الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب إكرام أهل بيت رسول الله ﷺ، وبيان فضلهم في هذه الليلة نورد كالعادة بعد إيراد الأحاديث التي أوردها المصنف -رحمه الله- في الباب ما جاء عن السلف من التطبيق العملي لذلك، كان العباس بن عبد المطلب إذا مر بعمر أو بعثمان وهما راكبان نزلا حتى يجاوزهما، إجلالاً لرسول الله ﷺ، احتراماً وتقديراً، وهذا عمر بن الخطاب ، لما دوّن الديوان ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما من رسول الله ﷺ، فرض لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم، ولما فاخر يزيد بن معاوية الحسن بن علي قال له أبوه -يعني: معاوية بن أبي سفيان يقول ليزيد: فاخرت الحسن؟، قال: نعم، قال: لعلك تظن أن أمك مثل أمه، أو جدك مثل جده.
وهذا هلال بن يساف يقول: سمعت الحسن يخطب ويقول: يا أهل الكوفة اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وإنا أضيافكم، ونحن أهل البيت، قال الله فيهم: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب:33] قال: فما رأيت قط باكياً أكثر من يومئذ، يعني: تأثر الناس بهذا الكلام، وجاء في بعض الروايات أن الحسن بن علي بينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر، يعني: أيام خلافة الحسن، فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه، فمرض منها أشهراً، فقعد على المنبر فقال: اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وأضيافكم الذين قال الله فينا، قال: فما رُؤي في المسجد إلا من يحن باكياً[1].
يقول الزهري: إن عمر كسا أبناء الصحابة، ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن، فأتي بكسوة لهما، وقال: الآن طابت نفسي، يعني: لم يعطهم كما أعطى سائر الناس[2].
وبينما عمرو بن العاص في ظل الكعبة إذ رأى الحسين، فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء[3].
وجاء عن أبي المهزم قال: كنا في جنازة، فأقبل أبو هريرة ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين.
ولا يبعد أن أبا هريرة في ذلك الوقت كان أميراً على المدينة؛ لأن أبا هريرة ولي إمارة المدينة، فيفعل ذلك بالحسين تعظيماً وإجلالاً وتقديراً، مع أنه أكبر من الحسين.
ودخل أبو الطفيل على معاوية فقال: ما أبقى لك الدهر مِن ثكْلك عليًّا؟، يعني: من فقدك عليًّا، ما الذي بقي لك بعد أن فقدته؟، قال: ثكْل العجوز المِقلاة والشيخ الرقوب، يعني: العجوز التي لها ولد، والشيخ الرقوب الذي لا يعيش له ولد، قال: فكيف حبك له؟ قال: حب أم موسى لموسى، وإلى الله أشكو التقصير، هذه النصوص تدل على المحبة التي كانت بين الصحابة، حتى مع ما حصل بينهم من المقتلة والخلاف، لكن ذلك لم يجعل هؤلاء الصحابة يتباغضون، ويتفرقون إلى فرق متناحرة، كما حصل لكثير ممن جاء بعدهم، وإنما اختلفوا على بعض الأمور اجتهاداً ، وكانوا أتقى الناس لله وأبر الناس قلوباً.
وهذا عمر بن الخطاب تزوج أم كلثوم بنت علي فأصدقها أربعين ألفاً؛ لمنزلتها وقدرها ومكانها من رسول الله ﷺ، فأين أولائك الذين يقولون: إنه تزوجها بضغوط على أبيها؟!.
وجاء أن معاوية كان يعطي عبد الله بن جعفر في العام ألف ألف، فلما وفد عبد الله بن جعفر على يزيد أعطاه ألفي ألف، وقال: والله لا أجمعهما لغيرك، يعني: حتى ولا من قرابته من بني أمية.
ويقول محمد: قلت لعبيدة بن عمرو: إن عندنا من شَعر رسول الله ﷺ من قِبل أنس بن مالك، فقال: لأن يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض، يعني: من الذهب والفضة، الدنانير والدراهم.
ويقول ابن الحنفية -وهو ابن علي بن أبي طالب من غير فاطمة: دخل عمر وأنا عند أختي أم كلثوم، فمضى وقال: ألطفيه بالحلوى. يعني: أكرميه وأعطيه وتلطفي به.
وكان أبو غسان النهدي من قضاعة سكن الكوفة فلما قتل الحسين تحوّل إلى البصرة، وقال: لا أسكن بلداً قتل فيه ابن بنت رسول الله ﷺ.
وجاء عن أبي العالية قال: ما تركتُ من مال، أبو العالية هذا كان مولى يعني: ما له ورثة، ومواليه ما كانوا يرثونه؛ لأنه أُلقي في المسجد، يقول: ما تركتُ من مال فثلثه في سبيل الله، وثلثه في أهل بيت النبي ﷺ، وثلثه في الفقراء، قلت: فأين مواليك؟، قال: السائبة يضع نفسه حيث يشاء؛ لأن مولاته سيّبته في المسجد.
وكان لعلي بن الحسين جلالة عجيبة، وحُق له كما يقول الذهبي -رحمه الله- ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده، وعلمه وتألهه، وكمال عقله.
قد اشتهرت قصيدة الفرزدق أن هشام بن عبد الملك حج في ولايته الخلافة، فكان إذا أراد أن يستلم الحجر زوحم عليه، وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر تفرق الناس إجلالاً له، فوجم لها هشام وقال: من هذا؟، فما عُرّف، ما أحد أجابه، فقال الفرزدق:
هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأتَهُ | والبيتُ يعرفه والحلُّ والحرمُ |
هذا ابنُ خيرِ عبادِ الله كلِّهِمُ | هذا التقيُّ النقيُّ الطاهرُ العلمُ |
إذا رأته قريشٌ قال قائلها | إلى مكارمِ هذا ينتهي الكرمُ |
يكاد يُمْسكه عِرفانَ راحتِه | ركنُ الحطيم إذا ما جاء يستلمُ |
يُغضِي حياءً ويُغضَى من مهابته | فما يُكلَّم إلا حين يبتسمُ |
هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهلَه | بجدِّه أنبياءُ الله قد ختموا[4]. |
وهي قصيدة طويلة، فأمر هشام بحبس الفرزدق، فحبس بعسفان، وبعث إليه علي بن الحسين باثني عشر ألف درهم، فردها وقال: ما فعلت ذلك إلا لله، يعني: أنا قلت هذه الأبيات حسبة وطلباً لما عند الله .
على كل حال بقيت أشياء وآثار عن السلف في هذه المعاني.
وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
- سير أعلام النبلاء ط الحديث (4/ 341).
- تاريخ دمشق لابن عساكر (14/ 177).
- الطبقات الكبرى (1/ 395).
- المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء (ص: 222).