الإثنين 16 / جمادى الأولى / 1446 - 18 / نوفمبر 2024
حديث «إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا..» ، «ما ذئبان جائعان..»
تاريخ النشر: ٣٠ / ربيع الأوّل / ١٤٢٩
التحميل: 2090
مرات الإستماع: 10680

فأعد للفقر تجفافا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما أورده المصنف -رحمه الله- في باب الزهد ما جاء:

عن عبد الله بن مغفلٍ قال: قال رجلٌ للنبي ﷺ: يا رسول الله، والله إني لأحبك، فقال: انظر ماذا تقول؟ قال: والله إني لأحبك، ثلاث مراتٍ، فقال: إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافاً، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه[1] رواه الترمذي وقال حديث حسن.

هذا الحديث لا يصح عن النبي ﷺ فهو ضعيف الإسناد، ولكن المراد بقوله: إن كنت تحبني فأعد للفقر تِجفافاً التجفاف هو: ثوب غليظ يوضع على الفرس من أجل أن يقيه في الحرب من وقع الحديد الرماح والسيوف والنبل، وما إلى ذلك من أجل ألا يصاب الفرس؛ لأن الفرس يكون في نحر العدو، فيضعون عليه شيئاً غليظاً، كالدرع الذي يلبسه الإنسان، وهذا التجفاف قد يلبسه الرجل أيضاً، ثوب غليظ بحيث يقيه من الإصابات، ونحو ذلك، فالمراد هنا -والله أعلم- لو صح الحديث، ونحن لا نطيل في الكلام على الأحاديث الضعيفة لكن أبين المعنى فقط إن كنت تحبني فأعد للفقر تِجفافاً، فإن الفقر أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه بمعنى: أن سهام الفقر ستأتيك، فاستعد لهذا كما يستعد المحارب بوضع شيء على الفرس إذا أراد أن يدخل المعركة لئلا يصاب هذا الفرس برمح أو نبل أو سيف أو نحو ذلك.

يقول: إن كنت تحبني فاستعد، فإن الفقر سيصوب إليك، لكن الحديث عن النبي ﷺ لا يصح، لكن أنا أبين المعنى فقط.

وعلى كل حال الذين يحبون النبي ﷺ لم يصبهم الفقر جميعاً، عثمان من أغنياء الصحابة، وعبد الرحمن بن عوف من أغنياء الصحابة، وطلحة بن عبيد الله من أغنياء الصحابة، وغير هؤلاء كثير.

ما ذئبان جائعان أُرسلا

والحديث الذي بعده:

حديث كعب بن مالكٍ قال: قال رسول الله ﷺ: ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنمٍ بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه[2]، رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

هذا الحديث ثابت عن النبي ﷺ وهو عظيم في المعنى، ما ذئبان جائعان أرسلا في غنمٍ بأفسد لها... من هذين: الحرص على الشرف والحرص على المال، حيث يفتك في دين الإنسان أعظم من فتك الذئب الجائع، بل من فتك الذئبين الجائعين بالغنم الذئب وهو ممتلئ شبعاً إذا جاء إلى الغنم فليس له رغبة ولا هواية إلا أن يقضي عليها جميعاً، هذه طبيعة الذئب معروفة، تأتي إلى سارحة عظيمة في فلاة من الأرض، أو في وادٍ، أو في روضة، أو فيضة فتجد السواد الممدد، ذئب واحد ينهش كل واحدة من حلقها حتى تموت والثانية والثالثة والرابعة والخامسة، حتى يأتي على القطيع، ولو كان مائة شاة أو أكثر، قد لا يأكل، وقد يأكل من واحدة لكنه مفسد، غُدَر وأيضاً مفسد، والناس إذا أرادوا أن يمدحوا الولد قالوا: "هذا ذيب"، الذئب مثال في الغدر والإفساد، وبعضهم يزعم أن الذئب يفعل هذا كرماً، كرم في ماذا؟ كرم في حلال الناس، وأموال الناس، ودواب الناس؟!.

فكيف إذا كان هذا الذئب في حال من الجوع؟ فكيف إذا كان معه ذئب آخر إذا انفلتت هذه ردها عليه؟ فلك أن تتصور مدى الإفساد الواقع في هذه السارحة.

