الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ونضلة بن عبيد قيل: إن اسمه نضلة بن دينار، وقيل: عبد الله، وقيل غير ذلك، وقد شهد مع النبي ﷺ فتح مكة، ثم بعد ذلك انتقل إلى البصرة وتوفي بها، وروى عن النبي ﷺ ستة وأربعين حديثاً، اتفق الشيخان على اثنين، وانفرد البخاري باثنين، وانفرد مسلم بأربعة.
يقول: قال رسول الله ﷺ: لا تزول قدما عبد يوم القيامة[1]، يعني لا تزول من موقف الحساب، وهذا ظاهره العموم أن كل أحد لا يجاوز موقف الحساب حتى يسأل عن هذه الأمور الأربع، ومن أهل العلم من يقول: إنه يستثنى من ذلك من جاء في النصوص الأخرى أنه لا يحاسب، فالسبعون ألفًا الذين يدخلون الجنة من غير حساب ولا عذاب لا يدخلون في هذا العموم، قال: حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وجاء في بعض الأحاديث عن شبابه فيم أبلاه[2]، فالإنسان يحاسب على العمر، والعمر مدة زمنية يعيشها الإنسان، وهي مكونة من هذه الأنفاس والساعات والأيام والشهور، يحاسب الإنسان كيف قضاها، بماذا قضى هذه الساعات، وبماذا قضى هذه الأيام؟، هل قضاها في طاعة الله، أو قضاها في معصيته، أو ضيع الزمان من غير طائل بالنوم والفضول من الخلطة والتنزه والمباحات، إلى غير ذلك، حتى تصرّم عمره دون أن ينتفع به أو أن يخرج بشيء ينفعه عند الله -تبارك وتعالى-؟، فالإنسان يسأل عن هذا عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيهأي: يسأل ماذا عمل بهذا العلم، أنت تعلم أن الصلاة واجبة مع الجماعة في المسجد هل تحضر وتحافظ على هذه الصلاة؟، تعلم أنه لا يجوز للإنسان أن ينظر إلى ما حرم الله ، لا ينظر إلى النساء مباشرة في الطرقات والأسواق، ولا ينظر عن طريق الشاشات، هل التزمت هذا ووقفت عند حدود الله ؟ هو يعلم -ومن الذي لا يعلم- أن الغيبة حرام ثم هو يغتاب، وهو يعلم أن الله -تبارك وتعالى- حرم عليه كل قبيح، وكل فعل مرذول كشرب المسكرات، والفواحش ما ظهر منها وما بطن، إلى غير هذا، ماذا عمل بهذه الأشياء التي عرفها وعلمها؟، ماذا فعل في هذا العلم؟ فهذا لا يختص بالعلماء أو بطلبة العلم ماذا عمل بعلمه؟ فمن الذي ليس عنده علم بشيء مما شرعه الله ؟.
قوله: وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، هل اكتسبه من طريق مباح أو من طريق شبهات؟ أو أن القاعدة عنده: أن الحلال ما حل باليد، من أين اكتسبه وفيم أنفقه، ماذا فعل بهذه الأموال؟ هل سخرها في معصية؟ هل أضاع هذه الأموال بالإسراف والمباهاة والتبذير، أو وضعها في أمور من التوافه والسفه الذي لا يرضاه الله ؟، والله يقول: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5]، فضيع المال، ووضعه بأيدي من يضيعونه من النساء والصبيان، فكان متلافاً لهذه الأموال التي ابتلاه الله بها.
قوله: وعن جسمه فيم أبلاه، هذا البدن هل قارف شيئاً يعود عليه بالعطب بالكلية؟ قتل نفسه إما مباشرة أو بتعاطي ما يؤدي بها إلى الفوت والهلاك، كالذي يشرب مثلاً هذا الدخان -أعزكم الله، ثم بعد ذلك يصاب بالأمراض التي تهلكه، بالسرطان ونحو هذا، -أعاذنا الله وإياكم من كل شر، وهكذا أيضاً هذا الإنسان الذي يتصرف ببدنه كأنه يملكه مع أنه ملك لله ، الذين يبيعون مثلاً أعضاءهم، يبيع كليته، يبيع أشياء من جسده، فمثل هذا يسأله الله عن ذلك، هذا الجسم بعافيته وصحته، هل استغله بطاعة الله والسعي في مرضاته؟، هل حج بيت الله وقد أصح جسمه؟، هل ذهب إلى محاب الله ومرضاته من حضور الجمع والجماعات، وما أشبه ذلك، أو أنه استغل هذه العافية وهذا الجسم في المعاصي والفواحش، وأذية الناس، وإلحاق الضرر بهم، والتعالي عليهم في الأرض؟، كل هذه الأشياء الله سيسأل الإنسان عنها، الإنسان قد يبتلى ببدن صحيح ممتد القامة يعجب من نظر إليه، ولكنه قد يُفتن بذلك فيكون ذلك سبباً لمزيد من العجب واحتقار الآخرين، والتعدي عليهم، وما أشبه ذلك، فهذه كلها سيسأل الإنسان عنها، ولا يختص الأمر بذلك، أي: حينما يقال: وعن جسمه فيم أبلاه فإنه يشمل العين والأذن واليد والرجل وسائر الأعضاء، والأبعاض، هذه الأشياء كيف تصرف بها؟، كيف عمل بها؟، هل شكر الله على هذه النعم، أو أنه استغل سمعه ليصبح ويمسي على أصوات المعازف، ومجالسه يسمع فيها ما حرمه الله ، وهكذا أيضاً يستغل نظره فيما حرم الله، يستغل يده فيما حرم الله؟، كل ذلك الله سيسأله عنه، وعن جميع الأبعاض، والأعضاء، وقل ذلك أيضاً فيما يتعلق بالمال، لا يختص ذلك بالنقود التي يُعطاها الإنسان، السيارة من المال ماذا عمل بها، هل هذه السيارة يذهب بها إلى أماكن لا يرضاها الله ؟، هذا المسكن، هذه الاستراحة هي من المال، استغلها في المعصية، أو في طاعة الله ؟، وقل مثل ذلك فيما يتصل بشبابه، أو في علمه حتى العلوم الدنيوية، فلو أنه استغل هذا العلم الذي تعلمه في أمور تضره أو تضر الناس وتضر المجتمع، واتخذ ذلك وسيلة إلى الحيل مثلاً لأخذ أموالهم، أو الإيقاع بهم أو نحو هذا، فكل ذلك سيسأله الله -تبارك وتعالى- عنه، والله المستعان.
وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
- أخرجه الترمذي، باب في القيامة (4/ 612)، رقم: (2416)، وقال الألباني: صحيح لشواهده، المشكاة، رقم: (5197).
- أخرجه البزار (4/ 266)، رقم: (1435)، والطبراني في الأوسط، (5/ 74)، رقم: (4710)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم: (946).