الشيخ: خالد بن عثمان السبت
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته أيُّها الإخوة والأخوات:
رغب بعضُ الإخوة أن يكون الحديثُ في هذه الليلة فيما يتعلَّق بالأذكار المتَّصلة بالحجِّ من هذا الكتاب، فلا بأس أن نتحدَّث عن هذا، ثم بعد الحجِّ -إن شاء الله- نرجع إلى أول الكتاب، ويكون في ذلك من الجمع بين المناسبة في هذه العشر وموضوع الحديث الذي عُقِدَتْ من أجله هذه المجالس؛ وهو الأذكار.
وقد كنتُ أجد شيئًا من التَّردد؛ حيث إنَّ هذه العشر ربما تتطلب حديثًا في موضوعاتٍ أخرى يحتاج إليها الناسُ، ولكن مثل هذا الاقتراح لعله يجعل مسارَ الحديث متَّصلاً بهذه المناسبة.
فأسأل الله -تبارك وتعالى- لنا ولكم القبول والإعانة على ذكره وشُكره وحُسن عبادته.
أول ما أذكره هو التَّلبية: وقد ثبت ذلك في "الصحيحين" وغيرهما في تلبية النبي ﷺ: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنِّعمةَ لك والملك، لا شريكَ لك[1]، وهذه التَّلبية مُجْمَعٌ عليها عند المسلمين بالاتِّفاق أنها تلبية النبي ﷺ، وأنها تلبيةٌ تُقال في الحجِّ والعُمرة.
وقد جاء في حديث جابرٍ عند مسلمٍ في إهلال النبي ﷺ التَّصريحُ بأنَّ ذلك عند الإحرام بالحجِّ أو العُمرة، فهذا لا إشكالَ فيه.
ولكن مضت الإشارةُ في الكلام على الزيادة على الأذكار المأثورة عن النبي ﷺ: هل يُزاد عليها غيرها من الأذكار التي لم تُنقل عنه ﷺ؟ وذكرنا لذلك أمثلةً؛ منها ما يتَّصل بهذا الموضوع: بعض صيغ التَّلبية المنقولة عن بعض الصحابة ، والنبي ﷺ لم يُنكر عليهم شيئًا من ذلك، وهي تتضمن معاني صحيحة، وعبارات لائقة بجلال الله وعظمته، وأنَّه يستدلّ بذلك جمعٌ من أهل العلم الذين يقولون: لا بأس بأن يُنشئ المكلَّفُ أذكارًا لا تتضمن مخالفةً: لا في قوالبها اللَّفظية، ولا في مضامينها ومعانيها، بشرط ألا يكون ذلك مما يلتزمه المكلَّفُ ويتعبَّد به في مناسباتٍ مخصوصةٍ، فيجعل أورادًا مُركبةً لم تثبت عن النبي ﷺ في مناسباتٍ معينةٍ: إذا أراد أن يجلس قال ذكرًا يُركِّبه من عند نفسه، وإذا أراد أن يقوم قال ذكرًا يُركِّبه من عند نفسه، وإذا أراد أن ينظر إلى السَّاعة قال ذكرًا مُعينًا يُركِّبه من عند نفسه، هذا لا يُشرع، ويُدخل ذلك صاحبَه في باب البدع.
ومن أهل العلم مَن يمنع من ذلك مُطلقًا، وقد مضى الكلامُ على هذا، وابن عبدالبرِّ نقل الكراهةَ عن الإمام مالك -رحمه الله-[2]، وهو أحد قولي الشَّافعي[3]، والأكثرون لا يرون بذلك بأسًا.
وقد مضى هنا حينما يقول الملبي: "لبيك اللهم لبيك"، هذه الصيغة تدل على الإجابة: "لبيك" إجابةً لك بعد إجابةٍ، فكرر الإجابةَ مرتين، وليس المقصود بذلك بحالٍ من الأحوال أنَّه يقصد التَّثنية بعينها، وإنما العربُ تذكر ذلك وتقصد به الكثرة، فهو كما قال الله -تبارك وتعالى-: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:4]، {ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ليس المقصودُ أن ينظر مرتين، وإنما المقصود أن يُكرر ذلك مرَّات وكرَّات، فهو لن يخرج إلَّا بهذه النَّتيجة: ينقلب إليه البصر، يرجع إليه البصرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ.
