وقد تقدم، لم يرد فيه أنها قصدت بذلك وجه الله ، وهكذا الرجل الذي ذكرت لكم خبره بالأمس يتصبب عرقاً من العمل وكذا، قالوا: لو كان ذلك في سبيل الله، فأخبرهم أنه إن كان يقوم على أبوين فقيرين وعيال ليكفيهم الحاجة والفقر والمسألة فهو في سبيل الله[5]، أو كما قال ﷺ.
وقد جاءت بعض هذه الأحاديث مقيدة: تبتغي بها وجه الله، وبعض الأحاديث من غير قيد، ولهذا يقال -والله تعالى أعلم: إن ما أنفقه الإنسان في هذه الوجوه يؤجر عليه، ولو لم يكن بذلك نية إرادة ما عند الله ؛ لأن ظاهر هذه الأحاديث يدل على هذا المعنى، وإذا قصد به ما عند الله فهذا أكمل وأتم، وإلا فالإنسان يؤجر، ولذلك قال النبي ﷺ: وفي بضع أحدكم صدقة[6] يعني: حينما يطأ الرجل امرأته، فسألوه قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟، فقال النبي ﷺ: أرأيتم لو وضعها في حرام أما يكون عليه وزر؟ فلم يذكر إرادة وجه الله ، وهنا قال ﷺ: حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك: يعني في فمها، تؤجر عليه.
وهكذا الذي بعده وهو:
فهذا مقيد بالاحتساب.
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى (1/ 20)، رقم: (55).