الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي باب الخوف أورد المصنف -رحمه الله-:
قوله:جمرتان يغلي منهما دماغه، وهذا يدل على شدة حر النار وعذابها، وأن ذلك لا يمكن أن يتصوره الإنسان أو يتخيله، فهو شيء يفوق الوصف -أعاذنا الله وإياكم وإخواننا المسلمين منها، جمرتان يغلي منهما دماغه، نسأل الله العافية، هذا أخف أهل النار، فكيف بأشد أهل النار عذاباً يوم القيامة؟، كيف يكون حاله وما يقاسيه من ألوان العذاب والحميم؟، فهذه أمور يحتاج الإنسان أن يتأملها، ويقف عندها ويعظ نفسه بمثل هذه النصوص الثابتة الصحيحة، يقول: ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً، هو يرى أنه أشد أهل النار عذاباً مع أنه يطأ على جمرتين، فكيف بالذين يطوفون في حميم وفي ألوان السعير، ويشربون من صديد أهل النار ومن الحمأ، ويأكلون الزقوم، ويقاسون ألوان العذاب والإحراق؟!.
والحديث الآخر هو:
منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، والكعبان معروفان وهما عظمان ناتئان في أسفل بين الساق وبين القدم، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حُجزَته، والحُجزة المقصود بها معقد الإزار، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته، والمقصود بالترقوة هي هذا العظم، الإنسان له ترقوتان، هذا يقال له: ترقوة وهذا يقال له: ترقوة، تأخذه إلى تَرقُوته، يعني إلى هذا الموضع -نسأل الله العافية، رواه مسلم.
ومنهم من تغمره النار وتأكله جميعاً، والناس يتفاوتون، فالنار دركات كما أن الجنة درجات، والنار التي تكون للكافرين أسفلُها وأعظمها حراً وأشدها إحراقاً هي النار التي تكون للمنافقين، يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُود وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ[الحـج:19-21]، يضربون بمقامع من الحديد ضربًا بصورة دائمة مستمرة، الإنسان لو ضرب بهذه المقامع التي من حديد مرة واحدة لربما يموت وينتهي كل شيء، ولكنه هناك يضرب دائماً ويصب عليه هذا الحميم دائماً، ومع ذلك هو لا يموت، وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]، وهذا الكفر قد يقع الإنسان فيه بكلمة، كلمة كما سبق في الحديث الذي مضى معنا إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب[1]،أي: القدر، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، والإنسان قد يدخل النار بكلمة واحدة، والنبي ﷺ أخبر أنه دخلت امرأة النار في هرة حبستها[2]، في هرة، بسبب هرة، فالأمر ليس بالسهل، والله قد أهبط آدم وأخرجه من الجنة بسبب أكلة، وحكم بقطع يد السارق في ربع دينار، فالذي قال عن نفسه -تبارك وتعالى: إنه غفور رحيم، كما في قوله: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49]، أخبر أيضاً أنه شديد العقاب، شديد العذاب، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ [الحجر:50]، فالإنسان ينبغي أن يكون أحرص ما يكون على سلامته وعافيته من هذه النار، وأن تكون عاقبته حميدة، وأن لا يكون أحد أحرص منه على مستقبله الحقيقي الذي ينعم فيه أبداً، أو يعذب فيه أبداً، هذه الحياة مهما أعطي الإنسان من نعيمها وروحها ولذاتها وسرورها وقصورها وكنوزها إنما هي حياة يسيرة، كم يعيش؟ ستين أو سبعين سنة، ثم بعد ذلك في حفيرة يستوي فيها الغني والفقير، يخرج بخرقة، لا يخرج بشيء من المال، ولا المراكب ولا الرياش ولا الطعام، فتلك الحياة هي التي تحتاج إلى عمل، تحتاج إلى توبة دائماً، ورجوع إلى الله ، ومحاسبة للنفوس، وإقبال بالأعمال، وهذه النفوس تحتاج إلى كثير من المجاهدات من أجل حملها على طاعة الله ، وإلا لصار جميع الناس -لو لم نحتج إلى المجاهدة- على الدرجة الكاملة من التقوى، ولكنهم يتفاوتون غاية التفاوت لتفاوتهم في المجاهدة، وصبر النفس على طاعة الله ، وبذلك يتفاوتون في الآخرة، فينبغي على الإنسان أن ينظر كيف يكون سيره على الصراط في هذه الحياة الدنيا، ليعرف كيف سيكون سيره على الصراط المنصوب على متن جهنم.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (4/ 111)، رقم: (3208)، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته (4/ 2036)، رقم: (2643).
- أخرجه البخاري، كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء (3/ 112)، رقم: (2365).