إذن حينما نقول: "لبيك اللهم لبيك" فإننا نقول: إجابةً بعد إجابةٍ، مُرادٌ بذلك التَّكثير، فنحن نُجيبه -تبارك وتعالى- إجابةً مطلقةً لا نهايةَ لها، بلا تردُّدٍ، ولا توقُّفٍ، ولا تريثٍ، ولا تباطؤٍ، نُجيبه في كلِّ ما أمر، ولا نتوقَّف عنده: هل هو من قبيل الواجبات، أو من قبيل المستحبَّات؟
فإذا أمرنا فنحن عبيده، لا نملك إلا أن نُسارع بالإجابة، فحينما يقول المكلَّفُ: "لبيك اللهم لبيك"، هل يستشعر هذا المعنى، وهذا الذلّ والانقياد والعبودية والإقبال على الله -تبارك وتعالى-؟
نحن نُردد كلامًا -أيُّها الأحبة- في كثيرٍ من الأحيان، ولكننا قد لا نفهم معناه، وإن فهمنا فقد لا نستشعر مضامينه وما حواه من الدّلالات العميقة، والهدايات الكبرى، وإنما نُردده على ألسنتنا دون أن يكون له أثرٌ في واقعنا؛ ولذلك ذكرتُ لكم في بداية الكلام على هذه الأذكار أنها تتضمن معاني جليلة، لو استشعرناها لتغيرت حياتنا من أولها إلى آخرها، وهذا مثالٌ بين أيدينا الآن في التَّلبية، اجعلوه نموذجًا بهذه المناسبة في هذه العشر التي نسمع فيها الحجيجَ يضجُّون بالتَّلبية: "لبيك اللهم لبيك" منذ إحرامهم بالنُّسك، منذ إهلالهم بالنُّسك، فهذا الذي يقول: "لبيك اللهم لبيك"، كأنَّه يقول: مهما كانت الجواذبُ والدَّواعي والصَّوارف والمشاغل الدّنيوية، فإني مُبادرٌ إلى إجابة دعوتك، مُقبلٌ عليك، لا ألتفت إلى شيءٍ سواك، ولا أتشاغل بأمرٍ دون أمرك، ولا بعملٍ دون شرعِك.
فحينما قال الله لإبراهيم : وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً} على أقدامهم، {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27]، الفجُّ: النَّاحية بين الجبلين، عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ أي: مُضْمَرٍ من مركوبٍ من الإبل وغيرها من المراكب، قد أرهقه السفرُ، وأضناه طويلُ المسير، فصار ضامرًا، قد ذهب زهمُه فصار في حالٍ من الضَّآلة؛ لطول المسير، كل ذلك إجابةً لهذا النداء: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.
فهنيئًا لمن أجاب هذه الدَّعوة، هنيئًا لمن كُتِبَ وهو في صُلب أبيه أنَّه ممن يُجيب هذه الدَّعوة لله، وفي الله، خالصًا من غير التفاتٍ إلى أمرٍ آخر من المقاصد السَّيئة، فهذا الذي يقول: "لبيك اللهم لبيك"، يقول: أنا غير مُتباطئٍ، ولا مُتريثٍ، ولا مُتأخِّرٍ، ولا مُتشاغلٍ. أنا عندي أعمال، وعندي تجارة، وعندي مصالح دنيوية أُريد إنجازها، ثم هو يُسَوِّف الحجَّ سنةً بعد سنةٍ حتى يمضي العمر، فأين هذا من هذا الإهلال؟
ثم تأمَّلوا هذا الإهلالَ الذي هو من أوله إلى آخره توحيدٌ، الإهلال الذي هو شعار الحجِّ، من أول لحظةٍ يتلبَّس به الحاجُّ، كما في حديث جابرٍ : "ثم أهلَّ بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والملك، لا شريكَ لك"[4]، هذا التَّوحيد، أهلَّ بالتَّوحيد.
فالتوحيد منذ البداية هو أول الأمر، وهو مبدأه، وهو مفتاحه، والأعمال لا تصحّ إلا بالتوحيد: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، الكلم الطَّيب فُسِّر بلا إله إلا الله، وفُسِّر بغيره من الكلم الطَّيب: كالتَّسبيح، والتَّحميد، والتَّهليل، والتَّكبير.
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ على الأقوال المعروفة في الآية في عود الضَّمائر: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أي: الكلم الطَّيب يرفع العمل الصَّالح، باعتبار أنَّ الضَّمير يرجع إلى أقرب مذكورٍ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ يعني: الكلم الطَّيب يرفع العمل الصَّالح، باعتبار أنَّه لا يُرفع عملٌ إلا مع الكلم الطَّيب، "لا إله إلا الله" هي الأصل والأساس، والشَّجرة الطَّيبة والكلمة الطَّيبة تتفرَّع عنها كلُّ خصال البرِّ والتَّقوى، والخير والمعروف.
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ بعضُهم يقول: العمل الصَّالح يرفع الكلمَ الطَّيبَ؛ إذ لا ينفع القولُ بلا عملٍ، وهذا معنى صحيحٌ.