وهذه الأمور التي ذكرها النبي ﷺ الحرص على الشرف والمال أفسد لدين المرء من الذئبين للغنم، والذئبان كما سبق لا يبقيان شيئاً، فإذا كان هذا أفسد للدين من هذين الذئبين، فماذا يبقى من دين الإنسان؟.

أما حرص الإنسان على المال فإن الإنسان إذا كان حريصاً على المال، فإما أن يطلب المال بالطرق الدنيوية، بمعنى بالتجارات والمكاسب الحلال والمحرمة، إذا كان حريصاً فسيتهافت على المال بكل طريق مستطاع من طرق الكسب والتحصيل، فإذا كان الإنسان يتهافت بهذه الطريقة ومطعمه أيضاً من الحرام فإن ذلك يؤثر في عقله وقلبه وأخلاقه وخوفه من الله وتوكله عليه والرغبة فيما عنده، وكل جسد نبت من حرام فالنار أولى به، وإذا كان الإنسان حريصاً على المال فإن ذلك يعني أنه قد يطلبه أيضاً بأخس المطالب وهو أن يطلب المال بالدين وهذا أقبح من طلب المال بالوسائل والأسباب الأخرى الحلال والحرام كأخذه بالربا وأخذه بوسائل الغش والتدليس والاحتيال وما إلى ذلك، وإذا ذهب إلى مندوب المبيعات قال: سجل الفاتورة غير هذا، أو اجعل لي نسبة، وإلا فسنشتري من غيرك، وإذا جاءت المناقصة قال: كم يكون لنا من النسبة، وإلا ما نعطيك أنت هذه المناقصة، وهكذا في كل شيء، تجد هذا قد يقع للبنّاء والسباك، والصيدلي، والطبيب، والمعلم، والمدير، ومندوب المبيعات، ولكل أحد ممن لا يخاف الله -تبارك وتعالى- يطلب المال من حله، ومن غير حله، المهم أن يحصّل المال بكل وسيلة، الرُّشى يأخذها ما عنده مشكلة، ما يمرِّر هذه المعاملة إلا برشوة، ويقتطع، يختلس من أموال الناس، يتحايل، يحصل أشياء لا تحق له بألوان من الحيل، فهذا يضيع دين الإنسان، وإذا طلبه بالدين فهذا أخطر، كيف يطلب الإنسان الدنيا بالدين؟ إذا كان الإنسان حريصاً على المال، ويطلبه بالدين فمعنى ذلك أنه قد يكذب على الله، قد يميل إلى الأغنياء والوجهاء والكبراء، فيفتيهم بالفتاوى التي تناسبهم من أجل أن يحصّل شيئاً من العرض مما في أيديهم، ولذلك ذكر بعض أهل العلم أن من كان مبتلى بهذا اللون تجده يميل كثيراً إلى الأغنياء أهل الثراء يجالسهم ويقترب منهم ويبذل لهم الدين، أيًّا كان موقعه، باسم الدين، قد يكون باللحية يمكن أنه يحتال على الناس ويأخذ من أموالهم ويقول: توظيف أموال، هاتوا نشغل لكم الأموال والأرباح، هات إن أردت أن نعطيك ربحًا ثمانين بالمائة هات الذي عندك ونحن نعطيك، وتجار العقار والذين شابت مفارقهم ما يعطون أكثر من اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، والعقار الناجح عشرة بالمائة، وهذا يقول: إن أردت أعطيك ثمانين، هات الذي عندك، ويعطيه أول مرة، وثاني مرة، وثالث مرة، طُعم، فإذا استرسلوا معه وتتابع الناس على هذا بعد ذلك وقعت الواقعة باسم الدين، ما هو المؤهل: مؤهلات إدارية، خبرات تجارية، الغِنى كابراً عن كابر؟ أبداً، ولا شيء، اللحية هي المؤهل، أخذ أموال الناس بهذه الطريقة، وقد يحتال عليهم بأخذ أموالهم إذا كان يلي بعض الولايات الدينية، قد يكون هذا الإنسان يعمل في قضاء أو في غير ذلك، ويستغل هذا في تحصيل الأموال والعقارات، ربط العلاقات مع التجار مع الأغنياء، وبعضهم قد يريد هذا لتتحقق مصالحه، قد يكون عمله في تسجيل الأراضي، وفي غير ذلك كتابة العدل، إذا كان لا يخاف الله فسيستغل هذا وبعد سنوات يصبح هذا الإنسان مليونيرًا بعدما جاء وهو يشتغل بخمسة آلاف ريال ما عنده شيء، سيارة مشتراة بالأقساط، ما الذي جعله في هذا الغنى الفاحش؟، من أين جاءته هذه العقارات وهذه العمارات -وقد تسجل بأسماء آخرين-؟، جاءت لأنه احتال على الدنيا بالدين، فإذا كان الإنسان لا يتقي الله يمكن أن يستغل كل شيء، يستغل الفتاوى، يستغل موقعه الذي اؤتمن عليه من أجل تحصيل مكاسب باسم الدين، هذا تحصيل المال الحرص على المال، رأيتم كيف يفسد من الجهتين: التكالب عليه بطريق الحلال والحرام، والاحتيال على الدنيا بالدين، وهذا هو الأخطر، الدنيا تُحصَّل وليس للإنسان إلا ما كتب له منها، لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، لكن المشكلة أن يُبتلى الإنسان بأن تكون مكاسبه وتحصيله بالاحتيال باسم الدين على الدنيا، هذا خطير، خطير، ويله، ثم ويله، ثم ويله.

