- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ...}
- قوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ...}
- من عادى لي وليًّا
- لئن كنتَ أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربك
- من صلى صلاة الصبح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلما ذكر المؤلف -رحمه الله- محبة الله والأسباب الجالبة إليها، وأورد ما يتعلق بمحبة الصالحين أورد بعد ذلك باباً له اتصال بما قبله، وهو باب التحذير من إيذاء الصالحين والضعفة والمساكين.
قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب:58]، أي: بغير حق، بغير سبب اقتضى هذه الأذية كإقامة الحد مثلاً، أو التعزيرات، أو القصاص، أو ما أشبه ذلك، فإن هذا لا شك أنه مبرر، ولا يدخل في هذه الآية، وإنما يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا من غير جرم، من غير سبب يعذرون فيه بهذه الأذية، ليس ذلك على سبيل المقاصّة بالمثل كالانتصار، انتصار الإنسان ممن ظلمه بمثل مظلمته، أو نحو هذا، فهؤلاء متوعدون بقوله تعالى: فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا، فهؤلاء يتحملون الوزر، وعلى كل حال هذا القيد بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا مبين للواقع، وذلك بأن أذية المؤمنين تارة تكون بحق، وتارة تكون بغير حق، بخلاف أذية الله وأذية رسوله ﷺ، ولهذا فرق الله بينهما، قال: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ [الأحزاب:57]، ولم يقل: بغير حق؛ لأن أذية الله وأذية الرسول ﷺ لا يمكن أن تكون بحق.
وقال تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى:9-10]، وقهر اليتيم: دفعه عن حقه، أو الإغلاظ عليه بالقول، وأن يُزجر، فإنه يكفيه ما يعانيه من كسرة القلب، وما يجده في نفسه من الضعف والعجز عن الأخذ بحقه، ورد المظلمة، فمثل هذا يحتاج إلى الحنو والرحمة والقول الطيب، والكلام الحسن، فهو لا يحتاج إلى قهر، يكفيه ما يعانيه، ونحن قد لا نشعر بمشاعر اليتيم، الطفل الصغير إذا تأخر أبوه فإنه يجد مشاعر غريبة لا يمكن أن توصف في نفسه، فكيف لو حل بأبيه شيء من المكروه؟ كيف لو مات أبوه؟ لا تتصور مشاعر هذا الطفل وهو يرى الصغار يذهبون ويطوفون ويلعبون، ثم بعد ذلك كل واحد منهم يأوي إلى حجر أبيه، وهذا الصغير ليس له أحد يأوي إليه.
لا تتصور مشاعر هذا الطفل وهو يرى الصغار يذهبون ويطوفون ويلعبون، ثم بعد ذلك كل واحد منهم يأوي إلى حجر أبيه، وهذا الصغير ليس له أحد يأوي إليه، لا تتصور حال هذا الطفل الصغير حينما يكرم الأطفال في المدرسة، أو يحضر الآباء في مجلس الآباء، وكل واحد يأتي لأبيه بشهادته أو بالجائزة أو بنحو ذلك، وهذا الطفل الصغير يتلفت، وتخنقه العبرة، ويملأ عينه الذل والمسكنة والشعور بالضعة والهوان، فهو كسير الجناح، لا يحتاج إلى زيادةٍ على ما هو عليه، وهذا الدين دين الرحمة ومراعاة المشاعر -مشاعر الآخرين.
فاليتيم من الضعفة في المجتمع، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ؛ لأن الله قال له قبل ذلك: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [الضحى:6]، آواك، وبالمقابل فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، قال: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى [الضحى:6-7]، ضالًّا بمعنى أن النبي ﷺ كما قال الله : مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ [الشورى:52]، فهو لا سبيل له إلى النبوة والوحي، ولكن الله هداه إلى ذلك كله، فقال هنا: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى:10]، السائل هنا يدخل فيه السائل بنوعيه، فهي تشمل أقوال المفسرين، السائل الذي يسأل عن مسائل العلم، إنسان يريد أن يسأل، فبعض الناس لا يحسن أن يسأل أو لا يحسن أن يتصل، يتصل في أوقات ليست هي مناسبة للاتصال، أو يلح، أو يؤدي السؤال بطريقة لا تليق أبداً، أن يستحلف مثلاً المسئول -المفتي، يقول له: أسألك بالله أن تخبرني عن ما تعتقد في هذه القضية، وهل سيخبرك عن شيء يغشك فيه؟!، لكن الإنسان أسوته في هذا داود ، والنبي ﷺ، فالله أخبرنا عن الخصم الذين تسوروا المحراب، إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ أي: تسوروا عليه مكانه الذي يخلو به، ولم يدخلوا من الباب، ولا استأذنوا، فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ [ص:22]، ومع أنه نبيوملك إلا أنه يحتاج إلى هذا التوجيه،وهذا سوء أدب مع نبي من أنبياء الله، وهو ملك في نفس الوقت، وجرأة عليه، فالمقصود أن السائل أحياناً قد يُخرج المسئول عن طوره فيغضب، لكن مهما كان فإنه لا يصح أن يطرق السماعة وهذا يكلمه.
