الإثنين 16 / جمادى الأولى / 1446 - 18 / نوفمبر 2024
حديث «مثل الصلوات الخمس كمثل نهر..»
تاريخ النشر: ٢٣ / ذو القعدة / ١٤٢٨
التحميل: 1341
مرات الإستماع: 3201

مثل الصلوات الخمس

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففي باب الرجاء أورد المصنف -رحمه الله:

حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: مثل الصلوات الخمس كمثل نهرٍ جارٍ غمْرٍ على باب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات[1]رواه مسلم.

علاقة هذا الحديث بباب الرجاء ظاهرة، وهو: أن هذه الصلوات الخمس تكون سببًا لحط الأوزار، والخطايا، والذنوب، تغسلها غسلاً، كما تُغسل الأدران في ذلك النهر الذي ذكر النبي ﷺ صفته، فكما تذهب معه الأدناس الحسية، والأقذار، فكذلك أيضاً تذهب الأوضار المعنوية، والذنوب، بهذه الصلوات الخمس.

وقوله ﷺ: كمثل نهر جارٍ غمْرٍ على باب أحدكم، ذكر فيه ثلاثة أوصاف:

الأول: أنه جارٍ، والماء الجاري كما يقول الفقهاء: يدفع خبثه، أو ما يُلقَى فيه من الخبث، فهو متجدد؛ ولذلك تجدون المياه الراكدة يسرع إليها التغير، ولو لم يقع فيها شيء، فالماء يأسَن، ولربما كان محلا للوباء، إذا كان مستقرًّا راكدًا لا يتحرك، أما الماء الذي يتحرك فهو يتجدد.

والثاني: قال أيضاً: غمْر، والغمر أي: أنه ينغمر فيه من دخل فيه، يعني: ليس ماؤه بقليل، ليس بضحل، والأنهار كما هو معلوم، منها: ما يكون ضحلاً، وهذا الذي يكون ضحلًا يكون سببًا للاعتلال في كثير من الأحيان، حتى إنك أحيانًا تجد ماء النهر إذا كان ضحلاً كأنه نقاعة الحناء، بحسب الأرض التي يكون فيها، يعني: كله أطيان، ويحمل الأقذار، والأتربة، والشوائب، فهو مجمع لها، إذا كان ضحلاً، ولا يكاد ينتفع به إلا في سقي الزرع، لكن الإنسان لا يستطيع أن يغتسل منه، ولا يشرب منه، بل إن ذلك يلوثه، أما الماء الغمر فهو الكثير الذي يغمر من دخل فيه، فمثل هذا يحصل به التنظيف، والتطهير، وهذا من بلاغته وفصاحته ﷺ، ومعرفته ﷺ بالأمور، مع أن المدينة لم يكن بها أنهار، بل إن جزيرة العرب ليس فيها أنهار.

والصفة الثالثة: على باب أحدكم، فهو لا يحتاج إلى كلفة، فالشيء البعيد لربما إذا ذهب الإنسان إليه فإن ذلك يكون فيه نوع عناء من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لربما لبعده ما أن يرجع حتى يحتاج إلى أن يغتسل مرة أخرى؛ لما علق به، وما أصابه، وذلك أن الإنسان يجهد، ويعرق، وتلاحظون أن الإنسان إذا مشى الآن من أجل رياضة، أو صحة بدنه، أو نحو ذلك، إذا جرى قليلاً، أو مشى قليلاً، ورجع، احتاج إلى أن يغتسل.

فالشاهد هنا: على باب أحدكم، بحيث إنه ليس فيه كلفة، وليس فيه تعب، وهكذا هذه الصلوات الخمس، أمر يسير يحصل به هذا التطهير، والموفق من وفقه الله ، فالنبي ﷺ قال: يغتسل منه كل يوم خمس مرات، وفي بعض الروايات: هل يبقى من درنه شيء؟[2]، هل يبقى من القذر، والوسخ شيء؟ فالجواب: لا، الإنسان الذي يغتسل في كل يوم مرة يكون نظيفًا، فكيف بمن يتوضأ، أو يغتسل في اليوم خمس مرات، فهذه طهارة حسية، وطهارة معنوية، طهارة حسية للبدن، وطهارة معنوية للنفس من الذنوب، والآصار، والآثام.