القسم الثاني: وهو الحرص على الشرف، ويدخل في الحرص على الشرف الحرص على الرئاسة، يريد أن يكون مقدماً، يهارش، يقاتل، يصارع، يعارك من أجل أن يكون هو المدير، هو المسئول سواء كان ذلك في عمل من الأعمال الوظيفية، أو كان ذلك في الأعمال الخيرية، يريد أن يكون هو المقدم، هو الأول، وإلا يتحول إلى خصم لا يعرف إلا تعداد العيوب والمساوئ والمثالب، بعدما كان هو -ما شاء الله- الذي يقدم الدعاية الكبيرة لهذا المشروع، ولهذا العمل، لكن لأنه لم يعد رأساً فيه فتحول إلى شيء آخر، هذا يُختبر الإنسان فيه، يعرف إخلاصه لله هل هو مخلص أو لا؟ هل هو مبتلى بهذه القضية أو لا؟.

يا أخي إن كان في الساقة كان فيها، وإن كان في أي مكان المهم أن يخدم دين الله ، من الناس من يقول: لا، تضعني أنا في الصدر وإلا بعد ذلك يمكن أن أكوّن "لوبي"، هذا اللوبي ليس له شغل إلا العيوب، وتتبع الأخطاء، طيب وهذه العيوب والأخطاء -ما شاء الله- الكثيرة أمس كانت موجودة، أو ما كانت موجودة؟، لماذا لم تذكر، لماذا تخرج الآن هذه العيوب؟ لشيء في النفس، فهذه مشكلة، بلية يقع فيها كثير من أهل الخير والصلاح.

ولذلك ذكر بعض أهل العلم أن الرجل قد يزهد في المال ويزهد في الدنيا، فإذا نوزع الرئاسة عارك عليها، قاتل عليها، وهذا قد تجده في أشياء خفية، قد لا يدركها كثير من الناس، قد يكون طالب علم له دروس ويحضر له أربعة أو خمسة، وطالب علم آخر له دروس يحضر له آلاف هل قلب هذا سليم لهذا؟ هو ينشر خيرًا الآن المفروض أن تحبه، ويقوم بنفس العمل والوظيفة التي تقوم بها، والله أجرى هذا الخير على يدك، وأخطاؤك ما تنتشر عند كثيرين، احمد الله على هذه النعمة، وأنك لم تفتن بجماهير يشغلون قلبك، ويقلقون نيتك، فتضطرب عليك نعمه.