وكذلك السائل، سائل العطاء الفقير، يمكن أن يقال له: الله يعطيك، الله يرزقك، الله كذا، أما أن يرفع الصوت عليه فهذا لا يجوز أبداً، حتى لو ظن أو افترض أن هذا الإنسان يتصنع أو أنه ليس بفقير حقيقة، هو سائل، فيمكن أن يُبيَّن له أو يُكف، أو نحو ذلك بأسلوب لبق، بدون رفع صوت، وبعض الناس إذا رأى أحداً يسأل في المسجد رفع صوته عليه وزجره أمام الناس، وتكلم عليه، ولربما دفعه دفعاً، فهذا لا يجوز، يكفيه ذل المسألة، نعم هو ليس له أن يقف أمام الناس يخطب ويشغلهم عن الأذكار، لكن ليس بالزجر، تقول له: بارك الله فيك اجلس في آخر المسجد والناس يعطونك، المساجد ما بنيت لهذا، لكن من غير زجر.
فالمقصود هنا قال: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى:10]، والنهر: هو الإغلاظ في القول، بمعنى الزجر والإغلاظ، نهره: بمعنى شد عليه صوته ورفعه، واحتد في مكالمته.
قال: وأما الأحاديث فكثيرة منها حديث أبي هريرة في الباب قبل هذا من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب[1].
وهذا سبق الكلام عليه، قد يكون هذا وليًّا من أولياء الله، فيكون ذلك سبباً لإيذان الله هذا الإنسان بالحرب.
ومنها حديث سعد بن أبي وقاص السابق في باب ملاطفة اليتيم، وقوله ﷺ: يا أبا بكر لئن كنتَ أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربك[2]، وذلك أن الضعفة: بلالا، وصهيبًا، وعمار بن ياسر كانوا جلوساً فمر أبو سفيان بعدما أسلم، فقالوا: لم تأخذ سيوف الله من عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر : تقولون هذا لزعيم قريش، أو نحوها، يعني: هؤلاء أعبُد، أرقّاء، معتقون، ويقولون هذا عن الرجل الأول في قريش، زعيم قريش، فأبو بكر قال هذه الكلمة، فرجع وأخبر النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: يا أبا بكر لئن كنتَ أغضبتَهم، لقد أغضبتَ ربك صهيب وعمار وبلال، فذهب إليهم واعتذر إليهم، وسألهم: هل أغضبتكم؟ فقالوا: لا يا أخي، غفر الله لك.
وأيضاً ذكر حديث:
في ذمة الله أي: في أمان الله وضمانه، وهذا مقيد في الرواية في صحيح مسلم: من صلى الصبح في جماعة وليس في البيت، من صلى صلاة الصبح في جماعة فهو في ذمة الله[2] في أمانه وضمانه، قال: فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، بمعنى: أن من أخفر هذه الذمة، من اعتدى عليه، من ظلمه، من أساء إليه فمن الطالب بهذا الحق وبهذه الذمة؟.
الجواب: هو الله ، فمن كان طالبه الله -تبارك وتعالى- فإنه مدركه لا محالة، فالإنسان يتوقى ويحذر من ظلم عباد الله، ومن التعدي على أعراضهم بالغيبة، أو على أموالهم بأخذها بغير حق، أو ظلم العمال المساكين، يأتي الشهر والشهر والشهر وما أعطاهم حقوقهم.
قال: فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه: أي: يلقيه على وجهه في نار جهنم، رواه مسلم.
فهذه أحاديث هذا الباب، وهو باب كما ترون قصير.
وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، (1/ 454)، رقم: (657).
- لم أجده بهذا اللفظ.