وبعضهم يقول: يرجع إلى الله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أي: الله يرفع العمل الصَّالح.
وهذه المعاني كلّها صحيحة، والحافظ ابن القيم -رحمه الله- في بعض كُتبه بيَّن هذا المعنى، وجمع هذه الأقوال[5]؛ وذلك انطلاقًا من كلمة التوحيد -الكلم الطَّيب- فهي التي تُرفع بها الأعمال الصَّالحة، وهي التي تصعد بها أعمال العباد، وإلا فلا يكون القبولُ لشيءٍ من ذلك إن خلا ذلك من التوحيد، من أول لحظةٍ أهلَّ بالتوحيد: "لبيك اللهم لبيك".
فقضية التوحيد -أيُّها الأحبة- هي قضية القضايا، وهي القضية الكبرى التي ينبغي العنايةُ بها، وأن تكون هي مُنطلق الدُّعاة إلى الله -تبارك وتعالى-، وتصحيح الإيمان والاعتقاد، ودعوة الناس إلى الإيمان والتوحيد، إلى "لا إله إلا الله"، فهي أول دعوة الرسل: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:32].
وأنس يقول في وصفه لإهلال النبي ﷺ أنَّه قال أيضًا: اللهم حجَّة لا رياءَ فيها ولا سمعة[6]، هذا النبي ﷺ أكمل الأُمَّة إخلاصًا، هذا في الإهلال الأول، ثم ينطلق بالتَّلبية.
اللهم حجَّة لا رياءَ فيها ولا سمعة فهذا تصحيحٌ للعمل منذ أول خطوةٍ، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنَّة[7]، مَن حجَّ لله فلم يرفث، ولم يفسق؛ رجع كيوم ولدته أُمُّه[8]، هذا أول ما يُطلب فيه التوحيد، فهذا الذي يُرائي بحجِّه، وهذا الذي يُريد أن يقول: أنا حججتُ كذا حجّة. أو أن يُقال له: يا حاجّ. أن يتزين بذلك عند الناس أنَّه حجَّ مع الجهة الفلانية، أو مع الحملة الفلانية، أو نحو ذلك، وأنَّه دفع في الحجِّ كذا وكذا؛ هذا كله قد يُذهب عمله: لا رياء فيها ولا سمعة، ليس هذا مجالاً لرؤية النفس، أو الالتفات إلى المخلوقين.
ففي هذا -أيها الأحبة- تربيةٌ للنفوس على الإخلاص على التوحيد، وصدق التَّوجه، وصحّة القصد والنية، والحاجُّ لا يزال يُلبي ويلهج بالتوحيد في مقامات الحجِّ إلى أن يرمي جمرةَ العقبة وهو يُلبي، وهو بذلك يُذَكِّر نفسَه بهذا الأصل الكبير؛ لئلا يختلَّ عليه العملُ، لو كان الإنسانُ الذي يُردد هذا الكلام يستشعر هذا المعنى لصحَّت عقائدُ الناس، وسلموا من أنواع الإشراك: الأكبر، والأصغر، والخفيّ، وصار التَّوجه لله وحده دون ما سواه، ينخلع الإنسانُ من نفسه أول شيءٍ، وكُنَّ استرحنا من كثيرٍ من الشرور والآفات والخلافات التي مبناها ومنشأها على مصلحة النفس، وحظِّ النفس، وحظِّ طائفةٍ معينةٍ، أو ما إلى ذلك مما يُنافي كمالَ الصدق والإخلاص.
لو كان الشِّعارُ كما يقول شيخُ الإسلام: "ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا فيَّ شيء"[9]، وابن عباس، والشَّافعي، كلهم كانوا يتمنون أنَّ هذا العلم الجمَّ الغفير الغزير أنَّ الناس تعلَّموه ولم يُنْسَب إلى واحدٍ منهم شيء، لكن نحن لا: مُكتسباتي، وجهودي، ووجودي في السَّاحة، والجماهير التي تعبتُ في تجميعها! هذا خلاف الإخلاص والتوحيد، ولو أنَّ الناس خرجوا من هذا لانتهت كثيرٌ من الاختلافات بين الأخيار والصَّالحين والدُّعاة إلى الله والمجاهدين، لكن –للأسف- كل واحدٍ ينظر إلى أنَّ الآخرين يجب أن يُذعنوا وينقادوا، ويعرفوا قدره ومنزلته، وحقَّه ومُستحقّه، ومن ثَمَّ تبقى الأُمَّةُ على هذا الحال الذي نُشاهدها عليه: لا يجتمعون حتى في الشّدة، والأعداء يُحيطون بهم من كل جانبٍ، ولا توجد نصوصٌ عند أُمَّةٍ من الأمم في جمع الكلمة كما يوجد عند هذه الأمة، ومع ذلك هي أكثر -للأسف- الناس تفرُّقًا في عصرنا هذا، وإلا فعندهم في أصولهم وأديانهم من التَّفرق ما هو أكثر مما هو عند هذه الأُمَّة، لكن أصبحنا محلَّ شماتةٍ للكفار والمنافقين، واستخفُّوا بنا، وصاروا يشمتون ويسخرون ويستخفُّون، ويركبون من الأقاويل والأكاذيب والفِرَى ما اللهُ به عليم.
