الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فكما هي العادة أيها الأحبة بعد ذكر ما يتصل بالباب، وما ينطوي تحته من الأحاديث، من أبواب هذا الكتاب المبارك: رياض الصالحين، نذكر جملة من الآثار عن السلف الصالح من أقوالهم وأفعالهم، فيما يتعلق بهذا الموضوع، فكان من الأبواب التي مضت ما يتصل بجواز الأخذ من غير مسألة ولا تطلع: أن هذا جائز.
السلف منهم من كان يقبل من غير استشراف، ولا طلب، ولا سؤال، ومنهم من كان يعتذر، ولا يقبل من أحد.
جابر بن عبد الله دخل على عبد الملك بن مروان لما حج، وعبد الملك معروف أنه من كبار خلفاء بني أمية، بل هو الذي ثبت أركان دولة الأمويين وخلافتهم، لما حج دخل عليه جابر ، فرحب به عبد الملك، فكلمه جابر في أهل المدينة: أن يصل أرحامهم، فلما خرج أمر له بخمسة آلاف درهم، فقبلها[1].
وهكذا جاء عن الحسن والحسين -رضي الله عنهما- أنهما كانا يقبلان جوائز معاوية بن أبي سفيان في أيام خلافته، بل جاء أن الحسن بن علي دخل على معاوية فقال له معاوية: لأجيزنك بجائزة لم أُجِزْ بها أحداً، فأجازه بأربعمائة ألف، أو أربعمائة ألف ألف، فقبلها[2].
ويقول أنس بن مالك : استعملني أبو بكر على الصدقة، فقدمت وقد مات، فقال عمر: يا أنس أجئتنا بظهر؟ قال: نعم، يعني: هل جئت معك بإبل مثلاً، قال له: ظهر، أي: ما يُركب، قال: نعم، قال: جئنا به والمال لك، يعني: أرسلَه يجمع الزكوات، وفيها الإبل، وفيها الأموال، فأخذ منه الظهر -الإبل، وترك له المال؛ لأنه من العاملين عليها كما هو من مصارف الزكاة الثمانية، يقول: فقلت له: هو أكثر من ذلك، يعني: هذا كثير الذي يبقى، قال: وإن كان فهو لك، وكان أربعة آلاف[3].
والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
- سير أعلام النبلاء: (3/ 193).
- المصدر السابق (3/ 269).
- المصدر السابق (3/ 401).