وقد ذكر لي بعض الإخوان قديمًا، قبل نحو عشرين سنة، من الأطباء الذين كانوا يتدربون في الطب، كان عندهم أستاذ من بعض البلاد الغربية، وكان يشرف عليهم في بعض التجارب، وكان من ضمن هذه التجارب عندهم، مثل المَسحة، أو نحو ذلك، يظهر فيها ما يوجد في جسم الإنسان من الجراثيم، ونحو ذلك، ففعل هو أمامهم، يقولون: غابة، لما قال بيديه هكذا، غابة من الجراثيم، يقول: فأعطانا، فمسحنا أيدينا، فما ظهر شيء يُذكر، فغضب، وقال: أنتم ما تفهمون، هذه قضية سهلة، ولم ندخل الآن في التجارب الأخرى، وهذه لا يعجز عنها أحد، ويمكن الطفل أن يفعلها، وأنتم لم تفعلوها بطريقة صحيحة، وغضب، وجلس يتكلم عليهم، فقالوا له: ماذا تريد؟ قال: نعيد التجربة مرة أخرى، وأعطاهم من هذه الأشياء والمادة، أو الأوراق التي يظهر فيها نتيجة هذا الاختبار، يقول: فمسحنا أيدينا من ظاهرها، وباطنها، ومسحنا لحانا أمامه، وقلنا: انظر، ومسحنا وجوهنا، ثم كانت التجربة هي نفس التجربة، فتعجب، وقال: هل أنتم تعقمون وجوهكم، أم ماذا تصنعون؟ قلنا: لا، نحن نتوضأ باليوم خمس مرات، يقولون: يديه كانت غابة من الجراثيم، فهؤلاء ناس لا يتنظفون، وهذا معلوم، وبالذات النصارى، فمعلوم أنهم لا يتنزهون من النجاسات، ففي مؤتمر أقيم في الإمارات قبل أسابيع عن المياه، وذُكرت نتائج هذا المؤتمر، قالوا: إن منطقة الخليج استهلاك الماء فيها، أظن قالوا: نسبة الشخص الواحد: (1 – 8) بالنسبة للأمريكيين، يعني: نحن نستهلك ثمانية أضعاف تقريبًا بالنسبة إليهم، طبعًا ذُكرت على أن هذه قضية وظاهرة غير جيدة، لكن لو كنتُ موجودًا؛ لأعطيتهم الجواب، نحن نتوضأ باليوم خمس مرات، وهو يغسل وجهه في اليوم مرة واحدة في الصباح، ولا يستنزه من بوله، ولا حتى يستجمر  -أعزكم الله، وإذا قضى الحاجة فإنما يمسح بمسحة، ولا يستعمل الماء، وتعج بهم الجراثيم، والآفات، والقذر، والنجاسات، ولا يتنزهون منها، ولا يتطهرون من الحيض، ولا من الجنابة، ما يغتسلون، وأما المسلم فإنه يغتسل من الجنابة، ويجب عليه أن يغتسل كل أسبوع يوم الجمعة، والمرأة تغتسل من الحيض، ومن النفاس، ويتوضأ خمس مرات، فطبيعي أن تكون النسبة: (1-7 أو 1-8)، وأمر معقول جدًّا لأمة طاهرة نظيفة، وأمة أخرى نجسة قذرة.

فأقول: هذه الطهارة وهذه الصلاة -أيها الأحبة- هي طهارة للنفس، وطهارة معنوية؛ ولذلك انظر أثر الصلاة على الإنسان، الآن حينما صليت: ما هو أثر هذه الصلاة عليك؟ هل نفسك الآن مثل نفسك قبلما تدخل المسجد؟ الجواب: لا، أبدًا، فالصلاة هذه يحصل فيها سكينة، وراحة، وطمأنينة للنفس، وتتهذب، ولو لم يشعر الإنسان بذلك شعورًا مباشرًا، لكن لو جلس ينظر، ويقارن بين إنسان ذهب صلى وإنسان ما ذهب صلى، يجد الفرق ظاهرًا.

وعلى كل حال، النبي ﷺ أيضاً أخبر أن: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر[3]، وهكذا، فكل ذلك يطهر الإنسان، بل في الحديث الآخر قال: تحترقون تحترقون[4]، ثم ذكر حضور كل صلاة، وما يحصل فيها من إطفاء هذا الاحتراق الذي يكون بالذنوب والمعاصي، ثم يقول: تحترقون تحترقون، ثم تأتي وقت الصلاة الأخرى، فإذا توضأ الإنسان وصلى ذهب عنه أثر ذلك، وهكذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه.

  1. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات، رقم: (668).
  2. أخرجه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، وترفع به الدرجات، رقم: (667).
  3. أخرجه مسلم، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، رقم: (233).
  4. أخرجه الطبراني في المعجم الصغير: (1/ 91)، رقم: (121)، والمعجم الأوسط: (2/ 358)، رقم: (2224)، والمعجم الكبير: (9/ 148)، رقم: (8739)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (1/ 265)، رقم: (357).

مواد ذات صلة