السبت 14 / جمادى الأولى / 1446 - 16 / نوفمبر 2024
حديث «إن الله قد أحبك..» ، «لا يحبهم إلا مؤمن..»
تاريخ النشر: ٠١ / رجب / ١٤٢٨
التحميل: 1428
مرات الإستماع: 2523

إن الله قد أحبك كما أحببته فيه

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب فضل الحب في الله والحث عليه أورد المصنف -رحمه الله-:

حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: إن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مَدْرَجته ملَكاً وذكر الحديث إلى قوله: إن الله قد أحبك كما أحببته فيه[1]، رواه مسلم، وقد سبق بالباب الذي قبله.

هذا الرجل ذهب إلى أخ له في قرية أخرى يزوره، فأرصد الله على مَدْرجته - أي على طريقه- ملكاً، لربما تمثل له بصورة رجل، فسأله عن قصده وحاجته، فذكر أنه يريد هذا الأخ، فسأله عن علاقته به وهل له حاجة يربُّها عنده، فذكر أنه يحبه في الله، فقال: إن الله قد أحبك كما أحببته فيه.

فهذا الحديث نص صريح في فضل الحب في الله، وأن الحب في الله -تبارك وتعالى- سبب من أسباب تحصيل محبة الله للعبد، فالله -تبارك وتعالى، يحب المؤمنين، وذكر الله جملة من الأعمال التي يحبها ويحب أهلها، ومن ذلك: أن الله يحب المتحابين فيه، فمن أراد أن يحبه الله فعليه أن يحقق هذا الوصف، أن يحب المرء لا يحبه إلا لله.

لا يحبهم إلا مؤمن

وأورد المصنف -رحمه الله- أيضاً- بعد ذلك:

حديث البراء بن عازب عن النبي ﷺ أنه قال في الأنصار: لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله[1].

فهذا فيه منقبة عظيمة للأنصار ، وهؤلاء الأنصار الله أحبهم؛ لأنهم الذين ناصروا نبيه ﷺ، كما قال ﷺ بعد فتح مكة، لما عتب عليه بعضهم -أعني بعض الأنصار- قال: ألم أجدكم ضُلالاً فهداكم الله بي؟، وعالة فأغناكم الله بي؟ إلى آخر ما قال، ثم قال ﷺ مخاطباً لهم: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟، فقالوا: لله ولرسوله ﷺ المن والفضل، فقال: أما إنكم لو شئتم لقلتم ولصَدَقتم ولصُدِّقتم: ألم تأتنا شريداً أو طريداً فآويناك؟، ومكذَّباً فصدقناك؟[2] إلى آخر ما ذكر النبي ﷺ، وهم يقولون: لله ورسوله ﷺ المن والفضل.

فهؤلاء الذين تصدوا لعداوة العالم في سبيل أنهم آووا رسول الله ﷺ ومن معه حصل لهم هذه المنزلة العظيمة، فصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق؛ لأن المنافق يكره الدين، ويكره نصرة الدين، ويكره أنصاره من الناس، والمؤمن يحب الله ، ويحب من أحبه الله، فصار حب الأنصار من الإيمان كما بوب لذلك الإمام البخاري -رحمه الله- في صحيحه، فالإيمان -أيها الأحبة- كما أنه تصديق وإقرار وانقياد في القلب كذلك هو أيضاً قول باللسان، كذلك هو أيضاً عمل بالجوارح، فالصلاة إيمان، كما قال الله : وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: 143]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، وهكذا أيضاً حب الأنصار من الإيمان، والحب في الله والبغض في الله كل ذلك من الإيمان، وهذا من "لا إله إلا الله"؛ لأن معنى كلمة "لا إله" هذا نفي، فهو نفي لكل ما يبغضه الله من الأعمال والأقوال والذوات، فهو نفي للإشراك ونفي لكل ذنب ومعصية ومكروه وبدعة وضلالة، وهو نفي أيضاً للذوات، أولئك الذين يعبدون غيره ويعصونه، ويحادّونه، ولا يقفون عند حدوده، "لا إله إلا الله"، و"إلا الله" إثبات، وذلك يقتضي محبة الله، والإيمان به، ومحبة رسوله ﷺ، ومحبة أهل الإيمان، كل هذا داخل في معنى "لا إله إلا الله"، ولذلك كان الولاء والبراء من "لا إله إلا الله"، فهو داخل فيها، ومن حققه فإن تحقيقه من تحقيق هذه الكلمة العظيمة التي هي مفتاح الجنة.

هذا، وأسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.

  1. أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب حب الأنصار (5/ 32)، رقم: (3783)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصارِ وعليٍّ من الإيمان وعلاماته، وبغضهم من علامات النفاق، (1/ 85)، رقم: (75).
  2. أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الطائف (5/ 157)، رقم: (4330)، ومسلم، كتاب الكسوف، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبّر من قوي إيمانه (2/ 738)، رقم: (1061).

مواد ذات صلة