إن كان في القلب شيء على هذا الإنسان فمعنى ذلك أن هذا القلب غير نظيف، أن الإخلاص مختل، قد يفرح إذا ذُكرت عيوبه، وإذا سمع من يقول: إن فلانًا عنده أخطاء، عنده كذا، عنده نقص، ليس لديه مؤهل علمي، ما هو كذا، فينبسط ويجد استرواحًا لهذا الكلام، هذا خلل في النية، وقد يكون خطيباً ما يحضر له إلا بعض العوام الأعاجم بعدُ، وآخرون الناس يقصدونهم ويذهبون ويحضرون عندهم يوم الجمعة ويبكرون، ويأتون في الصف الأول والثاني والرابع، ما تجيء الساعة العاشرة إلا والصفوف الخمسة أو الستة ممتلئة، وهذا تجيء الساعة الحادية عشرة والنصف وما في المسجد أربعة أو خمسة وأعاجم، فهل قلبه يكون سليماً نقيًّا لإخوانه؟ أو أنه يبقى في قلبه أشياء، ويبدأ يتكلم هؤلاء كذا، وهؤلاء كذا، ويبدأ يذكر أمورًا لا حقيقة لها؟، يا أخي هذا أمر ابتلوا به، ثم أيضاً القبول من الله قد يكون لخلل في نيتك وقصدك الناس انقبضوا وانجفلوا، وكم من إنسان يحاول ويحاول ويبذل كل ما يستطيع من أجل أنه يظهر أمام الناس بصورة معينة، وقلوب الناس تلعنه -نسأل الله العافية، هذا يحصل، فالقبول من الله -تبارك وتعالى- مهما حاول الإنسان أن يتصنع وأن يظهر بصورة على غير الواقع، ما يمكن، توجد حاسة غير الحواس الخمس الناس تميز وتعرف وتدرك والقبول من الله .

فالشاهد: هذه أمور وبلايا وعلل موجودة، يحرص على الشرف، يحرص على الرئاسة، هذا الإنسان لربما يرشح نفسه في انتخابات من أجل ماذا؟ يقول: والله من أجل المصلحة، يقول: المسألة تعينت بي، فإذا جيء إليه وقيل له: يا فلان ترى واحدًا في نفس حيك، أو في نفس منطقتك تراه أولى منك بهذا، ومؤهلاته أو عشيرته، أو غير ذلك أكثر منك، فلا تفرق أصوات الناس تنازل أنت، المصلحة تقتضي أن تتنازل، لا، كيف؟!، ثم انظر ماذا يبذل على هذه الرئاسات، إن كانت رئاسات تجد الرجل لربما أقام مخيماً ضخماً أشبه ما يكون ذلك بتوزيع الرُّشى، أموال تهدر، لربما هدايا لكل زائر، وألوان الأطعمة الفندقية، وأشياء، كل واحد يقول: أنا عندي أفضل من الآخر، تعالوا هنا، هذه هي المؤهلات التي تجعل الناس يرشحونك، تشتري أصواتهم بهذا، ولربما كان في مؤسسة، كان في ناحية من النواحي فيها انتخابات، ويأتي ويدعو الناس، ويظهر الكرم الحاتمي، يدعوهم في فندق من أرقى الفنادق، من أجل ماذا؟ من أجل شراء الأصوات، وإلا فما هي المؤهلات؟، الناس إذا كان عندك مؤهلات من قبل يعرفونها ما تخفى عليهم، ثم لماذا هذا التهافت، وهذا الحرص، والشحناء التي تقع أحياناً، ولماذا هؤلاء ما رشحوني ورشحوا فلاناً؟.

حرص على الشرف هذا أفتك من ذئبين جائعين أرسلا في غنم، وللأسف نحن كثيراً ما نربي أولادنا على هذه الأمور، تجد الرجل أو المرأة لربما تريد ولدها أن يكون إنساناً مشهوراً، مرموقاً، أن يكون نجماً لامعاً، وتجد هذا هدفًا ومطلبًا عند الكثيرين يدرس ويتوظف ويتخصص بالتخصص المعين، كل هذا من أجل أن يكون إنساناً مرموقاً، يصدَّر في المجالس ويقدم، ليست الفكرة هي خدمة الدين والبذل، ونفع المجتمع، ونفع الناس، لا، هي مصالح ومكاسب ذاتية حسية ومعنوية، فهذه تفتك بالدين.

فهذا طلب الشرف على نوعين أيضاً: طلب الشرف تارة يكون بأمور دنيوية مثل ماذا؟ يبذل لهم الأموال، يدعوهم، يعطيهم يفعل، ويفعل، ويفعل من أمور يحصل بها الشرف عندهم، والمحمدة والمنزلة في قلوبهم والتقديم وما إلى ذلك، شراء ذممهم بطريقة أو بأخرى.