فهذا كلّه -أيها الأحبة- إنما هو بسبب الدَّوران حول النفس، أو حول طائفةٍ دون الأُمَّة بأكملها، التي ينبغي أن يرتبط المسلمُ بها، وأن ينظر إلى مصالحها، وأن ينظر إلى ما يحصل به عزُّها ورفعتُها، دون التفاتٍ إلى شيءٍ آخر، هذا هو الصَّحيح، وهذا هو الطَّريق، وهذا هو الذي جاء به الرسولُ ﷺ، وكان عليه الصَّحابة.
أحيانًا تقرأ أسماء في بعض النَّواحي، كأنَّك تقرأ أسماء مدارس روضة، وأسماء كتب، ما وجدوا! ضاقت أسماء الصَّحابة، ودخلوا في أسماء كتبٍ؛ لماذا هذه المجموعات الكثيرة جدًّا، حتى وصلت إلى المئات، على أي شيءٍ؟! والله يقول: وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46]، هذا هو الذي نُشاهده الآن، وهذه البلايا والرَّزايا ما تُحلّ بالتَّغريدات بتويتر، وإنما بالتَّجرد لله -تبارك وتعالى.
فما يُردد الفردُ من الأدعية والأذكار لو كان يستشعر كلَّ ما في داخله، والأُمة بكاملها حينما تستشعر هذا؛ فإنها تكون على التوحيد الصَّحيح، وانظر إلى القبور التي يُطاف بها في مشارق الأرض ومغاربها، وانظر إلى دعاء غير الله ، وتسمع عند الكعبة بعضَ المنحرفين يدعون الحسين، أو يدعون فلانًا من دون الله ، امرأة تعثر -تسقط- ثم بعد ذلك تقول: يا فلان. تدعو غير الله -تبارك وتعالى-، ثم يستدرك زوجُها ويقول: هنا الإله الأكبر. هذا مُؤدَّاها ومعناها.
وهكذا -أيها الأحبة- رأيتُ مَن يستقبل جبلَ عرفات، ويرفع يديه، وجموعٌ تُردد: يا جبل عرفات، أودعتُك أهلي ومالي. وهم يُرددون، ثم تحاول أن تُصحح له، وأن تنصح له، وأن تُكلِّمه، وهو لا يردّ، وهذه الجموع تلهج خلفه.
فالأُمَّة إن لم تستشعر هذا التوحيد وهذه المعاني، وإلا فإنها تكون مُتمزقةً، مُتفرقةً، وتكون أُمَّةً هشَّةً، ضعيفةً، تتلاعب بها الأهواءُ وشياطينُ الإنس والجنِّ، كما نُشاهد.
على كل حالٍ، الحديث عن التَّلبية حديثٌ ذو شجونٍ، وأترك الحديثَ للَّيلة الآتية -إن شاء الله تعالى-.
وأسأل الله أن ينفعنا وإيَّاكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإيَّاكم هُداةً مُهتدين -والله أعلم-.
وصلَّى الله على نبينا محمدٍ، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب التلبية، برقم (1549)، ومسلم: كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، برقم (1184).
- ينظر: "الاستذكار" (4/ 44)، و"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (15/ 128).
- ينظر: "الاستذكار" (4/ 44)، و"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (15/ 128)، و"نيل الأوطار" (4/ 379).
- أخرجه أحمد في "مسنده" (22/ 325) برقم (14440)، وابن خزيمة في "صحيحه" (4/ 173) برقم (2626)، وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" (2/ 783) برقم (2555).
- "الأمثال في القرآن" (ص36).
- أخرجه ابن ماجه: كتاب المناسك، باب الحج على الرحل، برقم (2890)، وصححه الألباني.
- أخرجه البخاري: أبواب العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها، برقم (1773)، ومسلم: كتاب الحج، بابٌ في فضل الحجِّ والعمرة ويوم عرفة، برقم (1349).
- أخرجه البخاري: كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور، برقم (1521)، وصحيح مسلم: كتاب الحج، بابٌ في فضل الحجِّ والعمرة ويوم عرفة، برقم (1350).
- "المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/ 143).