والنوع الثاني: هو أن يحصّل الشرف بالدين، وهذا أسوأ من الذي قبله، يحصّل الشرف، يريد أن يحصل رئاسة ومنزلة باسم ماذا؟ باسم الدين، فيظهر لهم الصلاح والخير والتقوى، وإلى آخره أو العلم أو يطلب العلوم الشرعية من أجل أن يقدَّم عند الناس، ومن أجل أن يكون رأساً أو نحو ذلك، هذا أخطر وأسوأ من الذي يطلب الرئاسة والشرف بالمال أو العلاقات أو نحو ذلك، فهذا أخطر، الدين يُبتغى به وجه الله ، لا يكون لهذه المطالب الدنية إطلاقاً، ويحتاج الإنسان أيها الأحبة أن يفتش عن نفسه، وعن قلبه، فإن القلب يتقلب على الإنسان كثيراً، ينظر في نياته ومقاصده وما الذي يرضيه، وما الذي يغضبه، ويتقي الله ، وأن يكون أمره لله -تبارك وتعالى، أما الدنيا فالحمد لله لن يأتيه منها إلا ما كُتب، وأما الرئاسة والشرف والمنزلة فما فائدة ذلك إذا كان الإنسان يتقلب بسخط الله والناس يقدمونه ويؤثرونه وما إلى ذلك؟، وكم من إنسان يحسن الناس إليه ويقدمونه وقلوبهم تمقته، يقدمونه لأنهم يعرفون أنه يريد هذا، فإذا مرض قالوا: يا الله، تراه يحزن، تراه يضع في خاطره، يذهبون كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، يذهبون إليه في المستشفى لأجل ما يحسبها عليهم، فهو صاحب حسابات، مشكلة، لماذا لا يكون الإنسان خفيف ظل؟، يقول: ما لي شيء، وما مني شيء، ولا أستحق شيئًا، ولا أنتظر من أحد شيئًا، وأبداً ولا يأتيني أحدٌ، ولا يعرف أحدٌ، والحمد لله، يستريح ويريح الناس، وهكذا إذا جاء من سفر أو جاء من كذا، وفلان ما جاء، وفلان ما سلم، وفلان اتصل، أو صار لهم حادث، أو صار لهم كذا، أو مات لهم قريب أو فلان ما عزّى، وفلان عزى، وفلان اكتفى بالتليفون، وفلان برسالة جوال، وعنده فرز طويل، وتجد الناس -يا الله- كل واحد يقول: نذهب، نسجل حضورا؛ لأن هذا الرجل سيتخذ منهم مواقف غداً، هذا جيد أن الناس يأتون إلى الإنسان كأنما يسحبون على وجوههم؟!.

فرق بين هذا وبين إنسان يأتيه الناس وهم في غاية المحبة والرغبة، ويعلمون أنهم إذا ما استطاعوا أنه يعذرهم غاية المعذرة، وأنه لا ينتظر أصلاً منهم شيئًا، ولا يشعر بمجيء فلان، بل يشق عليه مجيء أحد إليه من هؤلاء، فرق بين هذا وبين هذا، بين من يأسر القلوب وتنجذب إليه القلوب، وبين من -نسأل الله العافية- يتكلف له الناس تكلفًا، ولذلك لا تنتظر من الناس شيئًا، لا تنتظر منهم ثناء ولا منزلة، ولا تنتظر منهم زيارة، ولا تنتظر منهم تقديما، ولا تنتظر منهم أي شيء إطلاقاً، اجعل أمرك لله، فهو الذي يملك النفع والضر والدفع والرفع والخير، وكل شيء بيده -تبارك وتعالى، فإذا كان راضياً عنك فأبشر، لا شأن لك بهؤلاء المخلوقين، لا يضرك مدحهم، ولا قدحهم، لكن الذي يضرك مدحه وقدحه هو الله -تبارك وتعالى.

فأسأل الله أن يرزقنا وإياكم نية صحيحة خالصة، وأن يحفظنا وإياكم من كل آفة وسوء.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

  1. أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل الفقر، (4/ 576)، برقم: (2350)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (4/ 176)، برقم: (1681).
  2. أخرجه الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ﷺ (4/ 588)، رقم: (2376)، وأحمد في مسنده (25/ 85)، برقم: (15794)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 983)، برقم: (5620).

مواد ذات صلة